اعتقدت أن هذا الطفل أصبح كبيرًا، لكنه لا يزال خجولًا جدًا.
لقد شعرت بالسعادة بعد رؤية مظهره الشبابي لأول مرة منذ وقت طويل وابتسمت بخبث.
“إذن، هل نحن غرباء أم عائلة؟ نعيش في نفس المنزل، ونتناول الطعام معًا كل يوم، والآن نحن في نفس الوضع، نعيش ونموت معًا. لا يوجد رابط أعظم من هذا.”
“أرى.”
“إسمع! ، إن كنت ستتخلى عنا جميعًا وترحل لاحقًا لمجرد أنك أُعجبت بشخص ما، فمن الأفضل لك أن ترد لي كل المعروف الذي أسديتُه لك قبل أن تغادر. مهما كنتُ كريمةً ، أخطط للتصرف كأكثر الناس عنادًا عندما يتعلق الأمر بالإهتمامك بك أنت والأطفال الآخرين.”
“لن أحرج. لماذا سأخرج اصلاً؟ كفِّ عن الكلام الفارغ.”
“”ومن يدري؟ قد تقول ذات يوم فجأة إنك تريد أن تخوض في بركةٍ أكبر…”
“في تلك البركة كبيرة.”
أشار ريكارت بإصبعه.
كانت أرضًا غارقةً بالماغي. نقر عليها بإصبع قدمه وأكمل.
“بعد أن قابلت تلك المرأة التي تُدعى كاردينال، أدركتُ شيئًا. إنّ الطائفة لم تكن تبذل جهدها لعزل المناطق الملوثة، بل كانت تتلهّف للدخول إليها.”
“حقًّا؟”
“وأدركتُ أيضًا أنّ نفوذ الطائفة أعظم مما ظننت. لم أستغرب كثيرًا حين قالوا إنهم سيسحبون أمر القبض الصادر بحقي، لكنهم تجاوزوا ذلك ووعدوا بإعادة بناء عائلتي. أمرٌ لم يستطع حتى ملك نييف أن يفعله، ويزعمون أنّ كاردينال واحد قادر عليه.”
“قد تكون الممالك الثلاث قد ساعدت سرًّا بينما كانت الطائفة تصنع فرسانًا مقدّسين مزيفين.”
“إنهم يريدون قلبي، لكن أكثر من ذلك كانوا متلهفين لمعرفة كيف استطعتِ أن تعيشي هنا وتصبحي سيّدة الماجي.”
“ماذا؟”
“قالوا أيضًا إنهم صنعوا ’التحفة الكاملة‘.”
انعكست في عيني ريكارت نظرة حادّة. فقد خاض من قبل قتالًا ضد فارس مقدّس تحوّل إلى شيطان، بل وقاتل دبًّا تجسّد في صورته المكتملة.
فما الذي تعنيه الطائفة حين تتحدث عن “التحفة الكاملة”؟ إلى أيّ مدى قد يكون هذا الكائن قويًّا؟
حينها خطر ببالي ما قرأته في الأصل: “المنفّذون”.
كم كانوا أقوياء، وكم كانوا أوفياء لعبادتهم، وكم كان عددهم عظيمًا.
“ريكارت.”
“نعم؟”
“هل ستعيش في قلعة مارون للأبد؟ حتى تموت؟ لن تستقل أبدًا، ستعيش فريستي النهمة حتى تكبر وتموت؟”
“هذا صحيح.”
“حقًا؟”
“هل ستقسم لي؟ ‘ أنا، ريكارت وينتر، أقسم ألا أترك هايلي مارون أبدًا’ . هل ستفعل هذا؟”
“لا بأس بذالك.”
أمسكت بيده بقوة وابتسمت. في هذا العالم، أنا على نفس مستوى ريكارت في القوة الجسدية. ما الذي قد يكون مخيفًا؟ خاصةً وأن لدينا أستا، الشخصية الرئيسية.
“أحتاج إلى التقرب من أستا.”
“ماذا؟ لماذا تلك المرأة؟”
“كيف أجعلها تُحبني أكثر مما تُحب؟ إنها أميرة، لذا لن تُجدي الهدايا نفعًا. تُحب الزراعة، وهذا لا يُناسبها، لذا ربما عليّ أن أصنع لها حديقة فلفل خاصة بها هذا الربيع.”
بينما كنتُ أتمتم، كان المطاردون في الخارج يصرخون ويسبونني. كانوا يهددون باحتجازي في المنطقة الملوثة إلى الأبد، وأن مجرد خطوة واحدة داخلها ستكون ألمًا أشد من الموت.
لقد كانوا يبصقون وينفسون عن غضبهم، لكن ريكارت وأنا مشينا جنبًا إلى جنب، تاركينهم خلفنا، داخل حدود التلوث.
“يا إلهي، إنه صاخب.”
اتجهت نحو قلعة مارون، وأنا أفرك أذني بيد واحدة.
ريكارت لم يتخلَّ عن فكرة الطيران حتى بعد ذلك.
طوال الطريق العودة إلى القلعة ظل يغمزني قائلاً إنه لو أتقنت التحكم بالماغي أكثر قليلاً، فسيكون بوسعي أن أحمل شخصاً مثله وأطير.
“آه، لماذا تفعل هذا! إذا كنت تغار لهذه الدرجة، فاذهب واصطد طائراً روحياً مثل أستا وتعاقد معه!”
“أتدرين ما الذي يكتبه الباحثون في الأرواح الطبيعية في أول جملة من كتبهم؟ يقولون: ‘مبادئ صارمة، وشديدة التعقيد.’ أتظنين أنهم سيعترفون بواحد مثلي دمه مختلط وقذر؟”
“لماذا دمك قذر؟ الهجين الشمالي عظيم الشأن! يا فتى، أنت نجوت بعد أن تحملت الماغي ثلاثة أيام، ومع ذلك لا تتوقف عن التذمر. لو لم يكن والدك الحقيقي من البرابرة الشماليين، لكنت أصبحت زومبياً منذ زمن طويل، وما كنت لتلتقي بي أصلاً.”
“أهو أمر عظيم؟”
“طبعاً عظيم! لو كان في قلعة مارون شيطان يسكنها، لكان بالتأكيد قد اتخذك تابعاً له فوراً!”
“الشيطان كائن يشبه الروح، أليس كذلك؟ إذن لو عقدتُ عقداً مع شيطان له أجنحة، ربما يمكنني أن أستدعيه عند الحاجة لأطير.”
“أنت حقاً بلا خوف.”
قلت ذلك بإعجاب حقيقي.
“كيف تفكر بهذه الطريقة؟ من قال إن الشيطان سيظهر لك ويبرم معك عقداً عن طيب خاطر؟ ماذا لو طالب بروحك أو بحياتك، أو بآلام العالم كله وثماره الكئيبة ثمناً؟”
“سأقتله ببساطة. الكائنات التي تطلب مثل هذه الأشياء تكون أضعف عادة. لا تبدو لي مخيفة على الإطلاق.”
“واااو…”
“لماذا؟”
“لأنني مسرورة.”
لأنني مطمئنة… لكون شخص قوي مثلك واحداً من رفاقي. ولأنني سعيدة أن أرى البطل المأساوي الكئيب وقد امتلأ بالثقة وبلغ أقصى درجات الاعتزاز بنفسه.
“لكن الشيطان مستحيل. أيها المجنون.”
هذه المرة وجنتا ريكارت احمرّتا بشدة، بينما كنت أنا أوبخه بصرامة.
❈❈❈
في نهاية الشتاء جاءت برودة تكاد تقتل.
كان البرد حاداً لدرجة أنك إن خرجتَ ووقفت قليلاً ستصاب فوراً بقضمة الصقيع.
حتى الحطّابون الذين عاشوا عمرهم كله في جبال سيلبون لم يشهدوا مثل هذا البرد منذ زمن طويل.
لم يذب الثلج حين نزل، بل بقي متراكماً حتى تجمد.
علّمتُ الأطفال كيف يصنعون بيوتاً ثلجية (اسكيمو) من الثلج القاسي.
في النهار، حين يمكن الاحتمال قليلاً، كنا نخرج جميعاً ونبني الإسكيمو.
وحين تسقط الشمس ويشتد البرد، نعود إلى القلعة، ونجتمع في قاعة الاستقبال الكبرى لنقضي الوقت معاً.
نطهو طعاماً لذيذاً ونأكله جميعاً، ونخطط لما سنزرعه في الحقول مع قدوم الربيع.
وإذا بقي وقت، كنا نقسم أنفسنا إلى فرق وننغمس في اللعب.
“أرجوك.”
جمع دوراجي كفيه الصغيرتين بخشوع.
حتى صوت ابتلاع كوينتين للريق سُمِع بوضوح.
“أرجوك… ليخرج ‘مو’!”
“هيييياا!”
كان سيبرينو يمسك بعيدان إليوت الأربعة. أغمض عينيه بقوة ثم رماها بقسوة على الأرض.
مع أنه كان يكفي أن يرميها بخفة، لكنه تعمّد أن يضربها بقوة حتى تُصدر دوياً صاخباً.
ضحكتُ عليه بأقصى ما لديّ من سخرية وصرخت:
“غااااي!”
“أيها الـ… غاي اللعين!”
“من أين تتعلم هذه الألفاظ السوقية! إن كررتها أمام الأطفال مرة أخرى، فلن أسامحك!”
“دوراجي قال إنه تعلمها منكِ.”
“تفو…”
راقبتُ دوراجي وهو يترنح نحو الرقعة ليحرّك قطعه خطوتين إلى الأمام.
ثم التفتُ إلى فاطمة وقلت:
“علينا أن نحصل على ‘غاي’ أو ‘غُل’ مهما كان. إما أن نحمل ونركض، أو نكسر اللعبة هنا.”
“ألا يكفي أن نلتقطهم فقط؟”
“يجوز ذلك أيضاً.”
نفخت فاطمة الهواء من أنفها بقوة، ثم احتضنت عيدان إليوت.
تلاقت أعيننا، ثم صاحت بصوت قوي وهي تمد ذراعيها:
“ليخرج الغاي!”
“أوه؟ أوه! إنه غاي! غاي حقاً!”
“وااااااه!”
كنت أنوي أن أرفع قطعة فريقنا وأهرب، لكن فاطمة المتحمسة هجمت على قطعة الفريق الخصم وأخذتها.
تمتم دوراجي بصوت كئيب:
“هذا الإليوت الملعون… لن نتوقف حتى نفوز.”
وقف كوينتين وسيبرينو بجانبه وكتفاهما ساقطان، يرمقانني بنظرات لوم وكأنهما يقولان: لقد اخترنا الفريق الخطأ.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات