من حجم المشعل كان واضحًا أن المشكلة ليست نقص الأكسجين.
و صحيحٌ أن أداماس شعرت بضيقٍ ما، لكنه لم يكن إلى حد الاختناق.
‘فرط تنفّس؟ رهاب الأماكن المغلقة؟’
“هيه! تماسك!”
راح سافيروس يشدّ شعره بعينين زائغتين، ثم أخذ يخدش عنقه بعنفٍ بكلتا يديه.
“اهدأ. مانو سافيروس!”
أمسكت أداماس كتفيه وهزّته بقوة.
وعندما رفعت يدها لتمنعه وهو على وشك أن يخنق نفسه، رفع سافيروس يديه فجأة وغطّى رأسه.
“آه….أُووه…”
فتجمّدت أداماس في مكانها.
“ما بكَ؟ من الذي….من الذي فعل بكَ هذا؟”
‘من الذي أوصلكَ إلى هذه الحال؟’
كان سافيروس قد كوّر جسده على نفسه، يرتجف وهو ينتحب بضعفٍ كطفل لم يتعلّم الكلام بعد.
فشدّت أداماس جسده إليها بقوة. وكلما تقلب وتشنّج، اهتزّ جسدها معه بعنف.
“تباّ….آسفة! نور!”
كان سحراً من الدائرة الأولى يولّد الكهرباء.
لقد أدخلت أداماس صدمةً كهربائية خفيفة إلى جسده الذي لم يهدأ.
“كح!”
انفلتت من صدره أنفاسٌ خشنة، وكأن القوة خارت فجأة. فأرخَت أداماس ذراعيها، ومسحت خده بحذر.
كما لو كانت تلامس أثمن شيءٍ في هذا العالم.
“لا بأس. لا بأس.”
“أُووه.…”
‘ماذا أفعل؟ أستخدم النور مرةً أخرى؟ لا، قد يؤذي جسده. هل هناك طريقةٌ لطلب المساعدة من أراضي الماركيز؟ أأطلق كرة نارٍ إلى السماء؟ لا، مستحيل….نحن في كهف. أرجوكَ.…’
لو كنت أستطيع استخدام سحر التحليق….
كرهت أداماس ضعف سحرها. لو أنها تستطيع الطيران في السماء، وإشعال النيران بين يديها….
ظنّت أنها تجاوزت مرحلة كره موهبتها الفطرية، واحتقار نفسها بسببها….لكن حين غمرت الدموع عينيها، تذكّرت فجأة وصية أبيها الأخيرة.
‘لا تلعن ما تملكه، بل اعمل من أجل ما ستملكه.’
كانت تلك دعوةً للعيش في الحاضر، ولرؤية الواقع كما هو.
‘لا تفزعي. مارنو أداماس.’
فرفعت أداماس يديها وصفعت خديها بقوة.
“أنا….أنا سأنقذكَ!”
كان استكشاف المنجم قرارًا اتخذته وحدها معه. ليس هذا وقت الارتباك.
“سافيروس، هل أخبرتكَ من قبل؟ أنتَ بطلي.”
كانت تكلّمه باستمرارٍ كي لا يفقد وعيه، وتكرّر كلماتها كأنها عهد لنفسها.
لطالما أعجبت به. حلمت بلقائه مراتٍ لا تُحصى، خاصة في أوقات كانت الحياة تثقل عليها.
‘ذلك الإعجاب هو ما صنعني اليوم.’
أسندت أداماس جسد سافيروس المترهل، ونزعت من إصبعها السبّابة اليمنى خاتم الأكوامارين. خاتمٌ فضي مرصّع بأحجار زرقاء سماوية صغيرة كحبّات الدخن.
‘هل سينجح؟ ماذا عن السلم؟ هل سنستطيع الصعود؟’
رفعت أداماس رأسها، و نظرت إلى مدخل النفق مرة، ثم إلى سافيروس مرة أخرى.
‘لا وقت للتردّد الآن.’
“أرجوكِ، أكوا.”
عضّت على أسنانها بقوةٍ حتى صدر صوت طقطقة، وقبضت على الخاتم ثم رمته خلف ظهرها.
و دار الخاتم بسرعةٍ فوق الأرض، ثم دوّى صوت ارتطام متتالٍ.
شـــاااا—.
تبع ذلك صوت تدفّق ماءٍ باردٍ منعش.
وحين همّت أداماس برفع سافيروس والتوجّه نحو المخرج— اندفع من خلفهما سيلٌ مائي هائل، ودفعهما بقوة.
هل سيكون الماء باردًا؟ هل سيؤذيه؟
كانت تمسح وجه سافيروس المتصبّب عرقًا بيدٍ مرتجفة، بينما تعضّ شفتيها بقوة.
ومع تجاهلها للعرق والدموع، شدّت ذراعها الداعمة له.
“أرجوكَ، اصمد.”
ارتجفت يداها وهي تلف الحبل حول خصره. وللاحتياط، لفّت حبلها هي أيضًا حول خصره.
لوّحت بيدها في الهواء عدة مرات، فبدأ الماء يرفع سافيروس ببطء. و تسلّقت أداماس السلم بمحاذاته، وهي تتحكّم باتجاه الماء.
“أرجوكَ….لم يبقَ الكثير.”
بينما كانت قوة السحر تضعف شيئًا فشيئًا.
‘قليلًا فقط…|قليلًا بعد….’
“….آه!”
و لأنها ركّزت كل انتباهها على سافيروس، انزلقت قدم أداماس عن السلم. و كان الوحل العالق بحذائها هو السبب.
“آاااه!”
صرخت، وفي تلك اللحظة انقطع تيار الماء فجأة.
كان أسوأ سيناريو.
الحبلان كلاهما ملفوفان حول خصر سافيروس، ما يعني أنها ستسقط من السلم وتموت، بينما سافيروس، فاقد الوعي، سيتدلّى في الهواء وظهره مكسور.
كانت كارثةً مكتملة الأركان.
***
“أوه….آ، أبي….أواااه.”
غمرتها الدموع حينها.
“محاولة اغتيالٍ رائعة، أداماس. هل كنتِ تنوين قتلي؟”
كانت أداماس معلّقةً في الهواء، ممسوكةً من خصرها بيد سافيروس.
“أوااه….هِغ.”
“لستِ متحالفةً مع أونيكس فعلًا، أليس كذلك؟”
“هق….هيغ….لم أفعلها عمدًا!”
“لا تصرخي، ولا تتحركي. إن كنتِ قد استعدتِ وعيكِ، فدوسي على كتفي واذهبي إلى السلم.”
دارت عينا أداماس بتردّد.
كان عليها أن تطأ كتفه الأيسر لتصل إلى السلم. الكتف ذاته الذي أُصيب في معركة نهر باران.
“توقفي عن البكاء، وتسلّقي كتفي بسرعة!”
“لا….كتفكَ….مصاب! إنه ينزف! أوواه!”
“هل تريدين أن نموت معًا؟ تحرّكي فورًا وامسكي السلم!”
كان سافيروس يمسك خصر أداماس بيده اليسرى، وباليمنى غرس السيف في الجدار.
في اللحظة التي سقطا فيها من الهواء، استعاد سافيروس وعيه بمعجزة. و بحركة بهلوانية مذهلة، استدار في الهواء، و سحب سيفه وغرسه في الجدار، ثم اختطف خصر أداماس بسرعة.
و انزلق النصل الطويل على جدار السلم قبل أن يتوقف بصعوبة. كل ذلك حدث في غمضة عين.
“أداماس، أعلم أنكِ مذعورة. لكن تحرّكي. لم يبقَ لديّ قوة. لا أستطيع التعلّق هكذا إلى الأبد.”
“أمم….آسفة.”
حين لان صوته، استعادت أداماس رباطة جأشها. و وطئت كتفه وأمسكت بالسلم.
و لم ينقل سافيروس قدمه إلى السلم إلا بعد أن تأكد من أنها ثبتت جيدًا، ثم فكّ بسرعة كل الحبال الملفوفة حول خصره.
“أليس يكفي فكّ واحدٍ فقط؟”
حتى لو أعطاها واحدًا، فواحدٌ يبقى له.
“لا، لم يعد لذلك معنى.”
أجاب بفظاظة، ولفّ الحبل حول معصمه.
“….يا إلهي!”
“لماذا هو ملفوفٌ هكذا؟!”
كان من المفترض أن يكون الحبل مربوطًا بإحكام إلى شجرة كبيرة.
أرى سافيروس الحبل الملفوف حول معصمه لأداماس. و كان طرف الحبل مقطوعًا قطعًا نظيفًا.
“من الذي فعل هذا؟”
“لا أعلم.”
“ألا يوجد شخصٌ تشكّ به؟”
“لا أحد بعينه، وإن اضطررتُ للاختيار فالمشتبه بهم كُثُر.”
أجاب سافيروس بصوتٍ هادئ.
“حسنًا. لِنصعد أولًا ونتحدث هناك.”
فابتسمت أداماس بمرارة وهي تحرّك ساقيها. بينما كان جسدها كله مغمورًا بالماء.
***
كانت الشمس تميل إلى الغروب.
وبعد أن تفحّص سافيروس الشجرة التي كان الحبل مربوطًا بها، وموضع القطع بعناية، تنهد،
“يبدو أننا لن نعرف الحقيقة.”
صحيح، فمن المستحيل الإمساك بالجاني اعتمادًا على أثر قطع الحبل وحده.
“نعم. كيف نمسك بشخصٍ لم نرَ حتى ظله؟”
“على الأقل، مقاس قدم المشتبه به 240 مليمترًا، ووزنه يقارب 55 كيلوغرامًا.”
“هاه؟ كيف عرفتَ؟”
أمال سافيروس رأسه ونظر إلى الأسفل. فاتسعت عينا أداماس. كانت آثار الأقدام واضحةً تمامًا.
“….امرأة؟”
“لا أعلم. ربما تركت الأثر عمدًا. بما أنه لا توجد آثارٌ أخرى، فلا خيار أمامنا سوى الاشتباه بهذا الأثر أولًا.”
“إذًا حتى من في قصر الماركيز لا يمكن الوثوق بهم.”
“….نعم.”
قرار المجيء إلى المنجم اتُخذ بالأمس. وما إن أبلغا الماركيز اليوم حتى انطلقا فورًا.
“على أي حال، يبدو أن المنجم ليس وسيلةً جيدة لكسب المال.”
قال سافيروس ذلك وهو يجمع الحبل.
“هاه، الأمر ليس بهذه البساطة.”
ثم ضحكت أداماس بخجل.
“ماذا تقصدين؟”
“قلت لكَ، ثق بي.”
“هل حدث شيء بينما كنتُ فاقد الوعي؟”
عقد سافيروس حاجبيه.
“أنتَ من اكتشفه.”
وأشارت أداماس إليه.
“أنا؟”
“نعم. أنت عبقريٌ فعلًا!”
“ماذا؟”
“من كُتب له النجاح ينجح!”
قفزت أداماس في مكانها محاولةً مدّ يدها لتربيت رأسه، لكن سافيروس أمسك يدها بخفة وسأل.
“اشرحي الأمر جيدًا، أداماس.”
ن راح يفكر بجدية،
‘هل كنت أمشي وأنا نائم؟ هذا سيئ.’
“أيها الأحمق. الجدار بجانب السلم. المكان الذي غرستَ فيه سيفكَ. هناك بالضبط.”
“هل كان فيه ما يميّزه؟”
“الشرر كان قويًا أكثر من مجرد احتكاك سيفً بالحجر. أنت تعرف، زمرد مانو يحمل طاقة البرق.”
“إذًا….تقصدين؟”
“في لحظة الخطر، استخدمت الأورا لغرس سيفكَ في الجدار الصلب. فتفاعلت معها الأحجار السحرية! حجرٌ يحمل طاقة البرق تحطّم قسرًا، ولهذا صدر ذلك الصوت العنيف والوميض.”
و ابتسمت أداماس.
“لقد وجدناها! حجرًا سحريًا. طريق جواهر جديد!”
“هل فعلتُ أنا ذلك؟”
“نعم!”
شعر سافيروس بتنميلٍ في أطرافه حتى أنه تعجّب من قدرته على الوقوف.
‘هل هو….ارتجاف الفرح؟’
لقد نجا من الموت. بفضل المرأة التي أمامه.
وفي اللحظة نفسها، كانت قد رسمت غدًا جديدًا مرة أخرى.
امرأة مجهولة الهوية،
‘إنها منقذة.’
ليس له وحده، بل ربما لكل مانو.
“والآن، هل تعترف بمهارتي؟”
غمزت أداماس. فأدار سافيروس رأسه وراح يجرّ حذاءه الملطخ بالوحل على الأرض.
“أنا مدينٌ لكِ.”
“لا شيء يُذكر.”
كان لون شعر أداماس القمحي، وعيناها الخضراوان المتلألئتان، وابتسامتها المحتضنة لألوان الغروب الآفل….كل ذلك مبهرًا.
“هيا، لنعد الآن! إلى البيت.”
“نعم.”
“ما رأيكَ أن نأكل لحمًا على العشاء؟ في يومٌ سعيدٍ كهذا يجب أن نأكل جيدًا.”
“نعم.”
“حقًا؟ يومٌ يخفّ فيه وزن خنزيرٍ بري صغير!”
“نعم.”
“هاه، هذه المرة صرتَ ببغاءً يقول نعم فقط. ما هذه الردود الباهتة؟ مع من أتحدث؟”
نفخت أداماس بضيق وتقدّمت بخطواتً سريعة، بينما امتد ضوء الغروب الذهبي خلفها. وقد مدّ سافيروس يده محاولًا الإمساك بذلك الضوء، ثم أنزلها مجددًا.
وفي السماء التي اشتدّ لونها، بدا قمرٌ معتم يطلّ بهدوء. فظلّ سافيروس يسير طويلًا وهو يتأمل ظهر أداماس، وهو يفكّر أن القمر، هذا المساء، يبدو جميلًا على نحوٍ خاص.
_______________________
متأكد انه القمر الي صاير حلو؟😘 اوقا زياده اكثر واجد هاااااااااااهاهاهاهعاعاهاهاها
المهم كذا واضح سافيروس اذا استحى يكرر كلامه ✨ كيعوت
بعد كذا أحتاج تفسير كامل لكيف وليه ووش صاير لسافيروس منين ذا التروما
وصح ودي يتذكر وش كانت تقولها أداماس وحركات يدها وهو في الحاله عشان الحنيه وكذا😔
Dana
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 12"