أواخر الربيع ، التـطـهيـر[1]
سقطتُ في مياهٍ سوداء تحت الأخدود. الصدمة من السقوط أفقدتني كلّ تركيزي.
لم يكن كافيًا أن أرتطم بجسدي كاملًا بالقضبان المحطّمة ، بل لم أجد حتى فرصةً لأحبس أنفاسي ، فتسرّب الماء الملوّث بالماغي إلى رئتي بسرعة.
حتى في تلك اللحظة القصيرة ، شعرتُ بالقرف من ضعفي.
كان التيّار قويًّا جدًّا ، و أنا لا أعرف السباحة أصلًا. لو كنتُ أعلم ، لتعلّمتُ على الأقلّ السباحة للبقاء على قيد الحياة.
الغرق مؤلم جدًّا كما يقولون ، فهل هذه هي نهايتي؟ هل سأموت ثم أستيقظ في منزلي؟ أم سأنتقل إلى رواية أخرى؟
لا بأس أن أكون شريرة ، لكن أتمنّى أن تكون روايةً يغفر فيها الجميع بمجرد التظاهر بالندم.
أرجوكِ.
و بينما أُصارع الغرق ، أمسكتُ بشيءٍ ما. كانت هناك جذور شجرة بارزة من قاع النهر. بما أنّ التيّار كان سريعًا ، تشبّثتُ بها بكلّ ما أوتيت من قوّة.
سخّرتُ كلّ قوّتي ، كما لو كنت أعود للحياة من رحم أمّي.
تسلّخت راحتي ، و نزفتُ دمًا ، لكنّني تمسّكتُ بها بإصرار ، مصمّمةً على أن أموت متشبّثةً بها إن لزم الأمر.
و فجأة ، شعرتُ بالغضب.
يا هايلي!
كيف نَجَوْتِ من هنا؟ إذا أعطيتِني جسدكِ ، كان من المفترض أن تورّثيني قوّتك أيضًا!
حتى لو لم أكن قادرة على قتل ملك الشياطين مثل البقيّة ، فليس من العدل أن أموت بهذا الشكل المأساوي!
أنا تجسّدتُ في الرواية ، أليس كذلك؟!
و فجأة ، انفتح بصري. تحوّلت المياه السوداء إلى شفّافة.
الماغي التي جعلت المياه مظلمة كانت تدور بشكلٍ حلزوني و تدخل إلى جسدي.
كان حقيقيًّا. كنتُ أمتصّ الماغي. بسرعةٍ كبيرة.
…؟
كان مشهدًا غامضًا. لم أشعر بالرعب أو الاشمئزاز.
غريب … كنتُ أعلم أنّ هايلي قد فقدت ماناها بشكلٍ دائم ، و لم تعد قادرة على استخدام السحر.
لكن هل الماغي تختلف عن المانا؟
كلّما مرّ الوقت ، كبر الإعصار وازداد امتصاص جسدي للماغي.
أصبحت المياه حولي شفّافة ، ثم تبتعد لتتلوّن بالسواد من جديد.
حتى جذور الشجرة التي كنتُ أتشبّث بها بدأت تتغيّر.
تحوّل لونها من السواد المحروق إلى الأخضر النضر، ثمّ انسلّت من قاع النهر كما يُقتَلَع الفجل.
ثم بدأت … تسبح.
ماذا؟ الشجرة تسبح؟
نظرتُ عن كثب ، فوجدتُ لها أطرافًا. و وجهًا. و فمًا.
“……!”
بل و كانت تتكلّم. لم أستطع سماع كلماته تحت الماء ، لكنّه كان كائناً يصرخ.
حتى إنّه أمسك بيدي!
مدّ لي يده من بين الجذور ، فأمسكتُ بها.
جذبني بقوّة. القضبان التي كانت صلبةً بدأت تنهار ، و شعرتُ أنّني أُسحب من خلالها.
و هكذا … خرجتُ من الماء.
“بُـواه!”
على ضفّة النهر ، كانت الأشجار الميتة متشابكة بشكلٍ مخيف.
زحفتُ بينها و أخذتُ أتقيّأ الماء بلا توقّف. شعرتُ و كأنّ الماء يخرج من أنفي و أذني و عيني أيضًا.
يا إلهي ، لقد نجوتُ. كدتُ أغرق … كان الأمر مخيفًا جدًّا.
كوني أصبحتُ هايلي كان مرعبًا بما فيه الكفاية ، لكن أن أموت بعد أقلّ من يوم؟ هذا كثير.
لكنّ من بجانبي بدا أكثر صدمةً منّي.
“آي! لقد تألمتُ! ظننتُ أنّي سأموت! كيف لكِ أن تشدّي شعر رأسي بهذه الوحشية؟! كِدتِ تقتلعينه بالكامل!”
كان كثير الكلام.
“لكن … كيف أنقذتني؟ كيف نجوتُ؟ من أنت أصلًا؟ كيف قمت بالتطهير؟ كيف ما زلتُ على قيد الحياة؟! ها؟”
أسئلة لم تنتهِ.
“كم من الوقت مرّ؟ في أيّ سنة نحن الآن؟ أأنتِ إنسانة؟ هل جئتِ أخيرًا لتطهّري هذا المكان؟ هل يمكن لشعبي العيش مجدّدًا؟”
بعد أن تقيّأت كلّ ما في معدتي ، استلقيتُ على جذع الشجرة التي أنقذتني ، ثمّ قلتُ له: “أنا هايلي”
“أنا دراياد”
“ولا أعرف شيئًا”
“هاه؟”
اقترب منّي ، كان وجهه مستديرًا و صغيرًا ، بشرتها تشبه المستنقعات ، و شعره كأنّه سيقان ملتفّة من الأعشاب الخضراء.
“لقد أنقذتِني.”
“أنا؟”
“كنتُ أموت في الأرض الملوّثة ، لكن عندما أفقتُ ، وجدتُك تحضنيني و تقومين بتطهيري. فأخرجتك فورًا”
أها …
“إذًا أنا من أنقذك ، صحيح؟”
“نعم؟”
“أوصِلني إلى قصر مارون ، من فضلك.”
ثمّ فقدتُ وعيي. ❈❈❈
عندما أفقتُ ، لم يكن قد مضى وقتٌ طويل.
فرحتُ لأنّ ادراياد لم يتخلَّ عني ، و ظننتُ أنّه مخلصة ، لكنّه قال لي بوجهٍ حزين إنّه لا يستطيع تركي ، لأنّه سيعود و يتلوّث إن ابتعد عنّي.
“كما توقّعت”
في البداية ، لم أستطع تصديق أنّني من قامت بعملية التطهير ، لكنّني لم أستطع إنكار الأمر بعد أن رأيتُ الأشجار حول مكاني تنمو من جديد.
جسدي أصبح يمتصّ الماغي تلقائيًّا عند لمسه؟
هايلي … أنتِ مذهلة.
كنتُ أعلم! لا يوجد من يتجسّد في رواية دون قوّة خرافية! كنتُ أعلم أنّكِ تملكين قدرة مميّزة و مذهلة!
“قصر مارون يبعد من هنا نصف نهار سيرًا. اتّبعي مجرى الماء و ستصلين إلى بحيرة سوداء ، و على التلّة فوقها يوجد القصر”
“لنذهب”
يجب أن نذهب بسرعة. الشمس توشك على المغيب.
لا يمكنني قضاء الليل في هذا المكان الموحش ممسكةً بجذور الشجر.
على الأقلّ ، أريد سقفًا يحميني و أنا نائمة.
الآن بعد أن اكتشفتُ قدرتي على امتصاص الماغي و تطهير التلوّث ، كلّ ما أحتاجه هو مكان آمن أعيش فيه.
و أنا أعتقد أنّ قصر مارون هو المكان المناسب.
سألني دراياد: “لماذا سقطتِ من هناك أصلًا؟”
“لأنّهم رموني”
“ماذا؟ يا إلهي ، يا لهم من أشرار …”
“لقد ارتكبتُ الكثير من الجرائم. كان من المفترض أن يُعدَموني ، لكنّهم رموني هنا بدلًا من ذلك، ونجوتُ”
“يا إلهي …”
لهذا عليّ أن أعيش في الخفاء.
لو خرجتُ إلى العالم ، سأُقتل.
شعاري في الحياة كـ ‘شخص تجسّد في رواية’ هو أن أعيش طويلًا و بهدوء.
لا إعدام ، لا حرق ، لا سجن ، لا مطاردة. و لا أريد أن يُشير إليّ أحدٌ بأصابع الاتّهام على ذنبٍ لم أرتكبه.
“هيا بنا”
دعونا نذهب إلى قصر مارون.
كما أراد الجميع من هايلي ، سأعيش في ذلك القصر المهجور وسط المنطقة الملوّثة.
لا أحتاج إلى الرفاهية. و إن كنتُ وحيدة ، فلا بأس. ما دام هذا سيُبقيني حيّة.
سأعيش ببساطة في قصر مارون.
العالم سيتكفّل به الأبطال ، و أنا أعيش في جسد الشريرة التي يكرهها الجميع ، فمن الأفضل أن أعزل نفسي من أجل السلام العام.
“أتعلم..؟ في طريقنا ، لنجرب لمس بعض الأشياء ، ربما أُطهّر شيئًا!”
“ما هذا التهور؟ ماذا إن نفدت طاقتكِ؟ علينا أن نصل إلى القصر و نؤمّن مكانًا للإقامة ، ثم نبدأ التطهير من هناك”
“أنت ذكيّ”
“بل أنتِ متهوّرة …”
“هل أمتنع عن التطهير؟”
“أنا آسف!”
و بما أنّه اعتذر بكلامٍ سطحي ، علّمتُه كيف يعتذر باحترام وبطريقة رسميّة.
و أثناء الطريق ، تبادلنا الأحاديث.
كان من الرائع وجود شجرة تتحدّث. كانت تشبه نبات الجذر ، و كان ذلك لطيفًا.
و في نهاية نصف يوم من السير ، وصلنا أخيرًا إلى وجهتنا.
كان قصرًا قديمًا شامخًا وسط ضبابٍ أسود.
قصر مارون.
كان الماغي النقيّ يتجمّع داخل جدرانه ، أقوى بكثير من الأخدود.
لدرجة أنّ دراياد لم يستطع حتى التنفّس فيه ، فكان يلتصق بي و يدفن وجهه في ظهري كي يستطيع المشي.
وحدي كنتُ غير متأثّرة بالماغي.
“واو …”
“ماذا؟ ما الذي أدهشك الآن؟”
“القصر ضخم”
فتحنا البوابة المتداعية ، فانكشفت أمامنا ردهة ضخمة ، و عدد هائل من الغرف.
بدأتُ أتجوّل في المكان كلّه.
“واو.”
“الآن ماذا؟”
“الغرف كثيرة!”
كانت ضخامة القصر و عدد الغرف مربكة جدًّا. دفعت دراياد رأسها في ظهري و انفجرت غاضبة.
“ما كان يجب أن تختاري هذا المكان للعيش أصلًا! و ما فائدة السقف إن كان الهواء ملوّثًا هكذا؟!”
“اهدأ. من أين نبدأ؟”
“أيّ مكان! فقط توقّفي عن التجوال و ابدئي التطهير ، أرجوكِ!”
“انتظر ، كما في الألعاب ، هناك دائمًا قرية بداية. لو كنتُ جائعة ، أبدأ من المطبخ. و لو أردتُ النوم ، من السرير”
“أنا سأموت!”
“لا تموتي! تطهير!”
و لهذا ، من يتسرّع لا يربح.
و في ذلك اليوم ، و من بين كلّ الأماكن في القصر … طهّرتُ المخزن ، المكان الأقلّ فائدة.
و كانت تلك … بدايتنا
———————————————————————
حسابي على الإنستا:@empressamy_1213
حسابي على الواتباد: @Toro1312
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
التعليقات لهذا الفصل " 2"