كنتُ أنتظر إجابة سيينا كما ينتظر المحكوم عليه بالإعدام موعد تنفيذ الحكم.
في البداية، اتسعت عينا سيينا بدهشة، لكنها سرعان ما ابتسمت برقة، وعيناها تنحنيان على شكل هلال كأنها القمر في أول الليالي.
ابتسامة دافئة مهيبة، تختلف تمامًا عن براءتها الطفولية التي أظهرتها طيلة الساعات الماضية.
ثم مدت يدها بلطف، ووضعت كفّها فوق ظاهر يدي قائلة:
“سيدة فيفيان.”
“نعم؟”
“أنا دومًا إلى جانبكِ. أرجو أن تتذكري هذا دائمًا.”
للحظة، عجز لساني عن النطق. كلماتها أشعرتني كأنها حرّرت قلبي من قيود لم أكن أدرك وجودها.
وبعد صمتٍ طويل، همستُ أخيرًا، مترددة:
“لماذا تُحسنين إليّ؟ لا أعتقد أنني قدمت لكِ شيئًا يستحق ذلك…”
“لكنكِ منحتِني هدايا كثيرة اليوم فقط، أليس كذلك؟”
“لكنها كانت مجرد…”
“وأنتِ شخص مميز جدًا بالنسبة لي، يا فيفيان.”
ابتسمت سيينا بتلك الابتسامة التي تذيب كل ما في القلب من ريبة. وما هي إلا لحظات حتى بدأت هالة فضية تتصاعد من يدها الدافئة التي احتضنت يدي.
الحرارة اللطيفة التي تسللت إلى جلدي من يدها منحتني شجاعة غير مألوفة.
“لا يمكنني إلا أن أُكنّ لكِ المودة. لذا لا تترددي، وتقبلي مني كل ما أقدمه لكِ بصدرٍ رحب.”
قالت ذلك وكأن الأمر من المسلّمات، كأن عطفها عليّ حقّ لا شك فيه.
“سيدة سيينا، في الحقيقة…”
لم أعد قادرة على كتمان مشاعري أكثر. أفلتت مني كل كوابح الصمت، واعترفتُ لها بكل شيء: ماذا يعني لي كايل، وما الذي أشعر به تجاهه.
سيينا استمعت إليّ بكل هدوء وجدية، دون أن تقاطعني لحظة، وكأنها كاهنة تستمع إلى اعتراف حميم في معبد مقدّس.
نعم… لم يكن هناك شك، سيينا كانت حقًا قديسة.
بعد أن أفرغتُ قلبي أمام سيينا كما لو أنني أؤدي طقسًا كنسيًا في حضرة القداسة، شعرت بالخجل يكتسح وجهي، ومع ذلك، كان صدري منشرحًا كمن تنفس لأول مرة بعد ضيق طويل.
تركت نفسي تستند إلى الكرسي منهكة، أحتسي شايًا مثلجًا بينما كانت سيينا تضحك بخفة، لا تخلو من المكر.
عبستُ قليلًا، وأطلقت سؤالًا مستنكرًا:
“ما الذي يضحككِ؟”
“فقط… لم أكن أتخيل أن السيدة فيفيان تحمل مثل هذه الهموم.”
أجابت بصراحة، ثم دفعت ناحيتي قطعة الكعك التي لم تلمسها بعد.
“أنتِ، بالنسبة لي، شخص عظيم كالسيد جوبيتر نفسه.”
مدحتني بما يفوقني بكثير. أن أقارن بالحاكم؟! يا للغرابة…
لكنني لست بذلك العِظم. بل على العكس، كنت أغار منها ومن قربها لكايل.
احمرت وجنتاي بخجل، وحككت خدي متظاهرة بالهدوء.
“إنكِ ترفعين من شأني كثيرًا يا سيينا.”
“لكنني أعني كل كلمة. أنا سعيدة حقًا لأننا أصبحنا بهذا القرب.”
لم تتوقف سيينا عن إغراقي بحنانها الصافي.
لم أستطع تخمين مصدر كل هذه المودة.
ففي الرواية الأصلية، لم يكن لفيفيان — التي كانت مجرد شخصية هامشية — أي علاقة تُذكر مع البطلة سيينا.
وكان يبدو أن الحال لن يختلف كثيرًا في هذه الحياة الجديدة أيضًا.
وفي النهاية، لم أتمالك فضولي، فسألتها:
“ما الذي يعجبكِ فيّ يا سيينا؟ لماذا تعاملينني بهذا اللطف؟”
وحين نطقتُ بذلك، بدا السؤال أشبه بما تقوله امرأة لحبيبها: “بِمَ وقعتَ في حبي؟”
احمرّ وجهي من جديد، إلا أن سيينا لم تُظهر أي ارتباك.
بل ابتسمت بلطف وأجابت:
“لأنكِ تحملين هالة تشبه هالة جوبيتر… والأهم من ذلك، أنكِ قدمتِ لي معروفًا عظيمًا.”
“أنا؟ معروف؟ متى؟”
“هيهي… على كل حال، سأبقى دائمًا إلى جانبكِ، وأدعمكِ بكل ما أملك!”
راوغت سيينا بابتسامة مشرقة، وقد بدا عليها الحماس منذ استمعت إلى اعترافي.
ثم قبضت على يدها الصغيرة بحماسة، وأعلنت بنيّتها بكل ثقة:
“أول خطوة: نُخبر سمو ولي العهد بما تشعرين به! وأعتقد أنه هو أيضًا يحمل لكِ المشاعر ذاتها، وسيبادلكِ إياها.”
“لا، لا يجوز.”
“آه… هل قلت شيئًا خاطئًا؟! حسنًا، إذًا، ماذا لو صلّيت للسيد جوبيتر ليجعل سموه هو من يبوح لكِ أولًا؟”
“…ليس هذا ما أعنيه.”
وضعتُ كفي على جبيني، مأخوذة بما سمعته للتو.
أن تصلي لجوبيتر كي يجعل كايل يعترف لي بحبه أولًا؟ هل يُعقل أن تُستخدم القوة المقدسة لمثل هذه الأمور؟!
“الأمير مشغول للغاية مؤخرًا، لهذا لا أستطيع مقابلته. أبي قال إنه بالكاد ينام، ويواصل العمل ليلًا ونهارًا.”
“ممم…”
“كما أن القصر في الوقت الراهن لا يسمح لأي زوار من غير الوزراء أو الفرسان.”
“آه… هذا على الأرجح بسبب الطقوس التي ستُقام بعد عشرة أيام.”
“طقوس؟”
أمالت رأسي بتساؤل، ولم أُخفِ دهشتي.
“نعم. هناك طقس مهيب يُقام في جبل فيتي في الشمال، لإكرام جوبيتر. الكهنة يتولون إدارته، ويحضره جلالة الإمبراطور وجميع أفراد العائلة المالكة.”
كل ما تقوله سيينا لم يكن موجودًا في الرواية الأصلية. لم أسمع عن هذا الطقس قط.
“خلال الأسبوعين السابقين للطقس، يجب على المشاركين التهيؤ جسديًا وروحيًا، ولهذا تُمنع لقاءاتهم مع الغرباء. إنه طقس خاص بالعائلة الإمبراطورية فقط، لا يُسمح للنبلاء حتى بحضوره.”
“يعني… لا يمكنني رؤية كايل — أقصد سمو ولي العهد — طوال الأيام العشرة القادمة؟”
“نعم… للأسف.”
أجابت سيينا بحزن واضح، وأنا أيضًا شعرت بثقل الغياب.
لكن فجأة، وكأن بريق فكرة لمع في ذهنها، قالت بحماس:
“فيفيان! ما رأيكِ بهذا؟”
“مم؟ ما الأمر؟”
“تأتين معي، بصفة راهبة متدرّبة تساعدني! وبهذا، نذهب سويًا إلى جبل فيتي، وهناك… تلتقين بسمو ولي العهد!”
اتسعت عيناي بدهشة. هل هذا ممكن حقًا؟
“هل… هل هذا مسموح؟”
“نعم! في الواقع، كان من المقرر أن يذهب أكثر من شخص لهذا الدور إلى هناك، وليس فقط السيدة تاشا. لذا الأمر ممكن تمامًا.”
“لكن ألم تقولي قبل قليل إن النبلاء لا يُسمح لهم بالمشاركة؟”
“هذا صحيح، ولكنك لستِ مجرد نبيلة، يا آنسة فيفيان. أنتِ مؤمنة مخلصة قدّمتِ تبرعاتٍ ضخمة للمعبد. عائلة روزير دأبت على التبرع باستمرار لكنيسة جوبيتر، ولا أحد يمكنه أن ينافس إخلاصك!”
كان كل ذلك مجرد محاولة مني لتسهيل دخولي وخروجي من المعبد، لا أكثر.
لكن من كان يتصور أن الأمر سيفيدني هكذا؟!
“ثقي بي، يا آنسة فيفيان!” قالت سيينا بحماس متقد، وبدت مصممة كل التصميم على مساعدتي.
ولم يدم تأثري بموقفها النبيل طويلًا، إذ سرعان ما قالت:
“سأذهب بنفسي لأستأذن من السيد أزلان!”
“من كبير الكهنة؟”
“نعم!”
عندها أفقتُ من دهشتي. فعندما غادرتُ المعبد برفقة سيينا المتنكرة، صادفنا كبير الكهنة. ورغم أنه لم يعترضنا، إلا أن نظرته لنا كانت حادة ومليئة بالريبة.
هل من الممكن أنه عرف أن التي كانت خلفي هي سيينا، وتظاهر بعدم ملاحظته؟ في هذه الحالة، ألم أُدرج بالفعل على قائمته السوداء؟!
“سيينا! لنعد إلى المعبد الآن.”
“هم؟”
“نخرج مرة أخرى في وقت لاحق. هيا، بسرعة!”
وبحالة من التوتر، أمسكت بيدها وعدت بها مسرعة إلى المعبد.
آمل أن ليزا كانت تؤدي تمثيلًا بمستوى النجوم! أملي الوحيد معقود عليكِ، يا ليزا!
ولحسن الحظ، لم تحدث ضجة كبرى في المعبد بخصوص اختفاء سيينا.
“آآه، آنستي! لماذا تأخرتِ كل هذا الوقت؟!”
حين وصلت، كانت ليزا شديدة التوتر، وتكاد تبكي من القلق.
وبكل برود اصطناعي، طمأنتها وغادرت معها المعبد، في حين عادت سيينا إلى هيئتها الرسمية وموضعها المعتاد.
وبالطبع، لم أنسَ أن أقدّم تبرعًا سخيًا قبل أن أغادر.
بعد ذلك، عدتُ إلى قصر العائلة وأديتُ واجباتي اليومية بانتظام، في انتظار اتصال من سيينا.
خلال ذلك، رتبتُ لشخصٍ يراقب تاشا، وأجريت مقابلات مع بعض الباحثين للعمل في بلو وينغ.
ومع مرور الوقت، وصلتني رسالة مفرحة من سيينا: لقد حصلت على إذن لأشارك في طقوس جبل فيتي بصفتي مؤمنة مميزة!
“أجل!”
صرختُ فرحًا.
ويبدو أن سيينا لم تتحدث عني باعتباري مُجرد “متدربة”، بل أخبرت أزلان مباشرة أنها تريد أن تصطحبني معها كمؤمنة خاصة، وهذا ما جعلني أُمنح دعوة رسمية باسم المعبد بعد عدة أيام.
أخيرًا… سألتقي بكايل قريبًا.
فقط التفكير في ذلك جعل قلبي يخفق سعادة.
كان الجو صافيًا ونقيًا في يوم انطلاقنا إلى جبل فيتي.
عندما تلقّيت الدعوة من المعبد بشكل مفاجئ، تفاجأ والداي للغاية، لكن سرعان ما غمرتهما الفرحة، بل بدوا أكثر سعادة مني.
فالمشاركة في حدثٍ لا يُسمح للنبلاء العاديين بحضوره تُعد شرفًا عظيمًا، وكانت مصدر فخر لهما.
وبالطبع، كوني أشارك في الطقوس بناءً على طلبٍ استثنائي من سيينا، فقد كان علي الالتزام ببعض القواعد.
أولًا، لا يُسمح لي بالتصرف بشكلٍ منفرد في جبل فيتي. وبما أنني أرافق “القدّيسة”، فعليّ الالتزام بدوري.
وهذا ما كنت أتوقعه.
لكن ما أزعجني قليلًا هو القاعدة التي تلزمني بارتداء زيّ الكهنة كاملًا طوال الوقت، بما في ذلك غطاء الرأس المزعج.
فذلك الغطاء كان يحجب رؤيتي، مما جعلني أصطدم بين الحين والآخر بمن يمشي أمامي.
“صاحب السمو ولي العهد سيصل اليوم بعد الظهر.”
قالت سيينا هامسة، وهي تهمس لي بجزء من جدول الفعالية.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 68"