7
“حسنًا. المصافحة إذاً….ما، ما الأمر؟ لماذا تركع فجأة؟”
“قلتِ تقدّم لخطبتي، وليس أمرًا أعجز عنه.”
“كفى. لم أقصدها حرفيًا. هل تعرف أصلًا من أكون؟ هكذا ستقع فعلًا في شباكي.”
لوّحت بيديها معترضة، مؤكدةً أن هذا لا يكون بين رفاق السلاح.
لكن رغم توبيخ أداماس، لم يُفلت سافيروس يدها، بل شدّ عليها بإحكام.
“إلى الآنسة مارنو أداماس، يقدّم مانو سافيروس قَسَمه.”
“قلت لكَ لا تفعل! أي فارسٍ يطلق عهوده بهذه الخفة؟”
جسده نحيل، فلماذا قوته هائلةٌ إلى هذا الحد؟ لا يتحرّك قيد أنملة!
“حتى لو سقط هذا الفارس الوضيع ندىً في ساحة القتال، ستعود روحه دائمًا إلى جواركِ.…”
“قلتُ كفى! أرجوكَ توقّف! لم يمضِ على لقائنا وقتٌ طويل حتى تركع هكذا. كنتُ أمزح فقط.”
قالت أداماس ذلك بصوتٍ مرتجف.
“إن كان خوفي عليكِ يدفعني للموت معكِ، فهل لركبتي قيمة؟ سأُقسِم ألف مرةٍ إن لزم.”
كان صوته حنونًا، وباردًا في آنٍ واحد.
“….إذًا إن حاولتُ الهرب، فعليّ أن أخفي ذيلي جيدًا.”
“لديكِ فطنة. ظننتكِ شخصًا يفتقر للإحساس بالواقع، تتحدثين بسهولةٍ عن إنقاذ الإقطاعية وما شابه.”
“يا لكَ من مزعجٍ حقًا.”
“….…”
نعم، هذا الرجل مستعدٌ لأن يسقط في ساحة القتال في أي لحظة.
ومعنى السير معه في النهاية….
“جربتُ مرة، و أستطيع أن أفعلها مرتين.”
حتى لو كان الطريق الذي تسلكه حقل أشواك لا نهاية له، وموحلًا.
“سأسير معكَ، أينما كان.”
قالت أداماس ذلك وهي تأخذ نفسًا عميقًا، فارتفع أحد طرفي فم سافيروس بابتسامةٍ خفيفة.
فانحنى ببطء، وطبع قبلةً على ظهر يدها.
“إلى محبوبتي، أمنحكِ مجدًا لا حدّ له.”
صوتٌ ناعم يرنّ عند الأذن. حرارةٌ صغيرة صعدت من ظهر اليد، فأضرمت الجسد كله.
ليلةٌ حبست فيها حتى الحشرات أنفاسها.
كان صدرها ممتلئًا على نحو غريب، ودموعها انسابت. فمجرد النظر إلى الرجل أمامها كان كافيًا….
***
المكان الذي دخله أداماس وسافيروس متخفّيَين عن الأنظار كان مكتب سافيروس الملحق بساحة التدريب في قصر الماركيز.
“كحّم. اجلسي هنا.”
أشار سافيروس إلى أريكةٍ صغيرة مخصّصة للضيوف.
“آه، شكرًا. رائحة المكتب لطيفة. تشبه عطر الفرسان الشباب المترفين حين يحاولون استمالة آنساتٍ نبيلاتٍ ثريات.”
‘ما الذي أقوله الآن؟ تماسكي!’
جلست أداماس على طرف الأريكة، تتحرّك بقلق، وتعضّ شفتيها.
“إنها رائحة خشب الصندل على الأرجح.…”
اتجه سافيروس إلى رفّ الكتب، و تحدّث بصوتٍ خافت يكاد لا يُسمع، كاسرًا الصمت المحرج.
“ألا يبدو الموقد فارغًا أكثر من اللازم؟”
“أه، أمم. لأنه الصيف؟”
“هاها، صحيح. تلك الخريطة، تبدو خريطة الإمبراطورية. دعني ألقِ نظرة.”
نهضت أداماس فجأةً من شدة الارتباك، واقتربت من الخريطة القديمة المعلّقة فوق الموقد.
“….أوه!”
كانت إقطاعية مانو داخل حدود إمبراطورية فرانسيس.
“هل هناك ما يقلقكِ؟”
“لا، لا. لا شيء. الخريطة مرسومةٌ بإتقان.”
……هذا حقًا الماضي.
‘نعم. ليس وقت الخجل الآن! انتبهي!’
رفعت أداماس يدها وصفعت خدّيها بقوةٍ مرتين. و كان الصوت عاليًا لدرجة أن سافيروس بجانبها فزع.
“هل أنتِ بخير؟”
“نعم. لا شيء. حسنًا، سافيروس. لنتحدث أولًا عن مستقبلنا.”
“نـ، نعم.”
“لدي سؤال.”
“ما هو؟”
أومأ سافيروس بقوةٍ وهو يُنصت، متأثرًا بجدّية صوتها.
“منذ متى ساءت علاقتكَ بأونيكس روميل؟”
“سؤالكِ يوحي وكأن علاقتنا كانت جيدةً يومًا ما، وهذا مزعج.”
قال سافيروس ذلك عابسًا.
“قال أنكَ ستندم لأنكَ لم تمسك بيده. ما المقصود بذلك؟”
“عرض عليّ الزواج من ابنته.”
“لا تقل أن تلك الابنة هي أونيكس فريفيتينا؟”
“نعم. للسيد أونيكس ابنةٌ واحدة فقط.”
أونيكس فريفيتينا، المرأة المعروفة بأنها حبيبة مانو سافيروس.
“ورفضتَ؟”
“بالطبع.”
إذًا لهذا كان أونيكس روميل ينظر إليّ بتلك النظرة الكريهة؟ لأنه كان يريد تزويج ابنته، ثم ظهرتُ فجأة كعائق؟ لكن ألم يكن قد رُفض بالفعل؟
‘ومن كلام سافيروس، يبدو أن وجودي من عدمه لم يكن جوهريًا.’
فهزّت أداماس رأسها وهي تتذكّر وجه أونيكس رومِل وقد ساء مزاجها.
“لماذا كان ينظر إليّ بتلك الطريقة البغيضة؟”
“لأنه دبّر حيلة، حتى سرق الخاتم، ومع ذلك أفلتُّ منه.”
“سرق؟ الخاتم؟”
“نعم. خاتم الزمرد.”
أومأ سافيروس برأسه مشيرًا إلى يد أداماس اليمنى.
“منذ متى انتشرت شائعة أنكَ قدّمتَ الخاتم لحبيبتكَ؟”
“لا أعلم. عندما أدركتُ الأمر، كانت الشائعة قد انتشرت بالفعل.”
الشائعات بطبيعتها تولد من دون علم أصحابها.
بدا أن سافيروس يرجّح أن الخاتم المفقود موجودٌ على الأرجح لدى عائلة أونيكس.
‘إذًا لهذا السبب صبّ غضبه عليّ وسألني إن كنتُ الابنة الخفية لعائلة أونيكس!’
“إذا كان سيد أونيكس هو من سرق الخاتم، وكان الخاتم ملكًا لبيت الماركيز، فكان ينبغي إنزال العقاب المناسب!”
“لا يوجد دليلٌ مادي.”
“و لا شهادة؟”
خلال الوقت القصير الذي عرفَت فيه أداماس سافيروس، لم تره شخصًا يشكّ في الآخرين لمجرد عدم ارتياحه لهم.
“قبل شهر، رأى لواسي، خادم فرقة الفرسان، أونيكس فلوريان وهو يخرج من مكتبي.”
“أونيكس فلوريان؟”
“الابن الأكبر لأونيكس روميل.”
“ربما مرّ مصادفة؟”
“مصادفة؟ في غيابي؟ ذلك الذي يحتقرني دائمًا وينعتني بابن الشوارع اليتيم، يدخل مكتبي الخاص مصادفة؟ يا لها من نكتةٍ تجعل الحمص يتقشّر من تلقاء نفسه.”
“حسنًا، فهمت. اهدأ.”
“اليوم يقولون أنني أعطيت الخاتم لحبيبتي، وغدًا ستتحول الشائعة إلى أن تلك الحبيبة هي أونيكس فريفيتينا.”
“يا له من دهاء.”
“هكذا هو. لا يهتم حتى بفضيحة ابنته الوحيدة. كان سيستغل الشائعة ليجعلني واحدًا من بيت أونيكس.”
نعم، رجلٌ قاسٍ حقًا. جشعٌ مخيف إلى حد الدهشة. لذلك لم يتردد في التاريخ الحقيقي في محاولة إلصاق ابنته برجلٍ ميت.
“بالمناسبة، الماركيز….أليس لديه أبناء؟”
“تسألين وكأن الأمر جديدٌ عليكِ.…”
إذًا هذا مؤكد.
الآن نحن في السنة الإمبراطورية 620. ووفقًا للتاريخ، حتى زوال إقطاعية مانو سنة 623، لم يكن لمانو هيدينايت أي أبناء.
أي أن الإقطاعية بلا وريث حتى الآن. إذًا لهذا أشعل أونيكس تمرد التابعين.
ماركيزٌ مريض بلا وريث، و سيد سيف شاب يحظى بشعبية جارفة، بل ويحظى بثقة بيت الماركيز إلى درجة أن الماركيز السابق كان مستعدًا لتبنّيه….
كان أونيكس روميل يخطط لتزويج ابنته من سافيروس، ثم الاتكاء على سلطة سيد السيف وابتلاع الإقطاعية بأكملها.
لكن سافيروس رفض العرض بلا تردد. وفوق ذلك، في التاريخ الأصلي، مات في ساحة المعركة.
لذا حاول أن ينتزع حتى ظلّ سافيروس الميت، بدفع ابنته إلى جواره….
‘حقًا، أونيكس رومل شخصٌ مذهل.’
عندها فقط فهمت أداماس النظرة المجنونة التي كان يرمقها بها أونيكس روميل.
‘كان هناك سببٌ لغضبه مني.’
سرق الخاتم عمدًا، وبدأ بنشر الشائعة. لكن امرأةٌ أخرى ظهرت وهي تحمل خاتم بيت مانو.
في النهاية، عجز أونيكس روميل عن استغلال الخاتم المسروق كما خطّط، فاشتعل غيظه.
“يبدو أنني قدّمتُ لكَ مساعدةً كبيرة، أليس كذلك؟”
قالت أداماس ذلك وهي تمد يدها اليمنى التي تزيّنها حلقة الزمرد. فتنفّس سافيروس باستياءٍ خفيف، لكن ملامحه لانت قليلًا.
“حسنًا. إذاً سأطرح السؤال الثاني. أيها الفارس سافيروس!”
“تفضّلي.”
“ما المشكلة الأكبر في إقطاعية الماركيز برأيكَ؟”
‘على الأرجح التابعون الأقوياء؟’
رغم أنها سألت، كانت تعرف الجواب سلفًا.
أداماس جاءت من المستقبل، وقد درست التاريخ بالفعل.
أراضي مانو كانت منذ أجيال أرض أونيكس وكوراندوم. وكان الماركيز فيها أشبه بحجر تدحرج فجأةً إلى المكان.
ماركيز مانو لم يكن سوى قوةٍ جديدة عيّنتها الحكومة المركزية الضعيفة قبل مئة عام، أو مئتي عام إذا قيست من زمن المستقبل الذي جاءت منه أداماس، بمرسومٍ واحد وأرسلته إلى هذه الأرض.
أما أونيكس وكوراندوم، الذين يُسمَّون تابعين، فكانوا الحكّام الفعليين للمنطقة منذ زمنٍ بعيد.
‘لذا، لا بد من البدء بالتابعين الأقوياء-‘
“المال.”
“ماذا؟ ماذا قلتَ؟”
“الماركيز ضعيفٌ لأنه لا يملك المال.”
قال سافيروس ذلك وهو يبتسم ابتسامةً باهتة.
“هذه المنطقة كانت منذ زمنٍ بعيد أرض أونيكس وكوراندوم. عندما جاء أول ماركيزٍ لمانو من العاصمة، أغلق أونيكس وكوراندوم مدخل الإقطاعية ومنعوا حتى عربته من الدخول، واعتصموا هناك. وفي النهاية، لم يكن أمام الماركيز مانو آنذاك سوى الاعتراف بحقوقهم في إدارة بعض المناجم. ولهذا، لا يزال أكبر منجم حديدٍ في مانو بيد أونيكس، وأكبر منجم فحمٍ بيد كوراندوم.”
“إلى أي حدٍ يفتقر الماركيز للمال؟ مانو في الأصل منطقةٌ معفاةٌ من الضرائب، أليس كذلك؟”
كانت مانو عبر الأجيال تتمتع بامتياز الإعفاء الضريبي. فقد مُنحت حكمًا ذاتيًا كجزءٍ من الدفاع الإقليمي ضد الدول المعادية، وشكّلت جيشًا محليًا، وكانت نفقاته تُغطّى من ضرائب الإقطاعية.
“لا ندفع ضرائب للحكومة المركزية. لكن فلاحو الإقطاعية لم يتمكنوا من الزراعة كما ينبغي منذ زمنٍ طويل.”
“بسبب جيش روفيانا؟”
“ما هذا الهراء؟ لم يعبر جيش روفيانا سهل أوشي إلا للمرة الأولى منذ خمسين عامًا.”
قال سافيروس ذلك عابسًا.
“آه….حقًا؟”
“من تكونين بحق؟ لو كنتِ من مانو، لما جهلتِ هذا الأمر.”
كانت نظرة شكٍ صريحة.
‘لا، لقد التبست عليّ الأمور لحظة فقط. جرّب أنتَ أن تستيقظ فجأة قبل مئة عام!’
“أبهذا تشكّ في من أنقذكَ؟ قد يجهل الإنسان أشياء! قد ينسى كل شيءٍ وسط الحرب!”
صرخت أداماس وهي ترفع ذقنها بوقاحة. فتنهد سافيروس وهزّ رأسه.
“السبب الذي يجعل الفلاحين عاجزين عن الزراعة هو….ذلك.”
“ذلك؟”
“نعم. ذلك. لأنه يأتي من الصحراء.”
“وماذا يأتي من الصحراء؟”
هل هي عواصف رملية؟
دَنْ—دَنْ—دَنْ-
“ما هذا؟ ما هذا الصوت؟”
“تباً. لا تخرجي مهما حدث.”
دوم—. دَنْدَنْدَنْ-
صراخٌ حاد-!!
ترافق رنين أجراسٍ سريع ومضطرب مع اهتزاز الأرض، وتسلل بوضوحٍ صوت صراخ.
فتحدّث سافيروس وهو يندفع خارج المكتب،
“الزمي مكانكِ هنا.”
شدد مرارًا على ألا تتبعه، ثم ركل الباب واندفع خارجًا.
و حدّقت أداماس للحظة في ظهره الذي ابتعد مسرعًا، ثم استعادت وعيها.
“إقطاعيةٌ ملعونة.”
تجاهلت بهدوءٍ وصيته بألا تخرج، وانطلقت أداماس مسرعةً نحو مصدر الصراخ.
‘ما بال هذا المكان، لا يمر يومٌ واحد بلا فوضى!’
_______________________
اوك ما خطبها بس شكله بيقول للناس ذي حبيبتي ها انقلعوا✨
اما الغبي اونيكس ذاه يع يقهر هو وولده
مارحمت الا بنته مدري تلقاها من اسمها ولا اهلها ولا ابوها يوم زوجها واحد فاطس😔
بس لحظه شلون الماركيز ماله عيال؟ وشبه ابوها وهي واسمهم ومرض ابوها وارثه من من؟
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 7"