في البداية ظنوا أنها مجرد أوهام، لكن مع استمرارهم في قطع الأشجار وبناء الجسر، بدأوا يلاحظون التغيّر.
“لسنا مثل الفرسان، لا نخوض معارك بطولية، لكن… صار قطع الأشجار أسهل، وصار بوسعنا حمل أثقل… وصار طعامنا…”
“ماذا؟!”
يا إلهي! سألتُ بوجه يكاد يُغمى عليه:
“تأكلون أكثر من قبل؟ أهذا ما كنتَ تخفيه طوال الوقت؟! تنادونني كل يوم يا سيّدتي، ولماذا لم تُبلّغوني بأمر بهذه الأهمية! أتدرون كم تعبتُ وعرِقتُ لأُطعمكم؟!”
“يا سيّدتي.”
“يا أيها الطفيليون الشرهون! كم نقص مخزوننا من الطعام هذه المرة؟!”
أما أنا فكنتُ ممتنةً لأن الطعام لم يتعرض لخطر حقيقي أكثر من شعوري بالإحراج من سخرية الجميع.
أخذ ريكارت من أحد الحطّابين فأسًا ضخمة ثنائية اليد، ثم دفعني للخلف قليلًا وقال: “هايلي، شاهدي جيّدًا.”
أشاهد ماذا؟
“آه!”
قطع ريكارت جذع الشجرة بضربة واحدة، ملوّحًا بالفأس بجنون كالسفّاح، ثم أتى على شجرة غليظة فقطعها من أول ضربة.
لكن يبدو أن الأمر لم يكن بتلك السهولة، فقد بدا صدره يعلو ويهبط قليلًا، ومع ذلك، رؤية إنسان يقطع شجرة عملاقة بتلك الطريقة… أمر لافت.
“حين ظهرتِ لأول مرة في قصرنا، شعرتُ نحوك بألفة لا أعرف سببها. ربما كان انطباعك الأول جيدًا.”
كان ذلك مخيفًا.
“أتريدين بطاطا؟”
في تلك اللحظة، دوّى صوت فاطمة من المطبخ: “كُلو البطاطا واعملو!” تلك الفتاة صاخبة الصوت بحق.
منذ ذلك اليوم، صار طاقمي المطوّر يقطع الأشجار ليزرع الأرض مكانها، والحطّابون الأقوياء استعملوا الخشب لتدعيم الجسر.
أكثر ما أثار دهشتي أنهم ركزوا كثيرًا على صنع الحبال. فالجسر يجب أن يكون قويًا بما يكفي لعبور العربات، ولهذا جربوا مرارًا وتكرارًا طرق اللف والسماكة والشكل حتى يصلوا إلى الأفضل.
لأول مرة أعرف أن صنع جسر خشبي يحتاج لكل هذا الكم من المعرفة العلمية. كنتُ أعيش كإنسانة بدائية منذ جئت لهذا العالم، لكن هذا لا يعني أن أستخف بهم لأن تطورهم العلمي أبطأ.
فالجاهلة الحقيقية هنا كانت أنا.
“أتريدون بطاطا؟”
وزّعتُ على الحطّابين البطاطا المسلوقة الجيدة، ورششتُ عليها قليلًا من السكر. ثم أشارت فاطمة نحو الإسطبل بفخر وقالت:
“أصبح لدينا الآن ثلاث عربات للحمولة وستة أحصنة. وفي المرة الماضية فقّسنا بيض البط، صحيح أن الدجاج والخنازير والبقر والأغنام تنقصنا، لكن…”
“عند مدخل الغابة الجنوبية. قلتُ لهم مرات كثيرة ألا يذهبوا هناك لأنه خطر… في البداية كانوا يطيعون إذا قلتُ إن السيّد سيأخذهم، لكن الآن لم تعد تجدي كثيرًا.”
“ولِمَ آخذهم أنا؟”
“على كل حال، الأولاد رأوا خنازير برية قرب الحدود الجنوبية. إذا كانت مثل الخنازير البرية الكبيرة فهي خطيرة، لذا قلتُ لهم ألا يقتربوا مجددًا.”
“وتريدين أن نمسكها؟”
“لو تكرّمت… سيد ريكارت.”
ستمسكها أنت طبعًا. فاطمة ضحكت بخفة.
ومع نظرات النساء التي تلمع بفضول في ظهري، سرتُ بتثاقل نحو مدخل الغابة الجنوبية.
في الطريق قابلت الأولاد فردّوا السلام، وحتى بطة لحقت بي واضطررتُ لطردها بعيدًا.
“يا سيدتي ، مرحباً!”
“مرحباً.”
“إلى أين أنت ذاهبة؟”
“إلى التطهير. المكان خطر، فابتعدوا! وإذا أمسكت بكم تتجولون في مكان خطر وأنتم أقصر مني، سأجعلكم تنظفون روث البط كل صباح!”
“واو! إذن سنطول سريعاً!”
“اصمتوا!”
ضحك الصبية وركضوا مبتعدين. هؤلاء الأشقياء، لكثرة ما يرون ريكارت كل يوم، يظنون أنهم سيطولون مثله، وكأن بلوغ قامتي أمر يسير! هايلي أيضاً ليست قصيرة القامة، بالمناسبة.
لقد تغيّر حصن مارون كثيراً في هذه الأثناء. رجالي عملوا طوال الصيف ليلاً ونهاراً بلا توقف، حتى إنني مهما أمرتهم بالراحة لم يطيعوا.
وأحياناً كنت أسمع قرقعة العمل حتى في الليل، فأصرخ فيهم أن اخرجوا من بيتي لأنهم يمنعونني من النوم.
لكن، في كل مرة، كانت النتيجة أنّ الإسطبل يصبح مُصلَحاً، أو يُبنى باب للحصن، فأغلق فمي صامتة.
بهذا الشكل قد تتزعزع هيبة السيدة في نهاية المطاف.
وبينما كنت أفكر في ذلك، وصلتُ إلى مدخل المستنقع الجنوبي الذي أخبرتني عنه فاطمة.
مددت ذراعيّ بأقصى ما أستطيع، وصرخت نحو السماء:
“لقد جئت!”
عصفت طاقة المانا السوداء (الماغي) متجمعة حولي. لو رآني أحد الآن لضحك كثيراً؛ بفضل هايلي أصبحت أمتلك لأول مرة في حياتي شعراً طويلاً يتدلى حتى أسفل خصري، أسودَ قاتماً ومتموجاً، أتركه منسدلاً بلا رباط.
بعد أن عشت على الماغي وحده، شحب جلدي، ونحل جسدي حتى صار كعود، وبدأ في صوتي شيء من الصدى.
أما الملابس التي اختارتها فاطمة فكانت مريحة، لكنها بدت كما لو أنّ ابنة شيطان ناضجة سترتديها؛ بل إن دراياد، حين رأتني في الرواق، قالت إنها “تليق بي بشكل مروّع” — يا له من إطراء وقح.
“تطهير!”
أتُراه هايلي كانت تعلم؟ أنني سأدخل جسدها وأعيش بهذه الراحة؟ كلما فكرت في الأمر، شعرت أنّ قدرة هذا الجسد على التهام الماغي والنمو منها هي نتيجة خططها.
حتى حين أُسرت وتعرّضت لأفعال أشبه بالتعذيب وفقدت سحري، لم تبكِ هايلي ولم تصرخ. أكان ذلك لأنها كانت تعلم ما سيحدث لاحقاً؟ قالوا إنها ساحرة عبقرية.
إذن فلا بد أنها رتّبت للأمر من بعد رحيلها: الطاقة السحرية تُستبدل بالماغي، والسحر يُستمدّ من الماجي، والقوى تُحرَّك بالماغي.
آمل أن خطتها لا تشمل وجودي أنا أيضاً…
“تطهير!”
قفز الماغي الأسود نحوي فرِحاً، مادّاً يديه إليّ. وفي كل مرة أطهر فيها هذه الكمية دفعة واحدة، يخطر في بالي أنّهم يشبهون أسماك الـ”دكتور فيش” التي تنقضّ على الجلد الميت.
هل ينجذبون إليّ حباً، أم لأنني “شَهية”؟ لا أعلم.
لكن، أيّاً كان السبب، المهم أن هناك تطوّراً؛ وكما اقول دراياد: “النمو دائماً أمر طيب”.
وكما يزداد ريكارت قوةً يوماً بعد يوم، طرأت عليّ تغييرات طفيفة أيضاً. صرت قادرة على تطهير مساحة تزيد عن مئتي متر مربّع دفعة واحدة، وأحياناً، حين أكون في أفضل حالاتي، أستطيع ضعف ذلك.
ومع تطهيري يوماً كاملاً، كانت مساحات شاسعة من أرض الصيد تعود إلى نقائها. الطبيعة التي كانت مشبعة بالماغي تعود إلى الحياة بسرعة مدهشة: من حصن مارون حتى البحيرة السوداء، مروراً بساحة الخلف وحديقة الحجارة، وصولاً إلى المستنقع الجنوبي.
حتى الأرانب عادت تقفز بين الأدغال، وتعود معها الجوارح لتحاول صيدها.
“يكفي هذا، أليس كذلك؟ بدأت أشعر بالتعب.”
بعد أن طهّرت طويلاً حدود الجنوب — تلك التي يقال إن الأطفال إذا خرجوا إليها خفية يُمسكون ويعاقَبون — أدركت لماذا يسمونها “المستنقع”.
هي غابة بلا جبال. خلف حصن مارون، أو وراء البحيرة السوداء شمالاً، أو حتى على طريق سيلبون، كلها طرق جبلية.
الحصن نفسه قائم على أرض مرتفعة، كما أنّ هذه المنطقة تتصل بسلسلة الجبال الوسطى التي كانت حدوداً فاصلة بين الممالك الثلاث.
لكن المستنقع الجنوبي… كان مجرد غابة، فيها تلال منخفضة ونهر بعيد، وبقية المساحة مملكة للأشجار.
أشجار سوداء، مشبعة بالماغي. ومن الطبيعي أن تخرج منها الشياطين.
“إن لم يظهر شيطان هنا، فذلك هو الغريب فعلاً.”
الماغي أثقل من الهواء، كضباب ثقيل، يتسلل بين الأشجار في الغابة الكثيفة، وينساب كضباب مائي حتى يلتقي بنفسه ويتراكم ويتكتل. وعندما يتكرر ذلك آلاف المرات، تتكون النواة.
كنت أفكر في الماغي الذي استخرجته من قلب ذلك الفارس المقدس الذي تحول إلى وحش في سيلبون.
كانت مشابهة للماغي التي أتناولها عادة، لكن مختلفة قليلاً في كونها دوامة مكتملة الالتفاف، متماسكة أكثر.
وفي قلب ذلك الفارس — في ذلك الفراغ الذي شُوّه ووسِّع عمداً — كانت هناك نواة غير مكتملة، كونت الوحش.
وذلك الوحش… كان شيطاناً.
♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪
•فضلاً ضع نجمه واكتب تعليق يشجعني على الإستمرار⭐•
حسابي على الإنستا:@empressamy_1213
حسابي على الواتباد: @Toro1312
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 44"