بدا الصبي وكأنه بالكاد في الثانية عشرة من عمره. كان طويل القامة، لكن وجهه كان شابًا.

أعدته إلى أستا وحاولتُ تطهيره ببطء.

تمتم أستا، وهو يفحص الصبي من جانب إلى آخر.

“هذا غريب. ملابس هذا الطفل أرستقراطية للغاية. سمات ملابسه المميزة من مملكة هولت، لكن عباءته وحذاؤه من طراز سفر عادي.”

“حقًا؟”

“بالتفكير في الأمر، لقد رأيته في مكان ما. أعتقد أنه يشبه شخصًا أعرفه…”

مع بدء التطهير، استعاد شعر الصبي الشاحب لونه تدريجيًا. حتى بشرته الشاحبة الباهتة دفأت ببطء.

راقبت أستا الصبي وهو يتطهر، لاهثًا.

استغرق الأمر وقتًا وتركيزًا كبيرين لإعادة الشخص إلى حالته الأصلية. عندما استخلصتُ كل الطاقة الشيطانية من جسد الصبي، تشكلت حبات عرق صغيرة على جبهتي.

“آه…” أطلقت أستا تعجبًا خفيفًا، فارتعد الصبي.

ثم حدق بنا في فراغ.

“من أنتِ؟”

“لماذا يتحدث بهذه النبرة التاريخية الدرامية؟”

رددتُ عليه، متحدثةً بجدية.

“من أنت؟ أين وليّ أمرك.”

“يا لكِ من متعجرفة! هل تعرفين من أنا؟”

“لاأعرف، عرفني بنفسك.”

“كيف تجرؤين!”

استشاط الصبي غضبًا، لكنني مسحتُ أذني بيد واحدة وتجاهلته. هذه المرة، صرخ في وجه أستا.

“من أنتِ! لماذا أنتِ هنا…؟”

ثم، وكأنه أدرك شيئًا ما فجأة، شعر بيديه وجسده ووجهه.

“لماذا عليّ…”

ابتسمت أستا بخجل. 

“مرحباً، أنا أستا روزا كاسناتورا. هذه مُنقذتك، الماركيزة مارون. إن لم يكن هذا وقاحة، هل لي أن أسألك لماذا أتيت إلى المنطقة الملوثة وتجولت فيها؟.”

‘ مهلاً، هل سيجيب إذا قلتِ ذلك؟.’

” أنا كوينتين. أنا الابن الأكبر لملك هولت العظيم، وولي العهد.”

أوه لقد أجاب؟

لكن ماذا يعني ذلك؟ ولي عهد هولت؟.

بلعت ريقي خطأً وأنا أتحسس أذني وأسعل، فحدّق كوينتين وأشار إليّ.

“هل هذا الشخص ذو المظهر التافه هو حقاً من أنقذني؟.”

“نعم… هذا صحيح.”

“ليس أنتِ؟.”

تمنى كوينتين لو كانت أستا منقذته. حتى على حافة المنطقة الملوثة، كانت أستا ترتدي فستاناً أبيض جميلاً وعباءة بلون النعناع، تُبرز جمالها المتألق بمفردها. في هذه الأثناء، كنت أرتدي بلوزة حمراء من الدانتيل، وقبعة بحجاب، وحذاءً جلديًا لامعًا.

تبادل كوينتين النظرات بيني وبين أستا، ثم أبعد نظره عني برقة.

مهلاً، أفهم، لكن الأمر مُخيب للآمال بعض الشيء. خصصت فاطمة وقتًا لإلباسي هذه الملابس طوال الصباح.

قال كوينتين لأستا: 

“من فضلكِ. خذيني إلى قلعة هولت الملكية. حينها، سيكافئك والدي بسخاء.”

“معذرةً يا كوينتين. ما اسم والدك؟”

“ماذا؟ ألا تعرفين ذلك حتى؟ على أي حال، أيها الجهلاء… كحم! استمعوا جيدًا. والدي، الملك، كان أليكسيس الثالث…”

“لقد مات.”

“ماذا؟”

“منذ زمن بعيد.”

“ماذا تقولين؟ أتجرؤين على قول مثل هذا الهراء!”

حاول كوينتن أن يُنزل غضبه عليّ.

فمهما كنتُ مُنقِذًا له، فكيف لمجرد رعاع جاهل من عامة الشعب أن يتجرأ على مناقشة موت الملك العظيم باستخفاف؟! كان يتمتم أنّها جريمة تستحق العقوبة بالإعدام.

فتكلمت أستا قائلةً:

“كوينتن هولت… سمعت هذا الاسم من قبل. أليس للملك السابق لعائلة هولت أخٌ أكبر تُوفّي صغيرًا؟ أظن أنّ اسمه كان كوينتن.”

“ماذا؟ إذن هو عمّ ميكيلان الأكبر؟”

أيعقل أنّ لديهم هنا أيضًا مفهوم العمّ الأكبر والعمة الكبرى؟ قبل أن أغوص في التفكير، هذه المرة أنا من أشرت بإصبعي نحو كوينتن وصرخت:

“كنتَ عجوزاً؟!”

“يا لكِ من وقحة!”

“آه! أسلوبك هذا، كأنّه من دراما تاريخية!”

“قلتُ إنّك وقحة، أما فهمتِ؟!”

“بدأت أشعر وكأنني طهّرت شخصًا بلا سبب…”

صبي كان ولي عهد دولة معادية منذ عقود.

لماذا بحق السماء اخترتُ تطهير شخصية قوية كهذه؟ لا بد من وجود شيءٍ ما في مكان ما في هذا العالم يُحبط خططي لحياة هادئة وبسيطة وسلمية.

معذرةًيا فتى، لديّ معروفٌ أطلبه…هلَّا تُبقي تطهيري سرًا؟ لا أدين لك بأي معروف.”

كنتُ جادةً.

❈❈❈

ماريس ماري كاسناتورا.

قال لي: “هل تريدين مني شيئًا؟ سأعطيك أي شيء أستطيع.”

كنتُ أعرف أنه من النوع الذي لا يمزح أبدًا، ولكن أن أراه يمزح بشأن هراء سيريل بوجهه الخالي من التعابير.

لم أستطع التمييز بين الضحك والسخرية.

“اشتريتُ لكِ بقرةً في المرة السابقة، وربما خروفًا ودجاجًا أيضًا؟ هل تحتاجين إلى ملابس أو إكسسوارات؟.”

“لماذا؟ هل تخشى أن أرتدي فستانًا وأرقص وحدي في المنطقة الملوثة؟”

هذا مبالغ فيه بعض الشيء.

سأبدو لأي شخص كامرأة مجنونة أو ابنة شيطان متهورة.

إذا حدث ذلك، فقد تقطع دوراجي كل علاقاتها بي أخيرًا. لقد ازدادت جنونًا منذ أن عرفت هويتي الحقيقية، وإذا أصبحت أكثر غرابة…

“هل أعيد بناء قلعة مارون؟”

يا له من ولي عهد يتصرف بهذه القسوة!.

أعرف لماذا يحاول ماريس دائمًا فعل الأشياء من أجلي. 

إنه بسبب ولي العهد كوينتين، الصبي الصغير الذي أحضرته من المنطقة الملوثة.

“إذا كان حقًا ولي العهد كوينتين، الذي تلوّث وتم أعتباره ميتاً منذ أكثر من خمسين عامًا عاد، فيمكننا تغيير نظام خلافة مملكة هولت.”

“ميكيلان ملكٌ بالفعل.” 

“إذن عليّ أن أسأل مرة أخرى. هايلي، ماذا فعل بكِ ميكيلان هولت، تمامًا كما فعل سيريل فانديسيون؟”

“إنت تعلم، لكنك تسأل؟”

“إنه شك، وليس إدانة.”

كان ماريس ماري رجلاً صارمًا في تقدير الأمور. منذ أن تقدم ميكيلان لخطبة أستا، أصبح حتى أصغر شيء أمرًا لا يستطيع تجاهله.

“إذا كانت كل شكوكي صحيحة.”

كان صوت ماريس باردًا.

“لا أستطيع أن أدع هذا الرجل يأخذ أستا.”

“أُفضّل أن أُنهي هذه العلاقة من جذورها على أن أرى تلك الطفلة تتأذى على يد رجل آخر.” تمتمت ماريس بشراسة، وارتجف قلبي المتهور.

يا إلهي، لماذا هذا الأخ الأكبر هو الأخ الأكبر لأستا؟ ألا يمكنكِ إعطائي إياه؟.

“أخبريني. هل أنتِ حقًا من سمّم ملك هولت السابق؟ ليس ميكيلان؟” 

“أنا من صنعت السم.”

“…أرى.”

 “لكنني لم أكن من أطعمه إياه.”

ابتسمتُ ابتسامةً عريضة. كانت ابتسامة الماركيزة مارون المميزة، تلك التي دربتني فاطمة على تطبيقها تمامًا.

“أنا من صنع السم، وأطعمته الملكة إياه، وخطط ميكيلان لكل شيء وأصبح ملكًا.”

يا له من أمرٍ مثير للاهتمام، أليس كذلك؟

إذا كان ملكٌ، وُصف يومًا بالطاغية، أساء معاملة زوجته وأطفاله، ثم حاول سرًا استبدال خليفته، فهل يستحق الموت؟.

هل يجوز الحكم على حياة شخصٍ ما شخصيًا؟.

ليس هذا مكاني للنقاش. لو سألني أحدهم، حسنًا، لقلتُ على الأرجح:

“إنه يستحق الموت. كنتُ سأفعل الشيء نفسه لو كنتُ المتورطة.”

كان ماريس رجلًا باردًا ذا قلبٍ حنون.

شاهدتُ صوته الخافت يتردد في الهواء، ينتشر كالعطر.

“لكنه يلوم صديقته على الجريمة ويجلس على العرش، متظاهرًا بأنه ضحية بريئة.”

 “لذا؟”

“أعترفي بكل شيء وسأعمل جاهدًا لإثبات أنكِ فعلتِ الصواب.”

“يا إلهي، ما ألطفك.”

يا لكِ من لطف. جاءت عبارة “ما ألطفك” طبيعية جدًا. لكن نبرتها كانت ساحرة، كجدة تشاهد حيل أحفادها.

انفجرنا أنا وماريس ضاحكين.

♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪

حسابي على الإنستا:@empressamy_1213 

حسابي على الواتباد: @Toro1312

ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧