مع صرخة كايرن العالية معلنًا بدء النزال، رفع روبين تيزور سيفه بهدوء إلى الأمام.
لم يكن يبدو وكأنه ينوي المبادرة بالهجوم إطلاقًا. و رأت أداماس أن روبين تيزور ذكي.
فبانثيون، صاحب الساق المصابة، لم يسبق له أن بدأ الهجوم في أي من الجولات التمهيدية السابقة. بل إنه لم يكن يسحب سيفه أصلًا.
كل من اقترب منه محاولًا استغلال هذا التهاون تلقّى ضربةً مرتدة بسرعة لا تُرى بالعين، فطار جسده عاليًا في الهواء. وبصراحة، كان ذلك المشهد يثير حيرة أداماس.
هل هذا هو عالم السيف العميق فعلًا؟ هل توجد حقًا مرتبةٌ لا تستطيع عيناها مجرّد اللحاق بها؟
“سافيروس، كيف يستطيع بانثيون سحب سيفه بهذه السرعة من دون أي حركةٍ تمهيدية؟ هل هذا هو الفرق الحقيقي في المهارة؟”
“هي مهارةٌ فعلًا، لكنك أنتِ أدرى مني بذلك.”
“هاه؟ ماذا تقصد؟”
“أنا رأيتُها من خلال تدفّق المانا.”
“تدفّق المانا؟ إذن سرّ سحبه السريع للسيف هو السحر؟”
“ربما.”
“ولم أشعر أنا بذلك؟ إلى أي حدّ كانت السرعة؟”
و اكتفى سافيروس بهزّ كتفيه بدل الإجابة.
“سأركّز جيدًا هذه المرة. لا بد أن أكشف حقيقته!”
قبضت أداماس يدها بقوة.
و كان المتنافسان لا يزالان متباعدين، يتبادلان النظرات الحادة، وتوترٌ غريب يخيّم بينهما.
ومن كسر هذا التوتر، وعلى نحو غير متوقّع، كان بانثيون.
بانثيون، الذي لم يبدأ الهجوم قط، تقدّم ببطءٍ نحو روبين تيزور من دون أن يسحب سيفه. ثم بعد بضع دقائق. انفجرت صيحاتٌ هائلة كأنها تهزّ الأرض.
“واااه!”
“رائع!”
“فُزْ! بانثيون!”
في تلك اللحظة، كان روبين تيزور جالسًا على أرض الحلبة بعد أن سقط على مؤخرته.
لم يُرَ متى سُحب السيف، لكن بانثيون كان قد أعاده بهدوءٍ إلى غمده. و كل ما حدث جرى في طرفة عين.
“ضربةٌ واحدة مذهلة! الفائز في نصف النهائي الثاني هو بانثيون!!”
صرخ كايرن بصوتٍ عالٍ معلنًا النتيجة.
“….رأيتَ ذلك، سافيروس؟”
“وأنتِ؟”
“هذه المرة فتحتُ عينيّ على آخرهما.”
تبادل أداماس وسافيروس نظرة، ثم ابتسما.
إذًا هكذا هو الأمر. المبارز الأعرج الغامض بانثيون لم يكن ساحرًا ولا مجرد سيّاف.
“النهائي سيكون ممتعًا.”
“أليست النتيجة محسومةً أصلًا؟”
“تظن ذلك؟”
“المبارزة المقنّعة ليست خصمًا يمكن التغلب عليه بالحسّ وحده.”
“صحيح….معكَ حق.”
حتى هي رأت ذلك بوضوح. كان الفارق في القوة ظاهرًا للعين.
وإن صحّ توقّعهما، فالفوز سيؤول إلى بانثيون لا محالة.
لكن، لماذا يتجمّع كل هؤلاء العباقرة في إقطاعيةٍ على وشك الانهيار؟
بل الأغرب، إذا كان هذا العدد من العباقرة يتدفّق إليها، فلماذا انهارت هذه الإقطاعية أصلًا؟
عادت أداماس للتفكير مجددًا. فهذه الإقطاعية مليئةٌ بأمور لا يمكن فهمها.
***
لأن نصف النهائي الثاني انتهى بسرعة مفرطة، انشغل القائمون على البطولة على عجل.
تحدّث كايرن بشيءٍ إلى بانثيون وهو يغادر الحلبة، ثم ركض مسرعًا إلى منصة الحكّام.
“سيدي القائد، كلا المتنافسين يقولان أنهما مستعدان لخوض النهائي الآن، فلنُسرع بالإجراء. الجو حار، والشمس توشك على المغيب.”
“هل نفعل ذلك؟”
“آنسة أداماس، لا مانع لديكِ، أليس كذلك؟”
“بالطبع لا.”
“جيد، إذاً سنباشر فورًا.”
قفز كايرن إلى وسط الحلبة الدائرية.
“حسنًا! أيها الجميع، انتبهوا من فضلكم. مهلاً، يا سيد هاسام، لا تدفع، ستُصاب. الجميع، خطوتين فقط إلى الخلف. هيا، هيا. بعد عشر دقائق تبدأ المباراة النهائية. اذهبوا إلى دورة المياه سريعًا ثم عودوا.”
وسط ضجيج الجمهور المتحرّك، غرقت أداماس مجددًا في أفكارها.
‘لماذا يبدو لي ذلك الرجل، بانثيون الذي يُتوقّع فوزه، مألوفًا إلى هذا الحد؟’
هل يكون سلفًا لشخصيةٍ عظيمة ستظهر بعد مئة عام؟
“….أداماس! أداماس!”
“هاه؟”
“ما بكِ؟ هل أنتِ بخير؟”
سألها سافيروس بقلق.
“هل لديكِ حمّى؟ أم أنكِ متعبةٌ جدًا؟”
“لا، لا. أنا بخير.”
هزّت أداماس رأسها نفيًا.
‘آسفة يا سافيروس، لستُ متعبة، بل لديّ ما يقلقني.’
“إنه النهائي الآن، لم يتبقَّ سوى القليل.”
“نعم، لا تقلق. سأركّز!”
نعم، في النهاية الأهم هو ما أمامنا الآن.
‘ومن يدري؟ إن فاز بانثيون، قد أتمكّن من التحدّث معه، وربما أتعرف على حقيقته!’
بعد عشر دقائق من الاستراحة، وقف الاثنان متقابلين في الساحة الدائرية التي عمّها شيء من الصخب.
“حقًا….مميّزان للغاية.”
أحدهما غطّى وجهه بالكامل بقناع، والآخر أعرج بساقٍ غير سليمة.
أحد هذين الاثنين سيكون الفائز في بطولة المبارزة لمهرجان الحصاد هذا العام.
لكن، بصراحة، لم تكن أداماس متحمّسةً كثيرًا للنهائي. فالفارق في المستوى كان واضحًا.
“لو كان الأخ الأصغر ستيفان هو من صعد، لكانت مواجهةً متكافئةً أكثر.”
“ربما خسر الأخ الأصغر عمدًا لأنه لا يريد مواجهة أخيه.”
“قد يكون ذلك.”
“سافيروس، فكّرتُ في الأمر….ألا تظن أن هذين الأخوين صيّادا جوائز؟”
“صيّادا جوائز؟”
“يشاركان في هذا النوع من البطولات طمعًا في الجائزة.”
عندها أطلق سافيروس زفرةً عميقة.
“بطولة مهرجان الحصاد لا تمنح جائزةً مالية أصلًا، بل مكافأةً فقط. أأنتِ حكَمةٌ ولا تعرفين ذلك؟”
“هاه؟ حقًا؟”
“نعم. هذه السنة يمنحون سيفًا فضيًا كمكافأةٍ خاصة، أما في زمن مشاركتي فكانت المكافأة كيسين من قمح الشتاء وكيسين من فاصولياء الصحراء.”
“آه….حقًا؟”
كانت أسرة الماركيز فقيرةً إلى حد جعل أداماس ترغب في البكاء.
‘حقًا، لقد تعبتَ كثيرًا أيضًا.’
ربّتت أداماس على كتف سافيروس بهدوء.
“مع ذلك، إن فاز فسيصبح فارسًا. وأي شرفٍ أعظم من هذا؟”
“نعم، هذا من وجهة نظر قائد الفرسان.”
“….انظري إلى الأمام.”
“حسنًا. سينتهي الأمر بسرعة، أليس كذلك؟”
“على الأرجح.”
كانت تشعر بالأسف تجاه المبارزة المقنّعة، لكن الفوز كان حتمًا من نصيب بانثيون.
هكذا كانت تفكّر أداماس حتى هذه اللحظة.
‘أداماس، ارفعي يدكِ الآن، وأنزلي بها بقوة وصفعي خدّكِ!’
“ما هذا أيضًا؟!”
‘يا أيها المقنّع، ما هذا الوضع المريب الذي تتّخذه؟’
كانت المبارزة المقنّعة تسند يدًا على الأرض، وتبسط اليد الأخرى إلى الأمام، منبطحةً تكاد تزحف.
انحنت بجسدها حتى كاد وجهها يلامس الأرض، فبدت كحيوانٍ رباعي الأطراف.
“إنها تراهن على ضربةٍ واحدة. بما أن لياقتها ليست عالية، فهذا خيارٌ جيّد.”
“ماذا تقصد؟ من يخوض مبارياتٍ متتالية هو بانثيون. أليس هو الأضعف من ناحية التحمل؟”
“الفارق في اللياقة الأساسية كبير.”
“آه….فهمت.”
هزّت أداماس رأسها بلا تفكير، إذ كان هذا عالمًا لا تعرفه جيدًا.
“على أي حال، المبارزة المقنّعة ليست ضعيفة التحمل أيضًا. وبالنظر إلى أنها مبارزةٌ شابة، فأداؤها ممتاز.”
“هاه؟ المبارزة المقنّعة امرأة؟”
كانت قد لاحظت نحافة بنيتها، لكنها لم تتخيّل أنها امرأة. فدرع الجلد الذي يغطي جسدها أخفى معالمها بالكامل.
“آه….هكذا إذاً.”
عند التفكير في الأمر، ربما اختارت درع الجلد لضعف لياقتها، فالدروع المعدنية ثقيلة.
“لكن مع ذلك، النتيجة غير معروفة….واو!”
خرجت منها صيحة دهشة دون وعي، ما إن رأت سيف بانثيون.
حتى الآن، كان بانثيون يقاتل من دون أن يسحب سيفه ولو مرة، لكنه هذه المرة سحب سيفه لأول مرةٍ وهو ثابتٌ في مكانه.
حتى بعيني أداماس غير الخبيرة، بدا سيف بانثيون مختلفًا بوضوح.
“لمعانه مختلف….يبدو غاليًا جدًا.”
“ليس مبارزًا محترفًا، ومع ذلك يستخدم سيفًا جيّدًا.”
وبينما قال سافيروس ذلك، توقّفت نظراته للحظة عند خاصرته اليسرى. و تجاهلت أداماس نظرته وركّزت على الساحة.
مرّت لحظة مواجهة صامتة. وفي اللحظة التي انصبّ فيها انتباه الجميع على الساحة الدائرية، فتح بانثيون فمه بهدوء.
“….انسحاب!”
ماذا؟ انسحاب؟ انـسـحـاب؟!
كان إعلان انسحابٍ من المرشّح الأبرز للفوز.
أعاد بانثيون سيفه إلى غمده كما لو أنه لم يسحبه أصلًا، ثم نزل من الساحة ببساطة.
“هاهاهاها! هل جُنّ هذان الأخوان؟ أي عبثٍ هذا! لا تمسكوني! لا تحاولوا إيقافي! هذان الاثنان معًا!”
صرخت أداماس غاضبةً وهي ترمي سجلّ النتائج.
“….آه….أها! انتهت بطولة المبارزة! الفائزة هي السيدة تينا!”
وسط ذهول الجميع، أعلن كايرن الفائزة.
و نهضت المبارزة المقنّعة ببطء، وبدا الاستياء واضحًا عليها، فغرست سيفها مباشرةً في أرض الساحة. ثم نزعت قناعها بعصبية. وفي تلك اللحظة، عمّ الاضطراب المكان.
“هاه؟”
“آه؟ ماذا؟”
“هاه! تلك هي.…”
“يا إلهي! السيدة فريفيتينا!”
همس المتفرجون من حولهم في ضجة.
ما الذي تفعله هذه الآن هنا؟
عند سماع كلمات المتفرجين الصاخبة، شهقت أداماس دون وعي.
‘انتظر لحظة! تلك المبارزة المقنّعة هي فريفيتينا؟ أتعني فريفيتينا الابنة الوحيدة لأونيكس روميل؟’
لا، لا يمكن ذلك. الاسم الذي تعرفه أداماس لتلك المرأة لم يكن فريفيتينا.
“ثقةٌ سوداء.”
تمتمت أداماس.
“هاه؟ ماذا قلتِ يا أداماس؟”
سأل سافيروس.
“….قلتُ: ثقةٌ سوداء.”
تلك المرأة ليست فريفيتينا….
“ملك المرتزقة نيكسيتينا هي من قالت ذلك. ثقةٌ سوداء.”
نيكسيتينا، أول ملكة مرتزقة في التاريخ، وسيدة نقابة الذئب الأسود ذات الشعر الأسود.
***
خرج سافيروس من مكتب قصر الماركيز وهو يهز رأسه يميناً ويساراً.
“ما الذي حدث؟”
“لا أعلم. الأمور انقلبت رأسًا على عقب.”
لم تمضِ حتى عشر دقائق على دخول سافيروس لتقديم تقريرٍ عن نتائج التحكيم، حتى اقتحم أونيكس روميل قصر الماركيز فجأة.
دفع الخادم الذي حاول منعه، واندفع للتو إلى مكتب الماركيز. و كانت أداماس، التي تنتظر سافيروس خارج المكتب، تراقب المشهد وهي تعبس بوجهها.
‘يا إلهي. هذا العجوز الذي يشبه الراكون، فعلاً لا يعرف الأدب أبدًا.’
ومن داخل مكتب الماركيز المغلق بإحكام، ما زالت الأصوات المرتفعة تتعالى. بل في الحقيقة، لم يكن يُسمع سوى صراخ رجلٍ واحد بلا توقف.
“آه، كنتُ أريد العودة إلى البيت ومدّ ساقي والنوم.”
تذمّرت أداماس وهي تربّت على فخذها.
قال سافيروس أن الأمر ليس مهمًا، لكن في الواقع، لم يكن كونها حكَمةً في بطولة المبارزة أمرًا هيّنًا على الإطلاق.
صحيحٌ أنها لم تتعرّق مثل المشاركين، لكنها أمضت اليوم كله في حالة توترٍ وتركيزٍ شديد.
ثم، أخيرًا، تقرر الفائز، لتكون ابنة أونيكس روميل، أونيكس فريفيتينا. وعندها غرق إقليم الماركيز في الفوضى.
حسب العرف، يُكتفى في الموقع بتقديم التهاني للفائز، ثم يُمنح في الأسبوع التالي لقب فارس تابع لأسرة الماركيز.
لكن اليوم تحديدًا، وما إن أُعلن اسم الفائزة، حتى اقتحم أونيكس روميل قصر الماركيز بنفسه.
“يبدو أن فوز أونيكس فريفيتينا سيتم إلغاؤه.”
______________________
مب على كيف ابوها ياكل تبن
شكلها طاقه منه عشان كذا غطت وجهها بس يوم انسحبوا ذا الاخوان قالت هيا ننفضح😂
وناسه بعد صارت ملكة المرتزقه؟😂 ياقويييه تكفين اداماس صادقيها
الا صح مب هي الي كان اونكس يبي يشبكها في سافيروس؟ يارب تعطيه نظرة الي من انت؟
Dana
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 19"