كنا منشغلتَين بالفراولة ، و ريكارت ، و براعم البطاطا ، فلم ننتبه إلى أنّ الحطب قد احترق بالكامل.
و من النافذة المفتوحة للتهوية ، كانت قطرات المطر الغليظة تتساقط إلى الداخل.
“لن أستطيع العيش هكذا!”
صرخت دراياد عليّ بوابل من التوبيخ لأنني نسيتُ أن أضيف الحطب ، بينما كنتُ أُحدّق بشرود ممسكًا بالصوّان بيدي.
“لا يُعقل هذا …”
عندما دخلتُ هذا القصر لأول مرة ، كم بذلتُ من جهد لأعيش فيه.
كانت دراياد التي تتطهر تلقائيًّا بمجرد اللمس لا تشكل عائقًا أمامي.
أكثر ما كنا نحتاجه هو النار و الطعام.
في هذا القصر المتروك منذ أكثر من مئة عام ، لم يتبقَّ فيه شيء ذو فائدة.
مثلما رأيتُ في الوثائقيّات ، حاولتُ إشعال النار بفرك العيدان ، و بعد معاناة لأيام عثرتُ على الصوّان في مخزن المطبخ ، و كانت فرحتي لا توصف.
لكن وجود الصوّان لا يعني أنّ إشعال النار سهل.
فذلك يتطلّب مهارة ، و بعد معاناة أيّام أخرى ، استطعتُ مع دراياد بالكاد أن نُحدث شرارة.
و للحفاظ على تلك الشرارة ، كنّا نستيقظ كلّ ساعتين بالتناوب لإضافة الحطب.
كنا خائفتَين من انطفائها لدرجة أننا لم نبتعد كثيرًا عن الموقد.
كانت حياةً أسوأ من حياة إنسان بدائي.
و حين تعلمنا كيف نتحكم بالهواء للحفاظ على الشرارة فترة أطول ، فرحنا كثيرًا.
لكن عندما أصبح ذلك ممكنًا ، بتنا نفشل في توقيت التحكم ، ما جعلنا نفقد الشرارة في كثير من الأحيان.
و كنا نتشاجر عندما يحاول كلٌّ منّا أن يتهرب من دوره.
و قبل أيام قليلة فقط ، كنتُ أنا من قالت إنها ستتولى الإشراف على النار بينما تنشغل دراياد بالزراعة.
“هل هناك شيء واحد تقومين به بشكلٍ صحيح؟!”
“أنا آسفة”
“ما الذي تفعلينه أصلًا يا ‘آنسة هايلي’ غير الخروج لمعالجة التلوّث؟! أنا من أتحمّل كلّ أعباء المنزل! لا تحافظين على النار ، و لا تزرعين ، و لا تطبخين ، و لا تميزين الطعام الصالح من غيره ، و لا تصلحين شيئًا!”
“يمكننا إشعالها من جديد! توقّفي عن التوبيخ!”
“المطر دخل المنزل كلّه! ماذا ستفعلين حيال ذلك؟!”
“سأشعلها في مكان آخر! أذناي تنزفان من كثرة كلامكِ!”
حتى و أنا أُخرِج أوراق الأشجار المجففة و أبدّل المكان ، لم تتوقّف دراياد عن التوبيخ.
قالت إنها لا تعرف كيف سأعيش وحدي في هذا العالم القاسي إن ماتت هي ، و إنها تموت قلقًا من فكرة أن أموت جوعًا.
لا أفهم إن كانت تحبّني أم تكرهني.
“تبًّا …”
في رأيي ، إشعال الشرارة بالصوّان كان مسألة حظ لا أكثر.
أحيانًا تنجح من أوّل ضربة ، و أحيانًا أفشل طوال اليوم رغم المحاولات المتكررة.
أمسكتُ الصوّان بكلتا يديّ و ضربتُ بقوّة فوق الأوراق الجافة.
أرجوكِ ، اشتعلي.
يُقال إنّ الأوراق المجففة المطحونة تلتقط الشرارة بسهولة و تبدأ في إصدار الدخان.
فلماذا لا تشتعل؟ أهو المطر؟
كررتُ المحاولة مرارًا ، و لكن دون جدوى.
عندها ، اجتاحتني موجة من الغضب تجاه أولئك الذين سرقوا مانا هايلي.
رمي الفتاة هنا؟ حسنًا ، لنقل إن ذلك أنقذ دراياد.
لكن ألا يفترض على الأقل أن تكون هناك وسيلة سحرية لإشعال عود ثقاب؟
كيف يمكن للبشر أن يكونوا بهذه القسوة؟
حينها اقترب ريكارت و سأل: “ماذا تفعلين؟”
“أُشعِل النار. ألا ترى؟”
“لا تقولي إنك تحاولين إشعالها بهذين الحجرين؟”
“ولِم لا؟ نجحتُ أحيانًا”
“…”
سكتَ برهة. بدا و كأنّه يريد أن يقول شيئًا لكنه لم يفعل.
قال: “تنحّي جانبًا”
جلس ريكارت على ركبة واحدة أمامي.
ثم أخرج سكينًا قصيرة من غمده.
فصل مقبضها ثم طرق به كأنّه يفرك شفرتين.
طق-!
اشتعلت الشرارة من المحاولة الأولى.
نزلت الشرارة على الأوراق التي كنتُ قد جمعتها ، و بدأ الدخان الأبيض يتصاعد بلطف.
جمع بعض الأوراق الأخرى و وضعها فوقها ثم نفخ عليها برفق.
كانت النار تشتعل.
نظر إليّ و كأنّه يسأل إن كنتُ راضية.
لكن نظري لم يكن عليه بل على سكينه.
“من أين اشتريتَ هذه؟”
“هذه؟”
قال ريكارت و هو يقطّب حاجبيه: “من الحدّاد أو دكّان عام؟ سمعت أنّ بعض نُزل الرحّالة يبيعونها أيضًا”
“غالية؟”
“لا.”
“هل هي سحرية؟”
“لو كانت تحتوي على سحر إشعال النار ، فستكون غالية”
إذا لم تكن تحتوي على سحر و مع ذلك تشعل النار بهذا الشكل …
أريدها. أريدها بشدّة.
“إن كنتِ تفكرين بتلك النار ، فالأفضل أن تشتري موقدًا سحريًّا يحفظ الشرارة دائمًا. هذه أدوات سفر ، لا تصلح للاستعمال اليومي”
“يوجد شيء كهذا؟”
موقد سحريّ!
يا له من مصطلح ساحر.
إن حصلتُ على واحد ، فلن أفتقد الغاز أو الفرن أبدًا.
أجل ، هذا العالم يسكنه بشر. لا بد أن هناك أدوات حضاريّة في مكانٍ ما.
لكنّ هذا القصر اللعين لم يبقَ فيه شيء صالح للاستعمال ، و عشتُ فيه كإنسانة بدائيّة.
حين تشرق الشمس أعرف الشرق ، و حين تغرب أعرف الغرب.
لا أذكر متى نفدت الشموع.
أستيقظ مع الفجر و أنام عند الغروب.
آه … موقد سحريّ؟
يا له من تعبير جذّاب.
كان ريكارت قد نقل الشرارة إلى الموقد القديم وأشعل النار.
و كانت جنّيتي تبتسم له برقة بلا حدود.
سألتْه دراياد: “تريد بعض الفراولة؟”
كان ظهور ريكارت نقطة تحوّل كبيرة في حياتنا.
فقد أمضينا سنةً كاملة نركّز على التطهير و البقاء فحسب ، و ظهور شخص من الخارج يحمل آثار الحضارة أثار فضولنا الشديد.
اللحم المجفف الذي أخرجه من جيبه لم يكن شكله يوحي بشيء ، لكنه كان لذيذًا للغاية.
في هذا المكان حيث لا يوجد غير الملح الصخري و الأعشاب ، كان مذاق اللحم المُتبّل بالحلاوة أشبه بالمعجزة.
حتى مسحوق الشراب كان عنده.
ليس قهوة ولا شاي ، لكنه لذيذ.
لم أعد أستطيع التحمّل.
نحن بحاجة إلى الحضارة.
إن كان قد جاء على حصان أو عربة ، فلا بد من وجود طريق ، أليس كذلك؟
“هل كنتَ مع أحد؟ لم تُخبّئ حصانًا أو عربة في الخارج؟”
“جئتُ وحدي”
“لا بد أنّ هناك طريقًا سريًّا. لهذا لم يتلوّث تمامًا. إن استطعنا تطهير هذا الطريق ، يمكننا الخروج إلى المدينة!”
“طريق سري؟ لا أظنّ.”
رغم استجوابنا الحاد ، لم يكن ريكارت قادرًا على مساعدتنا.
ظلّ يكرر أنّه لا يعلم ، بتلك الملامح الجامدة التي لا تتغير.
شعرتُ بغضبٍ شديد.
“تظنّ أنّك تُعفى بسبب فقدان الذاكرة؟ هل تعلم كم حبّة فراولة أكلتَ قبل قليل؟ ماذا إن متنا جوعًا قبل أن تنبت البطاطا؟ أنقذناكَ و أنتَ تموت ، فتكافئنا بالخداع؟”
“ليس كذلك …”
“اهدئي! بسببكِ لا يستطيع التحدّث!”
“كيف يكون هذا خطئي؟!”
بينما كنّا نتشاجر ، ظلّ ريكارت يحدّق بي بصمت.
من المؤكّد أنه صار مرتبطًا بي.
و فجأة ، أخرج شيئًا من جيب سترته و قدّمه لي.
“ما هذا؟”
“خريطة”
“خريطة؟”
“نعم، ترين هذا الرمز؟ أعتقد أنّه القصر الذي تعيشان فيه …”
خريطة؟
انفتحت عيناي.
“دعني أراها!”
خطفْتُ الخريطة بسرعة ، و فرشتها على الأرض ، ثم وضعتُ رأسي فوقها.
اقتربت دراياد من ريكارت تعتذر بالنيابة عنّي.
“آسفة. الآنسة هايلي لم تأكل طحينًا منذ زمن ، لذا ليست بكامل وعيها. انظر إلى ذراعها ، نحيلة جدًّا ، أليس كذلك؟”
“لا بأس.”
“لو أنّ لدينا بذورًا ، لزرعنا. لكننا لا نجد شيئًا هنا. الآن بعد أن لدينا خريطة ، يمكننا التوجّه نحو المدينة و شراء بذور القمح ، و الفلفل ، و السكر …”
لكن هذا ليس المهم الآن.
“أنا لا أفهم”
“ماذا؟”
“لا أعرف كيف أقرأ الخريطة”
ياليتني مارست التخييم كهواية.
حتى أثناء القيادة ، لا أستطيع الذهاب إلى مكان بدون جهاز ملاحة.
رفعتُ رأسي عن الخريطة بحزن ، فقال ريكارت بهدوء و هو يرمش: “أنا أستطيع قراءتها”
“حقًا؟”
“نعم.”
“وهل تعرف ركوب الخيل؟”
“بالطبع.”
“وتقود العربة أيضًا؟”
“طبعًا.”
لم يستطع ريكارت كتمان ضحكة خفيفة.
ضحكة عابرة فقط.
———————————————————————
•فضلاً ضع نجمه واكتب تعليق يشجعني على الإستمرار⭐•
حسابي على الإنستا:@empressamy_1213
حسابي على الواتباد: @Toro1312
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 5"