أنـا قلقـة مِـن كـثرة آكـلي اللحُـوم[7]

أثناء الطّريق إلى سلبون ، جادلتُ ريتشارد عدّة مرّات.

كان لا يزال يصرّ على أنّ المنطقة الملوّثة بحاجة إلى طريقٍ مطهّر ، مدّعيًا أنّه في حالاتٍ مثل هذه ، لو كان هناك طريقٌ فقط ، لما اضطررتُ للخروج بنفسي ، بل كان بإمكانه هو و فاطمة الذّهاب وحدَهما.

“أيّة أراضٍ هذه التي تجبر سكّانها على اصطحاب سيّدهم كجهاز تطهيرٍ بسبب التلوّث؟ ألستِ أنتِ أيضًا متضايقة من ذلك؟”

“لا ، لستُ متضايقة”

الخطر أسوأ بكثيرٍ من مجرّد إنزعاج.

“لستُ أطالب بفتح طريقٍ واسعٍ إلى المدينة ، بل مجرّد ممرٍّ جانبيٍّ نستطيع نحن استخدامه. يمكننا إخفاؤه و التّنقل عبره سرًّا”

“الأسرار دائمًا ما تُكشَف يومًا ما. لا يوجد سرٌّ كاملٌ في هذا العالم”

“ما هذه الماركيزة الشّيطانيّة التي تخاف إلى هذا الحدّ؟!”

“إذا كنتَ غير راضٍ ، فاخرج من بيتي!”

تدخّلت فاطمة: “ههه ، إذا واصلتما الجدال هكذا فوق الخيل ، ستنتهيان بقضم ألسنتكما”

صرخْتُ مرّاتٍ عديدة أنّه إذا أراد الخروج إلى الخارج لهذه الدّرجة ، فليغادر أراضيَّ ، لكنّ ريتشارد لم يُصغِ إليّ إطلاقًا.

بل إنّ فاطمة أيضًا بدا أنّها أُصيبت بعدوى منه ، إذ اقترحت حفر نفقٍ تحت الأرض ، ممّا جعلني أكاد أختنق من الصّدمة.

“و من سيقوم بحفره؟!”

“يمكننا استئجار أشخاص …”

“و هؤلاء الأشخاص لن يحفظوا السّر ، فكيف سنتعامل مع ذلك؟!”

“نقتلهم جميعًا ، ألستِ الماركيزة الشّيطانيّة؟”

“ريتشارد!”

ضحك بخفّة.

لم تبدُ مزحته كمزحة ، بل تسبّبت في قشعريرة. هذا الرّجل ، أليس من المحتمل أنّه تحوّل إلى نصف إنسانٍ نصف شيطانٍ دون أن أعلم؟

تدخّلت فاطمة بهدوء: “لكن … لو استطعنا الخروج إلى الخارج ، لتمكّنّا من شراء أغطيةٍ جديدة ، فواكه موسميّة ، أحذية ، و ملابس عصريّة”

“يمكننا العيش جيّدًا بدون هذه الأشياء”

أضافت: “الشّوكولاتة ، القهوة ، البيرة ، الكعك ، النّبيذ …”

ابتلعتُ ريقي دون قصد ، فواصلت فاطمة و كأنّها تسدّد الضّربة القاضية: “إذا توفّرت جميع المكوّنات ، يمكنني تحضير الكثير من الأطعمة الحلوة و المالحة و الحارّة. يمكنني أيضًا الحصول على وصفاتٍ من مختلف المناطق لا أعرفها. لحم الخنزير ، لحم الضّأن ، لحم البقر ، الدّجاج … و حتّى الأسماك المجفّفة جزئيًّا من البحر”

“أجل ، صحيح. مثل الحبّار مثلًا …”

هل يجب أن أبني طريقًا؟
فجأة ، بدأتُ أفكّر في الأمر جدّيًّا.

تذكّرتُ الخريطة التي أظهرها لي ريتشارد عندما ظهر في منزلنا لأوّل مرّة.

كانت قلعة مارون تقع في الجهة الغربيّة من المنطقة الملوّثة.
و كان ذلك منطقيًّا ، إذ كان هناك وادٍ عميقٌ يمتدّ خلف القلعة غربًا ، ذلك الوادي الذي أُلقيتُ فيه مع القضبان.

لا أعرف مدى جبن ماركيز مارون قبل مئة عام ، لكنّ القلعة كانت مثاليّة كحصنٍ دفاعيّ.

أمام القلعة ، على بُعد خطواتٍ قليلة ، كانت البحيرة السّوداء تمتدّ ، و خلفها الوادي العميق. جنوبًا ، كانت هناك غابةٌ كثيفةٌ تُسمّى سوهاي ، و شمالًا ، على بُعد ثلاثة أيّامٍ سيرًا على الأقدام ، تقع غرانديس.

أمّا سلبون ، فكانت تقع في اتّجاهٍ شماليٍّ شرقيٍّ منحرفٍ بذكاءٍ عن قلعة مارون ، تابعةً لمملكة هولت و لكنّها أقرب إلى نيفي.

“سأفكّر في الأمر”

في النّهاية ، كان هذا التفكير عودةً إلى التساؤل الأساسيّ الذي راودني باستمرار و أنا منغلقة في قلعة مارون.

كيف يمكنني أن أعيش حياةً “طويلةً و رفيعةً و جيّدة”؟

لا أريد حياةً أسوأ من حياة الإنسان البدائيّ ، ولا أريد حياةً خاليةً من اللّحم ، الزّبدة ، و الطّحين. ولا أريد أن يتحوّل آكلوا الطّعام المتنوّعون في أراضيَّ إلى بدائيّين مثيرين للشّفقة يتضوّرون جوعًا مثلي.

لا مفرّ إذًا.

ربّما بعض التّجارة “الحدّ الأدنى” مع “العالم الخارجي” …
تتابعت الأفكار متشابكةً في ذهني.

***

توقّفنا أنا و ريتشارد عن الجدال بعد أن كدنا نقضم ألسنتنا فعلًا أثناء الرّكوب ، و غرق كلٌّ منّا في أفكاره.

و هكذا ، بعد يومٍ من السّفر ، وصلنا إلى سلبون.

سألت فاطمة و هي تنظر إلى القرية من فوق التّل: “ما … ماذا نفعل؟”

كان وجهها مشوّشًا بالقلق و الحيرة.

“ما الّذي يحدث هنا؟”

كانت القرية محاصرةً.
محاصرةً بشكلٍ صارمٍ للغاية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

❥ فصل جانبي ~ مع الفصل (31).

“أخفِني لبضعة أيّامٍ فقط. لستُ أطلب منك إنقاذي. فقط دعني أبقى هنا لبضعة أيّام. بمجرّد أن أستعيد ماناي ، سأغادر إلى مكانٍ بعيد”

كانت خصلات شعر هايلي الحمراء متشابكةً و مبعثرةً بشكلٍ فوضويّ.

كان شعرها الأحمر النّاري اللامع دائمًا مصدر فخرها.

حتّى النساء ذوات المكانة العالية و الثّروة لم يمتلكن شعرًا أحمرَ نابضًا بالحياة مثل شعرها. لذا ، كانت تمشّطه يوميًّا بمشطٍ ناعمٍ و تتركه يتدلّى بحريّة.

اقترب أوجين و مرّر أصابعه عبر شعر هايلي لتمشيطه.

“هل ستواصلين الهروب بهذه الطّريقة إلى الأبد؟”

“لم آتِ لأسمع مواعظكَ”

“ماذا عن سيريل فانديسيون؟ و ميكلان هولت؟ إذا كنتِ قد ارتكبتِ كلّ تلك الأفعال من أجلهما ، فلمَ لا تذهبين إليهما و تطلبين منهما إنقاذكِ؟ لمَ تأتين إليّ و تفعلين هذا؟”

“أوجين!”

“سأعلنها بنفسي. هذا سيحلّ المشكلة ، أليس كذلك؟ سأقول إنّ مذبحة عائلة وينتر الدّوقيّة كانت بأمرٍ من سيريل بانديشيون ، و أنّ قتل الوريث الأكبر لفانديسيون كان عمله هو. و أنّ تسميم ملك هولت لم يكن من فعلكِ ، بل من فعل ميكلان و أمّه …”

“لا يمكنك ذلك!”

غضبت هايلي و قالت: “كفى. هذا شأني و أنا من سيتعامل معه”

“لا تتصرّفي بغباء. هذا لا يشبهكِ. لمَ تفعلين هذا؟ هل تعتقدين أنّهما سيشكرانكِ على ذلك؟ هل تظنّين أنّهما سيكافئانكِ؟”

“لم أفعل ذلك طمعًا في شكرهما. إذا كشفتُ الحقيقة ، فماذا سيحدث؟ على الأقلّ ، لديّ شعور بالرّضا الذّاتيّ لأنّني ضحّيت من أجلهما. الكشف عن الحقيقة الآن هو الخيار الغبيّ”

“هايلي!”

“لا أريد أن أكون نفايةً استُخدمت ثمّ أُلقيت!”

على الرّغم من ألمها و معاناتها ، لم تبكِ هايلي. كانت تعلم بعقلها أنّها خُذلت و أُلقيت ، لكنّها رفضت قبول ذلك.

“أفضّل أن أكون شرّيرة”

“و ماذا لو متِّ؟”

“الموت أفضل”

“و ماذا عنّي؟” ، و أضاف: “إذا متِّ ، ماذا عنّي؟ كيف سأعيش أنا؟”

لمع بريق الدّموع في عينيه للحظة. كان صوته يرتجف بنبرةٍ ضعيفة و هو يسأل: “ماذا سأفعل أنا؟”

في المعتاد ، كانت هايلي تحتضنه كما تفعل أمٌّ أو أختٌ كبرى ، تهدّئه و تستمع إلى كلّ ما يقوله.

لكنّ هذه المرّة كانت مختلفة.

“لستُ أطلب منكَ أن تفهمني”

صمت أوجين.

“فقط أخفِني لبضعة أيّام. هذا يكفي”

كانت فرقة مطاردة الطّائفة تقترب. ربّما كان منزل أوجين ، الذي كان على وشك أن يصبح كاردينالًا ، مكانًا آمنًا.

قالت هايلي إنّها ستبقى هنا لبضعة أيّام لتستعيد قوّتها ، ثمّ ستتوجّه مباشرةً إلى كاسناتورا.

“سأذهب إلى دار الأيتام التي عشنا فيها عندما كنّا صغارًا. سأخفي هويّتي و أعيش حياةً عاديّة هناك. لن أستخدم السّحر أبدًا”

“لهذا السبب درستِ السّحر بكلّ تلك الصّعوبة و قتلتِ النّاس؟”

“كفى. قلتُ إنّني لا أريد سماع مواعظك”

“قلتِ إنّني سأموت إذا متِّ ، و مع ذلك تريدين تحمّل كلّ تلك المخاطر و العيش مختبئةً من أجل أولئك الرّجال؟”

“ما الذي تحاول قوله بالضّبط؟”

قال أوجين و هو يبكي: “اخرجي”

كانت عيناه البنفسجيّتان الشّفّافتان مملوءتين بالدّموع.
تقدّم نحو الباب و فتحه بيده.

“اخرجي من بيتي. اخرجي و واجهي المطاردة ، أو دعيهم يقبضون عليكِ و يحاكمونكِ. افعلي ما شئتِ”

“أوجين!”

“لا تطلبين شيئًا من أولئك الرّجال ، أليس كذلك؟ ماذا؟ الموت أفضل؟ إذًا ، يجب أن يكون الأمر نفسه معي. لمَ تعطينهم كلّ شيء ، ثمّ تأتين إليّ لتطلبي شيئًا؟”

“أنت … لا يفترض بك أن تفعل هذا!”

“لمَ لا؟”

صاحت هايلي: “لأنّك عائلتي!”

هزّ أوجين رأسه نافيًا و قال: “عائلة؟ لا، لستُ كذلك”

“أوجين …”

“أنتِ تعلمين أنّني أحبّكِ. و تعلمين أنّ هذا الحبّ قديم. حتّى عندما قلتِ إنّكِ تحبّين سيريل فانديسيون ، و عندما أقسمتِ العهد مع ميكلان هولت ، كنتُ أحبّكِ”

“لا تفعل هذا. أنتَ الشّخص الوحيد الذي يمكنني الاعتماد عليه …”

كانا قد اتّفقا على ألّا يخونا بعضهما مهما حدث.
حتّى لو تخلّيا عن العالم ، أو دمّراه.

كانا كتوأمٍ وُلدا متّصلين من ظهريهما ، يعتمدان على بعضهما و يتّكئان. عائلة ، بل ربّما كان كلٌّ منهما يرى الآخر جزءًا من ذاته.

لكنّ أوجين قال: “لا.”

“اذهبي إلى الرّجل الذي تحبّينه و اعتمدي عليه”

“لا تفعل!”

“لعبة العائلة انتهت ياهايلي.”

———————————————————————
•فضلاً ضع نجمه واكتب تعليق يشجعني على الإستمرار⭐•

حسابي على الإنستا:@empressamy_1213

حسابي على الواتباد: @Toro1312

ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧