“والآن أرى أنكِ حتى لا تعرفين الكتابة؟ ، وأنتِ كنتِ تقول إنك الأول على دفعتكِ في الأكاديمية! كيف اجتزتي الاختبارات النظرية إذًا؟ هل الأساتذة تمكنوا أصلًا من قراءة خطكِ؟”
“لا أتذكر.”
قررت الاستسلام والاكتفاء بالنظر إلى الخريطة القديمة.
لكننا كنا قد وضعناها فوق بعض، وكررنا القياسات عليها، حتى تمزقت أوراقها أكثر وأصبحت مهترئة.
تنهد ريكارت وقال:
“سأجعل الحطّابين يرسمونها، هاتيها.”
“الحطّابون؟ ولماذا؟”
“هؤلاء يصنعون من الخشب أثاثًا دقيقًا بالغ الجمال.لو كان لديهم وقت، لكانوا حتى حفروا زخارف رائعة على نافذتك. نسخ خريطة؟ هذا لا يُعَد شيئًا بالنسبة لهم.”
عند هذه النقطة، لم أستطع إلا أن أقول له:
“يا رجل، ربما أنا وأنت أكثر شخصين عديمي الفائدة في هذا القصر.”
“أنا اصطدت غزالًا.”
“والرجال الكبار يمكنهم الصيد أيضًا.”
لم يُجب ريكارت.
كان لدى الحطّابين أدوات مسح دقيقة.
أخرجوا من صندوقهم مسطرة مربعة وما شابه، وبدأوا بسرعة في رسم خريطة جديدة.
ثم تنحنح أحدهم وقال وهو يناولني إياها:
“سيدتي، إذا كنتِ تحتاجين خريطة للمنطقة… فهل نرسمها لكِ كبيرة على جدار مكتبك؟”
“ماذا؟ ولماذا؟”
“لأن بقية السادة جميعهم يفعلون ذلك… أليس كذلك؟”
“إذا حصلنا على خريطة للعالم، سأفكر في الأمر.”
كانت الخريطة الجديدة التي رسمها الحطّابون أكبر بكثير من القديمة.
مما جعل من السهل نشرها على مكتبي ورؤيتها بوضوح.
سحبتُ رفيقي المزعج ريكارت إلى الداخل وأمرته:
“أشر.”
“على ماذا؟”
“على أماكن الصيد أولًا.”
أومأ ريكارت، وأشار إلى ثلاث مناطق تتمحور حول البحيرة السوداء.
الأولى: الغابة أمام قلعة مارون حيث تتم حاليًا أعمال قطع الأشجار.
الثانية: الغابة الجنوبية.
أما الثالثة: فهي الوادي الذي يصل قلعة مارون بالخانق.
“حسنًا.”
أومأت برأسي ثم سألته مجددًا:
“وماذا عن الطريق المؤدي للخارج؟”
“هاه؟”
“أقصر مسافة، منطقة آمنة، تضاريس تسمح بمرور العربات، وبعيدة قدر الإمكان عن مقر الجماعة.”
“……”
حدق ريكارت في وجهي برهة.
ثم أشرق وجهه فجأة وانكب على الخريطة.
بعد تفكير متأنٍ، أشار بإصبعه إلى نقطة معينة:
“هنا.”
“حدود كاسناتورا.”
“حتى لو صنعنا طريقًا مُطهَّرًا، فبسبب التل لا يستطيع أحد من الخارج الاقتراب بسهولة. فكّري في سبب رميهم لكِ من ذلك التل العالي. ليس فقط بسبب التلوث، بل لأن الطريق الوعر لا يرغب أحد في الالتفاف عبره.”
“صحيح، فأنا كنت محكومةً بالإعدام أصلًا.”
“أما نحن، فسنكون بخير.”
“ولماذا نحن بخير؟”
“لأننا سنبني جسرًا.”
جسر؟!
وهل الجسور تُبنى بهذه السهولة؟
اتسعت عيناي وأنا أحدق فيه.
يبدو أن طريقة تفكيره تختلف عني تمامًا، ربما لأنه وريث دوقية.
أشار ريكارت بسرعة على الخريطة بيده وهو يشرح:
“نجعله مثل نقطة تفتيش، وإن لزم الأمر نقطع الجسر وينتهي الأمر.
وبالنسبة للحطّابين، بناء جسر خشبي لا يُعتبر شيئًا… إذا توفر الوقت الكافي.”
‘ يا.’
“أتذكرين كم كان عرض الوادي ضيّقًا؟ لا داعي لأن يكون الجسر واسعًا جدًا. حتى لو اكتشفه أحد من الخارج ودخل، فلن تقلقي أبدًا.”
‘ يا..’
“سأمنعهم بنفسي.”
يا لروعة عزيمته!
استطعت أن أخمّن بشكل تقريبي الصورة التي يرسمها ريكارت في ذهنه.
صحيح أن جهة “غرانديس” أسهل للوصول، لكن بما أنّها صارت الآن مدينة لا يمكننا دخولها، وجب التخلّي عنها، أما “سيلبون” فلا أرغب حتى بالنظر إليها مؤخرًا.
توجد قرى أخرى قريبة، لكن ما نحتاجه كمية ضخمة من الإمدادات، ولو لم نجد الكمية التي نريدها فقد نضطر للذهاب حتى المدينة التالية، وهذا أمر مزعج.
إلى الجنوب، تقع “كاسناتورا” حيث التضاريس وعرة والسيول تقطع الطريق، لكن إن تمكّنا من التغلب على هذا العيب، فستكون أفضل دولة يمكننا أن نتاجر معها بالإمدادات.
“جسر، إذن.”
“على أي حال، ليس لدينا ما نفعله.”
“هذا صحيح.”
فأنا لست بطلة القصة الأصلية، فلن أذهب أقتل الشياطين، ولن أتنقّل في الخارج مع أربعة رجال بينما أعيش قصة حب مشغولة، ولن أعرّض حياتي للخطر لكشف أسرار الطائفة.
“موافقة.”
أومأت برأسي.
“لنصنع الجسر.”
وسأسميه “معبر الشيطان”.
❈❈❈
منذ ذلك اليوم، كنت أخرج بكل طاقتي لتطهير ساحات الصيد، وأعود لأتناول الطعام. ثم أخرج مجددًا بكل طاقتي لأطهرها، وأعود لأتناول الطعام.
لكن المدهش أن أكثر من فرح بقرار بناء الجسر لم يكن البشر، بل نبتة الجينسنغ العجوز التي عمرها مئة عام.
“عندما كنا نعيش وحدنا، كنت أظن أنني سأعتني بك وحدي حتى تصيرين عظامًا بيضاء هنا يا هايلي، وكنت أبكي كل ليلة…”
“يا، صحّحي كلامكِ. أنا من يعتني بكِ!”
“وُلدتُ كجنيّة في منطقة ملوّثة، وهذه مأساة بحد ذاتها، ثم بالكاد التقيتُ بالمنقذة، فإذا بها إنسانة منطوية، وتضاف قصتها المأساوية بأنها صارت عدوة للبشر بعد اتباع الشيطان…”
“أنتِ… يا هذه.”
“الآن لم يعد في قلبي أي ندم. حياة بلا انقطاع من اللحم والزبدة والدقيق؟ أنا راضية تمامًا. سأدفن عظامي في هذا القصر.”
“جنيتي.”
“نعم؟”
“هل جرّبت يومًا طبق الـبوف بورغينيون؟”
“ما هذا؟! هل شتمتيني للتو؟”
“لا! إنه اسم أكلة أسطورية!”
“لكنّي أشعر بالإهانة…”
“حين نخرج هذه المرة، سأطلب من فاطمة أن تعدّه لنا. بوف بورغينيون…. حتى أنا لم أذقه أبدًا، لكن مع مهارتها، أعتقد أنها ستنجح.”
“وما هو أصلًا؟ هل يأكله الشياطين فقط؟”
“لو أردتِ الوصف، هو يخنة لحم بقر بالزبدة والطماطم.”
“هاه… بعيداً عن إسمه. أشتهيت أكله بشدّة.”
“حقًا؟”
“نعم، أصبحت هذه أمنيتي من اليوم.”
ومهما يكن، إن كانت جنيتي تريد أكلة، فأنا كسيدة لن أقبل أن أعجز عن توفيرها لها.
لابد أن أجعلها تتحقق.
بينما كان أفراد جماعتي المتزايدون ينهمكون في قطع الأشجار، وزراعة الحقول، وصيانة القصر، وبناء الجسر، أخذت معي ريكارت وحده متوجهين مجددًا إلى غرانديس.
كان الهدف سدّ نقص الطعام إلى أن يحين موسم حصاد البطاطس، إضافةً إلى بعض الطلبات التي أرادها الباقون.
“يا سيّدتي! لا تساعدي أي أحد، ولا توزعي الذهب لأي أحد، ولا تحضري أي شخص جديد.”
“ماذا؟”
“ولا تذكري اسمك، وإن قال لك أحد شيئًا، فابكِ فورًا. بل حتى لو تظاهرتِ بالجنون فلا بأس.”
“أنتم أيضًا ترونني حمقاء…”
“أنتِ تبدين ضعيفة جدًا.”
نظرتُ إلى ذراعي التي لم تتعدّ مستوى عصا الشواء بعد، ثم أومأت.
وبينما كنت أضحك مجاملةً على مزحة ريكارت بأنه صار بإمكانه الذهاب إلى غرانديس مغمض العينين، تحركنا يومين حتى وصلنا بوابة المدينة، وهناك التقيت بجنود الطائفة ذوي الملامح القاسية.
“الأمر في غاية الأهمية… جئت أتبرع بالصدقة لروح الكاهن الراحل. في أيامي الطائشة، كانت عظته شعاع نور أنقذني. أتفهمون؟ لولا أنه مدّ يده لي… لكنت لا أزال غارقة في الخمر والمخدرات والقمار.”
“ماذا؟”
تنهد الجنود من قصتي الطويلة، فقد انتحر أحد الكهنة مؤخرًا بسبب سرقة وثيقة سرية من الأبرشية.
نظروا إلى جسدي النحيل المتكئ على ريكارت، ووجهي الشاحب وخطواتي المتمايلة، ثم أومأوا وكأنهم فهموا.
“لكن، من دون بطاقة هوية، لا يمكنك الدخول.”
“ها هي.”
ناولتهم بطاقة هوية بكل ثقة، كانت قد استعرتها من أحد سكان سيلبون.
♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪
•فضلاً ضع نجمه واكتب تعليق يشجعني على الإستمرار⭐•
حسابي على الإنستا:@empressamy_1213
حسابي على الواتباد: @Toro1312
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 39"