2
وقفت إمبراطورية فرانسيس ودولة لوبيانا متقابلتين شرقًا وغربًا، تخوضان معارك صغيرة وكبيرة منذ خمسمئة عام.
وفي عام 620 من التقويم الإمبراطوري، شنّت لوبيانا هجومًا مباغتًا على سهول أوشي في مانو، وكانت تلك المعركة السبب الحاسم في سقوط مقاطعة مانو.
قاتل القائد سافيروس بشجاعةٍ رغم المباغتة، لكنه اضطر في النهاية لإصدار أمر بالانسحاب.
غير أنّ الانسحاب لم يكن سهلًا. فالمستنقعات التي خلّفتها مواسم الأمطار الطويلة أعاقتهم، والأدهى أن شريان مانو الحيوي، نهر باران، كان ينتظرهم أمامهم.
ألقى الجنود الهاربون بأنفسهم في النهر، فيما كانت قوات لوبيانا تمطر رؤوسهم بوابل من قذائف النار.
ثبت سافيروس أمام نهر باران، جاعلًا منه قبره، ليكسب لجنوده الثواني الأخيرة العابرة. و ظل يقاوم حتى بعد أن تهشّم رأسه وفقد ذراعه، ليعبر واحد آخر….ثم آخر….إلى الضفة المقابلة.
وفي النهاية، سقط سافيروس ميتًا أمام نهر باران. رمز جيش مانو فران، جوهرة مانو السوداء.
ذلك الرجل كان بطل أداماس.
***
“كل أهل مانو مدينون لسافيروس بحياتهم.”
هذا ما كان يقوله دومًا دوس مارنو، والد أداماس.
وكانت أمنية والدها الأخيرة أن يقدّم زهرة “فايروس” الزرقاء، التي تشبه في لونها لون عيني سافيروس، قربانًا لنهر باران.
النهر الذي لم يعد تابعًا للإمبراطورية، النهر الذي قدّم له بطل مانو حياته.
والآن، كان أداماس كانت تركض بكل قوتها على ضفة نهر باران، ذلك المكان الذي حلم والدها طوال حياته بأن يراه.
تركض….برفقة سافيروس نفسه.
‘تباً….كم عددهم؟!’
عضّت أداماس شفتيها وهي تنظر إلى الأعداء المتكاثرين.
الوقت ليس مناسبًا للتساؤل أهو حلم أم حقيقة، ففكت بسرعة عقدة عقد اللؤلؤ التي كانت حول عنقها.
التقط قربة ماء مهملة على الأرض، وملأتها بحبات اللؤلؤ.
“بيرل (اسم عقد اللؤلؤ)….شكرًا لكِ حتى الآن. وداعًا.”
كان عقد لؤلؤ وجدته مصادفةً في متجر عتيق. و عرفت فورًا أنها أحجار سحرية.
قضت ثلاثة أشهر كاملة كانت تستيقظ قبل الفجر لتعمل في تنظيف أرضية سوق السمك لتتمكن من شرائها.
‘آه….حتى رائحة السمك التي التصقت به بالكاد بدأت تزول…..’
“حسنًا، لا فائدة من الادخار في ساعة الموت.”
قلبت القربة، وأخذت بضع حبات لؤلؤ في كفها وقبضت عليها بقوة. ثم رمتها نحو جنود لوبيانا الذين يطاردونها.
ما إن لامست الأرض حتى انشطرت الحبات بصوت “شيييك”. و تبِعت ذلك فرقعاتٌ صغيرة، ثم ارتفع ضبابٌ خفيف كثيف حجَب رؤية جنود لوبيانا.
“أآآه! ما هذا؟!”
وبينما يتخبط الجنود وسط الضباب، ركضت أداماس نحو أعالي نهر باران، ممسكةً بيد سافيروس الباردة المتعرّقة.
“قليلاً فقط ونصل إلى الغابة.”
التفتت نحو سافيروس وهي تقول ذلك، ثم اندفعت بلا ترددٍ نحو الغابة.
لم يسبق لها أن رأت هذا المكان بعينيها قط، لكنها عرفته فورًا.
الشرق: نهر باران بلونه الفيروزي. الشمال: جبال رايد الممتدة. الجنوب: صحراء غلايف.
نعم….لم يكن هناك شك. هذه هي مقاطعة مانو.
‘يا للجنون….ربما فكرتُ بأبي وبسافيروس أكثر مما يجب.’
حلم؟ واقع؟ لم تكن تعرف شيئًا بعد الآن. لكنها عرفت شيئًا واحدًا فقط. هذه….فرصة.
فرصةٌ لتنفيذ الإجابة التي كتبتها في مادة “فهم التاريخ”.
وربما—ربما—فرصةٌ لتغيير السؤال نفسه.
***
شعرت بأن أنفاسها بلغت حلقها. وطعم الدم المر صعد إلى فمها.
وقد كانا أداماس وسافيروس يسيران باتجاه الجبل.
“هآه….هآه….ما رأيكَ أن نستريح قليلًا؟”
أغلقت أداماس عينيها وفتحهما مرارًا، محاولةً طرد العرق الذي لامسهما.
كانا قد نجحا للتو في الإفلات من جيشٍ كامل ودخلا الغابة.
وحين توقفا عن الركض، اجتاحها القيء دفعةً واحدة. حاولت كبحه، فاشتد الدوار. و حلقها كان يحترق كلما ابتلعت ريقها المرتجف.
قبضت بيدها اليسرى على يدها اليمنى المرتجفة وهي تراقب المكان بسرعة.
“ااااه! متّ يا سافيروس!”
صدرت صرخةٌ حادة. وكان هناك جنديٌ من لوبيانا يندفع نحوهما.
“انتبه!”
لكن صرخة أداماس كانت بلا جدوى—إذ تحرك سافيروس بالفعل، بانسيابيةٍ قاتلة، وغرس سيفه بين رقبة الجندي ودرعه.
حركةٌ هادئة، مختصرة….ومميتة.
‘كما كنتَ دومًا يا سافيروس. تقضي على خصمكَ في لحظة.’
مسحت أداماس راحة يدها المبللة بالعرق في بنطالها، ونظرت إلى سافيروس بابتسامةٍ خجولة.
“ا؟ أ…!”
و ما إن أدركت أن عينيهما تلاقتا، حتى كان سافيروس واقفًا أمامها تمامًا— وسيفه مصوّبٌ إلى عنق أداماس.
وتحت بريق عينيه الزرقاوين الحادّتين، رفعت أداماس يديها مستسلمة.
‘أبي…..لقد كنتَ مخطئًا. أيُّ جمالٍ مبهرٍ هذا! لو أبهرني مرتين إضافيتين لطار رأسي من مكانه.’
“أم….السيف مخيفٌ قليلًا، هل يمكنكَ إبعاده رجاءً؟”
“اكشفي عن هويتكِ.”
قال سافيروس ذلك وهو مستعدٌ لطعـن أداماس في أي لحظة.
‘قولي شيئًا….أي شيء.’
حتى أنا لا أفهم ما يجري، لكنني أعرف شيئًا واحدًا، وهو الشعور البارد لنصلٍ يلامس عنقي.
و بصوتٍ يرتجف تحركت شفتا أداماس بصعوبة.
“أ….أرجوكَ، أرجوكَ دعني أعيش..…”
“أنتِ….إصبعكِ، هناك.…”
“نعم؟”
حدّق سافيروس طويلًا في يد أداماس اليمنى، ثم عقد حاجبيه بقوةٍ وهو يمسحها بنظره من رأسها حتى أخمص قدميها.
“ما اسمكِ؟”
“أداماس. مارنو أداماس.”
ارتفع حاجباه قليلًا قبل أن يعودا إلى وضعهما. ثم خيّم صمتٌ ثقيل بينهما.
لقد كانت مقاطعة مانو منذ زمن بعيد منطقةً حدودية، ونتيجة لذلك خُلِّف عددٌ لا يُحصى من أيتام الحرب.
وكان الماركيز السابق، مانو كونشايت، قد منح كل طفلٍ منهم بلا لقب اسم عائلته: “مارنو” وفي القدم “مانو”.
استعادت أداماس تلك الحقائق بسرعة وتحدّثت بلهفة،
“انظر….لا يليق بأبناء مانو أن يتقاتلوا هكذا.”
“أنتِ حقًا من مانو؟ أنتِ تكذبين بوقاحةٍ لا تُصدَّق.”
سخر سافيروس وهو يرفع زاوية شفتيه بازدراء.
“أيُّ كذبٍ هذا؟ تتحدث هكذا إلى من أنقذ حياتكَ!”
“أنا لم أطلب منكِ إنقاذي.”
“يا للؤمكَ.”
“اصمتي. إن كشفوا أمرنا سنكون في ورطة.”
عندها وضعت أداماس يدها على فمها وهي تنظر حولها بقلق. فقد كانت قوات لوبيانا قد تفرّقت داخل الغابة للتمشيط والبحث.
وعاد بصر سافيروس إلى خاتم الزمرد اللامع في إصبع أداماس.
ومع في تلك النظرة الغريبة، تحدّثت أداماس بهدوء،
“على كل حال….يجب أن نعبر النهر بأسرع وقت.”
“صحيح. اذهبي إذاً.”
“ماذا؟ ماذا قلتَ؟”
حقًا؟ بعد كل ما حدث، هذا ما يقوله؟
انعقد حاجبا أداماس بغضبٍ شديد.
“الجسر قد انهار، لكن يمكنكِ عبور النهر بوسيلةٍ ما. سأحمي المؤخرة.”
قال سافيروس ذلك بينما يثبت كتفه المخلوع بقطعة قماش.
“وأنتَ؟”
“……اذهبي أولًا.”
“لا. سنذهب سويًا.”
“أتريدين الموت هنا معي؟”
“لا أدري ما الوهم الذي تعيشه، لكن إن متَّ الآن فسيخسر ألف جنديٍ عبروا النهر قائدهم.”
“لكنّ لدينا عددًا يكفي للصمود على الضفة.…”
“سلاح الفرسان المدرّع في الخط الأمامي دُمِّر بالكامل تقريبًا!”
“النهر ممتلئٌ بسبب الأمطار، وقوات لوبيانا لن تجازف بعبوره. معظم سحرتهم يعتمدون على النار، وإن كنتم على الضفة الأخرى فستصمدون.”
“جيش مانو فران تخلّى عن معظم أسلحته ودروعه لعبور النهر. إن اندلع قتالٌ مباشر فلن يصمد طويلًا. أتظن أنّ عبور النهر فقط يكفي؟”
وفوق هذا….تريدني أن أهرب لأعيش بينما أبقيكَ خلفي لتواجه الموت؟
لم يكن يعرف أن موتك عَجَّل بانهيار مقاطعة مانو لثلاث سنوات كاملة.
كان اسم سافيروس.… “جوهرة مانو السوداء” و”أصغر سيّد سيف غير رسمي في الإمبراطورية”. مجرد بقائه حيًا كان كافيًا لبقاء المقاطعة حتى ذلك الحين.
فردّت أداماس بحزم،
“اسمعني جيدًا. قبل أن ينقضي الفجر….سنعبر النهر وننضم إلى الجنود الألف.”
***
“….لماذا تحدّق بي هكذا؟”
“لأن كلامكِ قبل قليل كان واثقًا جدًا، لكن حركتكِ الآن بطيئةٌ على غير العادة.”
قال سافيروس ذلك وهو يرى أداماس تنزع حذاء جنديٍ ميت.
“أنتِ من قالت أنه يجب أن نلتحق بهم قبل الفجر. تحركي.”
“أعـ….أعلم، فقط انتظر لحظة. هيه! قف هناك!”
رمت أداماس فردة الحذاء التي نزعتها للتو على ظهر سافيروس.
فتوقف سافيروس والتفت نحوها، بينما حاولت أداماس أن تتظاهر باللامبالاة وهي تصرف نظرها.
“قلت لكِ قفي!”
كان وجهه محمرٌ متورّم، ممزقٌ هنا وهناك، ومغطّى بالعرق. فتنهدت أداماس بقلق.
“جسدكَ يسخن، أليس كذلك؟”
مدّت يدها بهدوء نحو جبين سافيروس.
“هواء.”
هبّت نسمةٌ خفيفة داعبت خصلات شعره الأمامية. فابتسمت أداماس وهي تنظر إلى سافيروس الذي بدا شاردًا.
“تبدو….غبيّ الملامح قليلًا.”
لم يجب سافيروس، بل اكتفى بالتحديق فيها.
“أنتِ….مختلفةٌ كثيرًا.”
ثم قال ذلك دون أن يدرك أنه نطق بها.
امرأةٌ لا تعلم حتى أنها متسخة هنا هنا من الركض، ومع ذلك تلقي تعويذة ريحٍ لتخفف حرارة غيرها؟
لم يرَ مثلها قط في مقاطعة مانو.
“ها؟ ماذا قلتَ؟”
تذكر سافيروس الساحرة الوحيدة في المقاطعة، فابتسم بمرارة.
“لا شيء. يبدو أنكِ بلا قوةٍ لأنكِ ساحرة.”
“أسمع مثل هذا الكلام المزعج كثيرًا، بالمناسبة.”
كان نصف ابتسامة سافيروس المتعالية كافيًا لإغاظتها، فركلت فردة الحذاء الأخرى التي نزعتها قبل قليل.
“وأنا لستُ ساحرة أصلًا.”
“لستِ ساحرة؟”
“ليس تمامًا….أقصى ما أستطيع فعله هو هذا فقط.…”
فتحت أداماس يدها فظهرت شعلةٌ صغيرة، بحجم قبضة طفل رضيع، ثم خبت سريعًا.
“مخزون المانا عندي بائس. بالكاد أتقنتُ دائرة السحر الأولى.”
ساحرة من الدائرة الأولى…..موهوبة، نعم، لكنها لا تختلف كثيرًا عمّن لا يملك موهبةً أصلًا.
“إذًا ما ذاك قبل قليل؟ تلك القنبلة كانت قويةً جدًا.”
سأل سافيروس وهو يعقد حاجبيه.
القنبلة استهدف رأس جندي لوبيانا….لم تكن حجمًا يمكن لساحرة من الدائرة الأولى إطلاقه أبدًا.
“حجرٌ سحري.”
رفعت أداماس يديها أمامه. و كانتا ممتلئتين بخواتم من الأحجار، عدا الخنصر الأيسر.
بعضها بدا جديدًا على نحوٍ لافت، وبعضها الآخر كان قديمًا جدًا لدرجة فقد بريق الحجر الطبيعي من زمن.
كلها، رغم تناقضاتها، كانت تلتف حول أصابعها كأنها جزءٌ منها.
“كل حُليّي أحجارٌ سحرية—القلادة، الأقراط، الأساور، وحتى الخواتم. أنا أثير هذه الأحجار بالمانا، وأستخرج ما بداخلها من قوة. وهذا، حتى ساحرٌ من الدائرة الأولى يستطيع فعله بسهولة. لو تعلمتَ الطريقة، ستتمكن أنتَ أيضًا.”
‘فأنتَ….سيد سيف، بعد كل شيء….’
فتنفس سافيروس بعمق وردّ بهدوء،
“إذًا هي أسلحةٌ في النهاية؟”
“آسفة إن خيّبت توقعاتكَ. لكنها ليست مصنّعة—إنها أسلحةٌ طبيعية.”
القديم يحمل قوة الزمن. أحجارٌ ولدت من الأرض، وتنفست قوى الطبيعة عبر عقود طويلة….تلك هي الأحجار السحرية الطبيعية.
“كلها أطفالي. أليست جميلة؟”
ولأنها تملك عينًا لا تخطئ في تمييز الأحجار الطبيعية، فهذه كانت موهبتها الحقيقية.
تحدّث سافيروس بعد لحظة صمت،
“كنت أتساءل عن هذا منذ قليل….ذلك الخاتم.”
“أيّ واحد؟”
توقف نظره على إصبعها الأوسط في اليد اليمنى لثانية قبل أن يرتدّ.
“من أين حصلتِ عليه؟”
_____________________
خاتم ابوها؟ اشوفهم في الغلاف لابسين نفس الخاتم الاخضر لايكون هو معه نفسه بعد؟
المهم شخصية اداماس مره حلوه تضحك امداها تندمج مع سافيروس؟😂
الا على الطاري المؤلفه وشفيها مع السين؟ اكثر الاسامي تنتهي بالسين يضحك
شسمه للحين منب متأكده مانو ذي دوله ولا مقاطعه بس المهم انها كانت مكان اجداد اداماس
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 2"