أول من تحرّك كانت المبارزة المقنّعة.
“يا إلهي! المسافة غير مواتية، لماذا؟”
ما الذي يدفعها للاندفاع نحو خصمٍ يحمل رمحًا؟
شهقت أداماس بدهشةٍ وهي تعلّق.
“ليس بالضرورة أن تكون في وضعٍ غير مواتٍ.”
و كان سافيروس يراقب الموقف بهدوء، محدّقًا إلى الأمام.
لم يكن من الممكن اعتبار المبارزة المقنّعة شخصًا يستخدم السيف، إذ كانت أطرافها نحيلةً ونحيفةً إلى حدٍ لافت.
“لا تبدو عليها العضلات، لكن أطرافها طويلة مقارنةً ببنيتها، وهي سريعة.”
ما إن انتهى سافيروس من كلامه حتى أمسكت الفارسة المقنّعة بطرف سلاح خصمها، واندفعت بجسدها نحو صدر مبارز الرمح.
تفاجأ مبارز الرمح، فرفع رمحه غريزيًا وتراجع خطوةً إلى الخلف. عندها حشرت المبارزة المقنّعة رمح خصمها تحت إبطه الأيمن، ثم خطت خطوةً كبيرة إلى الأمام في الوقت نفسه وطعنت بسيفها.
هجومٌ مقصود استغلت فيه بنيتها الجسدية على أكمل وجه.
جرأةٌ في مجاراة حركة الخصم المتراجع، وطعنٌ باليد اليسرى مع تثبيت سلاح الخصم تحت الإبط الأيمن.
“أوه! لديها حسٌ قتالي مذهل، إذاً فوز المبارزة المقنّعة مؤكد؟”
“لا، ليس بعد.”
قال سافيروس ذلك بهدوء عندما أبدت أداماس إعجابها بأداء المبارزة المقنّعة.
“المبارزة المقنّعة لا تملك القوة الكافية لتقييد خصمها الآن.”
وكان كلام سافيروس في محلّه. فمبارز الرمح ذو الذراع الواحدة رفع رمحه إلى السماء وكأنه لم يضطرب أصلًا.
أمام قوة مبارز الرمح، اضطرت المبارزة المقنّعة إلى سحب ذراعها اليمنى والتراجع.
و لم يفوّت مبارز الرمح الفرصة، فراح يضرب برمحه صعودًا وهبوطًا ليُبعد المسافة بينهما.
سادت لحظة هدوءٍ قصيرة. و وقف المتنافسان متقابلين من دون أن يتحرّك أيٌّ منهما خطوةً واحدة.
تعرّق كفّا أداماس وهي تراقب. وفي تلك اللحظة، اندفعت المبارزة المقنّعة مجددًا إلى الأمام بسرعةٍ خاطفة بعد أن التقطت أنفاسها.
“انتهى الأمر، لن تنجح مرتين.”
ثم قال سافيروس ذلك ببرود.
“ها؟ ماذا تقصد؟”
“أقصد أن مبارز الرمح لن يقع في الفخ نفسه مرة أخرى.”
شوووخ―.
ما إن أنهى سافيروس كلامه حتى أطلق مبارز الرمح ذو الذراع الواحدة رمحه نحو المبارزة المقنّعة المنقضّة عليه كالسهم.
لكن يبدو أن التصويب كان خاطئًا. فقد تجاوز الرمح المبارزة المقنّعة، واندفع نحو خيمة الحكّام حيث كانا أداماس وسافيروس.
“آه!”
غطّت أداماس رأسها غريزيًا وجلست القرفصاء. و مرّت نحو ثلاثين ثانية تقريبًا.
وعندما رفعت أداماس رأسها في الصمت الذي خيّم فجأة، كان المشهد أمامها. المبارزة المقنّعة معلّقة في الهواء وقد أمسك خصمها بخصرها، وقدماها تتدليان.
ومبارز الرمح ذو الذراع الواحدة يحمل المبارزة المقنّعة بيد واحدة.
وسافيروس، ممسكًا بالرمح بيديه العاريتين من دون أي إصابة، يحدّق في مبارز الرمح بنظرةٍ حادّة.
“هل أنتِ بخير يا أداماس؟”
“…،نعم، أنا بخير.”
قالت أداماس ذلك محاولةً تهدئة قلبها الذي كان ينبض بعنف.
ثم كسر مبارز الرمح الصمت بانحناءةٍ خفيفة، فردّ سافيروس بملامح جافة.
“انتبه أكثر لما حولكَ.”
رغم نبرته الجافة، كان سافيروس في الحقيقة شديد الانزعاج. ومن بين الحشد الكبير، كانت أداماس الوحيدة التي لاحظت ذلك.
وجّه سافيروس الرمح نحو قدمي مبارز الرمح، ثم رماه باتجاه ساحة القتال.
و نهضت أداماس متظاهرةً بالهدوء، وأخذت ترتّب ملابسها وهي تهدّئ صدرها المضطرب.
وحتى تلك اللحظة، كانت المبارزة المقنّعة لا تزال ممسوكةً من خصرها، تصرخ و تتخبّط بعنف.
وفجأة، وقع ما لم يكن في الحسبان. لم يتوقّعه سافيروس الذي رمى الرمح، ولا المتفرّجون من حوله.
“آخ! تفووهـتـس.”
ألقى مبارز الرمح بالمبارزة المقنّعة أرضًا ليتلقّى الرمح، فغاص وجه المبارزة المقنّعة في الرمل.
“أنتَ! أيها الوغد! لن أترككَ!”
خرجت شتائم فظة دوّت بوضوح حتى وصلت إلى أداماس خارج الحلبة.
وفي اللحظة التي اندفعت فيها المبارزة المقنّعة مجددًا رافعةً سيفها، صاح مبارز الرمح بصوت منخفض.
“انسحاب.”
“ها؟ ماذا؟ انتظر!”
انتشر الهمس بين الصفوف الأمامية من الجمهور. و وقفت أداماس مذهولةً، ممسكةً بورقة تسجيل النتائج، تحدّق في مبارز الرمح.
لكن مبارز الرمح لم يُبالِ بنظرات من حوله، فالتقط رمحه وغادر الحلبة الدائرية بلا تردّد.
“ما هذا!”
“أتمزح معنا! بوو!”
عمّت الفوضى المكان في لحظة. و أطلق المتفرّجون صيحات الاستهجان بوجوهٍ يملؤها الاستغراب.
و صعد المذيع كايرن بسرعةٍ إلى الحلبة، وأعلن فوز المبارزة المقنّعة.
ثم غادرت المبارزة المقنّعة الحلبة وهي تركل الأرض، تنهال بسيلٍ من الشتائم القاسية التي لا يمكن النطق بها تجاه مبارز الرمح.
“حسنًا حسنًا، التزموا الهدوء، بعد ساعةٍ ستقام مباراة نصف النهائي الثانية، اذهبوا وكلوا شيئًا ثم عودوا للمشاهدة!”
قال كايرن ذلك بصوتٍ عالٍ.
“آه! ما هذا الانسحاب المفاجئ! يجعل الأعصاب تتلف حقًا!”
ارتجفت أداماس وهي تصرّ على أسنانها.
“هل أفزعكِ ذلك كثيرًا؟”
“آه، نعم، حقًا، مرؤوس خطيبي هو الأفضل فعلًا، أما ذلك المبارز بالرمح حقًا! آه، لو لم يكن وسيمًا إلى هذا الحد، لغرزت صاعقةً في بطنه.”
قالت أداماس ذلك وهي تدوّن نتيجة المباراة.
“….أداماس، بقيت ساعة. لنذهب ونأكل شيئًا.”
ظلّ سافيروس يحدّق طويلًا في الاتجاه الذي اختفى فيه مبارز الرمح ذو الذراع الواحدة، ثم التفت مخاطبًا أداماس.
“آه؟ حسنًا، فهمت.”
فوضعت أداماس سجلّ المباريات جانبًا وتحرّكت خلف سافيروس.
ثم جلس سافيروس وأداماس عند أحد أكشاك الطعام المصطفّة على طول الشارع.
و حكّت أداماس خدّه بتعبيرٍ متحيّر وسألت،
“لماذا انسحب ذلك المبارز فجأة؟ كان قد فاز بالفعل.”
“لا أدري، لكن لا يبدو شخصًا عاديًا.”
“هاه؟”
“يبدو أنه فقد ذراعه منذ وقتٍ غير طويل. من شكل تقنياته، أظن أنه كان في الأصل أعسر. توازنه الجسدي ممتاز، ولياقته عالية، ولهذا يبدو مريبًا أكثر.”
“وما المريب في الأمر؟ لأنه انسحب فجأة؟”
سألت أداماس وهي تميل برأسها متحيّرة.
‘لا، ذلك الرمح بدا وكأنه استهدفنا به عمدًا.’
كبح سافيروس أفكاره الداخلية، وهزّ كتفيه،
“بمستواه هذا، كان سيُعترف بقدراته أينما ذهب. مجيئه إلى هنا تحديدًا هو ما يثير الشك. يبدو أن شخصًا معقّدًا قد تدحرج إلى إقطاعية الماركيز.”
“همم، تقصد أنه شخصٌ يبعث على القلق؟ إذاً ماذا عن المبارزة المقنّعة؟ بالنسبة لي، من يخفي وجهه هو الأكثر ريبة.”
“يبدو أنها ليست قادمةً من الخارج أيضًا.”
“إذًا من أين أتت؟ هل سقطت من السماء؟ أم خرجت من الأرض؟”
“….أنتِ أحيانًا تنسين أبسط الأمور.”
“هاه؟”
“إن لم يكن من الخارج، فهو من الداخل طبعًا.”
“من الداخل؟ هل كانت هناك موهبةٌ كهذه داخل الإقطاعية؟”
واو، إقطاعية على وشك الانهيار، فلماذا كل هذا الكم من المواهب؟
“لكن لماذا القناع إذاً؟”
“يبدو أن أحدهم عارض الأمر.”
“من؟”
“…….”
“هاه؟ إذاً أنتَ تعرف من تكون تلك المبارزة المقنّعة، أليس كذلك يا سافيروس؟”
“نعم، على الأرجح.”
وهو يتمنى في داخله أن يكون ظنّه خاطئًا، عضّ سافيروس شطيرةً محشوّة حتى آخرها بحبوب الصحراء.
و عندما لاحظت أداماس أن سافيروس يتعمّد قلة الكلام، حاولت عبثًا تغيير الموضوع.
“آه، الجو حار ورٌ فعلًا، أليس كذلك؟”
نظر سافيروس إلى أداماس وهي تمسح العرق عن جبينها، فأخرج من جيبه منديلًا صغيرًا وناولها إياه.
“آه، شكرًا. تبدو لطيفًا اليوم على غير العادة، أيها الفارس.”
ثم سأل سافيروس وهو ينظر إلى أداماس التي انحنت بأناقة.
“وماذا عن الروبي*؟”
*حجر كريم أحمر
“هاه؟”
ما علاقة الروبي الآن؟
“لم أرَ الروبي منذ فترة.”
“لا! لا! لم ألمس أياً من أحجاركَ، لم أدخل غرفتكَ مجددًا حقاً!”
أداماس، التي سبق أن وبّخها سافيروس لأنها اشترى فراشًا بأحجاره، أنكرت بشدّة أي تهمة سرقة وهي تواجه سافيروس الذي سألها فجأة عن مكان الروبي.
“لا أقصد أحجاري.”
فهزّ سافيروس رأسه نافيًا.
“أقصد قرطكِ.”
“ومتى امتلكتُ قرطًا من الروبي؟ آه، صحيح….حقًا، أنتَ لا تفهم شيئًا.”
فتحت أداماس عينيها باستغراب وكأنها اسأل عمّا يعنيه، ثم هزّت رأسها وضغطت كتفيها بلا مبالاة.
“يا إلهي حقًا، هل تظن أن كل حجر أحمر هو روبي؟ واضحٌ أنكَ لا تعرف شيئًا عن الأحجار الكريمة.”
“ما الذي تقصدينه؟”
“لا بأس يا سافيروس، فارسٌ أحمق لا يعرف سوى السيف، من الطبيعي ألا يدرك قيمة الأحجار الكريمة وجمالها. هوهوهو.”
“عن ماذا تتحدثين؟”
“ليس روبي. فيكسبايت. ردّدها معي. فيكسبايت!”
“فيكسبايت.”
“نعم، فيكسبايت. ببساطة يمكن اعتباره زمردًا أحمر.”
“وماذا عن هذا الفيكسبايت؟ لا أراه.”
كانت أداماس تعلّق أوبالًا أسود في أذنها اليسرى، وفيكسبايت في أذنها اليمنى، أما الآن فلم يبقَ في أذنها سوى الأوبال الأسود.
ربّتت أداماس على أذنها التي باتت أخفّ بكثير، و ردّت بنبرةٍ محرجة.
“كان لها استخدام.”
“ألم تكن كلها أحجارًا سحرية؟ مستحيل! هل هدّدكِ أحدٌ في إقطاعية الماركيز؟”
قال سافيروس ذلك وهو ينهض فجأة.
“آه، لا، الأمر ليس كذلك.”
“تكلّمي، حالًا!”
“لا، ليس لأنني في خطر، بل لأنه كان ضروريًا فقط، فلا تقلق. ستعرف أنتَ أيضًا قريبًا.”
“قولي الآن.”
“آه، غدًا. سأخبركَ غدًا.”
“….أنتِ لا تخفين شيئًا، أليس كذلك؟”
“لا، حقًا. اجلس أولًا. ستبدأ مباراة نصف النهائي الثانية بعد قليل، ومن الأفضل أن نرتاح ولو قليلًا قبلها.”
وبعد أن هدّأته أداماس بلطف، جلس سافيروس بصمت.
“إن حدث أي شيء، أخبريني فورًا. فأنا.…”
“هم؟ أنتَ؟”
“على الأقل، أنا خطيبكِ.”
“أوه؟ ههه، حسنًا. هذا مطمئنٌ فعلًا.”
قالت أداماس ذلك مازحًة، فاحمرّ وجه سافيروس.
“لا تسخري.”
“لا أسخر، أنا مطمئنةٌ حقًا. فأنا أثق بكَ.”
“هل تقصدين ذلك بصدق؟”
“سافيروس، هل تظن أن هناك في هذه الإقطاعية من يثق بكَ أكثر مني؟”
‘لذلك لا تقلق، لقد وثقتُ بكَ، ولهذا اتخذتُ هذا القرار.’
ابتسمت أداماس وهي تتنفّس الصعداء سرًّا.
___________________
صدق ماقالت وش سوت بحلقها الاحمر مع الماركيز هيدنايت ذاه
المهم ذاه ابو يد واضحه موصى نطل عليهم الرمح ويوم شوي ويفوز قال انسحب؟ من وموصيه ذاه؟
بعدين ليه سافيروس ماقال من ذي المبارزه خير
صح ضحكتني اداماس يوم عصبت نست انها توها مادخه ابو يد واخوه حتى تضحك 😭 مع ان توها مروحه بالرمح الي طار عليهم بس عادي عشان كذا احب شخصيتها مشرقه مرررررره 🤏🏻
Dana
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 17"