توقف سيريل مترددًا، وهو يلوّي أطراف أصابعه.

‘ كنت أتوقع أن يسأل عن أمر القضاء على الشياطين، أو عن الإنجازات التي حققها وما إذا كان سيتمكن بأمان من وراثة العائلة في نيفي، أو ربما عن مشاعره تجاه أستا. ‘

لكن السؤال الأول كان عن ماضيه مع هايلي.

هدأ سيريل بسرعة على ارتباكه وتظاهر بالهدوء.

“التقينا في الأكاديمية. كما تعلم، كانت تُدعى ساحرة عبقرية… ولذلك كنت مهتمًا بها.”

“ليس هذا ما أسأل عنه.”

حدّق ماريس في عيني سيريل الحمراوين وكأنه يخترقهما.

“لماذا خاطرت الساحرة هايلي بحياتها من أجلك؟ بغض النظر عن كونها أصبحت سببًا لإنجازات الممالك الثلاث بعد الحادث، لا أستطيع أن أفهم السبب وراء تصرفها. سمعت أن الحرب بين العائلات في نيفي كانت قاسية ومميتة للغاية، فلماذا كان على الساحرة هايلي أن تدخل ساحة القتال وتخاطر بحياتها لأجل الآخرين؟”

“هذا…”

أجبر سيريل لسانه على الحركة رغم تجمده عن الكلام.

“لا أعلم. كانت امرأة لا يمكن فهم ما يدور في ذهنها. قالت فقط إنها ستساعدني… ولم أتوقع أنها ستثير حربًا بتلك الطريقة.”

“لم تعرف شيئًا؟”

“كل ذلك بسبب تقصيري. يعتقد الناس أنني فرحت لأنني أصبحت وريثًا لعائلة فانديسيون بسببها، لكن الحقيقة عكس ذلك.”

“حقًا؟”

“ما زلت لم أستطع التخلص تمامًا من شعور الذنب منذ ذلك الحين.”

“أفهم.”

أومأ ماريس برأسه، لكن هذا لا يعني أنه يوافق على تفسير سيريل. فقد أشار إلى جانب غير متوقع كأنه يطعنه بالسيف.

“لأكون صريحًا، لم أفهم بعد لماذا اعترف ربّ عائلتك بك كخليفة.”

“ماذا…؟”

“شخص ‘لم يعرف شيئًا’ أصبح بالصدفة وريثًا لتلك المأساة. هذا شيء مستحيل حسب عقلي. لو كان شخصًا خطط لكل ذلك خلف الكواليس، لكان من المنطقي أن يصبح وريثًا.”

هكذا أوضح ماريس أن هذا هو منظور أولئك الذين يصلون إلى قمة السلطة.

“سمو الأمير ماريس.”

“لا تظن أنني شخص جاهل مثلك.”

رفع سيريل رأسه بسرعة. وكان ماريس يحدّق فيه ببرود.

“كنت أعلم منذ البداية أنك وميكيلان استخدمتما تلك الساحرة وتخلّيتما عنها.”

“ماذا…! حتى كاسناتورا وافقت على تصنيف هايلي كسبب لإنجاز الممالك الثلاث!”

“بالطبع. من الخطأ ترك شخص خطير كهذا بدون رقابة. لتجنب انحيازه لأي طرف، يجب أن يكون عديم الولاء للجميع.”

واصل ماريس حديثه:

“هل تعلم أن أستا أظهرت اهتمامًا مؤخرًا بتلك الساحرة؟”

“أعلم.”

“إذا سألت أستا، سأخبرها الحقيقة بلا شك.”

كانت الرسالة التي تركتها أستا تقول: ‘سأبحث عن الساحرة هايلي.’ وقد علم ماريس بذلك، لكنه اختبر سيريل بسؤاله:

“أما أنت، فهل ستخبر الحقيقة؟”

مؤخرًا قدم ملك هولت، ميكيلان، رسميًا طلب زواج إلى كاسناتورا، مع وعد بقدومه شخصيًا قريبًا.

ضحك ملك كاسناتورا معتقدًا أن الزواج مبكر على أستا، لكن ماريس الحذر لم يستطع إلا التفكير مسبقًا.

ميكيلان سيريل كانا قد استغلا فتاة حتى النهاية ثم تخلّيا عنها.

كلما بلغ الشخص قمة السلطة، كلما كان من الطبيعي أن يكون له ماضٍ قذر، لكن كأخ يحب أستا، كان يود أن يحصلوا على فرصة ليكشفوا الحقيقة بأنفسهم على الأقل.

فالقرار النهائي كان ملك أستا وحدها.

“اذهب، سأتلقى تقريرًا منفصلًا عن القضاء على الشياطين.”

أصدر ماريس لأجل سيريل أمر الإذن بالخروج.

❈❈❈

عادت أستا إلى نيفي عند الفجر في اليوم التالي، بعد أن جرفت وينتوس الغاضب المنطقة الملوثة بحثًا عن أعداء.

عندما نزلت عن ظهر وينتوس وجلست منهكة من طول الرحلة، التقت سيريل الذي امتدّ يده.

“سيريل؟”

“لقد انتظرت طوال الليل.”

“من أجلي؟”

“لدي اعتراف لأقدمه.”

كانت الشمس الحمراء تشرق، وعيناه الحمراوان تتناغم بشكل جميل معها. أمسكت أستا بيده واقفة على قدميها.

“ما هذا الاعتراف؟”

“الساحرة هايلي … لا، صديقتي العزيزة هايلي.”

ارتجف صوت سيريل قليلًا. حدقت أستا بدهشة.

“أرجو أن تمنحيني فرصة لشرح لماذا اضطررت للتخلي عنها، أستا.”

“سيريل…”

بدا سيريل معذبًا.

“كنت أخاف منها.”

منذ اللحظة الأولى وحتى الآن، اعترف سيريل بأنه كان خائفًا جدًا من هايلي.

طفلة يتيمة دخلت الأكاديمية واحتلت المرتبة الأولى في المدرسة، وكل ما رأته حفظته.

تعلمت السحر لأنها بحثت عن أصعب وأعقد الأمور بعقلها المتميز. حلت مسائل لم يعرفها الأساتذة والعلماء، وانتقمت بعنف ممن يهاجمون الآخرين بوضعهم الاجتماعي.

السياسة والحرب والخداع. كانت هايلي عبقرية حتى في ذلك.

كشفت الفضول والشك لدى سيريل المأساة القديمة لعائلة وينتر، ولاحظت محاولة ملك هولت إزاحة ميكيلان وتعيين وريث آخر.

بعد إدراك حدود السحر، غاصت في دراسة الشياطين المحرمة، بحثًا عن الكتب الممنوعة بأي وسيلة.

كانت تعرف أن ذلك خطأ وستُدان من قبل الناس، لكنها فعلت.
كسرت السحر بالسحر، وقمعت القوة بالقوة.

ربما كانت هايلي فتاة بلا شعور بالذنب. وُلدت كذلك أو تغيرت بفعل الظروف.

إرتجف صوت سيليل بمرارة.

“لم يكن للخضوع أي وجود عند هايلي. لم تكن هناك حدود لها. كل ما يعيقها كانت تحاول تحطيمه والتغلب عليه.”

سواء كان تحيزًا أو نظامًا، قانونًا أو أخلاقًا، عادات أو سلطة.

“إذا كان الشخص ذا مكانة عالية، كانت تحطم مكانته، وإذا كان قويًا، تحطمت قوته، وإذا كان متعصبًا للمبادئ، كانت تحطم مبادئه.”

كانت تحاول بناء عالمها الخاص.

“لقد كنت خائفًا.”

“هي؟”

“سحرها.”

“سحر؟”

“في النهاية، كانت تحاول تجاوز السحر لتصبح شيئًا آخر.”

قد يكون ذلك قوة منحتها لها الشياطين، أو قوة جديدة ولّدتها بتكسير السحر نفسه.

“أعلم أن هايلي أحبّتني، وأنها أثارت الحرب لتجعلني وريثًا.”

“سيريل…”

“لم أتوقع أن تأخذ ما فعلته بدافع الرحمة على محمل الجد. ظننتها صديقة، لكنها لم تكن كذلك.”

قال سيليل إن كل شيء كان سوء فهم.

“في الحرب التي أشعلتها هايلي، مات الكثير من الناس. أنا الذي قطعت رأس أخي الوريث، ومع ذلك نُسب كل ذلك إلى شر هايلي.”

“ماذا؟ أنت فعلت ذلك؟ مستحيل…”

“لم أنكر ذلك.”

“سيريل!”

“قالت هايلي إنه إذا لم أقتل أخي، فسأموت أنا. أعلم أن هذا عذر، لكن في ذلك الوقت شعرت أن كل المآسي ستستمر إلى الأبد إذا لم أفعل كما قالت.”

احمرّت عينا سيريل. اتخذتا لونًا أحمر داكنًا أكثر من المعتاد. مضغ الألم وابتلعه، ثم بالكاد نطق بالكلمة الأخيرة.

“لذلك… تعاونت مع الكنيسة، واستدرجت هايلي وفقًا لاقتراح ميكيلان… وسلبت سحرها. رميتها في المنطقة الملوثة لتختفي إلى الأبد من هذا العالم. اعتقدت أنه بعد مرور الوقت، سيصبح كل شيء على ما يرام… ولكن.”

ظهرت أستا.

“أنتِ سألتِ، أليس كذلك؟”

أرادت معرفة الحقيقة.

“ما هي علاقتك بهايلي؟”

في تلك اللحظة، عادت هايلي التي اختفت من عالم سيليل، حاملة حضورًا أكبر.

“صحيح. أنا خائن جبان، وأناني للغاية.”

“…….”

“لم أستطع التحمل دون الاعتراف لك، أستا، أنا بصراحة أحبك.”

حينها قطعت أستا كلامه برفق وسألت:

“إذا كانت هايلي لا تزال على قيد الحياة، هل ستعتذر لها؟ هل يمكنك طلب الصفح والغفران؟”

على قيد الحياة؟

مستحيل.

“بالطبع. إذا كان ذلك ممكنًا، سأدفع أي ثمن.”

أومأ سيريل، متظاهرًا بالذنب.”

♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪

حسابي على الإنستا:@empressamy_1213

حسابي على الواتباد: @Toro1312

ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧