[إذا لم أكن في العاصمة، فسيوجّه لوغان وروزالين انتباههما بعيدًا عن فيفي أيضًا. وبمجرّد عودتي إلى العاصمة، لن يتمكّنا من المساس بكِ بسبب نفوذي المتزايد.
أنا واثق تمامًا من قدرتي على القضاء على الوحوش،
لكن المناطق الحدودية أماكن لا يمكن التنبؤ بما قد يحدث فيها، وأخشى أن ينتهي بي الأمر بإيذائكِ دون قصد، يا فيفي.]
كايل يهتم بي حقًا.
حتى لو لم تتطوّر علاقتنا إلى أكثر من ذلك، فهذه الحقيقة لن تتغيّر أبدًا.
طويتُ الورقة بعناية مرّة أخرى، ثم وضعتها بحذر داخل الظرف حتى لا تتجعّد، وبعدها خبّأتها في أبعد زاوية من درج مكتبي وأغلقتُ الدرج بإحكام.
تمامًا كما يسعى كايل لحمايتي، أريد أنا أيضًا أن أحميه.
بدأتُ أستعيد في ذهني الفضائح التي وردت عن تيتانيا في القصة الأصلية، باحثةً عن الأنسب لاستخدامه.
فجأة، تذكّرتُ حادثة مناسبة.
“لا بد أن هذا هو الخيار الأمثل.”
في الأصل، كنتُ أنوي الاحتفاظ بهذه الورقة لوقت لاحق…
كان لا بد من إخراج تيتانيا من المشهد، لكن دون إثارة فضيحة مخزية.
ففضيحة تيتانيا قد لا تؤثّر عليها وحدها، بل قد تمتد لتُلحق الضرر بكايل أيضًا.
خصوصًا الآن، حيث يترصّد الأمير لوغان والإمبراطورة كل تحرّكاته، باحثين عن أي فرصة للإطاحة به. لذا، لا بد أن أتصرف بحذر.
“ليزا.”
“نعم، آنستي؟”
“أرسلي هذه الرسالة إلى السيدة تيتانيا في القصر الإمبراطوري.”
لقد اتخذتُ قراري، وألقيتُ بآخر أوراقي تجاه تيتانيا.
وبعد بضعة أيام—
“آنستي، لقد وصلت دعوة رسمية من القصر الإمبراطوري.”
جاءني رد تيتانيا أخيرًا.
أطلقتُ زفرة هادئة وأنا أقرأ الرسالة المكتوبة على ورق بنفسجي، ثم أرخيتُ عينيّ بحدة.
انتهى أمركِ يا تيتانيا.
***
حدّقتُ في القصر أمامي بتركيز.
اليوم، جئتُ إلى القصر الإمبراطوري لأواجه تيتانيا وجهًا لوجه.
كم مرة اضطررتُ إلى الذهاب والإياب من المنزل إلى القصر خلال الشهر الماضي فقط؟
في القصة الأصلية، لم يكن لِفيفيان أي دورٍ كهذا على الإطلاق.
“يمكنكِ الانتظار هنا.”
قادَتني إحدى خادمات تيتانيا إلى غرفة استقبالٍ فارغة لا يوجد فيها أحد.
وما إن أغلقت الخادمة الباب وغادرت، حتى زفرتُ بهدوءٍ ما كنتُ أكتمه من توتر.
لماذا أشعرُ بالتوتر حيال شيءٍ كهذا؟
حاولتُ استجماع أفكاري وأخذتُ أتفحّص غرفة الاستقبال. رغم أنها لم تكن فاخرة كالقصر الجديد الذي انتقل إليه كايل بعد أن أصبح وليًّا للعهد، إلا أنها كانت أنيقة بشكلٍ ملحوظ.
أما القصر الذي كنتُ أزوره في صغري، حيث كان كايل وتيتانيا يعيشان، فكان أكثر تواضعًا ورداءة من هذا المكان بكثير.
بفضل كايل، باتت تعيش في قصرٍ كهذا، وكان عليها على الأقل أن تكون ممتنّة وتتصرّف بحكمة!
كظمتُ استيائي وانتظرتُ وصولها بهدوء.
ولكن، حتى بعد مرور ثلاثين دقيقة، لم تظهر تيتانيا.
من المستحيل أن تكون خارج القصر، فقد تجاوز الوقت الثالثة عصرًا بالفعل، ولا يوجد سببٌ يستدعي أن تأخذ وقتًا طويلًا في الاستعداد.
هذا يعني أنها على علمٍ بوصولي، لكنها تتعمّد إبقائي منتظرة.
هل تحاول جرّي إلى حربٍ نفسيةٍ سخيفة؟
“لا يهم، على أي حال، أنا الفائزة اليوم.”
في النهاية، لن يكون أمام تيتانيا خيارٌ سوى مغادرة القصر الإمبراطوري قريبًا جدًا.
احتفالًا بمستقبلها المحسوم، قررتُ أن أمنحها فرصةً أخيرة لحفظ ماء وجهها.
وبعد مرور ثلاثين دقيقة إضافية، أخيرًا، وصلت تيتانيا.
“تحياتي لكِ، السيدة تيتانيا.”
ابتسمتُ ابتسامةً خفيفة، وانحنيتُ لها بتحيةٍ لطيفة.
للحظة، بدا عليها بعض الارتباك.
هل كانت تتوقع مني أن أنفجر غضبًا وأتصرف بعدوانية؟
يا لها من أفكارٍ ساذجة.
“أشكركِ على استقبالي.”
“همم… حسنًا، اجلسي.”
غطّت تيتانيا جزءًا من وجهها بمروحتها وهي تردّ عليّ.
جلستُ مقابلها بهدوء، بينما قامت الخادمة ذاتها، التي تركتني أنتظر ساعةً كاملة، بتقديم الشاي. لم تكن لديّ نيّةٌ لشربه، فاكتفيتُ بإلقاء نظرةٍ عابرة عليه قبل أن أُبعد بصري.
“سمعتُ أنكِ تودّين التحدث معي.”
“نعم، السيدة تيتانيا.”
أخرجتُ من معطفي ظرفًا كنتُ قد احتفظتُ به بعناية، ثم وضعته على الطاولة، ودفعته نحوها.
رفعت تيتانيا حاجبها بشكّ.
“ما هذا؟”
مبلغ قدره 12 مليار جولد سيُبعدكِ عن كايل إلى الأبد.
… بالطبع، ليس هذا ما كان داخل الظرف.
ابتسمتُ بهدوء وقلتُ:
“لمَ لا تفتحيه بنفسكِ؟”
نظرت إليّ تيتانيا بشكّ، ثم أشارت إلى خادمتها التي فتحت الظرف بدلًا عنها.
هل تظنّين أنني قد أخفيتُ داخله دائرةً سحريةً متفجّرة؟
لو كان الأمر بيدي، لربما فكرتُ في ذلك فعلًا.
لكن على عكس شكوكها، لم يكن في الداخل سوى تذكرة سفر عادية—
تذكرةٌ لاستخدام دائرة النقل السحري، والتي يمكنها إرسالها مباشرةً إلى منطقة “بونيتس” الواقعة غرب الإمبراطورية.
قد تبدو هذه التذكرة عادية، لكنها في الواقع ثمينةٌ للغاية، إذ يبلغ ثمن الواحدة منها عشرات الجولدات.
ابتسمتُ بلطف وشرحتُ لها:
“إنها تذكرةٌ لاستخدام دائرة النقل السحري إلى بونيتس. لا بد أنكِ مرهقة بعد كل ما بذلتِه من جهدٍ في تربية وليّ العهد، أليس كذلك؟”
“…إذن؟”
“بونيتس مشهورةٌ جدًا بينابيعها الساخنة. يُقال إن المياه هناك تُزيل الإرهاق تمامًا، بل وتمنح البشرة نضارةً رائعة.”
عندما تطرّقتُ فجأة إلى موضوعٍ لا علاقة له بما يحدث، بدا على تيتانيا الحيرة.
لكن، بمجرد أن ذكرتُ تأثير الينابيع الساخنة على البشرة، لم تستطع إخفاء اهتمامها الواضح.
أخذت تيتانيا التذكرة من الخادمة وأخذت تتفحّصها من الأمام والخلف.
“يمكنكِ استخدامها في اتجاهٍ واحد حتى تاريخ انتهاء الصلاحية المكتوب على التذكرة. عند وصولكِ إلى بونيتس، ستجدين فندق فايلون في أفضل موقعٍ في المدينة، بإطلالةٍ رائعة. إنه فندقٌ فخم بخدماتٍ ممتازة، والأهم من ذلك، أنه قريبٌ جدًا من منطقة الينابيع الساخنة.”
وبعد أن بالغتُ قليلًا في مدح بونيتس، انتقلتُ إلى النقطة الأهم التي أردتُ طرحها منذ البداية.
“الطقس يزداد برودة مع اقتراب نهاية الصيف. لمَ لا تستمتعين برحلةٍ إلى منطقةٍ دافئةٍ غنيةٍ بالينابيع الساخنة؟”
بالطبع، هذه الرحلة لن تكون قصيرة كما قد تتخيّل تيتانيا. في الواقع، كنتُ أخطّط لجعلها إقامةً دائمة.
فندق “فايلون” يُديره قريبٌ لوالدتي، وهو أحد الركائز الاقتصادية الرئيسية في المنطقة، مما يجعله مؤثّرًا للغاية. يمكن القول إنه لا يوجد شيء في “بونيتس” لا يخضع لنفوذه بطريقةٍ أو بأخرى.
وهذا بالضبط ما كنتُ أعتمد عليه لجعل “بونيتس” سجنًا فاخرًا لتيتانيا.
المسافة من العاصمة إلى “بونيتس” تستغرق أكثر من شهرٍ بالسفر بعربة، ومن دون دائرة النقل السحري، من المستحيل الذهاب والإياب بسهولة. وإن أبقيناها هناك تحت رقابةٍ مشدّدة، فلن تستطيع الهرب مهما حاولت.
أما في القصر الإمبراطوري، فسيُرفع تقريرٌ رسمي بأنّ صحتها متدهورة وأنها بحاجةٍ إلى فترةٍ طويلة من النقاهة.
وبصراحة، حتى لو لم تعد تيتانيا إلى القصر الإمبراطوري أبدًا، فمن الذي سيبحث عنها؟
لم يكن لديها أقارب، كونها من أصلٍ وضيع، كما أن الكثيرين كانوا ينظرون إليها باحتقار، رغم أنهم لم يُظهروا ذلك علانيةً.
“والدة الأمير” التي أصبحت الآن “والدة ولي العهد”، لكنها لا تزال تفتقر إلى أيّ ذرةٍ من النبل.
وحتى كإحدى محظيات الإمبراطور، لم تعد تحظى بأي اهتمامٍ منه.
لهذا، حتى لو بقيت تيتانيا في “بونيتس” لبقية حياتها، فلن يُشكّل ذلك أيّ مشكلة على الإطلاق.
قد يكون هناك من يتساءل عن سبب غيابها، لكن لا أحد سيرغب في إعادتها.
فما الفائدة التي سيجنيها أي شخص من ذلك؟
لكن لا تقلقي يا تيتانيا، لستُ قاسيةً معكِ كما قد تظنين.
“بونيتس” فعلًا مكانٌ مثاليّ للراحة والاستجمام.
ولهذا السبب يقصده الكثير من الأشخاص الذين يظنون أن أيامهم باتت معدودة.
وبصراحة، يجب أن تكوني ممتنّةً لأنني أمنحكِ هذه النهاية الرحيمة.
على الأقل، لن تُطردي إلى الشوارع، ولن تُعدَمي.
ابتسمتُ ابتسامةً مشرقةً بينما أنتظر ردّها. ما إن أرسلها إلى “بونيتس” بحجة السفر، سأضمن أنها لن تغادرها أبدًا.
وأخيرًا، فتحت تيتانيا فمها لتتحدث.
“عرضٌ مغرٍ. أعتقد أنني سأحظى بوقتٍ جيد هناك.”
“أليس كذلك؟”
“لكن أعتقد أنني سأؤجل رحلتي قليلًا.”
وضعت تيتانيا التذكرة على الطاولة.
“حاليًا، هذه فترةٌ حاسمةٌ جدًا بالنسبة لكايل. لا يمكنني، كأمّه، أن أتركه وحده وأسافر في وقتٍ كهذا.”
… في الواقع، مغادرتكِ هي أفضل شيءٍ يمكنكِ فعله لأجله.
حبستُ تلك الكلمات في داخلي، رغم أنها كادت تفلت من لساني، ثم حاولتُ إقناعها مجددًا بابتسامةٍ مصطنعة.
“أعتقد أن ولي العهد سيسعد أكثر إذا رأى والدته تعيش براحةٍ ورفاهية.”
“بالطبع، كايل يحبني كثيرًا، لذلك من الطبيعي أن يرغب بذلك.”
“إذًا، ألا يجدر بكِ احترام رغبته والاهتمام بنفسكِ أكثر؟”
“كايل أيضًا يعمل بجهدٍ كبير.” تنهدت وهي ترفع فنجانها. “لكن كما قلتِ، ربما سيكون من الجيد أن نسافر معًا في المستقبل في رحلةٍ قصيرة.”
أعادت تيتانيا الفنجان إلى الطاولة، وبدت واثقةً تمامًا من أنها لن تذهب إلى “بونيتس” الآن.
عندها، توقفتُ عن محاولة إقناعها.
كنتُ أودّ إنهاء الأمر بسلام، بإرسالها في رحلةٍ لا أكثر…
لكن إن كانت تريد العناد والإصرار على البقاء، فلن يكون أمامي خيارٌ سوى اتخاذ تدابيرٍ أخرى.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
ترجمة : اوهانا
انستا : Ohan.a505
الواتباد : Ohan__a505
التعليقات لهذا الفصل "062"