“لكن… الفستان جميل جدًا لدرجة أنني لا أجرؤ على ارتدائه…”
قالت سيينا وهي تمسك بالفستان الوردي الفاتح بكلتا يديها الصغيرتين، كأنها تحتضن كنزًا. بدت ملامحها في تلك اللحظة مزيجًا من البراءة والوداعة، لكنها أيضًا أثارت في نفسي شعورًا بالحزن. فرغم أنها تُعامل كقديسة، إلا أن حياتها بدت لي مجرد قيد لا يمنحها شيئًا من المتعة أو الحرية.
وأدركتُ أن سيينا، لو تركتها على حالها، ستحفظ الفستان في أعماق خزانتها كأثر ثمين لا يُلمس، لذلك قررت اتخاذ خطوة جريئة.
“كنت أفكر في أن أخرج اليوم معكِ يا سيينا…”
“نعم؟”
“كنت أريد أن نخرج معًا ونحن نرتدي ملابس جميلة. في الواقع، اخترتُ زِيّي اليوم خصيصًا ليتماشى مع لون الفستان الذي أهديتكِ إياه… أردت فقط أن يرانا الناس كصديقتين.”
“صديقتان…؟”
“نعم، صديقتان.”
ابتسمتُ لها برقة وأنا أؤكّد على كلمة “صديقات”، وما إن سمعتها، حتى تلألأت عينا سيينا بفرح مفاجئ.
“سأبدّل ملابسي حالًا!”
وانطلقت كالسهم، تركض بخفة. يا لها من فتاة لطيفة فعلاً.
جلست أحتسي الشاي وأتفحّص الغرفة بهدوء، منتظرة عودتها. هذه المرة لم نُقَد إلى قاعة الضيافة كما حدث في الزيارة السابقة، بل كنت في غرفة سيينا الخاصة. ورغم أنها نظيفة ومرتبة، لم أستشعر فيها أي مظهر من مظاهر الرعاية أو التقدير… وكأنهم يعاملون قديسة تملك أعظم قوى الشفاء، وكأنها مجرد شخص عادي.
هل يليق بمعبد أن يُعامل “القديسة الحقيقية” بهذه الطريقة؟!
وفي تلك اللحظة، بينما كنت ما زلت أتحسر على حالها، سمعت صوتًا خافتًا خلفي.
“آه… آنسة فيفيان…”
استدرت، فكانت سيينا قد عادت بعد أن بدّلت ملابسها، فتحتُ عينيّ على وسعهما وصفّقتُ بحماس.
“واااو! تبدين مذهلة يا سيينا!”
“حقًا…؟”
“نعم! لقد كان اختيار اللون الوردي الفاتح قرارًا رائعًا.”
اللون الوردي الفاتح انسجم ببراعة مع بشرتها البيضاء، فأضفى عليها إشراقة نابضة بالحياة، تمامًا كزهرة ربيعية تفتحت لتوّها.
في العادة، كانت سيينا ترتدي الرداء الأبيض البسيط المخصص للقديسات، والذي وإن أضفى عليها طابعًا مقدسًا، إلا أن تداخل شعرها الأبيض مع الثوب كان يمنحها مظهرًا باهتًا، شبه شبحي.
أما الآن، بهذا الفستان المشرق المفعم بالألوان، فقد اكتسبت حيوية وبهجة جعلتاها تبدو وكأنها وُلدت من جديد.
“تعالي، اجلسي هنا. سأقوم بربط شعركِ أيضًا.”
جلست سيينا بهدوء كما طلبت، تنتظر بخجل. وقفتُ خلفها ومددت يدي نحو شعرها. لم أجد مشطًا، لكن شعرها كان ناعمًا وحريريًا إلى درجة أن يدي وحدها كانت كافية لتصفيفه.
“هممم… ما التسريحة التي يجب أن أختارها؟”
في القصر كانت ليزا هي من تهتم بتصفيف شعري، وفي الأكاديمية كنت غالبًا أتركه منسدلاً أو أربطه ببساطة، لذلك لم أكن خبيرة في هذا المجال.
فكرت قليلًا، ثم قررت أن أكتفي بتضفير خصلتين صغيرتين وجمعهما على شكل نصف رفعة. على الأقل هذه تسريحة أُجيدها.
“ها قد انتهيت.”
“واو…”
نظرت سيينا في المرآة الصغيرة التي ناولتها إياها، وأطلقت تنهيدة إعجاب وهي تحرّك رأسها يمينًا ويسارًا لترى شكلها من كل الزوايا. كان الشريط الوردي الذي ربطت به شعرها يتمايل مع كل حركة، يزيدها جمالًا.
ثم قالت بابتسامة خجولة، وقد تورّدت وجنتاها:
“إنه جميل جدًا… شكرًا لكِ.”
“إذًا، هل نخرج الآن ونستمتع بوقتنا؟”
“الخروج…؟”
“نعم، لنذهب ونتناول غداءً لذيذًا، ثم نأخذ تحلية.”
“لكن… لقد أهديتني اليوم كمية كبيرة من الحلويات.”
قالت ذلك وهي تنظر نحو صندوق الهدايا. فابتسمت ورفعت سبابتي ألوّح بها نافيًا.
“تلك الحلويات هدية خصيصًا لكِ. يجب أن تستمتعي بها وحدكِ.”
“آه… لكن…”
“هل يعقل أنكِ لا ترغبين بالخروج معي؟”
“لا، أبدًا! ليس هذا ما أقصده… فقط… لا يمكنني الخروج حاليًا.”
أومضت عيناي في دهشة. “لماذا لا يمكنكِ؟ هل لديكِ موعد آخر اليوم؟”
“لا… ليس كذلك. لكنني لا أستطيع الخروج من المعبد بدون وجود السيدة تاشا.”
“السيدة تاشا؟ تقصدين من ترافقك دومًا وتساعدك؟”
“نعم، هي ترافقني في كل خروجاتي. اليوم، للأسف، لديها التزام خارجي، وليست هنا.”
أومأتُ ببطء وأنا أفكّر… كلامها بدا لي وكأن “تاشا” لا ترافقها فقط، بل تراقب كل خطوة تخطوها.
كنت أتساءل سابقًا كيف ستُختطف سيينا في القصة الأصلية… والآن بدأت أرى الصورة. فوجود شخص يسيطر على كل تحركاتها بهذه الطريقة يمنحه القدرة على ترتيب أي شيء دون أن تشعر.
لكن لم يكن هذا وقت التصرف ضد تاشا… ليس بعد. الهدف الآن هو جمع معلومات من سيينا.
“ماذا لو جرّبنا هذا بدلًا من ذلك؟”
أشرت إليها أن تقترب، فجاءت إليّ كجرو صغير. رغم أننا وحدنا في الغرفة، اقتربت منها وهمست في أذنها كما لو أنني أكشف سرًا خطيرًا:
“لنخرج… خلسة.”
“هاه؟ آه، هذا…”
وضعت قبعة على رأسها، كنت قد أحضرتها خصيصًا. كانت مزينة بالدانتيل وتخفي ملامح الوجه.
“انتظري لحظة… هكذا، حسناً!”
أدخلت كل خصلة بارزة داخل القبعة، واختفت كل العلامات التي قد تُظهر أنها سيينا.
“لا أحد سيعرف أنكِ سيينا إذا خرجتِ بهذه الهيئة. حتى الملابس مختلفة تمامًا.”
“لكن… ماذا لو اكتشف أحدهم…؟”
“حينها فقط قولي إنكِ خرجتِ معي. ثم… سيينا، أنتِ لستِ سجينة هنا، أليس كذلك؟ لا يجب أن تحتاجي إلى إذن من أحد لتفعلي ما ترغبين به. لكِ كامل الحق في أن تعيشي بحرية كما ترغبين.”
مددت لها يدي بلطف.
“ستخرجين معي، أليس كذلك؟”
ترددت قليلًا… ثم مدت يدها وأمسكت بيدي. ضحكتُ برقة وأنا أنظر إليها.
بما أن هناك احتمال أن يبحث أحد عن سيينا أثناء غيابنا، خططت لأن تقوم ليزا، خادمتي، بدور البديلة وتبقى في الفراش مكانها.
وقفتُ بجانب السرير وأنا أوصيها مرارًا وتكرارًا:
“يجب أن تتقني التمثيل!”
“آه، آنستي…”
قالت ليزا وهي تتوسد الوسادة والبطانية تغطيها حتى الرقبة:
“أنا… لا أجيد التمثيل أبدًا، صدقًا!”
“تظاهري فقط بأنكِ متعبة… قولي إن معدتك تؤلمك، هذا كل شيء.”
“وماذا لو اكتشفوا أنني لستُ السيّدة القديسة؟”
“لا تقلقي. يمكنكِ فعلها يا ليزا.”
“آه، آنستي…”
“إن تمكّنتِ من خداعهم حتى عودتنا، سأشتري لكِ قفازات الدانتيل التي قلتِ إنكِ أردتها المرة الماضية.”
عندها، رضخت ليزا للإغراء المادي وأعلنت بعزم:
“رغم أنني لا أرقى لمقام القديسة، سأبذل قصارى جهدي!”
ضحكتُ من قلبٍ صادق لرؤية حماسها، ويبدو أن سينا هي الأخرى لم تستطع كتم ابتسامتها.
أومأتُ برصانة:
“أنا أثق بكِ، ليزا.”
“أجل! استمتعي بوقتكِ آنستي!”
وبينما كانت ليزا تودّعنا بحماس، خرجتُ من الغرفة وأنا ممسكة بيد سينا.
“يجب أن نخرج بسرعة. ومهما حدث، لا تتحدثي مع أحد.”
أومأت سينا بإيجاب رزين، وتقدّمتُ بخطاي متزنة، أستحضر ذكرياتي من أيام أكاديمية أرين، حين كنت أتسلّل خلسة من تحت أعين المراقبين لأتناول الطعام في الخارج.
مررنا بعدة كهنة كانوا يسيرون في الممر ذاته، وبعضهم رمقنا بنظرات خاطفة، لكن لم يوقفنا أحد.
كلما مضينا، ازدادت ثقتي. يبدو أننا على وشك تجاوز بوابة المعبد واستقلال العربة بنجاح.
لكن… أمام مدخل المعبد مباشرة، واجهتنا عقبة لم أتوقّعها إطلاقًا.
“مرحباً أيتها المؤمنة.”
“آه، مرحباً…”
لماذا الآن بالذات… كبير الأساقفة؟!
تجمّدت للحظة، وشعرت وكأن قلبي سقط أرضًا من شدة الخوف.
لكنني حاولت أن أهدّئ نفسي. رجل مثله، بمكانته، لن يتوقف غالبًا للحديث مع فتاة نبيلة عادية، صحيح؟
فكّرت أن أمرّ بجانبه بهدوء دون لفت انتباه… لكن، وللأسف، هو من بادر بالكلام. هو من اختار التحدّث إليّ… عن عمد.
“جئتِ لتؤدّي الصلاة، على ما يبدو.”
“نعم، بالضبط.”
ابتسمت بخفة فيما العرق البارد يتصبب من ظهري.
“لكنني للأسف نسيت التبرعات التي كنت أود تقديمها للمعبد اليوم، لذا أضطر للعودة إلى المنزل لإحضارها.”
“ولكن، آنسة روزير، لقد تبرّعتِ بسخاء في المرة الماضية.”
“إنه تعبير صادق عن امتناني للحاكم، لا أرى في ذلك خسارة على الإطلاق.”
كذبت دون تردد، لكن نظراته لم تفارقني، نظرات مليئة بالشكوك الخفية… مما جعل قلبي يخفق بوتيرة متسارعة.
وما زاد قلقي، هو أن عينيه بدأت تنحرفان ببطء نحو سينا الواقفة بجانبي.
هل يعقل أنه قد تعرّف عليها؟
شعرت بيد سينا ترتجف وهي ممسكة بيدي، فتقدّمت قليلاً لأحجب جسدها عن نظره.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 66"