صرخت سيينا بحماس وهي تقفز في مكانها بحيوية. بدت وكأنها ستندفع راكضة في أي لحظة لتقترب منهم.
لو فقدتها وسط هذا الحشد، ستكون كارثة بحق.
كنت قد أحضرت الفرسان لمرافقتنا من الخلف تحسّبًا، لكن مع هذا الزحام، لا بد من الحذر.
أمسكت يد سيينا بإحكام، كما لو كنت أمًا تمسك بطفلتها النشيطة، وقلت:
“قد نضيع وسط الزحام، فلنذهب سويًا.”
“دعينا نذهب هناك أولًا، نعم؟ يا فيفيان!”
“لكن، لنأكل الغداء أولًا. لم تتناولي شيئًا بعد، أليس كذلك؟ لقد بحثت عن مطعم شهير ووجدت واحدًا رائعًا.”
“لكنني أريد أن أرى العازفين أولًا…”
“أنتِ فتاة لطيفة، أليس كذلك، سيينا؟ دعينا نتناول الطعام أولًا ثم نذهب لنراهم.”
وهكذا، وبينما كنت أساير سيينا المدللة التي تُصرّ على رؤية الفرقة الموسيقية، قُدتها بلطف نحو المطعم.
بدأت أشعر كأنني أم خرجت في نزهة مع ابنتها العنيدة.
ولوهلة، بدا أن سيينا قد انزعجت قليلًا، لكنها ما إن قُدمت الأطباق حتى نسيت كل شيء وبدأت تأكل بشهية.
بعد أن أطعمتها، اصطحبتها لتشاهد الفرق الموسيقية وتتجول في الشارع، ثم بدأنا نتنقل من متجر لآخر.
ولم أنسَ بالطبع شراء قفازات دانتيل أنيقة لـ ليزا، التي تكرّس وقتها لخدمة المعبد.
استمررنا بالتجول حتى امتلأت أيدينا بالأكياس ولم نعد قادرين على حمل المزيد، فقررنا التوقف والدخول إلى أحد المقاهي.
“أريد جميع قطع الكيك من هنا إلى هناك.”
“واو! أنتِ الأفضل، سيدة فيفيان!”
مارست هواية المترفين داخل مقهى بسيط، ثم جلست مع سيينا في زاوية تطل على منظر رائع من الشرفة.
كانت تأخذ قضمة من كل نوع من أنواع الكعك، وملامح السعادة الصافية مرتسمة على وجهها.
وبينما كنت أراقبها بشعور من الرضا، تذكّرت فجأة الغاية الأساسية من هذه النزهة.
فتحت الحديث بنبرة هادئة:
“بالمناسبة، سيدة سيينا…”
“نعم؟”
“لطالما لاحظت أن هناك عددًا كبيرًا من الكهنة في المعبد. ما طبيعة أعمالهم عادة؟ هل يقومون جميعًا بخدمة القديسة كما تفعل السيدة تاشا؟”
طرحت السؤال بشكل عفوي، وأقحمت اسم تاشا بعناية لأوجه الحديث نحوها تدريجيًا.
كنت أخشى أن تشعر سيينا بشيء مريب، لكنها كانت مرتاحة للغاية بفضل الرحلة الممتعة والحلوى الشهية، فبدأت تردّ عليّ بسهولة:
“لا، السيدة تاشا حالة خاصة. معظم الكهنة يدرسون الكتب المقدسة أو يُعدّون للقدّاسات.”
“إذًا، هل السيدة تاشا لا تؤدي الأعمال المعتادة للكهنة؟”
“هممم، هي كانت مسؤولة عن المنطقة الشرقية سابقًا. صحيح أنها سلّمت مسؤولياتها لشخص آخر، لكنها لا تزال تزورها مرة في الأسبوع للتأكد أن الأمور تسير بسلاسة كما كانت.”
“هل زارت المنطقة اليوم أيضًا؟”
“نعم، فهي تزورها دائمًا كل أربعاء.”
بنجو.
صرختُ داخليًا من الفرحة.
لم أكن أظن أن شبكة التواصل بين تاشا والهراطقة ستكون داخل المعبد. فالمعبد يخضع لمراقبة مشددة، وبوجود كبير الكهنة هناك، من المستحيل أن يفلتوا بسهولة.
إذاً، المكان الذي تزوره تاشا أسبوعيًا لا بد أن يحوي الهراطقة الآخرين، أو وسيلة للتواصل معهم.
في الرواية الأصلية، الهراطقة كانوا منظمة شريرة تستخدم أجساد البشر كقرابين لصنع الوحوش. كانوا يستخدمون السحر الأسود المحرّم وفق قوانين الإمبراطورية، وكان هدفهم النهائي استدعاء ملكهم المعروف بـ “الليتش”.
ولتحقيق ذلك، كانوا بحاجة إلى أرواح بشرية. وكلما كانت الروح أنقى، كانت أقوى تأثيرًا، لذا خططوا لاختطاف القديسة سيينا.
‘أتذكر أن حادثة الاختطاف حدثت خلال مهرجان رأس السنة في الرواية الأصلية…’
لكنني لم أعد أؤمن أن أحداث الرواية ستقع وفق الجدول الزمني الأصلي.
فقد سبق أن وقعت أحداث تخص كايل أبكر بكثير مما حدث في الرواية.
وإن كان بطل الرواية قد سبق زمنه، فما الذي يمنع أن يحدث الأمر ذاته مع البطلة، سيينا؟
إن لم تكن الخطوط الزمنية للأحداث ثابتة، فقد يقع حادث الاختطاف في أي لحظة.
ولهذا، عليّ أن أقطع عليهم الطريق قبل أن يتحركوا.
لكن أولًا، عليّ أن أعرف المزيد.
فحرصت على الاستمرار في الحوار دون إثارة شك سيينا.
“السيدة تاشا متدينة فعلًا. رغم انشغالها، ما زالت تهتم بالأعمال التي كانت مسؤولة عنها في السابق.”
“نعم، ولهذا أثق بها كثيرًا وأعتمد عليها.”
“مع كل هذا الإخلاص، لا بد أنها من كالودمن، أليس كذلك؟ تلك المنطقة التي تنال بركة القديسين؟ سمعتُ أنها أنجبت الكثير من العظماء.”
“آه، لا، ليست من هناك. السيدة تاشا كانت تعيش سابقًا في إحدى قرى الزراعة المتنقلة.”
لكن ما إن وصلت سيينا إلى تلك النقطة من الحديث، حتى ألقت نظرة سريعة حولها، ثم اقتربت مني وهمست بصوت خافت للغاية:
“في الواقع… هذا مجرد ظنّ منِّي، لكنني أعتقد أن السيدة تاشا قد تكون في الأصل من زاراف.”
زاراف…؟ إنها منطقة جبلية تقع على الحدود الشمالية للإمبراطورية.
تتساقط فيها الثلوج طوال العام، وسلاسلها الجبلية وعرة إلى حد يجعل العيش فيها شبه مستحيل.
…ثم إن الشمال بأكمله يعاني مؤخرًا من تفاقم ظاهرة الوحوش التي تؤرق الجميع.
“أحيانًا تستخدم كلمات لا تُستعمل إلا في زاراف. هناك، يسمون السعال ‘توبي’. أليس هذا غريبًا؟”
“وكيف عرفتِ ذلك، سيدة سيينا؟”
“التقيت سابقًا بمؤمنة أتت من زاراف. كانت تتوسل المساعدة منذ سنوات لأن ‘توبيها’ لم يتوقف، لكنني وقتها لم أكن أعلم أن ‘توبي’ تعني السعال، فاضطررت للمعاناة كثيرًا لأفهمها.”
زاراف، إذن…
يبدو أنني حصلت لتوي على معلومة ثمينة للغاية.
قررت أن أُضيف التحقيق في أصل تاشا ومنطقة زاراف إلى جانب مراقبة ما تفعله كل أربعاء في الفرع الشرقي.
بذلك، شعرت أن مسألة تاشا بدأت تتضح أمامي بعض الشيء.
“سيدة سيينا.”
“نعم؟”
“ما رأيكِ في سمو ولي العهد، الأمير كايلوس؟”
حان الوقت لأسأل السؤال الآخر الذي كان يشغلني أكثر من أي شيء.
بل يمكن القول إنه ما أردته حقًا من هذه النزهة منذ البداية.
أردت أن أعرف بصدق، ما الذي تشعر به سيينا تجاه كايل.
إن لم تكن تكنّ له مشاعر، فسأتحرر من عبء الشعور بالذنب، وأسمح لنفسي بأن أتبعه حيث يقودني قلبي.
أما إن قالت إنها تحمل له في قلبها شيئًا…
فبصراحة، لم أعد قادرة على تشجيع ذلك الحب الأبدي الذي جمعهما في الرواية الأصلية.
لكن في الوقت ذاته، لن أتنازل.
سأقف أمام سيينا منافسةً شريفة، وأقبل نتيجة الاختيار الذي سيقرره كايل بنفسه.
حاولت أن أبدو هادئة، لكن قلبي كان يخفق بعنف، غير آبه بإرادتي.
سيينا، التي بدت للحظة متفاجئة من السؤال، حدقت بي بعينيها الواسعتين، ثم وضعت شوكتها على الطاولة وردّت بهدوء:
“سمو ولي العهد كايلوسهو رجل نزيه وشريف. وأظن أن الإمبراطورية ستنعم بالسلام إن اعتلى العرش.”
“…وأنتِ، سيدة سيينا، ما رأيكِ الشخصي؟”
“همم… من ناحيتي، أتمنى فعلًا أن يصبح هو الإمبراطور. الأمير لوجان… رأيت منه مشهدًا سيئًا ذات مرة…”
“مشهدًا سيئًا؟ ماذا تقصدين؟”
“رأيته يتحرش بخادمات القصر… لكن هذا سر، أرجوكِ يا فيفيان.”
لوجان الوغد… يبدو أنه لم يرث من والده سوى أسوأ الصفات. يتحرش بخادمات القصر؟!
لكن الحقيقة أن سؤالي لم يكن عن جدارة كايل ليكون إمبراطورًا.
ولهذا، لم أستطع إلا أن أتابع بسؤال أكثر صراحة:
“أنا لا أقصد رأيًا شخصيًا، بل شعورًا.”
“عفوا؟”
“أقصد… هل تملكين أي مشاعر تجاه سمو ولي العهد؟ هل يكنّ له قلبكِ مودة أو… حبًا؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 67"