7
الاختبارُ الذي تُستكمَلُ فيه الجملُ الناقصة، أو ما يُعرَف باختبار إكمال الجُمل، هو فحصٌ يملأ فيه المستجيبُ الفراغات ليكشف عن حالته النفسيّة.
لقد فكّرت أمَانـــغ في ذلك: لقد أجريتُ ما يكفي من الفحوص، بالتأكيد.
قد تكون أقلّ خبرةً في بعض الجوانب، لكنها كانت واثقة من قدرتها على تفسير الاختبارات. بذلت في ذلك جهدًا شاقًا حتى استحقت ثقتها. ومع أنّها أجرت الاختبار لمو-جِــي بطريقة ارتجالية، كان عليها الآن أن تُعيد ترتيبه بذكاء وتشرحه له بطريقة تُرضيه.
لا… هذا خطأ! الاختبار يقوم على الصراحة، فلماذا أكذب؟
لو كان هذا مجرّد استشارة عادية، لقالت الحقيقة من دون تردّد.
لكن… ذلك فقط لو كانت استشارة عادية.
كيف تورّطتُ في استشارة الطاغية نفسه؟
مسحت أمَانـــغ وجهها بكفّها. لو كان أيّ مستشار آخر قد وُضع مكانها لكان الوضع مختلفًا. على الأقل لكان أكثر خبرة من مستشارة مبتدئة بالكاد مضى أسبوع على مباشرتها العمل.
كانت أمَانـــغ مُلمّةً بالنظريات، لكنها بلا خبرة تُذكَر. أما تفسير هذا النوع من الاختبارات، فكان يعتمد تمامًا على الذاكرة.
فلنحاول. سواء فعلتُ هذا أو ذاك… النهاية واحدة!
ما ساعدها قليلًا هو أن لديها طبعًا يشبه لعبة « الأوتدوكي » التي تعود لتقف مهما سقطت. شدّت ذراعيها كأنها بطلة قديمة من الرسوم المتحركة تستعد لمواجهة معركة جديدة.
[مِيسا: لعبة الأوتودوكي غالبًا ما يُشار إليها باسم سودوكو (Sudoku). هدف اللعبة هو ملء شبكة 9×9 بالأرقام من 1 إلى 9، بحيث لا يتكرر أي رقم في أي صف أو عمود أو مربع 3×3. اللعبة تعتبر شائعة ومِن الألعاب الي بتساعد على تدريب العقل وزيادة التركيز.]
استحضرت أمَانـــغ في ذهنها ردود مو-جِي. سؤالان فقط… وإجابتان. واستعادت أيضًا ما ورد باختصار في الفصل الأول من ابنة ذلك الطاغية الصغرى سيئة السمعة، ثم أعادت ترديد الخلفية المعروفة بتمهّل.
لقد تهرّب من السؤال المتعلّق بالسُّنْهوانغ.
إن كانت استنتاجاتها صحيحة، فربما السبب كالتالي: لدى مو-جِي ذكريات سيئة أو نفور تجاه والده السُّنْهوانغ. إحساس ممتدّ منذ طفولته، رسخ داخله كنقصٍ دفين، ولهذا يتحاشى الإجابة كلما تعلّق الأمر بوالده.
نمط إخفائي.
هو نمط يتجنّب فيه المرء الحديث عن نفسه، فيكتفي بقول: «هذا سرّ» أو «لا يمكنني الإجابة». وقد أظهر مو-جِي تجاه أمَانـــغ سلوكًا دفاعيًّا واضحًا.
لكن…لماذا؟
وضعت ذقنها فوق كفّها الصغيرة، وضغطت بيدها الأخرى على فخذها المرتجف. من يراها الآن سيحسبها طفلة في العاشرة منهمكة في تفكيرٍ علمي عميق.
وجدتُها.
ضغطت على صدغها وهي تسترجع وصف الرواية لمو-جِي: طاغية من الطراز النادر، قتل أمَّه، وذبح إخوتَه واحدًا تلو الآخر. هذا تقريبًا كل ما ذُكِر عنه.
“مولاتي الأميرة، لعلّكِ تُنعشين تركيزك ببعض الحلوى أثناء العمل.”
وضعت نانا أمامها تشكيلة شهية: ياكجوا، وهانغوا، وكعكات الأرز المنفوخة، وقطع داسِك… كلها تلمع لمعانًا يَسيل له اللعاب.
“لا، نانا. أنا…”
في الأصل لم تكن أمَانـــغ تأكل الحلويات. أو بالأحرى، الروح التي حلّت فيها، روح إنسان كان يراقب سعرات السكر، كانت تمتنع عنها بكل قوتها. أيام احتساء الآيس أمريكانو دون أي وجبة خفيفة كانت تتداعى الآن، لأن لُعابها يسيل رغماً عنها.
“سآكل.”
“إن احتجتِ المزيد فأخبرِيني.”
نعم، كبتُ الرغبات يورث المرض. تناولت أمَانـــغ قطعةً من كعك الأرز الهشّ، وما إن لامست لسانها حتى ذابت بطعمٍ يوقظ الدماغ كأنه يشغّله ببكرة جديدة.
“نانا…”
“نعم؟”
“متى كَانت أول مرة أتيتِي فيها للقصر؟.”
مسحت نانا فم أمَانـــغ بمنديلٍ مبلّل بالماء.
تناثرت بقايا حلوى الأرز.
بدت نانا، التي تحسبها في أوائل الثلاثينات لو رأيتها لأول مرة، وكأن لها سنوات طويلة في البلاط.
ومعنى ذلك واضح: لقد مضى وقتٌ غير قصيرٍ على دخول أمَانـــغ إلى القصر!
‘إن لم أجد دليلًا، فسأصنعه بنفسي.’
سأستخرج المعلومات من نانا..بِأي وسيلة كانت.
“أنا دخلتُ القصر مع والدتك، السيدة هوا جونغ بي، منذ نحو خمسة عشر عامًا، يا صاحبة السمو.”
“كيف كان حال أبابا آنذاك؟”
“يا أميرة! لا يجوز لنا التحدُّث عن شؤون جلالة الإمبراطور بهذه السهولة. ذلك من عملِ سِجّلات البلاط.”
ناظرت نانا حولها بامتعاض.
لم تكن مهيأةً لتبدو هادئة كما اعتاد المرء رؤيتها.
‘للعاملات في البلاط أيضًا أمورٌ ينبغي حفظها.’
تساءلت أمَانـــغ عن مدى تعبهنّ.
لكن لوهلةٍ، لو لم يمرّر في ذهنها ذلك اللفظُ الوحيدُ…
‘فراشة.’
الجوابُ الوحيد الذي كان مو-جِــي يردُّ به.
كان سؤالًا عن أمِّ أمَانـــغ.
‘استجابةٌ خيالية.’
أسرعت أمَانـــغ لتدوّن ذلك حتى لا تنسى.
خطُّها المائل سيكون بغبغاء لا يقرأه أحد. ربما.
“هل لي أن أسأل عن أمّي؟”
“بالطبع.”
ربّت نانا برفقٍ على رأس أمَانـــغ.
بدا في عينيها اللامعتين كأن دمعةً قريبةٌ من الانهمار، لكن قد يكون ذلك مجرد شعور.
تأمّلت أمَانـــغ وجهَ نانا بعناية.
“أكانت أمّي تحبُّ الفراشات؟”
“فراشات؟”
سؤالٌ بسيطٌ تمامًا.
لا بدّ أن السبب الذي شبّه به مو-جِــي نفسه بالفراشة ليس لأن والدته أحبّت الفراشات بالضرورة.
ولكن لعلّ في الأمر ما يدعو للشكّ.
“كانت تُهوى النزهات في الزهور، لكن لم تكن تُحبُّ الفراشات بحدّ ذاتها.”
مالت نانا برأسها باقتضاءٍ.
تنفّست أمَانـــغ الصعــداء.
يبدو أن مو-جِــي ليس بذلك السذاجة التي توقّعتها.
‘شخصٌ يودّ أن يكون زهرة إنْ اكتفى الناظرون بالنظر إليه.’
كان المعنى ضبابيًّا لكنّه يوحي بشيء.
وثمة أمرٌ واضح: كان الجوابُ من نمط الاستجابة الخيالية.
الاستجابة الخيالية: نوعٌ يتحدّث عن أفكارٍ لا واقعية أو هلوسات.
‘كَأنهُ مدمنُ دوبامِين.’
[مِيسا: الدوبامين بيخلي العقل يعمل بطريقة تبحث عن المتعة السريعة أو الإثارة الفكرية، فـ ببطلق أفكار متسرّعة وغير منطقيّة، بالضبط زي شخص يسعى إلى جرعة جديدة من التحفيز أو يعني في أمثلة كتيرة زي العادات وهكذا مش هنتعمق أوي. هي قصدها بوصفها لوالدها كدة إنة شخص غالبًا بيتصرف بإندفاع وضد المنطق.]
كانت أمَانـــغ تنظر إلى مو-جِــي بعينٍ يغلّفها شيءٌ من التحيّز.
جرّها لقبُ الطاغية إلى رؤيةٍ ضيقةٍ لا تُتيح لها أن ترى مو-جِــي بوصفه إنسانًا كاملًا، بل كصورةٍ مسبقةٍ فحسب.
لم تكن ترغب في ذلك على الإطلاق، غير أن وقع الاشتباك بينهما كان حاضرًا ولا يمكن تجاهله.
‘مدمن دوبَامين ذو نمطِ تجنّبٍ حادّ..’
هكذا خمّنت أمَانـــغ في سرّها.
المشكلة أن التفوّه بهذا حرفيًا قد يكلّفها رأسها. لا يمكنها أن تتقدّم إليه قائلة: بابا!، استيقظ من أحلامك!
حدّقت أمَانـــغ في الورقة التي كتبت عليها الإجابات، ثم رفضت أن تواصل الكتابة. لم يكن يليق بأميرةٍ تتدرّب على فنون النينجا أن تظلّ جالسةً ترسم الأحرف برشاقةٍ مفرطة.
قرّرت أن تبحث عن الجواب بالجسد لا بالقلم.
“نانا، أريد الخروج.”
“أهكذا؟ ألم تكوني راغبةً في مزيدٍ من تدريب الخطّ؟”
ظهر على نانا شيءٌ من الاستياء.
فمن العجيب رؤية أميرةٍ اعتادت اللعب في الطين تجلس أمام مكتبٍ للتمرّن على الخطّ؛ قد يكون هذا المشهد لم يُرَ منذ ولادة أمَانـــغ.
“هذا يكفي.”
“حقًا لقد كنتِ رائعةً يا مولاتِي!”
“ها؟”
قبل أن تُجيب أمَانـــغ، التقطتْها نانا فجأةً بين ذراعيهــا.
كانت أمَانـــغ تطيحُ إلى صمتٍ مهيبٍ وهي في حضنِها.
إنّ حضنَ الإنسان مريحٌ جدًا.
وزاد التعبُ الذي دبّ في رأسها من الإفراط في التفكير، فبدأ يطل عليها النعاسُ.
‘لا للنــــــوم!’
لا تدري متى قد يقحم الإمبراطورُ ذاك المجنون رأسَه هنا.
أمام أمَانـــغ ثلاثُ فرصٍ فقط.
إن لم تكتشفْ المرضَ قبل انتهاءها، ستُرحل نانا.
‘هذا لا يجوز!’
شعرت أمَانـــغ بمسؤوليّةٍ مفرطةٍ فحاولت التقافُحَ بقوّة.
طلبَت أن تُنزلها نانا، رغبةً في النزول.
فهمت نانا بلا كلماتٍ ما ترغب به، فقد تولّت منذ وقتٍ طويلٍ تربية أمَانـــغ كاملةً.
“أريد أن تلبسيني.”
“يا صاحبة السمو، ما رأيُكِي بزيٍّ بهيٍّ اليوم؟”
في تلك اللحظة بدا نانا أكثر حماسًا من أي وقتٍ مضى.
كانت أمَانـــغ هي تلك الطفلة التي تعود دائمًا وقد علق الطين بثيابها.
عادةً ما كانت تُلبَس أقمشةً يُمحى عنها الاتساخ بسهولة، لكن اليوم لم تكن الحال كذلك.
مثّل لمساتِ نانا زُيًّا من حريرٍ أصفرَ قد نُسج عليه أشرطةٌ ملوّنة.
أمَانـــغ حدّقت في الأكمام المزخرفة كأنّها ترى قطعةً من الكعك متعدد الطبقات.
‘كأنّه كعكة قوس قزح.’
ذلك ذوقُ نانا بامتياز.
دارت نانا بالأمِيرةِ بلطفٍ وهي تُعربُ عن إعجابها المتواصل.
لو كان هذا الشخصُ في زمننا، لكان أبًا مدلّلًا يدعى بالفخور بطفلته.
“ويجبُ أن نغير من تسريحةَ شعرِي أيضًا!”
“بالطبع، يا صاحبة السمو! انتظِري لحظةً.”
كان الأمر وكأنّهَ لعبةُ دمىٍ تُؤدى على إيقاعٍ مرِح.
خرجت نانا لتبحث عن الحليّ، فتنفّست أمَانـــغ تنهيدةً ثقيلة.
بدت وكأنها ممثلةٌ صغيرةٌ منهكةٌ في غرفة الانتظار.
قرصت خدانها بابهامٍ خفيفٍ.
‘تبدو كالهلام.’
خدودُ الأطفال لينةٌ بحيث لا تؤلم عند القرص، ويمكن للمرء أن يمارس على ذلك نوعًا من الترفيهِ لتفريغِ التوتّر.
لم تمتلك أمَانـــغ شيئًا مماثلًا من قبل، لكن الخدودُ الممتلئة تُشبه هذا الإحساس.
بينما كانت تعبثُ بخشونةٍ بالخدودِ، دوى صوتٌ بطيق.
وصلت صناديقُ الحليّ، وكمّها مئاتٌ لا تُحصى.
“يا صاحبة السمو، أيُّها تفضّلين؟”
في تلك اللحظة، خطَر لأمَانـــغ خاطرٌ واحد.
لقد وقعتُ في ورطة.
* * *
كان بستان الربيع غارقًا في ألوانٍ زاهية، تزهو فيها الأزهار المتفتّحة من كل صنف.
وفي دفء الطقس، تجمّعت سيدات القصر من الحريم في مجموعات صغيرة يتبادلن الأحاديث، يرافقهن عبق الشاي العطريّ وحلاوةُ قطع الحلوى…مزيج أقرب إلى الحلم.
ومن بين الممرات، مرّت هيئة صغيرة.
كانت أمَانـــغ تمشي بخطوات قصيرة، شعرها المربوط كحبّات الماندو يتدلّى بخفة، وتحت الشريط الذي يحيط شعرها تعلّقت أجراس صغيرة.
‘ما هذا… كأنني كلب مربوط بجرس.’
كانت غارقة في بحرٍ من أزهار الفتنة الصفراء حتى إنّها بالكاد تُرى.
ومع كل خطوة، رنّ الجرس.
‘هل أنا في لعبة غميضة؟ هل أنا التي عليها البحث؟’
رجَت بكل ما تملك ألا تصادف أحدًا.
هدفها كان العثور على زهرة حطّ عليها الفراش.
لكن…الفراشات كانت تهبط على كل زهرة.
‘لا بدّ أن للفراشات موطنًا مفضّلًا.’
ذلك كان الحلّ البدائيّ والبسيط الذي اهتدت إليه أمَانـــغ.
تفحّصت بجسدها الصغير الأزهارَ واحدةً تلو الأخرى.
كلها بدت مثل بعضها.
نعم، كلها متشابهة تمامًا.
والحقيقة؟ أمَانـــغ دارسةُ علم نفس، لا نباتات..قُدرتها على التمييز بين الأزهار معدومة بالكامل..
“مولاتي الصغيرة تزور البستان بنفسها! إنني متأثرة لدرجة البكاء!”
ما شأن أمَانـــغ الأصلية؟ هل كانت لا تخرج من غرفتها أبدًا؟
لدرجة أن خادمتها تُوشِك على البكاء لرؤيتها تتنزّه؟
نشفت نانا دموعها بكمّ ردائها.
بينما واصلت أمَانـــغ تقدّمها دون توقف.
كان من الصعب على جسدٍ صغير كهذا الحفاظ على توازنه.
سقطت مرّاتٍ عدّة، لكن الأمر لم يكن مهمًا.
فقد كانت نانا ترفعها وتُنفض عنها الغبار في كلّ مرة.
‘أن تكوني أميرة…نعمة عظيمة.’
ولو أن هذا العالم مليء بالحب أكثر، لكان أفضل كثيرًا.
هزّت رأسها.
قبل غروب الشمس يجب أن تعرف المقصود بذلك الجواب.
وهي تبحث بين الأزهار بكل حواسها، إذا بصوتٍ يقطع تركيزها.
“يا ترى…من هذه الصغيرة؟”
التقيا وجهًا لوجه بلا مفر.
كانت هناك الإمبراطورة واليولبين تقيمان حفل شايٍ في الجناح.
Chapters
Comments
- 7 - العدوّ يُواجه تحت شجرة التفاح منذ ساعتين
- 6 - المتخصّص في علم النفس ليس قارئَ أفكار منذ 6 ساعات
- 5 - لماذا تُنزلون بي مثل هذه المحنة؟ منذ يوم واحد
- 4 - لماذا جئت إلى منزلي؟ جئت لأجل الاستشارة منذ يومين
- 3 - بدَاية الاستشارة: بناء الألفة منذ يومين
- 2 - لهذا تُعدّ عِلل المهنة أمرًا مُخيفًا 2025-11-28
- 1 - تِلك التِي إعتدات العمل الإضافي بإجترَاف، أصبحت أمِــيرة؟. 2025-11-28
التعليقات لهذا الفصل " 7"