“ذاكرتي تبدأ منذ أن أُلقي بي في الوادي الملوّث، وما قبل ذلك لا أتذكره إلا كأنّي قرأتُه في كتابٍ قديم، أحداثٌ مبهمة، وكأنّها حكايةُ شخصٍ آخر.”
“لا تقولي إنك… فقدتِ ذاكرتك.”
“هايلي التي تعرفيها أنتِ هي ما قبل أن تُلقى في منطقة التلوث، أمّا التي أمامك الآن فهي هايلي ما بعد ذلك.”
“تتحدثين وكأنك شخصٌ آخر تمامًا.”
“صعبٌ أن تستوعبين، أليس كذلك؟ صدّقيني… أنا أيضًا.”
“لكن، إذا كنتِ قد فقدتِ ذاكرتك، عليكِ أن تري طبيبًا أولًا. هل يوجد طبيب هنا؟ لقد رأيتُ من قبل أنّ معك بعض الأشخاص، هل من بينهم طبيب؟ من هم هؤلاء؟ أتباعك؟”
“لا.”
“هاه؟”
“إنهم… جماعتي العشوائية.”
أي إنه إذا ضايقوكِ قليلًا فلا تغضبي، فأنتِ هنا الضيفة الدخيلة.
كانت فاطمة غاضبة من فعل طائر روح أستا، لكن حسّها القديم كصاحبة نُزلٍ غلب عليها، فأعدّت مائدة عامرة للضيفة.
دهشتُ حين قدّمت فاطمة لأستا البطاطس والخبز، بل وحتى حساءً باللحم. كنت أظنّها ستلقي أمامها رغيفًا يابسًا وحسب.
“بالهناء، يا أميرة.”
“شكرًا جزيلًا لكِ. ما اسمكِ…؟”
“فاطمة.”
“حسنًا يا فاطمة، سأتناول الطعام بشهية، وأعتذر حقًا عمّا حصل سابقًا.”
“ههه، إذا كنتِ صادقةً في أسفك، تعالي نعمل في الحقل سويًّا…”
“فاطمة!”
“آه يا سيدتي، ألا تتحملين مزاحًا؟”
صرختُ بها، فمرّت بجانبي تداعب كتفي بأطراف أصابعها ثم انصرفت.
أصبحت مؤخرًا تزداد دلعًا، حتى صارت أحيانًا تتصرف كما تتصرف المحظية مع طاغية.
حدّقت أستا بي بدهشة.
“يبدو أن أهل الإقطاعية يحبونكِ كثيرًا.”
“وهل هم أكثر منكِ؟”
“ماذا؟”
“أنتِ أيضًا تتلقين حبًّا غير مشروط في قصر كاسناتورا الملكي.”
كانت قصتها تقول إنها نشأت في ميتمٍ تحت القهر، لكنني لم أرَ في وجهها أي ظلٍّ من المعاناة. عادةً مَن قاسوا في طفولتهم تظهر في ملامحهم غشاوة الحزن، لكنها ربما أُغرقت بالحب حتى مُحي الأثر.
“فيما تفكرين؟”
“أستا.”
“نعم؟”
“لا يهمّني أي شيء، لكن هذه الأرض لا. قلعة مارون لي، ولن أسمح بسرقتها.”
رفعت أستا رأسها عن الحساء ونظرت إليّ.
وضعتُ قطعة خبزي على طبقها وقلت:
“منطقة التلوث أرضي، وقلعة مارون قلعتي، وقد قررت أن أعيش كماركيزة مارون… فلا تفكري أبدًا بأخذها.”
“ولماذا آخذها أنا؟”
لأني أعلم كيف ينتهي الأمر في القصة الأصلية…
في نهايتها تعلنين أنك ستبنين مملكتك الخاصة في منطقة التلوث ومعك أربعة رجال.
اكتفيت بالابتسام.
بعد الطعام قلت عشر مرّات على الأقل: “إذا انتهيتِ من أسئلتك، عودي إلى بيتك.”
لكن أستا لم تُصغِ، بل راحت تتجول في القلعة، تساعد فاطمة، وتعتذر لدوراجي، وتحمل المشروبات لعمال قطع الخشب.
رغم كونها أميرة، فقد كانت تعمل بمهارة، ربما لأنها تربّت في ميتم.
حتى أنها بدأت تتبع ريكارت في تدريباته، الأمر الذي أقلقني بشدة.
لا يجوز لبطلة القصة أن تستقر هنا… أبدًا.
“أستا!”
البطل عادةً تُجذب له الدنيا كل البلاء والمصائب، وإن جررتِ ذلك إلى مزرعتي المسالمة فلن أسامحك!.
“غادري حالًا!”
“دعيني فقط أنهي هذا، أنا أجيد هذه الأعمال.”
“سأفعلها أنا، فقط اذهبي!”
“انظري إلى ذراعيكِ، كدتِ تكسريهما وأنتِ تحاولين تثبيت عيدان الفلفل. أما أنا، فرغم مظهري فأنا قوية.”
“أميرة وتعملين في الفلفل! اخرجي! لو علم ملك كاسناتورا أني أرهقتكِ هكذا سيقطع رأسي! اخرجي فورًا!”
“آه! ياللّدغ !”
أخذتُ أضرب ظهرها بعشبٍ طويل، فبدأت تتلوّى ضاحكة.
قالت دوراجي وهي تتنهّد:
“لو رآكِ أحد لظنّ أنكِ ساحرة تجلد أميرة.”
“ماذا؟!”
“كل من يراكِ سيظن ذلك، انظري في المرآة.”
“لا أريد.”
أنا لست في مزاج لرؤية وجهي في مرآة. وضعتُ العشب بجانب أستا وتراجعت.
“أنا السيدة هنا، ولن أعمل. لا تحاولي إقحامي في عملكِ.”
“لا أحد أجبرك.”
جذبني ريكارت إلى الخلف وسلّم فاطمة خنزيرًا بريًّا اصطاده.
“حجمه صغير قليلًا، لكنه يبدو بصحة جيدة. هل حضّرنا له حظيرة؟”
“دعني أرى… أوه، أنثى!”
“أنثى؟”
“رائع! جاءت خنزيرة! هذا يعني أن لها زوجًا الآن!”
احتضنت فاطمة الخنزيرة بقوة، وركضت نحو النجارين الذين يبنون الحظيرة، لا تبالي بملابسها الملطخة بالتراب ولا بصوت الخنزيرة المحتجّ.
وأستا تحدّق فيها مدهوشة.
سمعتُ من دوراجي أنَّ ريكارت وأستا كانا يتبادلان حديثًا منفردًا في مكانٍ بعيد عن العيون، فلم أعر الأمر اهتمامًا وقلت إنَّ مصيرهما أن يصبحا مقرّبَين أصلًا.
بدا أنَّ دوراجي تودُّ قول شيءٍ آخر، لكن حين بدأتُ أتأمّل الشفق استعدادًا للنوم، اكتفت بإطلاق زفرة طويلة.
وقبل أن تنطفئ آخر خيوط الغروب، جاءت أستا لتودّعني.
“السيدة هايلي، أظن أنني سأرحل الآن.”
“مع السلامة… ولا تعودي مجددًا.”
“هل… هل لي أن أبحث بعد عودتي عن حقيقة ما جرى لكِ؟”
“ولِمَ ذلك؟”
قالت وهي تثبّت نظرها عليّ:
“لأنني أريد أن أعرف.”
هززتُ رأسي ساخرًا، فأمثالها لا يرتدّون عن فكرة بمجرد أن يُنهَوا عنها. تنفّستُ بعمق وقلت لها:
“افعلي ما شئتِ.”
ثم ناولتها رزمة من الأوراق.
“ما هذا؟”
لم تكن تدري لماذا اشتريتُ أجود أدوات الكتابة من غرانديس.
“وثائق سرّية احتفظت بها أبرشية غرانديس، تتضمن سجلًّا بأسماء كل من ألقوا بهم في تلك المنطقة الملوثة، مع التهم الموجَّهة إليهم، والأدلة، وتواقيع المسؤولين الذين أمروا بالتنفيذ… كل شيءٍ موثّق هنا.”
اتّسعت عيناها دهشة:
“لكن… لماذا تعطينني هذا؟”
“حتى لا تُضيّعي وقتكِ في التدخل بشؤوني، وإن بقي لديكِ فراغ فابحثي في هذا الملف. كثير من الملوثين الذين يجوبون الخارج في الحقيقة ضحايا مظلومون.”
“كيف يمكن أن يحدث هذا؟”
وأسرعت تقلّب الأوراق، ثم توقفت عند قصص بعض الأسماء، ورفّت جفونها مرات متتالية.
“التهم مكتوبة بطريقة فخمة، لكن ما يسمونه أدلة لا يعدو أن يكون شيئًا تافهًا أو مكرَّرًا. أما المسؤولون فقد تبدّلوا كثيرًا حتى يصعب تعقّبهم.”
“لا يُعقل… كيف!”
“صاحب هذه القوائم يُعرف باسم (أكوافِر)، لكن لا أدري إن كان اسمًا حقيقيًّا أم مجرد رمز كنيسيّي.”
“أكنتِ تتعقّبين الأمر طوال هذا الوقت؟”
قلت باستخفاف:
“جزء من الوقت… لا أكثر.”
ثم سألت وهي تلمح أمرًا:
“وهل هذه هي القائمة الكاملة؟”
“هذه نسخة من ملف سرقته من غرانديس، النسخة التي بين يديك هي مخطوطة منسوخة. تعرفين كم ليالٍ سهرت لنسخها؟ لِمَ خطُّ هذا العالم كله متشابكٌ إلى هذا الحد؟”
“إذًا هناك قائمة أخرى؟”
“التي جلبتها من نيفي لم أنسخها بعد.”
عندها رفعت رأسها فجأة وقالت:
“الفارسان من فرسان الهيكل، المحبوسان في سرداب نيفي… لقد أرسلتهما إلى الكاردينال أوجين في سيلبون. تحدّثا باسمكِ، وعيناهما مليئتان بالشكوك.”
“حقًّا؟”
“سألتهم مرارًا إن كنتِ حقًّا ساحرة شريرة، وقالا إنكِ أنقذتِ حياتهما. حتى لو لم أبحث أنا، فهذان سيبذلان جهدًا للاقتراب من الحقيقة.”
♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪
حسابي على الإنستا:@empressamy_1213
حسابي على الواتباد: @Toro1312
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 52"