لكن بعد أن طار حتى هنا ورآني، هل لم يفت الأوان؟ رفعت رأسي ورأيت الطائر الضخم، وكانت أستا معلقة على رقبته. لم تبدو سعيدة؛ يبدو أنها أول مرة تطير مع وينتوس.
شعرها الوردي يرفرف ككيس بلاستيكي في عاصفة، ووينتوس تذمر وصر على أسنانه وهو ينظر إليّ وإلى أصحابي.
[أيها الجرذان القذرة… لم أظنكم تختبئون في مكان كهذا!]
“وينتوس، انتظر!”
[يا متعاقده، ابق مكانك! منذ الأزل، كان من واجبنا تطهير المملوئين بالماغي دون ترك روح! سأُري هذه القذارة قوة الطبيعة الصافية!]
“أنا لست هنا للقتال!”
[سأقتلكم جميعًا! سأمسحكم دون أثر! كيف تجرؤون على بناء بيت هنا؟ سأدمر كل شيء!]
حقًا، كلما رأيت هذا الموقف ازداد وجهي جفافًا. وقفت في وسط حقل الفلفل، ممانعةً ريكارت الذي كان يسحب يديّ.
“هيه.”
ثم وجهت كلامي إلى وينتوس.
“اصمت، أيها الطائر اللعين.”
نظر وينتوس وأستا المعلقة عليه نحوي في آن واحد.
بمجرد أن وقعت عين الطائر الروحي عليّ، استشاط غضبًا وأطلق رياحًا حادة كالخناجر. لكن فجأة، اندفعت دوراجي نحوي، وفتحت ذراعيها لتصدّ الطريق أمامي.
ثم صرخت بأعلى صوتها:
“انقلع، أيها الطائر الحقير! لست سوى لحم طير، فكيف تجرؤ على النباح بهذا الشكل! جرّب أن تمسّ هايلي ولو بإصبع، ولن أتركك حيًّا!”
[أتجرؤين… أتجرؤين؟… إذن سأفعل!]
“أنتِ أيضًا اخرسي، أيتها البشريّة! ابتعدي حالًا!”
تحوّل المكان إلى ساحة فوضى. الرياح التي أثارها وينتوس مزّقت ساحة قصر مارون، النوافذ العتيقة تحطّمت وتطايرت في كل اتجاه، وأعواد الفلفل التي اعتنت بها نساء القصر ودوراجي بحرص، سقطت جميعها أرضًا دفعة واحدة.
شعرت بشعري الأسود يطير إلى الأعلى بفعل العاصفة. رأيت ريكارت، الذي بدا عليه الغضب الشديد، يجرّد سيفه أخيرًا، فقلت مكرهة:
“آستا، انزلي.”
رفعت آستا نظرها نحوي. “فلنتحدّث قليلًا.”
❈❈❈
أعادت آستا وينتوس إلى عالم الأرواح، فسقطت هي من السماء. التقطها ريكارت بوجه متجهم وكأنه أمسك شيئًا لا يطيق لمسه، ثم ألقى بها على الأرض فورًا.
كانت في هيئة مزرية؛ شعرها منفوش، وملابسها مقلوبة ومجعّدة. اقتربت منها ومددت يدي فجأة:
“انهضي.”
“ك… كيف يوجد أناس يعيشون هنا؟ أليست هذه وسط منطقة ملوثة؟ ولماذا كان وينتوس يتصرّف هكذا؟”
“قلت لكِ انهضي.”
“أنتِ هايلي، أليس كذلك؟”
“ألم تأتي وأنتِ تعرفين ذلك؟”
أمسكت آستا بيدي ونهضت بثبات. في عينيها الورديتين الجميلتين كان مزيج متوازن من الخوف والفضول.
“تشرفنا مجددًا، أنا آستا.”
“آستاروزا كاسناتورا. أعلم.”
“وأنتِ… هايلي مارون.”
آها، إذن أصبحتِ تعرفين ذلك أيضًا.
هدأت أوراق العشب التي عصفت بها الرياح، وتداخلت بينها بعض أوراق الخريف الصفراء وسط الخضرة.
وسط ذلك المشهد، وقفت البطلة كلوحة فنية. ابتسمتُ لا إراديًا:
‘ جميلة.’
ابتسمت آستا بدورها، بعدما أرخَت ملامحها المتوترة.
“لكن… لماذا شعرك أسود؟ سمعتُ أن شعركِ كان أحمر قانيًا كأزهار الورد، وأنه لم يكن في العالم من يملك هذا اللون سواك… كالنبيذ الأحمر المصنوع من أطيب ثمار البرقوق.
“ومن قال هذا؟”
“في البداية كان سيريل، ثم حين بحثتُ وجدت أن الكثيرين يردّدون ذلك.”
“ذلك الوغد… يخون الناس على هذا النحو، وما زال يتحدث عني؟”
“……”
ارتجفت آستا وكأن كلامي أصابها في موضع مؤلم، ثم أطبقت شفتيها. هززت رأسي بضيق وسألت:
“هل يعرفون أنكِ جئتِ إلى هنا؟”
“من تقصدين؟”
“سيريل، ميكيلان… أمثالهم.”
“لا أحد يعرف. آه، لكن أخي سيعلم قريبًا، فقد تركت له رسالة. هو يقلق إن غبت.”
“أخوكِ…؟”
من كان ذلك مجددًا؟
سحبتها معي وأنا أفكر في شخصية أخ آستا في الرواية الأصلية: لم أتذكر اسمه، لكنني أذكر أنه شاب وسيم يشبهها كالتوأم، ومستعد ليقدّم لها كبده وقلبه لو طلبت.
سألت فاطمة: “يا سيدتي، من تكون هذه؟”
كان الجميع ينظرون إلى آستا بفضول قاتل، وكأن فاطمة تتحدث باسمهم. أجبت بصراحة:
“الأميرة آستا روزا من كاسناتورا.”
“ماذا؟!”
“إنها أميرة.”
تغيرت ملامحهم فجأة إلى الجدية.
تساءلتُ في نفسي: لماذا الأجواء مشحونة هكذا لمجرد أنها أميرة؟ حين التقت عيناي بعيني فاطمة، ابتسمت بخفة وقالت:
“بعد أن حوّلت مزرعتنا إلى خراب، وأمطرتنا بأقذع الشتائم… نحن لا نستطيع محاسبتها، فهي أميرة. لا يمكننا حتى أن نلومها علنًا.”
“آه…”
“هاهاها! سنذهب الآن لنصلح أعواد الفلفل التي تحطّمت. واصلا حديثكما.”
كانت نبرتها مليئة باللوم.
“آخ ظهري… سنمضي اليوم كلّه لإصلاح الحقل.”
من يتحدث مع نفسه بهذا الصوت العالي؟.
“أنتم هناك! أحضروا المطرقة والأدوات! اجمعوا النوافذ المكسورة! متى سننتهي من إصلاح كل هذا؟”
همم…
“كان يجب أن تطيري بهدوء بدل أن تدخلي كالريح العاتية.”
يبدو أن بطلتنا قد أدرجت رسميًا في قائمة المجرّدين من التعاطف عند أهل بيتي.
كنت على وشك أن أنصحهم بأن حب البطلة سيعود عليهم بالنفع، لكن آستا كانت تتنفس بعمق وتتنهد بحرج، فآثرت أن أدخلها إلى الداخل أولًا.
“آستا.”
“أعتذر… استغربت حين وجدت وينتوس متحمسًا بهذا الشكل. أخبرته مرارًا أننا لا نأتي للقتال، لكنه لم يسمع.”
“لا بأس. أرواح الطبيعة تمقت الكائنات الملوثة بالسحر المظلم، وهذا طبيعي في منطق الأحداث. صحيح أنه يثير الضيق، لكن لا بأس.”
“سيدتي هايلي.”
“وأنتِ، كيف لأميرة أن تتحدث إليّ بهذه الاحترام؟”
“لأنني أدين لكِ بجميل.”
“أيُّ فضلٍ هذا؟”
“بفضلكِ يا هايلي، تمكّنتُ من القضاء على الشيطان الذي ظهر في نيفي، وإنقاذ المملكة. الجميع يتحدث وكأنني أنا التي أنقذت العالم… أشعر بذنبٍ شديد.”
“ولِمَ الذنب؟ أنتِ من قاتل.”
“لولا أن حذّرتِني مسبقًا، كم من الأرواح كانت ستُزهق؟”
“آه…”
كلامها صحيح… لكن لسببٍ ما شعرتُ أنا أيضًا بوخزة في صدري.
“ثم… ميكِلان قد تقدّم لخطبتي.”
هكذا إذن.
“والكنيسة تلقّبني بالقديسة، وصارت تخترع لي ألقابًا لم تكن موجودة، لترفع من شأني.”
طبعًا.
“والفضل في هذا، في الحقيقة، يعود إليكِ يا هايلي.”
“كلا!”
أيّ كلماتٍ مرعبة هذه التي تنطق بها!
صرختُ فجأة:
“أنا ضعيفة جدًا لأقاتل الشياطين! سأُغمى عليّ من الخوف! مجرّد أني أخبرتكِ ليس أمرًا عظيمًا، فلماذا تقولين هذا! من الآن فصاعدًا، أنتِ من سيتولى القضاء على الشياطين!”
“ماذا؟”
“استمعي جيدًا يا أستا، أنتِ بطلة هذا العالم. الوحيدة القادرة على القضاء على قوى الشر! إن نجحتِ، ستنتهي الحكاية بنهاية سعيدة!”
“ولماذا أكون أنا البطلة؟”
ابتسمت أستا ابتسامة مشرقة:
“أنتِ يا هايلي، تبدين أكثر كالبطلة.”
هذه الفتاة حالتها مريبة. شعرتُ بالقلق وأمسكتها لأسألها بجدية:
“لماذا جئتِ إلى هنا أصلًا؟”
“لديّ فضول بشأن أمرٍ ما.”
“ما هو؟ قولي.”
“هل أنتِ حقًا… ساحرة شريرة؟” سألت أستا.
“هل قتلتِ جميع أفراد عائلة دوق وينتر في ساحة المعركة، بل وحتى الأبرياء؟ هل قطعتِ رأس وريث فانديسيون حين استسلم متنازلًا عن منصبه؟ هل دسستِ السمّ سرًا لملك هولت؟ هاه؟”
“ولم الفضول بشأن ذلك؟”
“الأمر يثير الريبة.”
كانت أستا ثابتة النظرة، عينيها صافيتين مستقيمتين، وكأنها تقول إنها لن تتراجع قبل أن تعرف الحقيقة.
“وكأن هذه السمعة صنعت بعناية فائقة.”
لماذا تستمر هذه الفتاة في هذا؟.
كنتُ واقفة في أظلم ركنٍ في ممرٍّ يؤدي إلى قاعة الطعام، بينما كانت أستا تقف عند النافذة حيث يخترقها ضوء الشمس مائلًا.
كانت الظلال والنور في تباينٍ واضح، أنا في ألواني القاتمة الباهتة، وهي في ألوانها الفاتحة الزاهية، ننظر إلى بعضنا.
في تلك اللحظة تذكّرتُ هايلي الحقيقية.
هل لهذا ظهرت في حلمي؟ هل قولها إنها تشتهي الطعام الحار كان نبوءة بسقوط عيدان الفلفل الحار؟ حين فكرتُ بهذا الشكل، بدت أقلّ جنونًا.
وفكّرتُ أيضًا في سيريل وميكِلان وأوجين.
إن كنتُ أنا هايلي الحقيقية، فهل سأرغب هنا في البوح لأستا بكل مظالمي وغضبي؟ أم سأرغب في قطع كل صلة مع هؤلاء الخونة حتى لو اضطررتُ لنبذ أستا؟.
أم أنّني سأظل أحبّهم فأغار من أستا بقلبٍ ملتوي؟
في جميع الأحوال، لا يتغيّر أنّ هايلي مسكينة.
لكن لم تكن لديّ نية للدفاع عن الشرور التي ارتكبتها هايلي الحقيقية، ولا لتبرير ما لم ترتكبه.
هذه أمور تناسب بطلة مغامرة تسعى للخروج إلى العالم، لا شخصًا مثلي.
أنا كنتُ أفكّر فقط في أن أعيش هنا حتى أموت.
“لا أعرف.”
ابتسمتُ.
“لا أتذكر.”
♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪
أضغطو على الرابط وبيوصلكم لقناتي الخاصة بالروايات ، هناك تجدونها بدون إنترنت+تسريبات للفصول!!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 51"