5
كان هيدينايت يمسك بيد سافيروس ويتحدث إليه بلطف.
لم يكن هذا أسلوبه المعتاد في مخاطبة أحد فرسانه، بل بدا وكأنه يتحدث إلى فردٍ من عائلته.
وفي المقابل تجنّب سافيروس النظر مباشرةً في عينيه، محافظًا على أدبه، تمامًا كفارسٍ لا يجرؤ على التحديق في سيده الأعلى.
“لقد عانيتَ كثيرًا. الليلة سنقيم مأدبة احتفالٍ بسيطة. ستحضرها أنتَ أيضًا، أليس كذلك يا روس؟”
“نعم، سيدي الحاكم. سأتشرف بالحضور قليلًا.”
“سأتولى تجهيز ثوبكَ للحفل.”
وما إن سمع هيدينايت من سافيروس أنه سيحضر، حتى صفق بفرح. ثم أدار بصره نحو أداماس التي تجلس مقابله.
كان قد تلقى تقريرًا مسبقًا عن المرأة التي جاء بها سافيروس—تقريرًا مليئًا بالتفاصيل الغريبة: كيف عانق أحدهما الآخر أمام جنود مانو فران كلهم دون خجل، وكيف مسحت على شعره بحنان، وكيف وصلا إلى القلعة وهما يتشاركان حصانًا واحدًا وكأنهما لا ينفصلان.
شعرٌ بلون سنابل القمح الخفيفة. و عينان خضراوان صافيتان عميقتان كغابةٍ بعد المطر.
في أذنها اليسرى حجرٌ أسود يحمرّ بريقه، وفي اليمنى حجرٌ أحمر داكن.
وعلى أصابعها العشر خواتم كثيرة مختلفة الأشكال، مما دلّ على أنها تحب الزينة.
حدّق هيدينايت بها بهدوء، قبل أن يتركّز نظره على الإصبع الوسطى من يدها اليمنى.
“آنسة….هذا الخاتم؟”
قال ذلك وهو يضيق عينيه.
كان خاتم الزمرد المتطابق يلمع في يد كلٍ منهما—متشابهًا إلى درجة لا يمكن تفسيرها.
“آه….هذا الخاتم….لقد حصلتُ عليه من والدي الراحل. لكن….سيدي الحاكم، أنتَ أيضًا تضع خاتمًا مماثلًا في بنصر يدكَ اليمنى.”
رفعت أداماس رأسها ببطء، تتأمله بتمعّن.
كان وجهه مألوفًا بشكلٍ مخيف. يشبهها قليلًا….لكنه يشبه والدها دوس أكثر.
‘همم….’
بعد التحديق جيدًا لاحظت أن لديه شامةً دمعية صغيرة لم تكن لدى والدها….وعيناه أغمق قليلًا من عينيه….
كانت عيناه بلون حجر “هيدينايت” تمامًا—أخضر مائل لزرقةٍ عميقة. أما عين والدها في ذاكرتها فكانت أفتح، كزمردٍ مضيء….
لحظة.…!
‘هل يمكن أن اسم والدها “دوس” مأخوذٌ من “سْمَاراغْدوس”؟’
سْماراغدوس—الأصل اللغوي لكلمة زمرد، ومعناه “الأخضر”.
هل يعقل أن والدها كان مرتبطًا بعائلة الحاكم؟
الشبه الكبير….أسماء الأحجار….محبته الواضحة لسافيروس….
كان هناك الكثير بين والدها وبين هيدينايت. ومع ذلك، لم تستطع إيجاد تفسيرٍ منطقي لوجود نفس الخاتم في إصبعها وإصبع الحاكم.
“الأمر هو….السبب في أنني أضع هذا الخاتم هو ربّما.…”
ززززز—طنين
صدر صوت حشرةٍ صيفية نافذةٌ لحظة الصمت.
أرادت أداماس البكاء. أرادت الهروب. أرادت مغادرة هذا الوضع فورًا.
هذا لا شك انتقال زمني….وهي جاءت من المستقبل.
‘أعتقد أنني جئت من المستقبل. وربما….بما أنني ورثت خاتم الزمرد، فأنا قد أكون من نسل الحاكم.…’
….لكن لو قالت هذا، فستبدو مجنونةً تمامًا.
“هههه، إذاً منقذة مانو فران كانت في الحقيقة خطيبة سافيروس!”
“ماذا؟”
ما الذي….كيف وصلنا إلى هذا؟
اتسعت عينا أداماس بهلع.
“ألم تنتشر الشائعات مؤخرًا؟ أن روس أهدى «خاتم مانو» إلى المرأة التي سيتزوجها. وها نحن نراها أمامنا الآن.”
ابتسم الحاكم بسعادة، وراح ينظر إلى سافيروس وكأنه يطالبه بأن يقدم صديقته رسميًا.
ماذا؟ خاتم مانو؟ ما هذا أصلاً؟ لحظة—أليس لسافيروس حبيبةٌ أصلًا؟
نظرت أداماس إلى سافيروس مذعورة، فبادلها بنظرة معناها: ‘ألم أقل لكِ أن تنزعي الخاتم؟!’
ثم التفت سافيروس إلى الحاكم،
“سيدي الحاكم، هذه الآنسة هي.…”
ثم رفع حاجبيه نحوها.
‘رائع….حتى اسمي لا يتذكره.’
“أنا….مارنو أداماس.”
قالت ذلك بصوتٍ واهن.
“أوه؟ حسنًا. إذاً يجب أن نجهّز للآنسة مارنو أداماس ثوبًا للحفل أيضًا. فهي من أنقذت مقاطعتنا. أرجو منكِ حضور المأدبة.”
“أ….نعم، سيدي الحاكم.”
حدّق هيدينايت فيها بوجهٍ لا يُخفي فضوله. فابتسمت أداماس له….بينما كانت تدوس قدم سافيروس بقوة.
متجاهلةً محاولة سافيروس في قول “توقفي” عبر حركة شفاهٍ بالكاد تُرى.
***
كان الاحتفال بالنصر على أشدّه.
بعد أن انتهت مراسم التكريم والتهاني، وغادر الحاكم القاعة، بدأ الجدال بينهما في أحد أركان المأدبة.
أو بالأحرى….بدأت أداماس تمطر سافيروس بأسئلةٍ غاضبة.
“إذًا هذا الخاتم هو خاتم عائلة الحاكم مانو، صحيح؟”
“صحيح.”
“ومؤسفٌ أن فارسنا العظيم سافيروس….قد سُرق منه هذا الخاتم قبل شهر، صحيح؟”
“صحيح.”
“وهل تعرف غير كلمة «صحيح»؟!”
“ولماذا تصرخين الآن؟”
‘لأنني أغلي غضبًا! هذا السبب!’
“حسنًا….إذاً قل لي لماذا تملك أنتَ أصلاً خاتم الزمرد هذا؟”
“الحاكم السابق أعطاني إياه. كان يحبني كثيرًا. أراد أن يجعلني ابنه بالتبنّي. و رفضت أن أصبح ابنه، لكنني لم أستطع أن أرفض الخاتم.”
“ولماذا رفضتَ أن تكون ابنه؟”
ثبتت أداماس نظرها عليه. فتردد سافيروس لحظة، ثم ابتسم ابتسامةً مريرة،
“….لأني لستُ مانو حقيقيًّا.”
ساد صمتٌ ثقيل بينهما.
‘واو….هذا جوابٌ لم يخطر لي على بال قط.’
مانو حقيقي؟ ما معنى هذا أصلًا؟!
هل يوجد شخصٌ أكثر استحقاقًا لاسم مانو من مانو سافيروس نفسه؟
فارسٌ عبقري، كانت أداماس تُعلّم لتهليله منذ نعومة أظفارها ويؤنس لياليها الزرقاء الطويلة.
رجلٌ يمدحه كلّ من ينتمي إلى عائلة مانو….فماذا كان ينقصه بعد؟
أمسكت أداماس رأسها، غير قادرةٍ على استيعاب كلّ ما يزداد تعقيدًا حولها.
“هاهاها.…”
“ما بكِ يا مجهولة الهوية؟ لماذا تضحكين فجأة؟”
“هاهاها….”
“توقفي! هذا مخيف!”
“هذا حلم….نعم، هذا كلّه مجرد حلم. اشتقتُ لأبي فحسب، وحياتي بائسةٌ جدًا….كان يجب أن أخرج للشمس، أن آكل شيئًا لذيذًا، لكنني حُبستُ كل يوم في مهجع مدرسي يشبه قنّ الدجاج، لا أفعل إلا الدراسة….فحصل هذا كلّه.”
“ماذا….بماذا تتمتمين وحدكِ؟”
ضحكت أداماس طويلًا حتى امتلأت عيناها بالدموع.
‘أرجوكم….ليقل لي أحد أن هذا حلم….’
خاتم الزمرد، كلمات سافيروس….كل شيءٍ صار يدور بعنفٍ في رأسها.
و حدّقت أداماس في سافيروس بنظرةٍ حادّة.
“نعم. كله بسببكَ. بسبب امتحانكَ اللعين….فكرت فيكَ كثيرًا فحدث هذا!”
“الناس ينظرون إلينا. اهدئي. أنتِ الآن تحضرين الحفل بوصفكِ حبيبتي. رجاءً تماسكي.”
‘ها….حبيبته؟ هل قال لتوّه أنني حبيبته؟!’
“أنا….لا أحب الأصغر سنًّا! أوه؟ ربما لستَ أصغر….ربما أكبر بمئة سنة؟ المهم أنني الآن أكبر منكَ سنًّا!”
“لا يمكنني تغيير عمري.”
قال سافيروس ذلك وهو يقطّب جبينه.
“كان يمكنكِ القول أنني مجرد عابرة طريق! لماذا أصبحتُ أنا حبيبتكَ؟!”
“ومن يعبر ساحة معركة مرورًا؟ أنتِ التي اندفعتِ نحوي. وهذا كله لأنكِ تحملين خاتم الزمرد. من أين حصلتِ عليه؟ هل أنتِ ابنة أونيكس الخفية؟”
اقترب منها خطوةً ومال نحو وجهها. و في عينيه الزرقاوين الجميلتين اشتعلت نار الغضب، وصوته المنخفض كان يفيض رهبة.
‘يا للجمال….كأفضل أحجار الياقوت الأزرق….لا! ركّزي يا أداماس!’
“منذ قليل وأنتَ سلبيٌ جدًا تجاه أونيكس. حسنًا، أنا أيضًا أكره أونيكس كثيرًا. لحظة….أنتَ تكره أونيكس؟”
“تسألين أمرًا بديهيًّا. هل يجهل أحدٌ في الأراضي الحاكمة هذا؟ من الغريب ألا تعرفي. هذا يزيد شكوكي. أفصحي عن هويتكِ فورًا.”
“قلت لكَ ألف مرة اسمي مانو أداماس! هل عقلكَ محشوٌ بالسيوف؟ كيف تنسى اسم من أنقذت حياتكَ؟”
قالت أداماس ذلك وهي تضغط على أسنانها غيظًا.
“لورد سافيروس، سأطرح سؤالًا، وأرجوكَ لا تظن أنني مهتمةٌ بكَ، لأنني لست كذلك.”
“أعرف هذه النوعية من الجمل….يليها شيءٌ يسبب سوء فهم بالتأكيد.”
“اسكت. هل….لديكَ حبيبة؟”
“لا.”
“حسنًا، إذاً….ماذا؟ لا؟ لماذا لا؟”
“لأني لا أملك واحدة! لماذا؟!”
لماذا؟ إذاً ما قصة كونه على علاقةٍ مع أصغر بنات عائلة أونيكس؟
وما قصة تمرُّد خادم أونيكس روميل؟
“لحظة….إذاً، هذا يعني.…”
كان الأمر خطيرًا. هل هذا ليس حلمًا….ولا الماضي؟
كل ما سمح لأداماس بالتصرف بعقلانية نسبيًّا هو ظنّها أنها تعرف بعض الأحداث مسبقًا.
هل لأنها أنقذت مانو سافيروس، شعرت بالغرور قليلاً؟
لكن مانو سافيروس يكره عائلة أونيكس. ولا علاقة له بابنة أونيكس. فما هذا المكان إذاً؟
***
بعد موت سافيروس في التاريخ، هاجمت قوات مملكة لوبيانا أراضي مانو. وما زالت مانو يحتفظون بصعوبة بجدران القلعة.
الجزء الغربي من السور تهدّم نصفه آنذاك…..ولو تابعوا الهجوم لانهدّ السور كله وانهار الإقليم بأسره.
لكن المفاجأة أن جيش بوبيانا انسحب فجأة. عادوا إلى ضفة نهر باران، وتمركزوا أيامًا، ثم اختفوا عائدين إلى بلادهم.
هل كانت هذه نهاية الكارثة؟ أبدًا. فبعد فترة قليلة وقع تمرُّد الخدم.
وكان أبرز المشاركين في إسقاط مانو: أونيكس روميل.
“لورد سافيروس….أنتَ….مع أونيكس.…”
كانت أداماس توشك أن تسأل عن علاقته بتلك العائلة. لكنها لم تستطع؛ إذ اقترب منهما رجلٌ ضخم البنية.
“كيف لبطَلِ هذا النصر أن يقف في زاويةٍ كهذه؟”
قال ذلك بصوتٍ مبالغٍ فيه، أشبه بتمثيل مسرحي.
كان أكبر رجل في القاعة وأعرضهم. و مسح على بطنه المنتفخ وهو يضحك، ثم تابع،
“أراكِ لأول مرة. أنا أونيكس روميل.”
مدّ يده نحو أداماس. يدٌ ضخمة، تدل على أنه كان قويًّا في شبابه.
“مانو أداماس.”
صافحته أداماس وهي تبتسم ابتسامة مجاملة في وجه ابتسامته المصطنعة النقية.
فنظر إليها من الأعلى إلى أسفل، ثم توقّف بصره عند إصبعها الأوسط في اليد اليمنى….وبعدها سحب يده بسرعة غير معقولة، كأنه صافح مريضةً بوباء.
لحظة….هل قال أنه أونيكس روميل؟ هل يعقل….ذلك الخادم المتمرد ذاته؟
________________
اقتليه مافيه وقت!
شسمه يضحك واضح سافيروس يشوفها مجنونه خلاص😭
بعدين تقول ما احب الأصغر؟ هاهاها بكره تقومين وتشوفين عيالكم
المهم يارب حتى لو حبوا بعض يتهاوشون كذا 🤏🏻 اداماس تجنن حتى وهو بطله مابجلته ولا تستحي خلاص صارت تشوفه ورع😂
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 5"