“سافيروس، دعنا نبيع الأحجار الكريمة ونوفّر المال!”
قالت أداماس وهي تصفق بيديها، فهزّ سافيروس رأسه نافيًا.
“وماذا سنبني ببيع ياقوتٍ بحجم حبّة قمح؟ ثم إنني قلت لكِ ألا تمسّي الياقوت!”
“تسك تسك، تفكيركَ قصيرٌ قليلًا يا سافيروس.”
“و ألفاظكِ قاسيةٌ يا آنسة أداماس.”
ثم أشارت أداماس إليه بثقة.
“هاه؟ أنا؟”
“ليس أنتَ، بل سيفكَ!”
استقرت نظرة أداماس على السيف الملفوف بالقماش الأبيض.
“منجم زمرد مانو. يوجد منجمٌ يخرج أحجارًا سحرية، فكيف خطر ببالكَ أننا بلا مال؟ هذا غباءٌ صريح.”
“ماذا؟ لكن ذلك المنجم.…”
تردد سافيروس وهزّ رأسه.
“لماذا؟ أليس الحجر المثبّت في سيفكَ من هناك؟”
“الأمر أن….جودة الأحجار هناك متدنية، ولهذا أُغلق المنجم حاليًا.”
“هذا يعني أنكم لا تبيعون شيئًا أصلًا؟”
“في الشتاء فقط نعمل به. لكننا على مشارف أغسطس. الموسم الزراعي في ذروته، وتحريك الفلاحين في عمل لا يدرّ مالًا أفضل من تركهم لا يزرعون. هكذا جرى الأمر دائمًا. ثم إن احتمال وجود حجر سحري قد يكون مجرد صدفة.…”
قال سافيروس ذلك بصوتٍ كئيب.
“لا. لا تقلق. الأحجار السحرية بطبيعتها تتركّز في مكانٍ واحد.”
فالأحجار السحرية الطبيعية غالبًا ما تظهر بكثافةٍ في الأراضي ذات الطاقة الجيدة.
“ليس كل حجر كريمٍ حجرًا سحريًا، لكن الحفر مرةً واحدة على الأقل يستحق المحاولة.”
قالت أداماس ذلك بثقة.
لو خرج حجرٌ سحري حقًا، لتغيّر التاريخ.
“حسنًا. سأبدّل لكَ منتجات هذه المنطقة.”
“هل سينجح الأمر؟”
“هيه! لا تشكّك! ثق بي فقط. يا خطيبي!”
“….قلت لكِ لا تناديني بذلك.”
“حسنًا. خطيبي اللطيف. روس.”
غمزت اداماس وهي تزمّ شفتيها. فضحك سافيروس بصمت، كأنه لا يصدق.
***
تسعة عشر عامًا. طالبةٌ في كلية السحر. لقبها: أميرة الأحجار الرخيصة.
كانت أداماس تضع خواتم بألوانٍ مختلفة في كل أصابعها العشرة. وليس هذا فحسب. فعقد اللؤلؤ في عنقها كان مبهرًا، وفي أذنيها قرطان مختلفان.
تشكيلة أحجارٍ بلا أي انسجام يُذكر.
في نظر الآخرين، كانت فتاةً متباهية تلمّع جسدها بالأحجار الكريمة، لكن الحقيقة كانت مختلفة. فما تحمله الأحجار هو طاقة الطبيعة الهائلة.
وموهبتها كانت التمييز بين الأحجار السحرية الطبيعية التي تحتوي تلك الطاقة.
لهذا السبب، ورغم امتلاكها قدرةً سحرية من الدائرة الأولى فقط، استطاعت أداماس الالتحاق بكلية السحر في أكاديمية فرانسيسكو، المعروفة بأنها وكر العباقرة.
***
كانت يد هيدينايت بطيئةً وهو يرفع فنجان الشاي. بينما حدّقت أداماس في المشهد بلا رمشة.
نعم، هكذا كان والدها يرفع فنجانه تمامًا. يترك السبابة والبنصر مبتعدتين قليلًا، بحركةٍ هادئة وبطيئة.
“منجم الفضة الذي اعترفوا لنا به كحقٍ من حقوق بيت الماركيز لم يبقَ فيه سوى القليل، ومنجم الزمرد، حتى حين طوّره مؤسس مانو قبل مئة عام، لم يُخرج أحجارًا ذات جودةٍ جيدة.”
قال هيدينايت ذلك بهدوء وهو يمدّ خاتم زمرد من يده إلى أداماس.
“أفضل زمردٍ لدينا لا يتجاوز هذا.”
كان التصميم لائقًا، لكن اللمعان، حتى بحسن ظن، لا يتعدى الدرجة الثانية.
“لا أقول أنني لا أرغب في الأمل، لكن.…”
حين رأت أداماس تردده، انقبض قلبها.
“لا تقلق يا سيدي الماركيز. سنفعل ما بوسعنا.”
قالت أداماس ذلك بثقة.
‘بل، علينا أن نفعل أي شيء. فالتحدي لا يكلّف مالًا.’
“ثق بنا، من أجلي على الأقل.”
و أضاف سافيروس بهدوء.
“همم.…”
كان هيدينايت رجلًا يفضّل الخيارات المؤكدة. فالبيئة صاغته كذلك.
كلما حاول رعاية إقطاعيته، تكاثرت التدخلات. و كان لديه الكثير مما يريد فعله، والقليل مما يستطيع فعله.
لكن هذا الماركيز، في الخامسة والثلاثين، تعلّم خلال العامين الماضيين ألا يتوقع الكثير بعد تكرار الإحباط.
“بما أن التعدين متوقفٌ حاليًا، سأسمح لكم بإلقاء نظرةٍ على منجم الزمرد.”
نادراً ما يتكلم سافيروس بهذا القدر. فشعر الماركيز بشيءٍ من التأثر.
لقد كبر سافيروس فعلًا. ربما أراد أن يبدو لائقًا أمام حبيبته.
‘نعم، لو نما سافيروس أكثر من الآن….’
فمع مهارته الممتازة في السيف وذكائه المقبول، كان يملك ثقةً بالنفس أقل مما يستحق.
“انتبهوا جيدًا لسلامتكم.”
“لن نخيب أملكَ يا سيدي.”
‘وعلى النقيض، من أين جاءت تلك الفتاة الواثقة إلى هذا الحد؟’
“سأعود بشيءٍ سيكون مفيدًا لك حتمًا!”
وحين التقت عيناه الخضراوان بعينيها المشابهتين تمامًا، ابتسم هيدينايت بهدوء.
***
كان منجم زمرد مانو متصلًا بجبلٍ صغير خلف قصر الماركيز.
وقد جهّز خادم القصر لسافيروس و أداماس أحذية طويلة وقفازات سميكة.
في بداية صعود الجبل، تذمرت أداماس،
“لماذا يعطوننا أحذيةً وقفازاتٍ في هذا الحر؟”
لكن ذلك لم يدم طويلًا.
“هاه؟ ما هذا!”
فمدخل منجم الزمرد كان عبارةً عن فتحةٍ عمودية واسعة وعميقة.
وحين رأت قضبانًا حديدية مغروسة على عجل كأنها سلّم، تحدّثت أداماس،
“يبدو كأن نيزكًا سقط هنا.”
“لقد سقط فعلًا.”
“حقًا؟ لكن زلّة قدمٍ واحدة، وسأذهب للقاء أبي.”
شعرت أدلماس بالاختناق وهي تنظر إلى السلّم الذي لا نهاية له.
‘هل يعقل أن أشعر بنقص الأكسجين من الآن؟ هذا أسوأ ما يكون.’
حمل سافيروس مشعلًا بيدٍ واحدة وبدأ ينزل ببطء، فتبعته أداماس بحذر.
وقبل النزول في البئر العمودية، واصلت التأكد من أن الحبل المربوط بجذع شجرة كبيرة مثبتٌ جيدًا حول خصرها.
“أوه….أكره هذا فعلًا.”
ماذا لو انقطع الحبل هنا؟ مجرد التفكير أرسل قشعريرةً في جسدها.
كان السلّم طويلًا. فسال العرق من رأسها حتى لسع عينيها، و اضطرت إلى الرمش مرارًا وهي تتابع النزول.
“آه….كدتُ أموت رعبًا. هل أنتَ بخير؟”
سألت أداماس سافيروس وهي تتنفس بعمق بعدما وصلت إلى الأرض.
“آه….نـ….نعم.”
و أجاب سافيروس متلعثمًا، بصوتٍ لا يشبه نبرته الواثقة المعتادة.
“ما هذا؟ حتى أنتَ تخاف من المرتفعات.”
حتى أعظم المبارزين لديهم ما يخيفهم، على ما يبدو.
“أعطني المشعل. سأحمله أنا.”
كانت الصورة التي رأتها أداماس لسافيروس، ولو لبرهةٍ قصيرة، لرجلٍ لا يُظهر قدراته، ولا يتباهى بتضحياته أو جهوده.
ولم يكن يُظهر خوفه أيضًا. لعل هذا ما يجعل النظر إليه ينجذب إليه باستمرار.
‘أنا غريبةٌ فعلًا.’
لو علم أحد بذلك لسخر حتمًا.
من المُضحك أن تقلق ساحرةٌ من الدائرة الأولى على سيد سيف.
***
كان النفق يمتد الآن أفقيًا على طول الجانب، وأرضيته أقرب إلى مستنقعٍ من طين رطب لزج.
كانت هناك حواجز خشبية، وقد لُفّت حولها حبال. لهذا احتاجا إلى الأحذية الطويلة والقفازات السميكة.
شدّت أداماس الحبل بيدها، وتقدّمت ببطءٍ وهي تتلفت حولها.
“حسنًا، لنبدأ البحث الجاد عن الأحجار الكريمة. في هذا الذي يُسمّى بـ”طريق الأحجار”.
قالت أداماس ذلك وهي تفحص بعنايةٍ آثار الحفر الممتدة أفقيًا على طول الطبقة السطحية التي تحتوي على الأحجار.
كان سافيروس صامتًا منذ فترة. وقد تباطأت خطواته تدريجيًا، حتى مضى وقتٌ طويل و أداماس تسبقه بأكثر من عشرة خطوات.
هل يشعر بتوعك؟
“سافيروس، هل تعلم؟ الزمرد في الأصل من أكثر الأحجار احتواءً على شوائب داخلية. لذلك طريقة صقله هي ما يحدد قيمته.”
“….أحقًا.”
جاءها ردٌ بطيءٌ ثقيل.
“أتمنى أن نعثر على زمرد جيد. آه، أنا متحمسةٌ جدًا. من أين نبدأ؟ أولًا لنسدّ الديون التي تراكمت بسبب بناء السور، ثم….”
“…….”
“انظر، لقد عدتَ للصمت. عندما يكلّمكَ أحد، من اللطف أن تردّ عليه. مهاراتكَ الاجتماعية كارثية. هم؟ إلى أي طريقٍ نذهب الآن؟”
ثم ظهر فجأة مفترق طريقين.
“….اليمين.”
“حسنًا، لنتجه يمينًا.”
اتبعت أداماس إرشاده، بينما أخرج سافيروس خريطةً من صدره.
ظهرت في الجدران بين الحين والآخر لمعاتٌ خضراء ممزوجةٌ بالزمرد، لكن أداماس لم تشعر بأي شيء بعد.
“عندما أكون في المكان نفسه أعرف.”
“….كيف ذلك؟”
“أشعر وكأن الحجر يكلّمني. تفهم ما أعنيه، أليس كذلك؟”
“….لا أفهم.”
“حقًا؟ يبدو أن أحجار هذا المكان خجولة. لنواصل التقدم على أي حال.”
ومن ثم، واصلا السير بلا نهاية.
“آه، لقد تعبت.”
زفرت أداماس أنفاسها بصعوبة. وكانت ساقاها تؤلمانها، وقلبها يكاد ينفجر.
شعرت وكأن فطائر الفول الأخضر التي أكلتها صباحًا تصعد عبر مريئها. و لم تسمع سوى صوت أنفاسها اللاهثة في أذنيها.
وعندما بلغا نهاية النفق، جلست أداماس أخيرًا على الأرض.
“آه! ما هذا! لا يوجد شيءٌ على الإطلاق!”
“يبدو….أنه….لم يكن منجمًا….صالحًا أصلًا.”
هل كان هذا المنجم بلا قيمةٍ فعلًا، كما قال الماركيز؟
“مع ذلك، كان شعوري جيدًا منذ البداية. أحسستُ بالأمر منذ صعود السلم. آه، دعنا نجرّب الطريق الأيسر في طريق العودة.”
قالت أداماس ذلك وهي لا تتخلى عن آخر أمل.
“….حسنًا. تقدّمي.”
“نعم!”
و لم تمضِ عشر دقائق على دخولهما الطريق الأيسر حتى توقفت أقدامهما.
“أوه، هنا الطين أسوأ.”
“كفى….لنَعُد….يا أداماس.”
كان رد سافيروس بطيئًا على نحوٍ غريب منذ فترة.
“لا. طالما وصلنا إلى هنا، فلنتقدم قليلًا بعد.”
و واصلت أداماس التقدم، تجرّ قدميها الغارقتين في الوحل.
ضاق الطريق تدريجيًا، وبدا وكأن صوت الماء يُسمع في الجوار. ومع ذلك، لم تستطع التوقف. فقد كانت الجدران تلمع بخفةٍ منذ قليل، وتشدّ نظرها باستمرار.
الأرض سيئة، نعم، لكن احتمال العثور على حجر سحري هنا بدا أكبر من الطريق الأيمن.
“بعد كل ذلك الكلام الكبير، لا يمكننا العودة إلى الماركيز خاليي الوفاض، أليس كذلك؟ سافيروس؟”
“….نـ….عم.”
جاءها ردٌ واهنٌ ثانيةً.
‘هل تعب بالفعل؟ لا يبدو شخصًا ينهار بهذه السهولة. لا تقل لي أن لياقته أقل من لياقتي؟’
“هَه….هَه…”
ترددت أنفاسٌ خشنة في الفراغ الضيق. و كان النفق الأيسر كالأيمن تمامًا. فقد وصلا إلى نهايته، ولم يكن هناك شيء.
‘حقًا، لا شيء على الإطلاق.’
لا، هل يُعقل أن ينتهي الأمر هكذا بلا أي مفاجأة؟ أعطِنا أي شيء!
أن نصل إلى هنا ثم تكون الخلاصة: “ولم يكن هناك شيء”، هذا قاسٍ جدًا!
“يا له من منجم بائس….سافيروس؟”
“….أهك. ههك.”
فجأة، أمسك سافيروس صدره وجلس على الأرض. فألقت أداماس المشعل من يدها واحتضنت كتفيه.
“سافيروس، تنفّس!”
____________________
وي؟ ضيق تنفس؟ من وشششش؟ تروما!؟ ورعييييييييييي
المهم ذولا الأبطال أكيد اجل ليه مالقوا شي وين حظ الأبطال الاسطوري
شسمه والماركيز الفاغر ذاه ليه ماحس ان أداماس تشبهه؟ ودي يسجلونها انها بنت ضايعه والله وناسه
Dana
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 11"