115

استيقظتُ في صباحٍ متأخرٍ في اليوم التالي، وكان الضجيج يعمّ أنحاء مدينة “مينيستري”.

كنت أختبئ في المقرّ المؤقّت لوليّ العهد ماريس، وهو مكانٌ تحيط به الحراسة المشدّدة ويقع في منطقةٍ نائية نسبيًّا، ومع ذلك، وصل صخب الشارع إلى سريري.

كنت أنوي النوم أكثر، لذلك أبقيت النوافذ مُحكمة الإغلاق، لكن حين لم أعد أحتمل الفضول، ارتديت رداءً فخمًا، وضعت قبّعةً مزدانةً بطرحةٍ شفّافة على رأسي الفوضويّ، ثم فتحت النافذة نصفها ونظرت إلى الخارج.

كان الناس يسيرون نحو القلعة، يحملون… معاول؟

“هاه؟”

نعم، معاول.

معظمهم يحمل معاول، وبعضهم القليل يحمل مطارق ضخمة وأوتادًا خشبية. بدا أنّ جميع الرجال ذوي البنية القوية في “مينيستري” قد اتّجهوا إلى القلعة.

ظننت أنني ما زلتُ أحلم. فركتُ عينيَّ، رفعتُ الطرحة لأتأكد، لكن المشهد لم يتغيّر.

كانوا يسيرون نحو القلعة وهم يدندنون بمرح، لا كما يتوجّه من يريد إنقاذ ملكٍ عالقٍ في سحرٍ مظلم.

“سيدتي زيوس، هل استيقظتِ؟”

نادى مساعد ماريس من خلف الباب بصوتٍ عالٍ.

كان قد أصرّ على التظاهر بأنه خادمي الشخصي كي لا يُفتضح أمري.

“ما الذي يحدث هناك؟”

“عفوًا؟”

فتحت الباب وأدخلته الغرفة، ثم أشرت إلى النافذة قائلةً:

“أنظر. ما هذا كلّه؟”

نظر المساعد إلى الحشود في الشارع، ثم ضحك بخفة وقال:

“هل تذكرين ابن لورد المدينة؟ يبدو أنه كان خارج القلعة حين وقعت الحادثة. والآن بعدما سُجن الملك في قلعته، لم يعرف ما يفعل، فظلّ طوال الليل يطلب المساعدة من هنا وهناك… وفي النهاية، أنفق كلّ ماله ليستأجر عمالًا.”

“عمال؟ أهو… جادّ؟ يريد حفر نفق؟”

“نعم. قالوا إنهم لا يثقون في بناء برجٍ حصارٍ للوصول إلى الأعلى، فقد يسقط أحدهم في الضباب السحري أو يثور السحر كالدخان، وهذا سيكون كارثة، خصوصًا والملك محبوس في الداخل.”

“وهل يظنّون أنّ الحفر أكثر أمانًا؟”

“هذا ما يظنّه معظمهم. قالوا إنهم إن حفروا بعمقٍ كافٍ، فسيكون الأمر آمنًا. هناك بالفعل سجون ومستودعات تحت القلعة، لذا لا يحتاجون سوى للوصول إليها.”

“لكن الضباب السحري أثقل من الهواء.”

خرجت الجملة من فمي بكسل، فأصيب المساعد بالذعر وقال وهو ينتفض:

“ماذا؟ ماذا قلتِ؟!”

“ما بك؟ السحر أثقل من الهواء.”

“حقًا؟ هل هذا صحيح؟!”

“يا إلهي… أكنتَ تعيش مغفّلًا طوال حياتك؟ قضيتُ نصف عمري في قلعة مارون أتنفّس هذا الضباب، ألا تظنّ أني لاحظت؟ الضباب السحري يبقى منخفضًا، كطبقةٍ من الغيوم السوداء الزاحفة. ولهذا استطاعت أستا أن تحلّق فوق مناطق التلوّث وتصل إلى منزلي مع حوض الأرواح.”

“حوض الأرواح؟! لا، هذا ليس المهم! ماذا سنفعل الآن؟ هؤلاء خرجوا بفضل الذهب الذي وزّعه ابن اللورد ليحرّروا الملك!”

“وماذا بيدي؟ عليهم أن يحفروا جيّدًا إذًا. إن أخطؤوا، سيتسرّب السحر إلى الأنفاق ولن يروا ملكهم مجددًا.”

“سيدتي زيوس…”

“لا. لا أريد.”

“لم أقل شيئًا بعد!”

“كنت ستطلب مني أن أُبقي ميكيلان عالقًا هناك فترة أطول، أليس كذلك؟”

“لقد قرأتِ أفكاري تمامًا… أنا متأثّر فعلًا. ربما نحن روحان خُلقتا لبعضنا!”

حقًّا؟

نظرت إليه بتمعّن.

إنه مساعد وليّ العهد الأقرب إليه، ما يعني أن مستقبله مضمون، كما أن عائلته على الأرجح ذات شأن. شكله وسيمٌ بما يكفي دون أن يثير غيرة النساء أو يُغريهن، وليس قبيحًا فيحمل عقدة نقص.

رجلٌ يمكنه أن يبتسم بثقة أمامي، أنا التي يسمّونها “الماركيزة الشيطانية”. مثيرٌ للاهتمام.

ابتسمت ابتسامةً تشبه زهرة الدُورَاجي وقلت:

“هل لديك خطيبة؟”

“لا.”

“ولماذا؟”

“اعتقدت أنه من الأفضل أن أتزوج امرأةً من عائلةٍ نبيلةٍ مناسبةٍ حين يتوّج سموّ الأمير ماريس ملكًا. زواجٌ سياسيّ سيكون أنفع لمسيرتي.”

“فكرة ذكية.”

كان قد جلب لي الفطور على صينية صغيرة فيها خبزٌ دافئٌ وحساءٌ يتصاعد منه البخار. خلعت القبعة وسألته وأنا أنظر إلى الطعام:

“وما نوع النساء التي تفضّلها؟”

“أحبّ النساء اللواتي يبعثن فيّ خوفًا أكبر من قائدي المباشر.”

“أي… أنا.”

“بالضبط.”

ضحكتُ بخبثٍ كالمختلة، فضحك هو بالطريقة نفسها فورًا.

“اليوم اخترنا لكِ ثيابًا مختلفة قليلًا عن المعتاد. لا بدّ أن تبقي متخفّية. سيُقال إنك مستشارة قادمة من كاسناتورا لمساعدة الأمير.”

“آه، مرشّحةٌ محتملةٌ لتكون أميرةً مستقبلية من عائلة المستشارين إذن؟”

“هاهاها!”

ضحك بذكاءٍ مصطنع، فخطر لي أن أُقرنه بـ”لانغو” في مهمةٍ مشتركة.

سيكونان ثنائيًّا مثاليًّا، عليّ أن أجرب ذلك يومًا ما.

بعد الإفطار، ارتديت الملابس التي أعدّها المساعد وذهبت إلى ماريس.

كان مشغولًا منذ الصباح كأيّ وليّ عهدٍ حقيقيّ، فقد تضاعفت أعماله بسبب ما حدث لميكيلان العالق في القلعة. ومع ذلك، كان على وجهه نشاطٌ غريب، يشعّ كمن استيقظ على حلمٍ جميل.

كم يجب أن يكون ميكيلان بغيضًا حتى يبدو هذا الفتى اللطيف سعيدًا بمعاناته إلى هذا الحد؟

كان يتحدث بحماسة عن ضرورة إنقاذ الملك فورًا… لكن في عينيه، كانت تلمع سعادةٌ يصعب إخفاؤها.

أنا أحب هذا الجانب منه حقاً.

حتى ضيق صدره يجعله يبدو أكثر إنسانية.

“زيوس!”

ناداني ماريـس بعد أن أنهى اجتماعه، واقترب مني بخطواتٍ سريعة، ثم توقّف فجأة.

عيناه توقفتا عند فستاني وقبعتي، كأنهما تاهتا بينهما.

فستانٌ أصفر منتفخ كزهرٍ بريٍّ مجنون، وقبعةٌ خضراء… حتى أنا حين نظرت لنفسي شعرت أني أشبه نبتة كاميليا فقدت عقلها، فكيف به إذن؟

“اليوم أيضاً… أنتِ جميلة كعادتك، ولا تتصورين كم أنا ممتن لأنكِ جئتِ لمساعدتنا…”

“ملابسي اختارها مساعدك.”

“لم أكن أعلم أن هناك ملابس لا تليق بك.”

ابتسم ماريـس بخفة وهو يمد ذراعه نحوي بأدبٍ فطريّ.

ربما فعل ذلك لأنني أرتدي فستاناً ضخماً وحذاءً ذا كعبٍ عالٍ، فظنّ أني بحاجةٍ إلى عونٍ.

لكن بدل أن أمسك بذراعه، أمسكت بيده مباشرة ونظرت إليه قائلاً:

“قالوا إنهم سيحفرون نفقاً، أليس كذلك؟”

“نعم، هكذا سمعت.”

“دعنا نذهب ونرى.”

“فكرة ممتازة.”

ذهبنا معاً إلى موقع الحفر، وكان المشهد مذهلاً.

حشدٌ كبير من الرجال يحملون المعاول، يتجمّعون حول القلعة.

ابن الحاكم الراحل كان يصيح بأسماء العمال بصوتٍ مبحوح، فيما اجتمع المهندسون من شتى المناطق حول الخرائط يناقشون التفاصيل.

اقتربت من ماريـس وهمست له:

“إلى أي عمقٍ سيحفرون؟”

“يبدو أن العمق سيكون كبيراً جداً. الخندق حول القلعة عميق، ويقولون إن عليهم الحفر أعمق منه.”

“سمعت من مساعدك، صحيح؟ أن الطاقة المظلمة أثقل من الهواء وستنزل للأسفل.”

“سمعت.”

“برأيك، كم من الوقت يجب أن يبقى ميكيلان محبوساً هناك؟”

“إن كنتِ تسألين عن رأيي… فأتمنى أن يطول الأمر بما يكفي حتى تُوجَّه قوات هولت النخبوية كلها لمراقبة منطقة التلوث، بدلاً من مراقبة نيفي أو كاسناتورا.”

“يعني باختصار، تريده أن يُجنّ وهو عالقٌ في الداخل.”

“يعجبني أنكِ تفهمينني سريعاً.”

ابتسم ماريـس من جديد.

ابتسامةٌ كإزهار الربيع.

“صرت تبتسم كثيراً هذه الأيام.”

“بفضلك.”

حسناً، إذا كانت ضحكته ثمرة وجودي، فليكن.

من كان يحمل ذنب فقدان أخته ويعيش بلا ابتسامة، صار الآن يبتسم بفضلي.

لِمَ لا أمنحه سبباً آخر ليضحك؟

“ابدأوا العمل!”

انطلقت الأوامر، وبدأ العمال تنفيذ المخطط بدقةٍ تحت أنظار الجميع.

رجالٌ أشداء يحفرون الأرض بالمعاول، يثبتون الدعامات، وينقلون التراب.

كان المال الذي وُعدوا به كافياً لجذب هذا العدد الهائل من العمال، فكانت وتيرة العمل مذهلة.

قضيتُ النهار أتجوّل حول موقع الحفر، أراقبهم وأتحدث مع ماريـس أثناء الغداء،

وفي المساء جلست مع مساعده، أتأمل خرائط النفق الجديدة التي حصل عليها بمهارة، وأراجع في رأسي كلّ تفصيلة من خطتنا.

♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪

حسابي على الإنستا:@empressamy_1213 

حسابي على الواتباد: @Toro1316

ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧