نهضت أداماس فجأة وهي تصرخ، وغطّت صدرها بكلتا يديها، ثم راحت تمرّر عينيها على سافيروس من أعلى إلى أسفل.
“مـ، ما هذا الهراء! غرفةٌ واحدة؟ لم نتزوج حتى! أنتَ…. أنتَ شخصٌ مريب! نعم، حتى فجر اليوم، احتضنتني من الخلف فجأة وأربكتني!”
فاحمرّ وجه سافيروس وصرخ بدوره بالنفي. كان غضبه شديدًا إلى حد جعل أداماس غير قادرةٍ على أن تغضب أكثر.
فتنهدت أداماس وهي تنظر إليه بهدوء.
“آسفة، ظننتنا مخطوبين، فحسبت أننا سنستخدم غرفةً واحدة لا غير.”
‘نعم، أنا المخطئة. أنا السيئة. أنا المريبة.’
“آه، حتى لو كنا مخطوبين، فهذا غير جائزٍ قبل الزواج.”
برغم احمرار وجهه وهو ينفث غضبه، قال سافيروس كل ما يريد قوله، فابتسمت أداماس في داخلها بهدوء.
‘جيد. فلنبدأ بالتقرّب ببطء من الآن فصاعدًا!’
“حسنًا. إذًا أعطني غرفةً أخرى. ليست غرفتكَ.”
“غرفتي ليست متّسخةً إلى هذا الحد!”
“لا أقصد أنها متّسخة، لكنني لستُ قليلة تربيةٍ لدرجة أن أستولي على غرفة نوم صاحب البيت وأنا مجرد ضيفة. أليست هناك غرفةٌ أخرى فعلًا؟ لا بأس، فالطاولة كبيرةٌ أصلًا.”
‘لديّ ذرة ضمير، كيف أسرق سرير شخص مصابٍ في كتفه؟’
“الغرف الأخرى لا تُستعمل، والغبار فيها كثيف. استخدميها كما هي. ولا يوجد الآن فراشٌ إضافي.”
“همم، إذًا حُسم الأمر. تنظيفٌ شامل!”
“عنادكِ ليس عاديًا.”
“أنتَ ارتح. فأنتَ متعبٌ بلا شك، وكتفكَ ما زال يؤلمكَ.”
“ليس هذا السبب. عليّ أن أعود إلى قصر الماركيز.”
“آه، دوام العمل؟”
“نعم. لا يمكنني أن أُجبر ضيفةً على التنظيف، فاستريحي فقط.”
“لا، هذا غير صحيح. لا يمكنني أن أبقى ضيفةً إلى الأبد.”
ومن يدري متى سأغادر، فلا داعي لكل هذا التكلف.
فتوقف سافيروس عند باب المدخل وتردد.
“ماذا؟ تريدني أن أودّعكَ؟”
“هاه….لا.”
“لا شيء هنا يُسرق أصلًا. اذهب بحذر. سأبقى أنظف.”
‘نعم، لا شيء….لا شيء على الإطلاق.’
كان بيت الجذوع الخشبية الذي قيل أن صيادًا سكنه سابقًا مليئًا بآثار الترميم هنا وهناك، لكنه بدا قديمًا.
الأثاث وأدوات المائدة كلها بدت مستعملة، كأنها ورثت عن الساكن السابق، بلا أي رونق.
‘كأنني صاحبة البيت فعلًا.’
“لو كان بيتي، لما كان هكذا. الطاولة والكراسي تصدر صريرًا، وكل الأطباق متشققة.…”
“نعم، فهمت. نظفي كما يحلو لكِ. وإن نظفتِ غرفتي أيضًا، سأكون شاكرًا.”
فرفعت أداماس كتفيها أمام سافيروس الذي كان يسخر.
“أوه، و إن خرج مالٌ فسيكون لي!”
“نعم، خذي كل شيء. وإن احتجتِ شيئًا، فاشتريه.”
ضحك سافيروس بلا تصديقً وخرج من البيت. ولوّحت أداماس بيدها وهي تصرخ خلفه.
“ارجع ومعكَ مالٌ كثير! يا خطيبي!”
ودّعت أداماس سافيروس بصوتٍ عالٍ وهو ينزل الجبل.
“كفّي عن مناداتي بالخطيب!”
“حسنًا. انتبه للعربات، وانتبه للناس، يا سافيروس.”
“لستُ طفلًا!”
“هاهاها.”
كانت سعيدة. سعيدةً لأنه يردّ عليها بصوتّ عالٍ. ولأن سافيروس حيّ وبصحةٍ جيدة.
***
أزالت أداماس خيوط العنكبوت من الغرفة الصغيرة الخالية، ونفضت الغبار. وبعد المسح بالماء، بدا المكان مقبولًا إلى حد أشعرها بالرضا.
“بما أنني أنظف، هل أنظف غرفة سافيروس أيضًا؟”
دخلت الغرفة بحماس، لكنها حين رأت الداخل لم تجد حتى ما يدعو للضحك.
سريرٌ فردي، وطاولةٌ صغيرة، وخزانة ملابس واحدة. هذا كل شيء.
مهما نظرت، لم يبدُ الأمر تقشفًا، بل فقرًا.
“لا يوجد ما يُنظَّف أصلًا.”
ثم فتحت النافذة ورفعت الوسادة لتنفض الغبار، فظهر كيسٌ صغير.
“وما هذا؟ يبدو ثقيلًا نوعًا ما.”
هزّت الكيس الصغير بحجم الكف، فصدر صوتٌ خافتٌ متصادم.
“ما هذا؟”
فتحت أداماس الكيس وهي تميل رأسها باستغراب. و كان داخله ممتلئًا بأحجارٍ صغيرة بحجم حبة القمح.
‘هكذا إذًا. فمن غير المعقول أن يكون قائد فرسان الإقطاعية فقيرًا إلى هذا الحد! أهو مال طوارئ؟’
ألقت أداماس منفضة الغبار من يدها فورًا. و تذكرت كلمات سافيروس صباحًا، حين قال لها أن تشتري كل ما تحتاجه وتستخدمه.
“أوه هوهوهو. كان عليكَ أن تنتبه لكلامكَ، يا سافيروس!”
‘سألقنكَ درسًا قاسيًا! بمالكَ أنتَ!’
“جيد. لنبدأ بشراء الفراش.”
فراشٌ ناعم جدًا، منفوشٌ جدًا، يمحو قسوة واقع هذه الإقطاعية اللعينة تمامًا.
***
“هيه. أداماس!”
كانت أداماس تغفو أمام المدفأة. و ربما لأن البيت في الجبل، فحتى في الصيف لم يكن الدفء كافيًا بعيدًا عن المدفأة.
“أوووه….سا….فيروس؟”
“هل نمتِ بالفعل؟”
“لا. كنتُ فقط جالسةً أستريح قليلًا.…”
“وماذا عن العشاء؟”
“ليس بعد. آه، بالمناسبة، نظفتُ كل شيء.”
نظر سافيروس إلى أداماس التي كانت تضحك بخفة، ثم أخرج خبزًا قاسيًا ولحمًا مقددًا. فراحت أداماس تتبعه من خلفه.
“اجلسي.”
“اسمع.”
“هل لديكِ ما تقولينه؟”
“أنا آسفة، سافيروس!”
صرخت أداماس بصوتٍ عالٍ. وساد الصمت للحظة.
“فجأة؟ ما الأمر؟”
قال سافيروس ذلك وهو يعبس، وكانت يده اليمنى قد وصلت بالفعل إلى سيفه الرفيع.
“مهلًا، اهدأ. لنحلّ الأمر بالكلام. أعد السيف.”
“وأنا أفضّل الحل بالكلام أيضًا. لكن مثل هذه الحالات نادرًا ما تُحل بالكلام.”
“مع ذلك، أليس سحب السيف تصرّفًا مبالغًا فيه؟”
“هذا ما أقرره أنا. ثم إن من يرتكبون أخطاء لا رجعة فيها يقولون هذا دائمًا.”
“يبدو أنكَ توليت منصبًا إداريًا في سنٍ مبكرة جدًا.”
“كفى هراءً، واعترفي بخطئكِ بسرعة.”
“أنفقتُ بعضًا من مالكَ! اشتريتُ فراشًا واحدًا! وبما أنني أشتري لنفسي، غيّرتُ فراشكَ أنتَ أيضًا بالكامل، أليس هذا رائعًا؟ هل تعلم كم تعبتُ في حمله، وكم كانت مغامرةً عظيمة….سيّد سافيروس لن يعـ….ـلم هاهاها.”
“حقًا؟”
“هاه؟ ألا بأس؟”
‘كنتُ أظنني أنفقتُ الكثير. أكان هذا مقبولًا؟’
“أنا من قال أنه لا يوجد فراشٌ إضافي.”
“يا للخسارة. لو علمتُ أنكَ بهذه السعة في الصدر، لكنتُ بدّلتُ كل الأواني المتشققة دفعةً واحدة.”
فرمقها سافيروس بنظرةٍ واحدة، ثم اقترب من المدفأة.
كان بيت سافيروس مليئًا بآثار ساكنه السابق. و كانت في أرجاء البيت عيناتٌ محنطة لمختلف الحيوانات مصطفّة في كل مكان.
فمدّ سافيروس يده إلى فم أحدها، خنزير بري صغير، وأخرج منه كيسًا صغيرًا.
“همم. لا شيء تغيّر كثيرًا.”
‘أتلك هي الخزنة؟!’
“كيف تدير أموالكَ بهذه اللامبالاة!”
“ماذا؟”
“لا شيء….هل قلتها بصوتٍ عالٍ؟ أعني أفكاري؟”
“أنتِ أحيانًا….لا، لا بأس إن لم تنتبهي لذلك. لكن ما المال الذي تقولين أنكِ أنفقتِه إذاً؟”
“آه؟ آه. بعتُ الأحجار التي كانت بجانب السرير إلى متجر الأدوات.…”
“كيف تجرؤين على استخدامها!”
صرخ سافيروس بصوتٍ عالٍ فجأة.
“لكنّكَ أنت من قال استخدمي أي شيء! و قبل قليل قلتَ أنه لا بأس، فما الذي تغيّر الآن؟!”
و ردّت أداماس عليه دون أن تتراجع.
“وماذا لو كانت أحجاراً من نوع خاص؟!”
“لا…….كانت كثيرة، فظننت….هل كانت شيئًا ثمينًا؟”
قالت أداماس ذلك بحذر وهي تراقب تعابيره.
“أنا آسفة، سأعيدها لكَ حتمًا.”
و همّ سافيروس بالكلام ثم أغلق فمه بإحكام.
“لا تغضب إلى هذا الحد. إن وجدتُ عملًا سأعيد الأحجار كلها. هل كنتَ تحبها إلى هذا الحد.…؟”
“لا أدري.”
“إن لم ترد أن تشرح، فلا بأس، لكن لا تقل لا أدري هكذا.”
كادت أداماس أن ترفع صوتها، ثم سارعت إلى تغطية فمها. فمهما يكن، أليست هي المخطئة في النهاية؟
وبينما كانت تدير عينيها بإحراج، تابع سافيروس كلامه.
“لم أستخدمها لأنني لا أعرف ما هي. حتى أنا لا أعلم حقيقة هذه الأحجار.”
في صوته وهو يطلق زفرةً طويلة، شعرت أداماس بفراغٍ عميق.
و تحرّك سافيروس ببطء إلى غرفته، ثم عاد حاملًا كيسًا جلديًا صغيرًا.
وبصوت انسكابٍ واضح، تساقطت على الطاولة أحجارٌ حمراء، هي نفسها التي وجدتها أداماس صباحًا.
فراحت أداماس تتأمل الأحجار الحمراء أمامها ببطء. و مهما نظرت، بدت عاديةً جدًا. فهل تكمن القصة فيما وراءها؟
“أداماس. هل تذكرين هيئة الغولم؟”
“غولم طينيٌ داكن. ربما بسبب الغروب، كان يلمع بلونٍ أحمر حسب الزاوية، ووجهه كان متلألئًا قليلًا.”
“الغولم الطيني مصنوعٌ من طين نهر باران ورمال الصحراء. حجم الحبيبات، لزوجة التربة، ونسبة الذهب الرملي الضئيلة جدًا، كلها تؤكد ذلك.”
أومأت أداماس برأسها. و كان واضحًا أن سافيروس فكّر في أمر الغولم طويلًا.
“وبما أن الغولم ليس وحشًا يتكوّن طبيعيًا، فلا بد له من صانع. في البداية شككتُ بدولة روفيانا، لكنها ليست هي. قلت لكِ، هذه أول معركةٍ بيننا منذ خمسين عامًا. أما أول ظهورٍ للغولم فكان قبل سبع سنوات. ونهر باران ضمن أراضي مانو. لا يمكن أن يحدث شيءٌ هناك دون أن نعلم.”
“مع ذلك، القول أنه جاء من الصحراء وحدها يبدو غريبًا. فقط بسبب أسطورة ساحرٍ مجنون؟”
“لو قلنا أن الغوليم صُنع داخل الإقطاعية، فستظهر مشكلاتٌ كثيرة.”
“أي مشكلات؟”
“الماركيز السابق كان أكثر ما يخشاه هو انتشار جوٌ من الشك بين سكان الإقطاعية. والماركيز الحالي ليس مختلفًا.”
“يا إلهي.”
في النهاية، حين عجز الماركيز عن معرفة مصدر الغولم، فضّل إلقاء اللوم على الخارج بدل الداخل.
“سبب لمعان الوجه هو هذا الحجر المغروس في الجبهة.”
“هذا خرج من الغولم؟”
“استدعينا خبير أحجارٍ كريمة من الخارج وأجرينا فحصًا كاملًا، لكنه حجرٌ عادي. حاليًا، يمنح الماركيز ملكية هذا الحجر كمكافأة لمن قضى على الغولم.”
“هل لدى مانو منجم أحجار ياقوت؟”
“لا. مناجم مانو تقتصر على الفضة، والزمرد، والحديد، والفحم.”
“إذًا أقرب مصدرٍ للياقوت؟ أو حتى سوق تبادل؟”
“إقطاعية الكونت روبينا. تشتهر هناك الحُلي المصنوعة من الياقوت.”
“آه، ياقوتهم ممتازٌ فعلًا. لكن! المكان بعيدٌ جدًا.”
فللوصول إلى إقطاعية روبينا، المعروفة بإنتاج ياقوتٍ عالي الجودة، لا بد من عبور سلسلة جبال رايد الوعرة.
وإن كان الياقوت يأتي من هناك….
“هناك أمرٌ واحدٌ مؤكد. صانع الغولم ثري. هذا ليس حجرًا خامًا كما يُستخرج من المنجم. انظري إلى الشفافية، واللمعان، والشكل. حجمه صغير، لكنه ياقوتٌ مصقول ذو قيمة سوقية واضحة.”
وأثناء تقليبها لحجر الياقوت في كفها، شدّت أداماس شعرها بعصبية.
“العالم غير عادلٍ حقًا.”
‘صانع الغولم ينفق المال حتى على الغوليمات، ونحن نحاول صدّها بالقمح والفول؟’
أيّ مجنون هذا الذي يملك كل هذا المال؟
“ليت المال يتساقط من السماء. أو يفور من الأرض….من السماء قطرةً قطرة. من الأرض فقاعةً فقاعة. من الأرض فقـ….ها؟”
‘انتظري. إذًا من الأرض….كيف لم يخطر لي هذا من قبل؟’
______________________
وش الفلوس الي من الأرض؟ بعد انا ابيها
أداماس تضحك خذت راحتها مره 😂
بعدين ليتها قالت موضوع صرفتها كسالفه ليه قالت آسفه؟ تحب المشاكل😭
المهم ياناس يجننون وهي تقوله مع السلامه ياخطيبي هااااااااعااهاعاعا🤏🏻
Dana
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 10"