4
كان ما غطّى ما حولهم هو البرق.
ذلك الوميض الأزرق المتلألئ حدَّ أن يؤلم العيون كان يهتز واقفًا أمام ناظري سافيروس.
“ما….ما هذا.…؟ هذا غير معقول.”
استعاد سافيروس وعيه وأمال رأسه ليتفحّص الأرض تحت قدميه.
و جيش لوبيانا، الذي كان يرهقه ويؤرق رفاقه دائمًا، كان كلّه مطروحًا على ظهره ومقلوبًا.
“أهذا….حقل البرق؟”
اكتفت أداماس بابتسامةٍ صامتة. بينما حدّق سافيروس بدهشة، عاجزًا عن الكلام، ثم خفض رأسه لينظر مرّةً إلى جيش لوبيانا ومرّةً إلى أداماس.
حقل البرق. سحرٌ يُسقِط البرق على نطاقٍ محدد ليصنع منطقة تفريغٍ كهربائي. نادرًا ما يوجد سحرٌ أنسب منه لمهاجمة عدد كبير من الأعداء دفعةً واحدة.
“….أفهم الآن. صعقٌ كهربائي.”
هل جرّتْه هذه المرأة إلى جزيرة بارانتو خصيصًا كي تستخدم هذا الأسلوب القتالي؟
“يا لوجهكَ الغبي. ستخلع فكّكَ هكذا يا لورد سافيروس.”
جاءه صوت أداماس المشرق فقطع أفكاره.
“ماذا تقولين!”
فاحمرّ وجه سافيروس وهو يصرخ غاضبًا.
وجه سافيروس وهو غاضب….فلم تستطع أداماس منع نفسها من رفع زاوية فمها بابتسامة.
للمرة الأولى بدا وجهه الساذج مناسبًا لسنّه….سبعة عشر عامًا فقط. فتدفّق شيءٌ دافئ في صدرها دون سبب.
ثم ارتفع خلف ظهر سافيروس ضوءٌ أحمر فاقعٌ وأصفر لامع.
“ها هو الفجر.”
لامس الضوء الساطع خدَّ سافيروس.
وبالنظر إليه وهو يواجه الشمس، أدركت أداماس بوضوحٍ لماذا كان الناجون من مقاطعة مانو يجلّونه إلى هذا الحد.
شجاعته التي لم تتراجع حتى أمام جيش لوبيانا بأكمله، فراسته التي تجعله يستلّ سيفه دون تردّد لحماية غريبٍ لم يره من قبل، ومعرفته السحرية التي مكّنته من التعرّف على حقل البرق بمجرد نظرة….
“رغم كل هذا، عمره سبعة عشر عامًا فقط.”
“ما الذي تتمتمين به وحدكِ؟”
خط فكه الحاد، رقبته الطويلة المستقيمة، عرض كتفيه….لا شك أنه سيكون قويًا.
إن بقي حيًا، طبعًا.
ماذا لو ازدادت عضلاته قليلًا وازداد طولًا؟
ماذا لو استبدل السيف بسيفٍ طويل، وصار قادرًا على القتال ببراعة حتى وهو يرتدي دروعًا أثقل وأقسى؟
هو مذهلٌ بالفعل الآن، لكن مستقبله….سيكون أروع.
كان الأستاذ محقًا. مستقبل هذا العبقري من المبارزين لا يمكن وصفه بـ”تاريخٍ” فقط.
وبالتالي، كانت إجابتها في امتحان التاريخ — التي قالت فيها أن بقاء سافيروس هو ما يغيّر التاريخ — تستحق فعلًا تلك الدرجة البائسة: 12 نقطة. لكن….
هو حي. إن لم يكن هذا حلمًا، إذاً التاريخ سيتغيّر الآن.
“أنا أنقذتكَ. أنا من فعل ذلك.”
وبينما كان سافيروس يومئ بصمت، احمرّ وجه أداماس حتى شعرت بالحرارة.
ظنّت أن الشمس حارّةٌ أكثر من اللازم، لكنها سرعان ما اعتادت الأمر.
وماذا في ذلك؟ لقد أشرقت شمس اليوم….لقد أشرقت.
كانت شمسًا تكاد تنال العلامة الكاملة….شروقًا لمستقبلٍ جديد.
***
بدأت الجزيرة الرملية التي ارتفعت تهبط ببطءٍ إلى الأرض.
“سيدي القائد! هل أنتَ بخير؟”
وما إن اندفع جنود مانو فران من بين الأشجار، حتى قبض سافيروس بقوةٍ على يدي أداماس.
“ما الذي تفعله؟”
آه، هذا….لا، هذا كثير.
“يا فارس، أليس من المبكر جدًا الإمساك بيدي هكذا ونحن نلتقي لأول مرة؟”
“لا تتوهمي. يا مجهولة الهوية.”
ألقى سافيروس رأسه فوق كتف أداماس وهو يتكلم.
‘يا إلهي….لماذا يعانقني؟ ولماذا يبدو حسن المظهر هكذا؟’
“ا-افصل نفسكَ أولًا.”
فقلبي في خطر.
“لن أفعل أبدًا.”
“قلت لكَ: ابتعد!”
أيعقل أن الجمال يعطي صاحبه هذا القدر من الوقاحة؟
‘الناس ينظرون إلينا ويتهامسون! كم منهم يحدّق الآن؟’
رفعت أداماس يدها اليمنى ودفعته بقوةٍ من شعره الأسود. فعاد سافيروس إلى الوراء وألقى عليها نظرةً حادّة.
“سنذهب إلى قلعة مانو. لا تفكري بالهرب.”
“لن أهرب!”
ابتسم سافيروس ابتسامةً مائلة. و عيناه المرهقتان انحنتا قليلًا.
يا لها من عيون….حتى العروق الحمراء فيها جميلة.
كانت أداماس تتأمل وجهه حينها،
“هيا. تقدّمي أمامي.”
“ولا تدفعني نحو النهر! قلتُ لن أهرب!”
عندما عبر كلاهما النهر، بدأ الجنود بإخراج الجثث من الماء بحسب تعليمات سافيروس. وفي الوقت نفسه بدأ آخرون يحفرون حفرةً كبيرة.
نزعوا الدروع والسيوف وكل ما يصلح للاستعمال، ثم دفعوا الجثث إلى الحفرة.
ارتفع دخانٌ أسود ورائحة لاذعة. لكن أداماس كانت تعلم….هذه رائحة النصر.
“العودة إلى قلعة مانو! تقدّموا!”
“أووووه!”
ارتفع صوت مانو سافيروس عاليًا. و هتف جنود مانو فران فرحًا.
كانوا منهكين، مجروحين، ومرضى، ومع ذلك ابتسموا؛ لأنهم كانوا يعودون إلى الأرض التي أرادوا حمايتها.
“أتعرفين ركوب الخيل؟”
هزّت أداماس رأسها بهدوء. فمدّ سافيروس يده إليها وهو يعلو ظهر الحصان المُجهّز وما إن وضعت يدها في يده حتى جذبها بقوةٍ وأجلسها أمامه.
“إن كان الأمر غير مريحٍ فتحمّليه. يا مجهولة الهوية.”
“آه….حسنًا.”
ضحكت أداماس بدهشةٍ وهي ترى غرور سافيروس.
ثم تحرّك الحصان، وتحرّك الجنود جميعًا نحو قلعة مانو.
هل كانت تتوهم، أم أن صوت سافيروس وهو يطرح الأسئلة طوال الطريق — يشكّ في هويتها دون توقف — بدا لها مفعمًا بالبهجة قليلًا؟
في التاريخ كانت هذه المعركة هزيمةً ساحقة، لكن الآن….كان النصر من نصيب مانو فران بقيادة مانو سافيروس.
رحّبت أداماس بهذه الحقيقة بكل رضا. فأسطورة مانو، بطلها، كان حيًا خلف ظهرها مباشرة.
وبدأ قرص الشمس يغلي في الأفق.
***
“هذه غرفة استقبال قصر مانو. سننتظر معًا.”
قال سافيروس ذلك.
“يا إلهي….هذا حقًا مقرّ حاكم مانو!”
قرصت أداماس خدّيها بقوة، ثم صفعت كلتيهما مراتٍ كأنها لا تصدّق.
وبينما كان سافيروس يراقبها بوجه متجهم،
“ما بكِ؟ ألم تعودي من ساحة المعركة حيّةً وسليمة؟”
‘طبعًا أفعل ذلك لأني كدت أموت!’
وكيف تتوقع أن أشعر وأنا أستيقظ لأجد نفسي قبل مئة عام؟ ولا أزال لا أصدق أنكَ حيٌ حتى الآن!
تعمّدت أداماس إخفاء مشاعرها و ردّت بجفاء،
“لو كنت تعرف السبب لشَكَرتني يا سافيروس.”
“سأُظهر امتناني عندما تتضح هويتكِ. يا خادمة، متى يصل السيد الحاكم. يبدو أن اجتماعه مع مستشاريه قد طال.”
“وما الموضوع هذه المرة؟”
“أظنها مناقشةٌ بشأن فرسان الرمح الذين أُبيدوا عند نهر باران. طبعًا….واضح. سيتوافدون منذ الصباح ليبحثوا عن أخطاء فقط.”
قال سافيروس ذلك وهو يجلس على الأريكة ويتمتم بضيق.
كانت استجابته مفاجئةً ورائعة لسقوطهم في كمين، لكن المستشارين….لهم رأيٌ آخر دائمًا.
راقبت أداماس ملامحه المتذمّرة، فاستعادت تاريخ مانو في ذهنها.
نعم…..تلك الشخصيات في مجلس مانو قادرةٌ تمامًا على فعل أسوأ من ذلك.
كانت ترى المشهد أمامها بوضوح: الحاكم الشاب، مانو هيدينايت، في عامه الثاني فقط في الحكم، محاصرًا بهم كحبّة فولٍ تُقلب فوق قدر يغلي.
“أولئك الشيوخ يسعون لخراب الحاكمية.”
تمتم سافيروس.
“أتفق معكَ.”
أومأت أداماس. فهؤلاء لن يكتفوا بإفساد الحاكمية وحدها، بل ألحقوا الأذى بالبلاد كلها.
“خصوصًا أونيكس رومييل….ذاك العجوز الذي يشبه حيوان الراكون!”
انفجر سافيروس غيظًا فجأة.
‘ما ألطفه….يصف من يدمّر البلاد بـ”راكون” فقط.’
والدي أيضًا كان يكره أونيكس بشدة….لحظة؟
“انتظر، هل يصح أن تقول هذا بصوت عالٍ؟”
“لماذا؟ هل أنتِ من أتباع أونيكس؟”
حدّق سافيروس فيها بعينين متسعتين.
“لا. ليس هذا ما أقصده.”
‘أنت الذي قلتَ ذلك! أونيكس رومييل….أليست لكَ علاقة غامضة مع ابنته؟’
“على أي حال، مجرد رؤية ذلك الراكون العجوز يثير غضبي.”
فردّت أداماس وهي تشرب الشاي العشبي الذي قُدّم لها.
“هممم….إذاً إنها قصة حبٍ وحرب؟”
كانت شريكة سافيروس في التاريخ هي أونيكس فريبّيتينا. لكن يبدو أن علاقته بأبيها لم تكن جيدةً أبدًا.
“دون المحن لا يشتعل الحب.”
“كفي عن الكلام الغريب يا مجهولة الهوية. وانزعي ذلك.”
“ماذا؟ أنزع ماذا؟”
نظرت أداماس إلى بطنها حين أشار إليها برأسه.
“بطني؟! أتعني دهون بطني؟!”
“ليس بطنكِ، بل الخاتم!”
صاح سافيروس بانفعال.
“أي خاتم؟ لدي أكثر من واحد.”
“كفي تمثيلًا….أزيلي خاتم الزمرد فورًا قبل أن يصل السيد الحاكم.”
“مستحيل! هذا هو الإرث الوحيد من والدي!”
قاندلعت بينهما مطاردةٌ صغيرة.
سافيروس يحاول نزع خاتم الزمرد بالقوة، وأداماس تهرب منه بكل ما أوتيت كي لا تفقد إرثها.
وفي تلك اللحظة….فُتح باب غرفة الاستقبال.
“أوه! روس! لقد عدتَ سالماً!”
“سيدي الحاكم!”
مانو هيدينايت. آخر حكّام مانو. رمز العجز في التاريخ.
كان تأثيره باهتًا حتى مقارنةً بسافيروس، الذي كان مجرد أحد مستشاريه.
طويل، نحيلٌ جدًا، شعره بنيٌ فاتح، عيناه خضراوان داكنتان.
حدّقت أداماس به….ثم رفعت يديها لتغطي فمها.
‘أهذا حقًا الحاكم مانو؟’
صُعقت حتى فقدت القدرة على الكلام. و نظرت إلى سافيروس، ثم إلى هيدينايت….ثم عضّت لسانها من هول ما رأت.
ماذا….كيف….
‘لماذا يشبهني الحاكم؟!’
________________________
احاااا؟ جدها الميه هو الحاكم؟😂 يضحك عشان كذا ابوها كان يعرف اشياء واجده؟
المهم وناسه من الحين بدوا مناقره🤏🏻 كملوا كملوا
الا ليه يبيها تفصخ الخاتم؟ قالت اك مب مسروق لسه ماتصدق زوجتك!
شسمه المترجم احياناً يحط أداماس ولد فأعدل وراه اذا شفتوا غلط يمكن نسيته معلش😘
التعليقات لهذا الفصل " 4"