أواخِـر الـخَـريـف ، ‘ الخُـطـة B؟ ‘ [13]

“اسجنوا سيريل فانديسيون، الملوث بالماغي، وامنعوا رجاله من الاتصال بأي شخص. ابحثوا عن هايلي وريكارت، لكن ابقوا بعيدًا عن منطقة التلوث.”

“مفهوم.”

“أريد أن أعرف المزيد عن تطورات التلوث. هل بقي في الرهبنة كاهنٌ كتومٌ وجديرٌ بالثقة؟ يجب ألا يصل هذا إلى مسامع الرهبنة.”

“أخي، أعرف كاهنًا.”

“أستا؟”

وسط الأوامر، اقتربت أستا من ماريس وقالت: “إنه كاهنٌ طُرد من الكنيسة بعد أن ضُبط وهو ينقب في أسرار الرهبنة. يمكنني الوثوق به.”

“نعم، أحضريه إلى النزل.”

امتطت أستا حصانها مسرعةً وذهبت لإحضار لانغو، بينما اقترب ماريس من سيريل المقيد وسأله: “أخبرني ما هي أعراضه.”

“ما هذا! جلالتك، لقد رأيتَ ذلك بأم عينيك! أصبحت هايلي عبدة للشيطان، وهربت بعد أن تركتني على هذه الحال! هل تعرف من نشر لك هذه الأكاذيب ولماذا…؟”

“أخبرتني أستا.”

صمت سيريل فجأة. عبس ماريس، ونظر إليه.

“قلتَ إنك تريد الاعتذار لهايلي؟ هل هذا هو الاعتذار الذي كنت تتحدث عنه؟”

أومأ ماريس برأسه نحو رأس السهم.

لم يُخفِ احتقاره لسيريل. مع غياب آستا، لم يعد هناك سبب للاهتمام به.

“إذا أحبت آستا رجلاً، مهما عظمت خطاياه، لكان بإمكاني غسل ماضيه وجعله إنسانًا جديدًا.”

“جلالتك ماريس!”

“وكيف تجرؤ على إهدار الفرصة التي منحتها لك أختي أمامي هكذا؟”

“الأمر كله من فعل هايلي. كان عليّ قتل هايلي لحماية آستا!”

“لا تقل لي إنك كنت تحاول حماية آستا. ما كنت تحاول حمايته هو منصب الوريث لدى فانديسيون.أو برج الأكاذيب الذي بنيته طوال هذا الوقت. أليس صحيحًا أنك حاولت جاهدًا قتل وريث دوق وينتر لأنك ببساطة لم تستطع هزيمته؟”

ارتجفت عينا سيريل بعنف.

“هو…”

“قطع رأس أخيه، الذي توسل إليه بحياته مقابل الخلافة، لأنه كان يخشى أن يهدد منصبه يومًا ما إن عاش.”

“لا!”

“هل كان انتقامًا عاطفيًا للوقت الذي اضطهدك فيه كإبن غير شرعية؟”

كل كلمة قالها ماريس اخترقت قلب سيريل كالسكين.

“مع ذلك… هذا لا يغير حقيقة أن هايلي قتلت الكثير من الناس وأصبحت عبدة للشيطان.”

مرر ماريس إصبعه على وجهه الخالي من أي تعبير. حتى هو كان مرتبكًا.

بدا أن آستا لا تزال تعتقد أن هايلي لا يمكن أن تكون عبدة للشيطان. لا بد أنها شعرت بخيبة أمل كبيرة في سيريل، لكنها أصرت على إنقاذه من الفساد.

توصل ماريس إلى أن هايلي كان بإمكانها قتل سيريل في لحظة.

قتله، وتحويله إلى وحش، أو حتى شيطان. بطريقة ما، لم يبدُ الأمر مستحيلاً بالنسبة لها.

صورة هايلي، بجناحيها الممدودين، من آخر مرة رآها فيها، راسخة في ذهنه، مما جعل قلبه ينبض بقوة.

“سيريل فانديسيون.”

حدق ماريس في سيريل وسأله.

“ما الذي أحبته هايلي فيك بحق؟”

❈❈❈

أحضرت آستا لانغو إلى النزل بعد قليل. كان كاهنًا أصغر سنًا بكثير مما توقع.

سأله ماريس بعض الأسئلة لتحديد هويته، ثم فتحت الباب الذي كان سيريل مغلقًا عليه على الفور.

“علينا أن نلقي نظرة فاحصة عليه.”

“يا إلهي! يا إلهي!”

ضمّ لانغو يديه، متمتمًا بدعاءٍ ما إن دخل.

كانت يد سيريل اليمنى شاحبة. وبينما تجنبه الآخرون خوفًا من أن تلتقط البقعة، ركض لانغو نحوه وأمسك بيده.

“يجب أن تُقوّي قلبك. فالشياطين يكبرون بأكل أجساد البشر وعقولهم وأجسادهم وأرواحهم. حتى لو أُخذ جزء من جسدك سهوًا، فلا تبخل بقلبك.”

سيريل، الذي كان يحاول إخفاء يده الملوثة وعدم إظهارها، انحنى رأسه بعمق عند سماع كلمات لانغو.

كان الكاهن، الذي لم يره من قبل، يمسك بيده، التي رفض حتى مرافقه الإمساك بها، بحزم، مما منحه الشجاعة.

انتظر الجميع في صمت بينما تلا لانغو الصلاة الطويلة من البداية إلى النهاية.

أكمل لانغو صلاته وتحدث بجدية. “يا آنسة آستا، معظم المعلومات المعروفة للعالم عن الملوثين مُختلقة.”

“هاه؟ ماذا تقصد؟”

“إنهم ليسوا أمواتًا. مجرد تلويثهم بالطاقة الشيطانية وفقدانهم إنسانيتهم لا يعني أنهم فقدوا فرصة العودة إلى طبيعتهم البشرية.”

“إذن… أيها الكاهن، هل تقول إننا نستطيع إنقاذهم؟”

“نعم.”

“يا إلهي.”

نظرت آستا إلى ماريس بعينين مليئتين بالأمل. لم يستطع ماريس إخفاء دهشته ، ففتح عينيه على اتساعهما قليلًا.

❈❈❈

علموا من خلال هايلي أن العديد من المتروكين في المنطقة الملوثة هم على الأرجح ضحايا أبرياء. لو أمكن إعادة الملوثين إلى هيئتهم الأصلية، إلى هيئتهم البشرية، لما كان هناك خلاص أعظم.

بينما كان الاثنان يفكران في هذا، أمسك سيريل بذراع لانغو وسأله:

“كيف لنا أن نفعل ذلك! ماذا عليّ أن أفعل لأعود إلى هيئتي الأصلية؟”

“دعني أسألك شيئًا أولًا،”

“من الذي لوّثك؟ كيف انتهى بك الأمر هكذا وأنت لم تدخل المنطقة الملوثة قط؟”

“هذا…”

“استمع جيدًا. عليك أن تجد الشخص الذي فعل بك هذا وتسأله إن كانت هناك طريقة لعكس التلوث وتطهيرك. هو من يملك الحل.”

” ماذا، ماذا؟ كيف…”

“قبل فترة ليست ببعيدة، أُدينت مجموعة من عمال قطع الأشجار في مدينة سيلبون الصناعية التابعة لهولت ظلماً بالهرطقة، ونُبذوا في المنطقة الفاسدة. تحوّلوا إلى وحوش، لكن لسببٍ ما، عادوا إلى هيئتهم الأصلية، وحزموا أمتعتهم، وغادروا القرية.”

“…”

“آنسة آستا، جلالتك ماريس.”

دعا لانغو بحرارة، ويداه متشابكتان.

“يجب أن نطلب مساعدته.”

” لانغو…”

“إنهم دليل على المعجزات. إذا كان هناك من يستخدم السحر في مكانٍ ما في تلك الغابة، أياً كان، فعلينا أن نطلب مساعدته. يجب أن نمنحه كل ما يطلبه. حتى أننا يجب أن نسجد ونتوسل!”

عرف لانغو وأستا وماريس من هو.

“أعتقد أن هذه مشيئة الرب، فرصتنا الأخيرة…”

‘ أيتها الماركيزة الشيطان، هل أحسنت صنعاً؟.’

ضحك لانغو في نفسه بخبث.

❈❈❈

اشتدّ عمق الخريف.

لا أعلم من أين حصلنَ عليها، لكن النسوة اللواتي كنّ يتجوّلن في الغابة أحضرن تفاحًا وكرموسًا.

“أترى، هل كانت هنا أشجار فاكهة أصلًا؟ لماذا، رغم تجوالي المستمر في كل مكان، لم ألحظ شيئًا منها؟.”

“لأنّ عينيك للزينة فحسب.”

“أنتِ…!”

“ما الحاجة لأن تعرف جنّية مزيفة قذرة وشريرة مثلي أيُّ شجرة تفاح وأيُّها كرموس؟”

“إلى متى ستظلين هكذا، بحق؟!”

“إلى أن تنال هايلي من ذلك الطائر الحقير اعتذارًا رسميًا.”

كنت أعلم أنّ دوراجي عقلانيّة، بل متزمّتة إلى حدّ ما، لكن لم أتوقع أن يطول عنادها إلى هذا الحد.

وضعتُ في فمها الصغير قطعة من أطيب كرموس وقلت:

“اسمعي. دعينا نقول الحق. ما الذي قد يعرفه طائر روح تافه كهذا عن قسوة هذا العالم؟ أليس كذلك؟ زهرة زينة محبوسة في بيت زجاجي، أتُراها تعرف شيئًا عن العواصف والأعاصير أو عن الآفات والأمراض؟”

“صدقتِ.”

“أنتِ، رغم أنّكِ لم تمضي وقتًا طويلًا على ولادتك كجنيّة صغيرة، تغلّبتِ على الموت ذاته! ولم تكتفي بذلك، بل قاومتِ ذلك السحر الخانق حتى النهاية! بل وحتى نجحتِ في زراعة الفراولة هنا، في قلب هذه الأرض الموبوءة.”

“صحيح. أنا من فعلت ذلك.”

“أن أقول إنكِ مذهلة ليس أقل من الحقيقة. يمكنكِ حتى أن أسميكِ عظيمة.”

“إذن أخبريني أنني جنية أفضل من جميع أرواح الرياح في العالم.”

“هذا…”

أوه، هذه كذبة فظيعة.
وخز ضميري في صدري، وخزة ظننتُ أنها غائبة. ترددتُ للحظة، ثم فكرتُ في نفسي:
‘ جنيتي هي الأفضل على أي حال ‘ ، وحاولتُ أن أومئ موافقًا.

لكن تلك الدوراجي اللعينة لم تتحمل حتى هذا التردد القصير فصرخت:

“أنتِ بالتأكيد لا تحبينني!”

“ماذا؟”

“أعلم أنها كذبة! لكن إذا كنتِ تحبين شخصًا ما، فعليكِ أن تكذبي كذبة بيضاء كهذه! هل نحن مجرد أشخاص عاديين؟ نمر بكل هذه المشقة وحدنا في هذه المنطقة الملوثة…”

“لا، انتظري. انتظري! بالطبع أعتقد أنكِ أكثر روعة وقوة!”

“لا تكذبي!”

“متى طلبتِ مني أن أكذب؟”

“اللعنة!”

لعنت دوراجي مرة أخرى.

أتساءل إن لم تكن هذه الطفلة جنية، بل الماندريك الأسطوري. ظننتُ أنه قد ينمو ليصبح جينسنغًا بريًا لو رعيته قليلًا، بما أنه عمره مئة عام. لكن ماذا يصبح الماندريك عندما يبلغ من العمر مئة عام؟.

❈نبتة جذورها تستعمل في الطب التقليدي الكوري والصيني منذ آلاف السنين.
معناها المباشر: إنسان-نبات (لأن شكل الجذر يشبه جسم الإنسان أحيانًا).

“صرختِ عندما سحبتك، أليس كذلك؟”

“متى؟ في مجرى النهر؟”

“هاه؟”

“بالتأكيد. كان مؤلمًا للغاية.”

“من الجيد أنه كان تحت الماء. وإلا لكنتُ متُّ حينها.”

تذكرتُ أسطورة الماندريك، التي تنص على أن كل من يسمع صراخه عند سحبه سيموت، ومررتُ يدي على صدري.

❈❈❈

كنتُ أتوقع وصول آستا قريبًا، نظرًا للمتاعب التي سببتها لنيفي، لكنني لم أتوقع وصولها بهذه السرعة. في سماء الخريف الصافية، ظهر طائر عملاق، يُطلق غضبه.

[نلتقي مجددًا! يا حشد الشياطين الشريرة! هذه المرة، سأُطلق عليكم قوة الرياح العاتية…]

“وينتوس، أنا آسف!”

استدعت أستا طائرًا روحيًا من السماء بشجاعة. صرخت وهي تسقط، فاضطر ريكارت للقفز والإمساك بها.

صُدمتُ لدرجة أنني أسقطتُ ثمرة الكاكي التي كنتُ أحملها.

“هل أنتِ بكامل قواكِ العقلية أم لا! كيف سقطتِ هكذا؟ أي أميرة بهذه الشجاعة!”

“كنتُ أعلم أن هايلي ستنقذني.”

“لم أنقذتكِ! أنقذكِ ريكارت!”

“شكرًا لكِ، أيها الأمير وينتر.”

انحنت أستا لرايكارت. ودون أن يُفكر في إنقاذها، قفز ريكارت وأمسك بها. أدار معصمه النابض وتنهد.

“لماذا عدتِ مرة أخرى؟”

“بسبب سيريل… لديّ ما أقوله لكِ.”

“لا أريد سماعه.”

استدار ريكارت فجأةً وعاد إلى موقع قطع الأشجار. كان يحمل فأسًا كبيرًا على كتفه، يساعد الحطابين في قطع الأشجار التي وضعوا عليها علامة حمراء.

سألت أستا وهي تنظر إلى الفناء الأمامي الواسع لقلعة مارون: “هل ستحوّلين كل هذا إلى حقل؟”

“لا.”

“إذن لماذا…”

“إنهم يبنون قرية.”

“هاه؟”

سألت أستا وعيناها متسعتان.

“قلعة مارون ضخمة، بغرفها الكثيرة. حتى لو انتقل إليها كل هؤلاء الناس، ستظل هناك مساحة كافية. فلماذا إذًا بناء منازل وقرية خارجها؟.”

لم أفهم ذلك، لكن كانت لديهم أسبابهم الخاصة.

“وهل يمكنكِ العيش في منزلي إلى الأبد؟ لقد قبلت العيش في المنطقة الملوثة قدرًا لي، لكنني ما زلت أريد أن أعيش كإنسان. أريد أن أعيش في مكان يعيش فيه الناس، أقرب ما يمكن إلى الحضارة.”

“آه… أعتقد أنني أفهم.”

“جيد.”

أمسكت بيد أستا وسحبتها إلى الداخل.

“هيا بنا نسرع وندخل قبل أن تكتشف دوراجي أمري.”

“لماذا؟”

“هل تعلمين مدى إصرار دوراجي على صنع سامغيتانغ إذا قابلت طائرك الروحي مرة أخرى؟”

❈سامغيتانغ (삼계탕) هو طبق كوري تقليدي مشهور جداً.

حتى وأنا أسحبها من يدها ، ظل أستا تسألني ما هو السامغيتانغ، وكيف تعتذر لدوراجي، وكيف تقنع الطائر الروحي وينتوس.

“مهلاً! ألا تستطيعين التعامل مع الأمر بنفسك؟ أي نوع من البطلات تأتي إلى الشريرة وتطلب مساعدتها في كل شيء من البداية إلى النهاية؟ هل تعرفين من أنا؟ هاه؟”

“عدوة الممالك الثلاث، الساحرة هايلي.”

“همم.”

“لكنني لا أعتقد أنك شريرة.”

“مهلاً!”

“على الأقل بالنسبة لي.”

ابتسمت أستا.

يقولون إنه لا يمكنك الشتم امام وجه مبتسم، وبدت الفتاة الجميلة أجمل عندما ابتسمت. شعرها الناعم كغزل البنات يرفرف في موجة، كاشفًا عن أسنان أنيقة. تقلصت عيناها كالفراشات، ووجهها محمرّ من الفرح.

هاه….
كدتُ أُقبل وجنتيّها.

“لا تضحكي.”

“هاه؟ لماذا؟”

“من الآن فصاعدًا، أرني الكرامة والسلطة اللائقة بأميرة كاسناتورا. لا تضحكِ كالحمقاء.”

“قلتِ إنني جميلة، لكن…”

“أخوكِ أجمل.”

طالما يوجد نسخه أخرى من هذا الوجه، لكان من الأفضل تقبيل الرجل بدلًا من امرأة.
أومأت برأسي وسحبتُ أستا إلى غرفتي.

♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪

حسابي على الإنستا:@empressamy_1213

حسابي على الواتباد: @Toro1312

ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧