وصل أوجين ويديمارك إلى سلبون قبل شروق الشمس ، في فجر مبكر.

كانت الطريق الجبلية الزرقاء مملوءة بنسيم بارد. بمجرد وصوله إلى مدخل القرية ، نزل أوجين من حصانه و نظر حوله.

اقترب مساعده و قال: “لقد قمتَ بمسيرة شاقة طوال الليل ، فلم لا ترتاح قليلاً في النزل؟ إنها قرية صغيرة ، لكن لحسن الحظ يوجد نزل هنا”

“أرسل اثنين من الفرسان المقدّسين مع جنود إلى منطقة قطع الأخشاب حيث شوهد ريكارت وينتر. ضع شخصًا عند مدخل القرية للتحكّم في الدخول و الخروج ، و دع فريق التحقيق يجري مقابلات مع كلّ سكان القرية دون استثناء”

“حسنًا”

“و أنتِ ، تعالَي معي إلى النزل”

ظنّت المساعدة أنّ أوجين سيستريح أخيرًا ، فتبعته بوجه مشرق. لكن بمجرد دخولهم المبنى ، وقفت المساعدة بجانبه بوقفة صلبة.

أمسك أوجين بصاحبة النزل و سأل: “هل زار هذا المكان مؤخرًا رجل طويل أشقر يجيد استخدام السيف؟ من المحتمل أن يكون له هيئة نبيل”

“ما الأمر؟”

نظرت فاطمة ، صاحبة النزل ، إلى أوجين و مساعده و الفرسان المقدّسين الواقفين عند الباب ، و سألت بوجه متصلب: “هل أنتم من الطائفة؟ حتّى لو كان هذا نزلاً في قرية ريفية ، لا يمكنني الحديث عن زبائني دون سبب”

“كيف تجرؤين! هل تعرفين من هو هذا؟”

صرخت المساعدة بتوبيخ ، فتراجعت فاطمة متقلّصة الكتفين.

“مَن … هو؟”

“إنه أحد أعمدة الطائفة الخمسة ، الكاردينال أوجين ويديمارك، الذي يحمل إرادة الحاكم!”

“آه …”

أشار أوجين بعينيه إلى المساعدة ألا تتدخّل ، لكن فاطمة كانت قد أُصيبت بالخوف بالفعل.

“لا تخافي. الرجل الذي نبحث عنه هو ريكارت وينتر ، مطلوب في مملكة نيفي. من المهم تحديد مكانه ، لذا أخبرينا بالحقيقة”

“ما الجريمة التي ارتكبها؟”

ما الجريمة؟ أغلق أوجين فمه بوجه غريب. 

ما الجريمة التي ارتكبها ريكارت وينتر؟ في الحقيقة ، لم يرتكب أي جريمة سوى خسارته في حرب بين العائلات.

كان سبب بحث أوجين عنه يتعلّق فقط بصلته بـ هايلي. 

لذا ، بدلاً من اختلاق جريمة ، بدا أنّ نهجًا آخر سيكون أفضل.

“نحن لا نبحث عنه لمعاقبته. نحن بحاجة فقط إلى المعلومات التي يعرفها. الأمر خطير ، لذا لا يمكنني إخباركِ بكل شيء”

“إذن ، ليس أمرًا سيئًا؟”

استرخت فاطمة أخيرًا و أنزلت كتفيها. 

فكّرت أنّ كاردينالاً لن يكون لصًا على الأقل. أخرجت كنزًا كانت تخفيه في ركن المطبخ و قدّمته أمام عيني أوجين.

كان ذلك شيئًا تركته هايلي بجانب رأس ريكارت النائم ، لكنّه نسيه.

“في الحقيقة ، لا أعرف من هو. جاء قبل بضعة أيام و قضى ليلة هنا. كنتُ أفكّر كيف أعيد هذا إليه لأنّه تركه”

“هذا …”

“يبدو ثمينًا ، أليس كذلك؟”

كان سوارًا قديمًا جدًا ، يغطّي المعصم بحجم قبضة اليد ، مزيّنًا بحبات صغيرة من الأحجار الكريمة. حتّى من لا يعرف شيئًا عن تقييم الكنوز سيندهش من قيمته.

كان السوار مزوّدًا بخمسة أحجار سوداء ، ربّما أونيكس أو ياقوت أسود ، مرصّعة كالأوراق في أخدود أحمر.

نظر أوجين إلى السوار دون لمسه ، ثم سأل فاطمة: “هل كان يرتديه؟”

“لا. لقد أنقذ فتاة مسكينة ، فأعطته إياه كشكر. بدت و كأنّ لها قصة ، لكن ربّما هي ابنة عائلة ثرية”

“فتاة؟”

“نعم ، بشعر أسود طويل …”

“شعر أسود؟ ليس أحمر؟”

“كان أسود. أكلت وجبة و غادرت إلى الغابة في منتصف الليل ، قائلة إنّ عليها العودة بسرعة”

“لم تذكر اسمها؟”

“ما الأمر حقًا؟”

تراجعت فاطمة قليلاً ممسكة بالسوار. 

كان أوجين يقترب منها و يسألها بإلحاح.

“هذا كل ما أعرفه. إذا كنتم ستقيمون في النزل ، أخبروني مسبقًا. يجب أن أحضّر الطعام”

تنفّس أوجين بعمق و ببطء.

فتاة أعطت ريكارت وينتر كنزًا قديمًا كشكر؟ مشبوه جدًا.

من المعلومات التي يملكها ، كان ريكارت دائمًا وحيدًا ، و ليس من النوع الذي يملك القلب لإنقاذ أحد أو مساعدته.

فكرة أنّه ركض بعَجلة إلى أعماق المنطقة الملوّثة ، متجاهلاً الكنز ، جعلت الأمل و القلق ينبتان في قلب أوجين في نفس الوقت. تجوّلت عيناه البنفسجيتان في ارتباك قبل أن تستعيد هدوءها.

“سيدي الكاردينال ، ماذا نفعل؟”

سألت المساعدة في الوقت المناسب. 

وقف أوجين في وسط النزل و أمر: “أغلقوا سلبون بالكامل ، و اجمعوا كل من رأى ريكارت وينتر أو رافقه و لو مرة واحدة. حقّقوا في كل تفصيلة ، و إذا كان هناك من يخفي شيئًا ، استخدموا كل الوسائل لمعرفة ذلك”

“حسنًا ، لكن …”

“لا تسامحوا على العصيان. نحن ننفّذ إرادة الحاكم”

“نعم ، نعم!”

وقفت المساعدة بصلابة و أدّت التحية.

ننفّذ إرادة الحاكم. 

كان يعرف جيدًا ما يحدث عندما تقول الطائفة ذلك. 

عندما تحاكم الطائفة من هم غير مستقيمين أو غير مؤمنين أو غير مخلصين ، فإنّها دائمًا ترفع راية إرادة الحاكم.

خرج من النزل على الفور و أمر الفرسان المقدّسين بإغلاق سلبون و استجواب السكان.

أمرهم ألا يفوتهم أي دليل صغير عن الغريبين اللذين ظهرا في القرية. 

سأله الفرسان بوجوه جادة: “هل هي محاكمة الهرطقة؟”

محاكمة الهرطقة.

تردّدت المساعدة و. هي تنظر إلى أوجين و الفرسان بالتناوب ، ثمّ توصلت إلى استنتاجه و أومأ بقوة.

“… ربّما” 

***

كانت التغييرات في قلعة مارون نحو الحضارة سريعة و صاخبة.

بعد أيام من تطهير الغابة القريبة لتكون أرض صيد ، اضطررتُ إلى التفكير بجدية في تربية البط.

خوفًا من هروب البط التي اصطدناها بجهد ، وضعناها داخل الأسوار ، لكنّها تجوّلت و دمّرت الحديقة.

استيقظنا لنجد حقلنا الثمين في فوضى ، تحول إلى ملعب للبط. كانت آخر فراولة مهروسة بين فضلات البط و الريش ، و كانت براعم البطاطس مدوسة بالكاد مرئية.

بكت دراياد.

“بطاطسي! فراولتي!”

لم أكن أعرف أنّ البط تأكل أي شيء بهذه الطريقة. 

و لم أكن أعرف أنّها نشطة جدًا و صاخبة.

بينما كنتُ أنا و جنّيتي نحدّق بالبط بنظرات مليئة بالحب و الكراهية ، اقترب ريكارت و قال إنّه يجب أن يذهب لشراء قوس صيد.

لم يكن المقلاع المرتجل كافيًا للصيد المناسب. 

كانا الزبدة و السكر قد نفدا ، و كنا نأكل الخضروات النيئة و ثمار الأشجار منذ الصباح بمزاج كئيب.

كنتُ أحتفظ بالزبدة بكميات قليلة خوفًا من فسادها في درجة حرارة الغرفة ، و كان السكر قد نفد لأنّني و جنّيتي ، المدمنتان على الحلاوة ، كنا نتناوله بالتناوب سِرًا.

فجأة ، شعرتُ بالإحباط العميق.

على مدى عام ، حافظتُ بجهد على حياة بدائية و متقشّفة ، لكن هل كانت إرادتي هشّة لهذه الدرجة؟ لماذا أنا ضعيفة جدًا أمام اللحم ، الطحين ، الزبدة ، و السكر؟

هل يجب أن أخرج مرة أخرى؟

طعم الحضارة كان كذلك. 

كان من الصعب اتخاذ الخطوة الأولى ، لكن بمجرد تذوّقه ، أصبح من المستحيل العودة إلى ما قبل.

“هيا بنا.”

كان القرار صعبًا ، لكن التنفيذ كان سريعًا.

بعد أن جعلتُ دراياد تعد ثلاث مرات ألا تأكل البط بمفردها مهما جاعت ، أخذتُ ريكارت و توجّهنا إلى سلبون. 

***

“هايلي!”

تبعها يائسًا. أرهق نفسه ليجعلها ، رغم غضبها و رفضها ، تمد يدها إليه.

حتّى هايلي ، الساحرة الشريرة ذات القلب الرقيق ، لم تستطع تجاهله و هو ينهار متلوّثًا بالماغي ، فأخذته إلى القلعة.

هايلي ، منقذة حياتي.

قرّر ريكارت.

بما أنّكِ أعدتِ إحيائي ، سأعيش من أجلكِ الآن. سأملأ قلبي الفارغ البالي بكِ ، و سأعيش لردّ الجميل بدلاً من الانتقام.

ثمّ، كالكذبة ، شعر براحة في قلبه.

في القلب المليء بالأشواك و الشفرات ، ازدهرت الزهور ، و نبتت البراعم ، و أثمرت.

كانت حياته مليئة بالتعاسة ، تجعل الجميع من حوله يقاتلون ، لكنّه الآن أصبح كجدار عالٍ في وسط المنطقة الملوّثة.

سأحمي هايلي.

من أولئك الذين استغلّوها و أطلقوا عليها لقب الساحرة الشريرة ، ثمّ تخلّصوا منها في النهاية.

حسابي على الإنستا:@empressamy_1213 

حسابي على الواتباد: @Toro1312

ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧