“أأنتِ… تجرؤين، وأنتِ لا تعرفين قدرك، على تهديدي؟!”
“تهديد؟. أنا فقط قلقة حقًا على حضرتك، تيتانيا.”
“أنا والدة وليّ العهد… كيف تجرئين عليّ بهذا الشكل!”
فقدت أعصابها ولوّحت بيدها نحوي لتضربني، لكنني أمسكت بمعصمها قبل أن تصل إليّ.
ويبدو أن تيتانيا لم تعتد أن يوقفها أحد حين تحاول استخدام العنف، إذ اتسعت عيناها دهشة.
هكذا إذًا، كايل… هذا ما كنتَ تتعرض له منها.
شدّدت ملامحي ونطقت ببرود حاد:
“لا تفكري في تصرف طائش.”
“أنتِ… أيتها الوقحة!”
“أنا لا أسمح لأحد أن يمدّ يده عليّ.”
ثم أفلتُّ يدها بقوة، فاختل توازنها وكادت تسقط.
حتى أنا، التي لا أملك قوة بدنية تذكر، استطعت بسهولة أن أسيطر عليها… فكم كان كايل يعاني وهو يتغاضى عنها بكل ما فيه من قوة.
اشتعلت غضبي حين فكّرت كم كانت تدمّره من الداخل طوال تلك السنوات.
“اذهبي إلى بونيتس وخذي قسطًا من الراحة. لم أقل إنكِ ستبقين هناك مدى الحياة، أليس كذلك؟”
بالطبع، ستبقين هناك إلى الأبد. فبمجرد وصولك، لن يُسمح لكِ بالخروج أبدًا.
“منذ دخولكِ القصر، لم تحظي برحلة مريحة واحدة، أليس كذلك؟ الآن، وليّ العهد كايل قد أصبح مستقلًا ولا يحتاج إلى رعايتك بعد اليوم. فلتحظي ببعض الراحة في هذه الفرصة.”
“يا لكِ من متجبرة…! كنت أعلم من البداية أن فتاة مثلك لا يجب أن تكون بجوار كايل…”
“أكثر من يؤذي كايل في هذه اللحظة… هو أنتِ.”
لم أتمالك نفسي وقاطعت كلامها.
“وليّ العهد سيكون أفضل حالًا بدونك.”
“أنا! كيف تجرئين! لقد كرّست نفسي لتربيته!”
“لا تخدعي نفسك. كايل كبر بمفرده، لأنك فشلتِ في أن تكوني أمًّا له.”
“آه… روزير!”
انفجرت تيتانيا غضبًا وانقضّت عليّ.
لكنني لم أصدّها، بل تراجعت بخفة، فتعثرت في قدميها وسقطت أرضًا بشدة.
اهتزّ جسدها وهي ترتجف من الغضب، مطروحة أرضًا.
“تششش.”
يا لها من مشهد مثير للشفقة.
بهذا الشكل، ستتسبّب في فوضى يومية في بونيتس أيضًا. وإن أدركت أنها تحت رقابة مشددة تمنعها من المغادرة، ستزداد حالتها سوءًا.
لذا، كان الأفضل أن أجعلها تعتقد أن الرحيل إلى بونيتس كان قرارها هي.
حدّقت بها لثوانٍ وهي على الأرض، ثم اقتربت منها بخطوات ثابتة، وانخفضت على ركبتي أمامها وهمست:
“إيميلي موجودة في بونيتس.”
“…!”
“عليكِ أن تستردّي دمعة كارفي، أليس كذلك؟ ثم هناك ذلك المستند… العقد الذي كتبته بخط يدك، تطلبين فيه من إيميلي تسميم الأمير لوغان.”
“إيميلي في بونيتس…؟”
“نعم. ادّعي أنك ذاهبة للعلاج في بونيتس، ثم ابحثي عنها هناك. توقيت مثالي، أليس كذلك؟”
نظرت إليّ بابتسامة بريئة، فقالت بشك:
“أهذا صحيح؟”
“طبعًا.”
عندما تصل تيتانيا إلى بونيتس، سترى “إيميلي”… أي، امرأة من طرفنا تشبهها تمامًا.
وسنجعل تلك المرأة تظهر لها من وقتٍ لآخر، ثم تختفي، حتى تغرق تيتانيا في أوهامها. ولن تغادر بونيتس أبدًا.
إن ظنّت أن إيميلي قريبة، ولكنها لا تستطيع الإمساك بها، فستزداد جنونًا وتعلّقًا.
أما إيميلي الحقيقية، فهي حاليًا في الأراضي التابعة للديانة الغريبة. لا مجال للقاء بينهما.
وذلك هو ما أعرفه من القصة الأصلية عن تيتانيا.
“إذن، فكّري جيدًا… وأرسلي ردك.”
بهذه الكلمات، غادرت غرفة تيتانيا دون أن ألتفت للخلف.
ورغم أنني سمعتها تهمهم بجنون وهي ما تزال على الأرض، تجاهلتها تمامًا.
* * *
بعد عشرة أيام، جمعت تيتانيا حقائبها، وتوجّهت أخيرًا إلى بونيتس.
بحجّة “الراحة من أجل استعادة صحتها”.
تمامًا كما خططتُ.
هذه المرأة، التي كانت تتفاخر وتصدر الأوامر في كل اتجاه منذ أن أصبح كايل وليًا للعهد، ها هي الآن تدّعي المرض لتطلب الذهاب إلى بونيتس؟
تساءل البعض إن كانت قد أصيبت بمرض مميت. فهناك أطباء بارعون في القصر، فلماذا تذهب بعيدًا للعلاج؟
لكن وسط كل تلك التساؤلات، لم يحاول أحد منعها.
حتى الإمبراطور نفسه.
قيل إنه ودّعها بكلمات مقتضبة، وأعطاها نفقات سفر سخية فقط.
وربما، في أعماقه، كان الإمبراطور يتمنى هو الآخر التخلّص منها.
فقد يكون احتفظ بها فقط لأنها أنجبت له ابنًا يحمل دمه الإمبراطوري.
على أي حال، بمجرد اختفاء تيتانيا، شعرت وكأن حملًا ثقيلًا أزيح عن صدري.
كم كنت أتمنى لو أنني أزلتها من المشهد منذ البداية.
لكن هذا لا يعني أن كل شيء قد انتهى.
فالمشكلة الحقيقية ما تزال قائمة.
كايل.
“يستعد للخروج في حملة لطرد الوحوش؟”
لا يبدو أن القرار قد اتُّخذ رسميًا بعد، فقد سألت أبي وأخي بشكل غير مباشر، لكن كلاهما نفى معرفته بشيء.
هل ينوي كايل حقًا الذهاب إلى الحدود؟
في القصة الأصلية، لم يصبح كايل “سيّد السيف” إلا بعد عامين من الآن، ولم يشارك في حرب تطهير الوحوش إلا بعدها بفترة طويلة.
لكن كل شيء تسارع… حتى تصرّفاته تغيّرت وأصبحت أكثر حزمًا.
وكان أصل كل هذا التغيير… أنا.
قرار كايل بأن يحميني، هو ما أطلق شرارة كل شيء.
انحنيتُ برأسي بعمق. كان في قلبي امتنان صادق لمشاعر كايل الصافية تجاهي، وسعادة لا توصف لاهتمامه بي. لكن في الوقت ذاته، كان القلق يأكلني حيًّا بسبب الطريق الخطر الذي قرر أن يسلكه.
راودني شعور قوي بأن أذهب إليه على الفور وأتحدث معه مباشرة، لأفهم ما يدور في رأسه. لكن كايل، منذ أن أصبح وليًّا للعهد، لم يعد شخصًا يمكنني مقابلته متى رغبت. مشغول دائمًا، تحاصره المسؤوليات من كل حدب وصوب.
حتى رسالتي التي كتبتها له لأعبر عن قلقي من إصابته، عادت إليّ بردّ مهذب يخبرني بأنه مشغول حاليًا ولا يستطيع تحديد وقت للقاء.
أعتقد أن نصف ذلك الرد كان صادقًا… والنصف الآخر مجرد حجة ليتفاداني.
“لماذا غادرت تيتانيا بهذه السرعة؟”
لو أنها ثارت غاضبة وصرخت بي أمام كايل، شاتمة إياي وواصفة إياي بتلك الكلمات القاسية التي تعوّدت أن تلفظها، لربما منحني ذلك الفرصة لألتقي به من جديد.
فكايل كان دائمًا يتجاهل الأذى إن وُجّه نحوه، لكنه كان يهرع إليّ بأسرع ما يمكن كلما شعر بأن ذلك الأذى يطالني.
لكن كما يقولون، ما تحتاجه لا يكون متاحًا عندما تريده. لقد غادرت تيتانيا العاصمة فعلًا.
رغم اضطراب مشاعري، لم يكن من المجدي أن أبقى مكتوفة الأيدي منتظرةً كايل أن يخطو نحوي.
أنا أيضًا لدي أمور عليّ إنجازها.
كان جدول أعمالي لهذا اليوم يتضمّن مهمتين.
“فيفيان، أهلاً بكِ!”
“مرحبًا بكِ، آنسة فيفيان.”
استقبلني دانيال بحفاوة عندما وصلت إلى قصر “راستون” الجديد في العاصمة. وكان إلى جانبه البارون راستون وزوجته.
“مرحبًا سعادة البارون، وسيدتي البارونة.”
حيّيتهم بحيوية، ثم أخرجت الهدية التي أعددتها مسبقًا بمناسبة زيارتي.
“هذه مجرد هدية رمزية بسيطة بمناسبة الزيارة.”
“كان يكفي حضورك، لا داعي لكل هذا… شكرًا لكِ.”
أحضرت زجاجة فاخرة من المشروب المقطّر للبارون، وباقة زهور كبيرة للبانونة. ورغم بساطتها، بدت علامات السعادة واضحة على وجهيهما.
لكن ما لفت انتباهي أكثر هو فخامة القصر.
كنت أظنه كبيرًا فقط من الخارج، لكن عندما دخلت… أذهلني جماله واتساعه. تحدثت بإعجاب صادق:
“تفضلي من هنا، فيفيان. سأصطحبكِ إلى غرفة الاستقبال.”
اتّبعت دانيال إلى صالة الضيوف، وهناك، بدت الخادمات وكأنهن يعملن في هذا المكان منذ زمن طويل، وبدأن بتقديم الشاي والحلوى بأناقة.
عندها أدركت أن عائلة راستون حققت نجاحًا أكبر بكثير مما كنت أظن.
وبينما كنت غارقة في هذا الإحساس بالفارق الزمني والتحول الكبير، باغتني دانيال بسؤاله:
“بالمناسبة، فيفيان… هل أصبحتِ بخير الآن؟”
“همم؟”
“أول مرة نراكِ منذ أن سقطتِ في نافورة الماء، صحيح؟ رغم أنكِ قلتِ في الرسالة أنكِ بخير، إلا أنني ظللت قلقًا.”
رمشتُ لثانية، ثم ضحكت بخفة وقلت:
“أنا بخير تمامًا. لم يكن سوى بعض البلل.”
“هذا مطمئن. لكن يومها، ملامحكِ وملامح كايل لم تكن على ما يرام.”
“آه… أجل.”
ذلك لأنني، في ذلك اليوم، رأيت على ظهر كايل ندبة أخرى، من تلك التي خلفتها تيتانيا… كانت واحدة من جراح كثيرة تركتها فيه. صحيح أن مشكلة تيتانيا حُلّت الآن، لكن…
“أنا بخير الآن. لا جروح ولا آلام.”
“حقًا؟”
“حقًا، لا تقلق. على أي حال، دعنا نبدأ الحديث بشأن العمل. أظن أننا أجلنا ذلك طويلًا، وهناك أمور نحتاج إلى حسمها سريعًا.”
بدّلتُ الموضوع بسلاسة، ثم أخرجت بعض الوثائق من حقيبتي ووضعتها على الطاولة.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات