كان كايل يتصرّف وفق إرادته، وقد امتلك من الاستقلالية ما يكفي ليتجاهل الأوامر العبثية التي تمليها عليه تيـتانيا.
لكن نضوجه لم يكن كافيًا لإصلاح عادات والدته.
ففي خضم تكرار نفس المشاهد، اختار كايل الصمت والتجاهل.
فما تسببه ضربات تيـتانيا لم يكن، بنظره، مؤلمًا بما يكفي ليستحق المقاومة، كما أن الدخول في صدامٍ معها كان أكثر إرهاقًا من مجرد تحمّل الأمر. والجروح… يمكن علاجها.
عدا عن أن الناس، في الغالب، يستهجنون بشدة أن يُسيء الابن إلى والديه أكثر من استهجانهم لإساءة الوالدين إلى أبنائهما؛ لذا كان من الأفضل تجنب مثل هذه المواقف قدر الإمكان.
لكن يبدو أن هذا القرار قد جرح فيفيان من حيث لا يدري.
كانت تقلق عليه… ولا تتوقف عن القلق.
وكان كايل يدرك تمامًا أن ما بينهما لم يكن مجرد مودة أو اهتمام. لقد كانا يحملان المشاعر نفسها تجاه بعضهما البعض.
فيفيان، بشفافيتها وصدقها المعتاد، لم تكن قادرة على إخفاء ذلك.
وكان هذا، في الواقع، ما كان كايل يتمناه منذ زمن بعيد.
أن يمتلك فيفيان.
أن يُعلن أمام الجميع أنها له، وحده. أن لا يجرؤ أحد على الاقتراب منها أو التحديق إليها.
هذا كان ما يختلج في أعماق كايل.
لكن حادثة حفلة الشاي مع روزالين علّمته درسًا قاسيًا: الضعفاء، إن امتلكوا شيئًا ثمينًا، يكون مصيرهم فقدانه… وربما تحطُّمهم بالكامل.
لذا، إن أراد أن يكون مع فيفيان، فعليه أن يصبح شخصًا يستحقها.
وحتى يحين ذلك، فإن الإفصاح عن رغبته بها لن يكون سوى تعريضها للخطر.
فكايل، حتى يصبح الإمبراطور، وحتى يمتلك القوة التي تحميه وتحمي من يحب، لا يستطيع أن يسمح لنفسه بأن يتورّط في علاقة عاطفية معها.
ورغم ذلك… كانت مشاعره كثيرًا ما تفيض وتفضحه. مرّات عديدة، أظهر رغبة مبطّنة بالتملّك، رغماً عنه.
ورغم محاولاته للتراجع، كانت فيفيان مختلفة.
لقد قررت التقدّم.
بل وحتى كانت على وشك الاعتراف له بمشاعرها أولًا.
ولو ارتبط بها رسميًا، سواء بعلاقة أو بخطوبة، لكان قد طار فرحًا في البداية.
لكن ماذا عن الذي يأتي بعد ذلك؟
مهمة صيد الوحوش التي قرر الانضمام إليها لم تكن آمنة.
فالحدود تعجّ بالوحوش، والحوادث فيها لا تنتهي.
وإن أصابه مكروه هناك ولم يعد، فإن فيفيان ستبقى وحيدة، مجروحة القلب.
لهذا… لم يكن بوسعه السماح لها بأن تعترف له بمشاعرها.
بل ولم يكتفِ بذلك، بل ردّ على رسائلها التي كانت تطلب لقاءه، برسائل اعتذار بحجة الانشغال وضيق الوقت.
لقد خاف من أن يضعف، وينقاد لرغبته بامتلاكها، ثم يتخذ قرارًا لا يستطيع تحمّل عواقبه.
وفي خضم تلك الصراعات، وصله خطاب مفاجئ من الكاهنة في جبل فيتي.
قالت إنها ترغب في التحدّث معه بشأن أمر يتعلق بـ”فيفيان”.
وبما أن الأمر يخص فيفيان، لم يكن بوسعه الرفض.
رغم أن الليل كان قد أرخى سدوله، توجّه كايل نحو قاعة المذبح كما ورد في الرسالة، وانتظر حضور “سيينا”.
وانتظر طويلًا…
حتى شعر بحركة مألوفة.
“فيفيان…؟”
نهض كايل متعجّبًا.
فما الذي قد يُحضر فيفيان إلى هذا المكان؟
مراسم جبل فيتي لا يُشارك فيها سوى أفراد العائلة الإمبراطورية والكهنة.
ومع ذلك، كانت تلك الهالة التي شعر بها… بلا شك، تخصّ فيفيان.
فلم يستطع إلا أن يتبع حدسه وخرج من القاعة.
لكن ما إن ولج الممر حتى فوجئ بهدوء ثقيل… لا أثر لأحد.
ذلك السكون… راوده شعور بعدم الارتياح.
وبعد أن مضى وقت طويل على الموعد ولم تظهر الكاهنة، شعر أن هناك أمرًا غير طبيعي.
فقرر البحث عن “سيينا” بنفسه.
رغم أن مساكن العائلة الإمبراطورية والكهنة كانت مفصولة، إلا أن المدخل المؤدي إلى القصر كان مشتركًا. لذا ظن أنه سيصادفها في الطريق.
“آه… سمو الأمير، ما الذي أتى بك إلى هنا…؟”
لكن المفاجأة أن كايل وجد “سيينا” في غرفتها، وقد بدت على وشك الخلود للنوم، وهي ترتدي ملابس المبيت.
رؤية كايل جعلتها تضطرب بشكل واضح، كأنها لم تتوقّع مجيئه، رغم أنها من استدعته.
ثم فجّرت المفاجأة.
“وأين الآنسة فيفيان؟”
“…لماذا يأتي اسم فيفيان في هذا المكان؟”
“لقد ذهبت بدلاً مني لمقابلتك… ألم تلتقي بها؟”
في تلك اللحظة، مرّ شبح من الرعب في ذهن كايل.
فيفيان… في جبل فيتي؟
إذًا، تلك الهالة التي شعر بها قبل قليل كانت حقيقية…
وكانت بالفعل تخصّها.
في الوقت نفسه، تغيّر وجه “سيينا” بشكل دراماتيكي، وغشاه الشحوب.
“إن لم تكن قد التقيت بها… فأين تكون الآنسة فيفيان إذًا؟”
في تلك اللحظة، أدرك كايل — بكل جوارحه — معنى أن تنهار الأرض تحت قدميه.
* * *
لفحتني ريح باردة على وجهي…
“أه…”
خرج أنين خافت من بين شفتي مع تصاعد ألم حاد في رأسي، وكأن عقلي يرتدّ في جمجمتي ويطرق من الداخل بلا هوادة.
فتحت عيني وأعدت إغلاقهما مرارًا، إلى أن بدأت الرؤية تتضح تدريجيًا.
كنت مستلقية داخل عربة شحن بالية. فمي كان مكممًا بقطعة قماش تمنعني من إصدار أي صوت، ويداي وكاحلاي مشدودتان إلى الخلف ومربوطتان بإحكام.
حول جسدي، كانت الصناديق المهترئة، التي تشبه صناديق المؤن، ترتج وتتصادم مع حركات العربة المهتزة.
ما هذا؟
ما الذي حدث بالضبط؟
داهمني الخوف، ودار رأسي من شدة الارتباك. حاولت تهدئة أنفاسي وإجبار نفسي على التفكير بهدوء.
كنت متأكدة أنني كنت في طريقي للقاء كايل، بمساعدة من سيينا…
وتذكرت رؤيتي لكايل وهو واقف أمام تمثال الإلهة، وقد بدأت أقترب منه…
“في تلك اللحظة… أحدهم أمسك بي.”
شخص ما كمّم فمي، وغطّى عيني، وشعرت كأنهم استخدموا مخدرًا ما، إذ لم أتمكن حتى من المقاومة… وسرعان ما فقدت الوعي.
الواضح أن ما حدث كان اختطافًا.
لكنني، رغم كل شيء، لم أستطع منع نفسي من التساؤل…
لماذا أنا؟ لماذا يتم اختطافي؟
الجميع يعلم أن طقوس اليوم لا يحضرها النبلاء، وبالتالي لا يمكن أن يكون الأمر محاولة لاستهدافهم.
فمن يكون وراء هذا؟ وما السبب؟
إلا إن كان هناك خطأ في هوية المختطَفة…
وفجأة، تذكّرت الملابس التي أرتديها.
رداء أبيض نقيّ، منسوج بخيوط ذهبية ومطرّز بعناية… ذلك الثوب المقدّس الذي لا يُسمح بارتدائه إلا للكاهنة العظمى.
وكنتُ أنا من ترتديه الآن.
“لا يمكن… هل كانوا ينوون اختطاف سيينا؟”
شعرت بدوار مفاجئ.
هل هذا الحادث هو ذاته اختطاف “تاشا” في الرواية الأصلية، لكنّه حدث مبكرًا؟ أم أنّ هناك طرفًا ثالثًا في اللعبة؟
لكن التفكير في دوافع الجناة لم يكن أولوية في اللحظة الحالية.
الأهم الآن هو أن العربة التي أُحتجز فيها كانت تمضي بسرعة جنونية نحو وجهة مجهولة.
قلبي أخذ ينبض بقوة. لا يمكنني الاستسلام وترك نفسي تُقتاد كما يريدون.
كان علي الهرب بأي ثمن. لكن جسدي كان مكبّلًا بإحكام، والقفز من عربة متحركة في هذا الوضع كان ضربًا من الجنون.
وحتى إن تمكنت من القفز، فإن الصوت الناتج عن سقوطي سيُلفت الانتباه فورًا. ناهيك عن احتمالية إصابتي بجروح خطيرة أو حتى فقدان حياتي.
أليس هناك طريقة للخروج من هذا؟
“هُووه، هادئ يا رفيقي.”
في تلك اللحظة، سمعت صوت السائق يهدّئ الخيل من الأمام. تفاجأت وأسرعت بإغلاق عيني، متظاهرة بأنني لا أزال فاقدة للوعي.
بدأت العربة تبطئ تدريجيًا حتى توقفت تمامًا. عندها شددت كل حواسي لأستشعر ما يجري في الخارج.
وسرعان ما دوّى صوت امرأة:
“أحضرتها؟”
ما إن سمعت ذلك الصوت… حتى عرفت من تكون.
كانت إحدى الشخصيات التي كنت أراقبها مؤخرًا عن كثب.
المرأة التي لا تفارق جانب سيينا، وتراقب كل حركة تقوم بها.
لم تكن سوى… تاشا.
قالت تاشا بصوت يملؤه التذمر والانزعاج:
“ما الذي أخّركم بهذا الشكل؟”
“أنتِ من أخبرنا متأخرًا بأن الكاهنة ستخرج ليلًا سرًا.”
“وتريد الآن أن تلقي اللوم عليّ؟ لولاي، لما عرفتم أصلًا ما كانت تفعله الكاهنة وأين!”
على عكس هدوئها الظاهري، بدا صوتها لاذعًا وحادًا، مملوءًا بالتهكم.
إن كان هذا هو طبعها الحقيقي، فلطالما كانت ترتدي قناع الوداعة ببراعة مذهلة.
“أين هي الكاهنة؟”
“قبل ذلك… لِمَ لا تدفعون الأجر أولًا؟”
“أي هراء هذا؟ التأكّد من حالتها أولًا، هذا هو المنطق.”
وفور انتهاء عبارته… انزاح غطاء العربة فجأة.
تظاهرت بأقصى ما أستطيع بأني ما زلت فاقدة للوعي، بينما انحدرت قطرة من العرق البارد على ظهري من شدّة التوتر.
شعرت بأن أنظارهم ترتكز عليّ بينما كنت ملقاة على الأرض.
لحسن الحظ، كنت لا أزال أرتدي قلنسوة العباءة بإحكام، لذا لم يكن في وسعهم تمييز هويتي مباشرة من مظهري الخارجي.
لكن تاشا… كانت أشد حذرًا ودهاءً مما توقعت.
فجأة – تششش!
سحبت قلنسوتي بقوة وكشفت وجهي.
وبدون أدنى شك، لم تكن الخصلات المنسدلة تحتها فضية اللون كما لدى الكاهنة، بل كانت… أشقر باهت.
الذين رأوا الرداء المقدّس واعتقدوا أنني الكاهنة لم يستوعبوا ما رأوه للحظة، حتى دوّى صراخ غاضب:
“أيتها الغبية! هذه ليست الكاهنة!”
“ماذا؟! ليست هي؟!”
قفز الرجل إلى داخل العربة بفزع، فاهتزت العربة بشدة تحت وطأة حركته.
وسرعان ما سُلطت نظراتهم الحارقة نحو وجهي…
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 70"