أوائل الربيع، “حين يحين موسم الفراولة ينمو الدوراجي”[23]
الأرض، التي صمدت طوال الشتاء، امتدت. بدا قدوم الربيع جليًا فورًا حتى بدون تقويم. بدأت المحاصيل التي قضت الشتاء في الحقول المفتوحة تبرز فجأة.
بعد قليل، ستُزرع الأعشاب الصالحة للأكل بكثرة في الحديقة. الربيع في أوج عطائه، والفراولة بكثرة، والبطاطا لذيذة.
كان مؤثرًا أن نسمع النساء يرغبن بارتداء المزيد من الملابس لأن الجو كان لا يزال باردًا والرجال يصرون على أن هذا أمر غير ضروري لأنه كان فصل الربيع.
“إذا أصبت بنزلة برد، ستعرف كيف تخلع ملابسك وتطردني! حتى لو جاء الربيع، من يخرج مرتديًا قميصًا فقط؟”
“يا إلهي، الجو حار. شجرة واحدة فقط ستجعلني أتعرق بغزارة.”
“قلت لك خذ البطاطس! يا إلهي، لا أنت ولا والدك تسمعونني!”
عاد الحطابون مجددًا، متعهّدين ببناء منزل لأنفسهم في العقار. كانوا يعيشون معًا في القلعة خلال الشتاء، لكنهم الآن يغنّون أغنية كل يوم، معلنين رغبتهم في الاستقلال.
لماذا يتصرفون بهذه الطريقة رغم أنني لم أطلب منهم حتى أن يعيشوا معًا؟.
مدت فاطمة عباءة بيدها الأخرى. كانت عباءة بحزام تُلبس فوق ثوب. كانت سوداء اللون.
“من أين تحصلين على مثل هذه الأشياء؟”
“لقد اشتريت مجموعة من الملابس بالمجوهرات التي أعطيتني إياها في المرة السابقة…”
“لا بد أنّه ذاع صيتك في نيفي بأنّك ذات يدٍ سخية.”
“ولهذا أقول…”
“لا.”
بدأت فاطمة تتذمّر في الآونة الأخيرة من أنّ فساتينها قليلة. أمّا أنا، فكنتُ أموت ضيقاً من تبديل الفستان كل يوم، بينما هي لا أعلم لماذا تصرّ على أن يكون عددها كثيراً.
“سمعتُ من الأميرة أستا أنّ السيّدات من مرتبة ماركيزة في كاسناتورا يمتلكنَ ما لا يقل عن مئة فستان. أحذية، مظلات، معاطف، بونشو، قبعات…”
“وكم عندي أنا؟”
“يا سيدتي، عندك فقط اثنا عشر فستاناً!”
“كثير.”
في كوريا الجنوبية بالقرن الحادي والعشرين، كان مثل هذا الفستان يُرتدى ربما مرة واحدة طوال العمر. أما أنا فهنا ألبسها حتى الملل!.
“حتى ملابس دوراجي ناقصة.”
“ماذا؟”
فجأةً انتبهت أذناي.
“ملابس دوراجي ناقصة؟! لا يهمّ إن كان غيره يفتقر، لكن دوراجي خاصتي؟ لا أستطيع، كسيّدته، أن أبقى مكتوفة اليدين.”
“الجميع يأكل جيداً هذه الأيام، لذلك ينمون بسرعة. كوينتين كذلك. أذكر كيف لم يكن لديه ملابس تناسبه فكنّا نُصلح له تنانير النساء. الآن صار قادراً على ارتداء سراويل الرجال بعد أن نثني أطرافها. و دوراجي، ربّما لكثرة ما يأكل اللحم، فقد طال طوله قليلاً.”
“حقاً؟ دوراجي كبر؟”
“نعم، قبل أيام بدا سرواله قصيرة قليلاً.”
“يا للعجب…”
لقد نما دوراجي.
كدت أبكي. فاطمة وباقي سكان الإقطاعية لم يروه إلا لأقل من عام، فلا يدركون، أما أنا فقد عشت معه هنا عامين كاملين.
خلال ذلك كله، لم يزد طوله قيد أنملة، وظننت أنّ الماغي قد جمّد نموه إلى الأبد… وكم يئستُ بسبب ذلك.
“كم؟ كم نما؟”
“ليس كثيراً… ربما هكذا.”
وأشارت فاطمة بأصابعها إلى مسافة بين سنتيمتر واثنين.
ارتديت الثوب الذي أعطتني إياه في لحظة.
“سأعود لاحقاً.”
“إلى أين؟”
“إلى العاصمة.”
للتسوّق. . . .
لم يكن ممكناً الذهاب إلى نيفي، إذ كانت الطرق كلّها مغلقة بسبب قضية روزماري الأخيرة، فالمدينة بأسرها في حالة استنفار. ثم إنها ليست مدينة كبرى، فلا مجال لتوسيع قائمة المشتريات.
جرانديس خارج الحساب، ومينيستري لا داعي لذكرها.
فكّر ريكارت مليّاً ثم قال:
“ما رأيكِ بعاصمة كاسناتورا؟”
“أتعرف الطريق؟”
“لا.”
“ألا يكفيني أن أطير وحدي وأعود؟ لو أخذتك معي وانكشف أمرك، فالهروب سيكون صعباً.”
“أتنوين شراء ثوبين أو ثلاثة فقط لدوراجي؟”
“همم… هذا غير كافٍ.”
لو أخذت ريكارت، لتمكّنا من شراء عشرة على الأقل.
ابتسم بخفة، ثم أشار شمالاً وقال: “لنذهب إلى عاصمة نيفي. هناك أعرف الطرق جيداً.”
وهكذا تقرّر أن تكون الرحلة إلى نيفي.
عند بوابة قلعة جرانديس، سألنا الحارس:
“ما غرضكم من دخول جرانديس؟ لستما من الصيادين غير الشرعيين، ولا من المهرّبين قرب المنطقة الملوّثة، أليس كذلك؟ كل من تعرّض للماغي ولو مرة أو سكن قرب الحدود يُمنع من الدخول. عودوا.”
“جئنا لنتزوج.”
“ماذا، زواج؟”
“لقد خانني زوجي السابق، فطلقتُه، وأريد الزواج بهذا الرجل. ويجب أن نقيم مراسم الزواج في نيفي حتى نلتزم إجبارياً بنظام الزواج الأحادي.”
“ها!”
تأملنا الحارس مليّاً، ثم قال إنه رآنا من قبل، وفتح الطريق برحابة.
“لتنعموا بالسعادة هذه المرة!”
“نعم!”
أجبتُ بحزم، وأمسكتُ بريكارت الذي ضحك خفية، ومضينا نعبر جرانديس حتى وصلنا شمالاً أكثر.
عاصمة نيفي كانت قائمة على هضبة عالية في سهل فسيح. ولأنها مدينة مزدحمة، لم تكن قيودها شديدة مثل جرانديس. يكفي إبراز بطاقة هوية للدخول.
في طريق جانبي نحو العاصمة، صادفنا سريل فانديسيون.
ظهر وحده بلا حراسة، وما إن رآني حتى أطلق تنهيدة عميقة. وقبل أن أفتح فمي، خلع قفازه ورفع كمّه.
“يدك.”
“هاك.”
أمسكت بيده وسحبت الماغي منها ببطء.
كان قد بلغ كتفه وصدره؛ لا شك أن نصف جسده قد غدا رمادياً.
“كاد يصل قلبك؟ لا بد أنك خفت؟”
“…”
“لم يكن لديك سبيل للاتصال بي، ولا طاقة على الانتظار بصبر، صحيح؟”
“أنتِ تعرفين جيداً.”
“هات بطاقة الهوية.”
دفعتُ الماغي إلى أطراف أصابعي ومددت كفي أمامه، بجرأة لا تخلو من صفاقة.
حدّق سيريل بي مطولاً ثم تنهد مجدداً، وأخرج كيساً صغيراً.
“هويات، تصاريح مرور، إذن تجارة، وشيكات على بيت فانديسيون.”
“جيد. وأوامر القبض؟”
“تريّثي قليلاً. إقناع ربّ الأسرة ليس سهلاً. أبي، سيد فانديسيون، يحمل عقدة نقص شديدة تجاه دوقية وينتر.”
“هذا طبيعي، الابن صورة عن أبيه.”
قهقهتُ، فأطبق سيريل شفتيه بحدّة.
أما ريكارت فبقي صامتاً، واقفاً خلفي.
وبينما كنت ألملم الأوراق، تبادل هو وسيريل نظرات حادّة، كأنهما يهمّان بافتراس بعضهما بالعيون.
ريكارت مفهوم أمره، لكن سيريل بأي حق يرمق تابعي بنظرات كهذه؟
“يبدو أنّ عقدة النقص التي يكنّها سيد فانديسيون لوينتر قد انتقلت بالوراثة، أليس كذلك؟”
حين تمتمتُ هكذا، حوّل سيريل نظره إليّ وقال بحذر:
“أتفكرين حقاً بخوض حرب ضد الطائفة؟”
“ولِمَ؟”
“لأنكِ إن فزتِ عليهم، هل ستطلقين سراحي من هذا القيد؟”
قيد، ها.
الماغي الذي يتلوى عند أصابعه لم يكن سوى قيد يقيّده. أعجبتني العبارة.
“للأسف، حرب الطائفة ليست شأني. إنها مسؤولية الممالك الثلاث بقيادة أستا وماريس.”
“لكنهم لا يرون الأمر كذلك.”
“لستُ مسؤولة عن آرائهم. أما قيدك، فسأفكّه متى أردت. صحيح أن النصر على الطائفة قد يكون سبباً… لكن ليس السبب الوحيد.”
“وما الأسباب الأخرى؟”
“أن تثير ضجري.”
ارتبك سيريل وأطرف بعينيه سريعاً. بدا عليه الارتباك، فابتسمت باستهزاء.
“لو أزعجتني كثيراً، فسألوّثك أو أطهّرك، أحد الأمرين. في الحقيقة، لقائي بك في كل مرة صار مملاً. لذا أنصحك أن تتوب سريعاً.”
وطبعاً، التوبة وفق معاييري وحدي.
“مثلاً… اعتذر لريكارت أولاً.”
“ماذا؟”
“أطماعك بأن تصبح وريثاً دمّرت بيته. فاعتذر.”
ارتسمت ابتسامة ملتوية على وجه سيريل.
“ألستِ آخر من يحق له قول هذا؟ وأنتِ من خطط ونفّذ؟”
لم أجد جواباً. فحتى لو قلت إن كل ذلك ارتكبته هايلي السابقة قبل أن أتقمّص جسدها، فلن يصدّقني أحد.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات