“أوه….كهه.”
استيقظ سافيروس وهو يلهث بقسوةٍ من شدة اضطراب أنفاسه. فقد رأى كابوسًا مروّعًا.
كان حلمًا مخيفًا، شيءٌ أحمر ضخمٌ ذو شعورٍ مرعب حاول قتله.
‘يا له من حلمٍ بغيض.’
غطى سافيروس وجهه وأطلق أنينًا متعبًا.
هذا الحلم الذي يطارده كل ليلة تقريبًا كان سببًا في أرقٍ طويل لازمه لسنوات.
‘هاه….هل تنتقم الغولِمات حتى في الأحلام الآن.’
في الخارج، كان الهواء البارد يصرّ ويئنّ وهو يهزّ النافذة. و حدّق في زجاجها المغبّش ببخار أنفاسه لبرهة قبل أن ينهض من السرير.
استفاق من الكابوس ليضع قدميه على أرضيةٍ خشبية باردة بلا دفء.
“هاه.…”
ياله من صباحٍ لا يتغير حتى يومًا واحدًا.
“تبـ-”
دوووم!
وبينما كان الاكتئاب ينهش قلب سافيروس، دوى فجأةً صوتٌ غريب من جهة غرفة المعيشة.
“ما هذا؟”
فأسرع سافيروس نحو غرفة المعيشة متجهًا نحو مصدر الضوضاء التي اهتزّ بها البيت.
و كانت أداماس جالسةً على أرضية المطبخ ممسكةً بمقلاة، تحيط بها قدورٌ متناثرة حولها.
“ما الذي تفعلينه الآن؟”
“آه….هاها. هل استيقظتَ؟ فكرتُ أننا بحاجةٍ للفطور فحاولتُ التحضير. لكن المقلاة كانت في مكانٍ مرتفع.”
“ولِمَ لم تطلبي مني إخراجها؟”
“كيف أطلب منكَ وأنتَ نائم؟”
“هناك كرسي.”
“ظننتُ أن يدي ستصل إذا مددتها قليلًا، أتفهمني؟ ذلك الإحساس.”
“لا أفهم إطلاقًا.”
“لا بأس إن لم تفهم. ولكن هل يمكنكَ التوقف عن التحديق بي بتلك النظرة المليئة بالشفقة؟”
قالت أداماس طلك وهي تضحك بخجل.
“وبالمرة….أعطني يدكَ قليلًا.”
كانت تقول بوضوح: ساعدني على النهوض.
في غرفة المعيشة كانت المدفأة تبعث ضوءًا باهتًا وهي تحترق بهدوء. بينما أغمض سافيروس عينيه بقوة ثم فتحهما.
‘إنها لا تختفي.’
أمام عيني، في بيتي….هناك شخصٌ آخر.
“من الآن فصاعدًا….أيقظيني.”
قال سافيروس ذلك وهو يمد يده.
“حسنًا.”
“ستذهبين معي اليوم أيضًا، صحيح؟”
“طبعًا. لذلك دعنا نتناول الإفطار أولًا!”
ومن الأيدي المتشابكة انبعث دفءٌ لطيف.
“جيد. فطور اليوم هو الطبق الشهير في مانو….حساء الفاصوليا الصحراوية.”
كانت تدندن بهدوءٍ لحنًا لم يسمعه يومًا من قبل. و ظل سافيروس يراقب أداماس النشيطة المتحركة لوقتٍ طويل.
“أداماس.”
“همم؟”
“….الحساء يبدو مائيًا أكثر من اللازم.”
“حقًا؟!”
“نعم.”
شرب سافيروس الحساء رغم جفاف حلقه. و الكلمات التي أراد قولها علقت في حنجرته ولم تخرج.
‘….شكرًا لكِ. على مجيئكِ إلى هذه المقاطعة.’
لقد كان صباحًا يريد فيه قول ذلك بلا وعي، ولسوء الحظ….هذا الشعور استمر لشهرين كاملين.
***
مع دخول شهر أغسطس، أصبحت أداماس مشغولةً إلى أقصى حد.
منذ الأسبوع الماضي، كانت هي وسافيروس يتناولان الإفطار معًا، ثم يتوجهان إلى منجم الأحجار الكريمة في الجبال خلف مقاطعة مانو. أو بالأصح….إلى المكتب المؤقت لفريق التنقيب عن أحجار السحر.
خيامٌ خضراء مشبّعةٌ بالزيت نُصبت هناك، وكان سافيروس وفرسانه يتحركون بنشاطٍ بين المكان.
عملهم الأساسي كان إنشاء دعاماتٍ للممرات العمودية في المنجم.
“كان من المفترض أن يشعر الفرسان بالإهانة….لكن بصراحة هم مذهلون.”
رغم أنهم، كفرسان، يشبهون عمّال المناجم الآن، لم يتذمر أحد.
تركوا سيوفهم دون تردد….وأمسكوا المعاول بدلًا عنها.
“أغلبهم أبناء مانو في النهاية.”
قال سافيروس ذلك وهو يأخذ معوله بدوره.
“إنه أمرٌ مؤثرٌ فعلًا.”
الذين يحملون اسم مانو ويعيشون تحت لوائها….مجرد رؤيتهم تجعل الابتسامة تظهر تلقائيًا.
“الجو حار….لماذا لا تبقين في البيت وترتاحين بدلًا من المجيء يوميًا؟”
“ما الفائدة من الجلوس وحيدةً في المنزل؟ يجب أن أتحرك هكذا. ثم إن لدي عملًا أقوم به أيضًا! آه، هنا!”
اقترب أحد الفرسان وهو يسحب عربةً ثقيلة نحو خيمة أداماس.
“ضعوها هنا!”
فصناعة الدعامات تعني في النهاية حفر الجدران….وقد يظهر حجرٌ سحري في أي لحظة خلال ذلك.
“لا يجب أن نضيع حتى ذرةً واحدة. كلها أحجارٌ ثمينة.”
“صحيح، أنتِ فعلًا….تحبين الأحجار إلى حدٍ مذهل.…”
“يجب أن نبني بهذا سور الحصن حتى تظل المقاطعة آمنة. هم؟ ماذا قلتَ؟”
“آه، لا شيء. هممم….سأذهب لأعمل أنا أيضًا.”
“حسنًا، لكن لا ترهق نفسكَ. كتفكِ أصبح بخير، صحيح؟”
“هذه قصةٌ قديمة! لستُ ضعيفاً إلى هذا الحد!”
“سرعان ما تنفعل حقاً….هاه؟ إنه كبير الخدم.”
قالت أداماس ذلك مشيرةً بإصبعها إلى الرجل المتجه نحوهما.
“مرحبًا بكم، سيدي سافيروس. آنسة أداماس.”
“هل حدث شيء؟”
فسأل سافيروس.
“جئت لأن لدي رسالةً للآنسة أداماس.”
“لي أنا؟”
“نعم. آنستي أداماس، هلّا ترافقينني إلى قصر الماركيز؟”
“ولماذا؟”
“الماركيز يطلب لقاءكِ.”
عند كلمات كبير الخدم نظرت أداماس إلى سافيروس ثم إليه مرةً أخرى.
وضع سافيروس معوله بهدوءٍ ورتب ملابسه قليلًا.
“هو يريدني أنا، صحيح؟ ليس سافيروس؟”
“صحيح، آنسة أداماس.”
“إذن ابقَ أنتَ واعمل هنا يا روس.”
“ماذا؟ أين المنطق في هذا؟ أنا وصيّكِ!”
“الماركيز يريد مقابلتي وحدي، لماذا تصعب الأمر؟ لا تتشبث بي هكذا….هذا مرهق.”
وضعت أداماس يدها على جبينها وهزت رأسها بتظاهرٍ بالتعب، بينما ارتسمت ابتسامةٌ ساخرة على شفتيها.
“ماذا؟ ها!”
“أعرف، أنتَ قلق. لا بأس….فأنا جميلةٌ قليلًا بعد كل شيء. آه يا لكَ من محظوظ.”
“ما الذي تحاولين قوله فعلًا يا مجهولة الهوية!”
تمتم سافيروس بأسنانه وهو يقترب منها هامسًا. لكن أداماس تجاهلت توتره و ردّت ببساطة،
“اعمل بجد! سأعود لاحقًا.”
“أيتها….أنتِ فعلًا!”
“لنذهب يا سيد كبير الخدم.”
‘سامحني يا سافيروس…..في الحقيقة لدي طلبٌ شخصي أود تقديمه للماركيز.’
ابتلعت ما أرادت قوله بهدوءٍ وتوجهت نحو قصر المركيز.
***
“أهلًا بكِ يا آنسة أداماس.”
كان مكتب قصر مانو، الذي دخلته برفقة كبير الخدم، يشبه صندوقًا خشبيًا كبيرًا غامق اللون.
و خلف ظهر الماركيز الذي رحّب بها بابتسامة، ارتفعت رفوف كتبٍ عالية ممتلئةً بكتبٍ سميكة لا يُعرف من قد يقرأها أصلًا.
كما لفتت نظرها الخرائط القديمة المعلقة على الجدران.
‘همم….هل هذه خريطة المقاطعة؟ وهناك خريطةٌ للإنتاج المحلي….وحتى خريطةٌ للمعادن…..’
حتى لو كانت المقاطعة على وشك الانهيار، فلا يزال لديها الكثير مما يستحق الاحترام.
وهي تحدق في الأكوام الضخمة من الوثائق فوق المكتب المستطيل الكبير، لم تستطع منع نفسها من العبوس قليلًا.
‘آه….يبدو أنكَ تعمل بجد فعلًا يا سعادة المركيز.’
“يا آنسة أداماس، أي نوعٍ من الشاي تفضلين؟”
“همم….أي شيءٍ باردٍ يناسبني.”
لوّح هيدينايت الجرس مرتين بابتسامة، فجاءت خادمة القصر وقدمت شايًا عشبيًا باردًا.
“كنتُ قلقًا أنني ربما أزعجتكِ واستدعيتكِ بلا داعٍ.”
“لا، لا بأس. صدفةً هذا وقتٌ خالٍ بالنسبة لي حاليًا.”
“هذا مطمئن إذاً. في الحقيقة طلبتُ لقاءكِ لأن لديّ أمرًا أود سؤالكِ عنه.”
“نعم.…”
‘آه….لماذا يدي تتعرقان هكذا دائمًا؟’
مسحت أداماس يديها بسروالها ثم ابتسمت متكلفةً إشراقًا.
“قلتِ أنكِ جئتِ من العاصمة، أليس كذلك؟”
“نعم.”
“فرانسيسكو*….كيف هو حالها الآن؟”
*العاصمة
“ماذا.…؟”
رمشت أداماس بعينيها، بينما ابتسم هيدينايت وكأنه يدرك أنه طرح سؤالًا ربما لا ينبغي طرحه.
كانت أداماس تجد التعامل مع هيدينايت صعبًا قليلًا.دفهذا الرجل يشبه والدها الراحل كثيرًا….لكنه ليس والدها.
جدها؟ أم جدّ جدها؟ لا يمكنها الجزم.
فبعد سقوط هذه المقاطعة، لم يذكر أي كتابٍ تاريخي مصير أحفاد عائلة الماركيز. بل إنها تعرف أن ماركيز مانو الحالي بلا أبناء أصلًا!
لكن هذا لا يعني أنها لا تشعر بالود تجاهه. لكن الماركيز يشبه شخصًا تفتقده بشدة. كلما نظرت إلى عينيه الخضراوين العميقتين، خطر ببالها والدها الراحل دون إرادة.
‘آه….هناك ألفةٌ في داخلي تجاهه….لكن لا أستطيع التعبير عنها.’
“العاصمة دائمًا مزدحمة. والجو فيها يخنق قليلًا. هاهاها.…”
“أفهم ذلك.”
‘هل هذا ما كان يريد سؤاله؟ ما الإجابة الصحيحة أصلًا هنا؟’
“….هل انتهى الحديث؟”
“تقريبًا. هل لديكِ شيءٌ تودين سؤاله؟”
“في الحقيقة….بما أنني من اكتشفت المنجم، ظننتُ أنكَ ستسأل عن استخراج المعادن أو صقل الأحجار….شيئًا من هذا القبيل.”
قالت أداماس ذلك بتردد. فاستخراج أحجار السحر يعتمد بشكلٍ أساسي على قدراتها.
فلمسةٌ خاطئة قد تحطم حجرًا ثمينًا يمكن الحصول عليه بصعوبة، والتمييز بين الحجر العادي والحجر السحري، وحتى مراحل المعالجة….كل ذلك يحتاج إلى قدرتها.
لكن قول هذا بلسانها مباشرةً أمرٌ محرجٌ قليلًا.
“سألتكِ عن العاصمة فقط لأنكِ بدوتِ متوترةً جدًا.”
قال هيدينايت ذلك مبتسمًا.
“آه….هكذا إذاً. هاهاها.…”
“حين ينتهي الفرسان من تثبيت دعامات المنجم، سنبدأ أخيرًا باستخراج أحجار السحر بشكلٍ جدي.”
“نعم.”
“وأنا أعلم جيدًا….أننا سنحتاج مساعدتكِ بشدة عندما نصل إلى تلك المرحلة. ولهذا أعددتُ هذا.”
ثم أخرج هيدينايت وثيقةً من فوق المكتب.
“تفضلي….اقرئيها.”
“ما هذا؟”
“عقد. وإذا احتجتِ توضيحًا لفقرةٍ ما، اسألي متى شئتِ.”
تفحّصت أداماس العقد بسرعة.
كانت دائمًا تدقق في مثل هذه الأشياء بدقة، بفضل التعليم الصارم الذي تلقتها من والدها. فلطالما قال لها: حتى إن لم أكن قربكِ، لا تسمحي لأحدٍ بخداعكِ.
“همم؟ هل هناك ما يصعب فهمه؟”
سأل هيدينايت بعدما لاحظ أنها تنظر إليه بين حين وآخر.
“لا….ليس صعب الفهم. كنت فقط متفاجئة….بالنسبة لعقدٍ يُقدَّم لشخص لا يعرف أحدٌ أصله….فهو كريمٌ جدًا.”
“هاها. لا يمكنني خداع شخص ٍأحضره إلينا روس.”
“حقًا؟ إذاً الفضل كله يعود إلى روس.”
واصلت أداماس قراءة العقد بسرعةٍ حتى توقفت عند سطرٍ معين.
“كل شيءٍ ممتاز يا سعادة الماركيز….لكن أرجو تعديل هذه النقطة فقط.”
قالت ذلك وهي تشير مباشرةً إلى بند الأجر بابتسامة.
“كم؟ وكيف؟”
سأل هيدينايت وهو يعقد حاجبيه قليلًا.
‘سامحني يا سعادة الماركيز….لكنني أصرف الكثير من الأحجار الثمينة…..’
“في الحقيقة ليس المال ما أريده. بل أود أن أتلقى جزءًا محددًا من أحجار السحر المستخرجة كتعويضٍ عيني.”
قالت أداماس ذلك مبتسمةً بأقصى ما تستطيع من براءة.
وقد كان والدها يقول دائمًا: ابتسامتكِ يا صغيرتي أثمن من الذهب.
“هيهي.…”
‘إذاً يا سعادة الماركيز….هل يمكن أن تمنحني بعض أحجار السحر.…؟’
_____________________
سرقة مؤدبة ذي 😭 بس صح تستاهلها الصدق
بدايه الفصل حلو حنون سافيروس متعود يقوم لحاله ومصدع بس الحين قام على صوت طيحة اداماس ومستانس 😔🤏🏻
حتى لو طاحت وتفشلت بس مستانسين😔
علاقتهم تجننننننننننننننننننن والي يضحك ان شكلهم بيقعدون يمثلون انهم خطيبين لين يحبون بعض وهم مايدرون بس حركاتهم مب متغيره طبعاً اكيد لأن ما ابيها تتغير
Dana
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 13"