كان الهواء في قاعة المحكمة أثقل من العادة، لا بفعل القوانين الصارمة أو الرهبة المعتادة في هكذا أماكن، بل بفعل التكرار. للمرة الخامسة.
جلس القاضي خلف المنصة، عابسًا، يراجع أوراق القضية ببطء وكأنه يعرف أنها لن تكون الأخيرة.
أما الفتاة التي تقف أمامه، بشعرها الداكن المربوط على عجل، وعينيها الواسعتين اللتين لم تخفيا استهتارًا عميقًا بما يجري، فقد بدت وكأنها اعتادت هذا المكان.
“الآنسة لونا رين”
رفعت رأسها، ابتسامة صغيرة تتسلل إلى شفتيها، أشبه بابتسامة من يرى عرضًا هزليًا لا جلسة محكمة.
“حاضر، سيدي القاضي.”
“هذه هي القضية الخامسة خلال أقل من عام، بتهمة التشهير والإساءة الإلكترونية. هل لديكِ ما تقولينه قبل أن نبدأ؟”
هزت كتفيها بخفة:
“هل أُحاسب لأنني قلت الحقيقة؟ لأنني عبرت عن رأيي؟”
تنحنح المحامي الجالس إلى جانبها بسرعة، هامسًا بتحذير.
“لا تتكلمي”
ممثل الدفاع:
“رأيكِ؟ أنتِ أرسلتِ خمسين تعليقاً للمُخرج تقولين فيها إنه ‘عديم الموهبة’، وإن البطل الثانوي كان يستحق البطولة أكثر من ذلك الوغد!”
لونا تشبك ذراعيها
“لأنه الحقيقة!”
القاضي يضرب بالمطرقة:
“الصمت! السيدة رين، تصرفاتك تُعتبر تحريضاً. هذه ليست المرة الأولى التي يُرفع فيها عليكِ دعوى بسبب هوسك بالشخصيات الخيالية.”
” لما ? لأنني قلت إن البطلة حمقاء والبطل شخص أناني ومغرور؟ لأنني قلت إن البطل الثاني هو من يستحق كل شيء؟”
ضرب القاضي بمطرقته على المنصة
“الآنسة رين! هذا ليس نقاشًا نقديًا. هذه جلسة محكمة.”
لم ترد. فقط شبكت ذراعيها أمام صدرها وجلست بتحدٍ واضح.
صمت. ثم، وبتنهد ثقيل، رفع القاضي الورقة التالية وقال:
“سنبدأ بسماع تفاصيل القضية”
تنظر إلى ميزان العدالة المرسوم خلف القاضي ، حيث يمر قطار سريع لذاكرتها كقطار الحياة الذي لا ينتظر أحداً.
لو كان أيٌّ من أبطالها الثانويين هنا لوقف بجانبها. لكن العالم الحقيقي قاسٍ، والأبطال الحقيقيون نادرون.
وتبدا بالتذكر …
قبل ذلك بأشهر قليلة…
كانت السماء تمطر والنافذة تعكس ومضات شاشة الحاسوب المحمول، حيث جلست لونا بملابس النوم، أكياس البطاطا المقلية والحلوى تحيط بها، تشاهد الحلقة الأخيرة من مسلسل تاريخي ضخم.
يدها على قلبها، ملامحها مشدودة، عيناها تلمعان بترقب.
” لا… لا، لا تذهبي إليه. لا تفعلي هذا…”
تقدمت البطلة ببطء نحو البطل الذي خانها في منتصف المسلسل، بينما البطل الثاني الحارس الشخصي الوفي الذي ضحى بكل شيء لأجلها يراقب من بعيد، يحترق.
ثم، نهاية. البطلة تختار البطل الأول.
” يا للكارثة!”
قفزت لونا من مكانها، أمسكت الهاتف بسرعة، وبدأت تكتب:
” كيف تجرأتِ؟! هل أنتِ عمياء؟ أحمق مثله يستحق الحب؟ وليس روبين؟! يا لكِ من كاتبة مسلسل فاشلة!”
“كارثة إخراجية! كيف وافقت على هذه النهاية؟ أيها الغبي! روبين كان البطل الحقيقي، لكنكم جبناء!”
ثم:
#أنقذوا_روبين #أحرقوا_الكاتبة_والمخرج #العدالة_للبطل_الثاني
انفجرت التعليقات بعد دقائق. البعض رد متعاطفًا:
” معها حق، روبين كان ملاكًا.”
لكن الأغلب كان…
” أنتِ مريضة. مجرد مسلسل، ارحمي نفسك!”
” كيف ما زال الإنترنت متاحًا لك؟”
” رجاءً ايها الطاقم ارفعوا عليها قضية تشهير”.
لونا لم تبالي بهم تُغلق الهاتف، وتفتح رواية على قارئها الإلكتروني… البحث عن بطل ثانوي جديد لتحبه.
ولم يكن هذا جديدًا.
منذ كانت في الخامسة عشرة، كانت لونا تصاب بما تسميه “لعنة البطل الثاني”. تقع في حب الشخصيات التي تعاني في الظل، التي تحب بصمت وتضحي، ثم يتم دهسها بحذاء النهاية.
“روبين” لم يكن الأول. سبقه “سوجين”، و”راي”، و”المعالج الساحر” في تلك الرواية الشهيرة التي لم تجرؤ على قراءتها ثانية بعد النهاية.
وتعليقاتها لم تكن مجرد نقد. كانت حربًا. وخصومها؟ المؤلفون والمخرجون والممثلون الذين “خانوها”.
في كل مرة كانت تتصاعد الأمور، وتصل إحدى التغريدات الساخرة أو البذيئة إلى أروقة القانون.
أول مرة كانت صدمة. الثانية كانت مفاجأة. الثالثة؟ ضحكة مكتومة. الرابعة؟ تحدٍ.
الخامسة؟ ها نحن هنا.
☆☆☆
عاد المشهد إلى قاعة المحكمة.
وقف محامي لونا، رجل في الأربعين بدا عليه الإعياء من متابعة موكلته العنيدة، وقال
” سيدي القاضي، نلتمس منكم مراعاة الحالة النفسية للآنسة رين. إنها مهووسة أدبيًا فقط.”
قاطعته القاضية البديلة
“هذا لا يبرر إرسال تهديدات للكاتبة، ولا كتابة مقال ساخر “.
رفعت لونا حاجبيها
“هل قرأتموه؟ كان رائعًا، أليس كذلك؟”
☆☆☆
كانت المطرقة تنزل بصوت حاسم، كل طرقة منها تقطع أي احتمال للنجاة.
“بناءً على ما سمعناه اليوم، وبالنظر إلى تاريخ الآنسة رين في القضايا المشابهة، تقرر المحكمة تغريمها مبلغًا قدره عشرة آلاف دولار أمريكي، إضافة إلى حظر استخدامها لأي وسيلة تواصل إلكترونية خلال الثلاثة أشهر القادمة، تحت الرقابة القانونية.”
سادت القاعة لحظة صمت قبل أن يتسلل صوت أنين مكبوت من أحد المقاعد الخلفية.
لونا لم تظهر تأثرًا، فقط رفعت حاجبًا وكأن الأمر برمّته لا يتعدى مشهدًا مكررًا من مسلسل شاهدته أكثر من مرة.
☆☆☆
خارج المحكمة، كان الهواء منعشًا، لكن التوتر ظل معلّقًا فوق رؤوس الجميع. اقترب المحامي منها، وجهه شاحب، وربطة عنقه ملتوية من كثرة شدّها بأصابعه خلال الجلسة.
“لونا… أرجوك، كفى. هل تعلمين كم مرة دافعتُ عنك وأنا غير مقتنع؟ هل تدركين كم مرة كدتُ أفقد رخصتي بسببك؟”
“أوه، لا تبالغ. أنت تبلي بلاءً حسنًا. أقسم أني كنت سأمنحك تقييم خمس نجوم لو كنت محاميًا في دراما قانونية.”
تنهّد الرجل، ثم التفت إلى والدها الذي كان يقف على بعد خطوات، بذراعين متقاطعتين ونظرة لا تبشر بخير.
“سيدي… حاولوا الحديث معها. هي بحاجة لمساعدة. هذا النوع من الهوس قد…”
قاطعته نظرة الأب. حادة. مجروحة.
“أنا آسف، حقًا. شكرًا لمحاولتك.”
غادر المحامي وهو يتمتم بشيء عن تقاعد مبكر وحياة في مزرعة دجاج.
وقبل أن تلتقط لونا نفسًا، شعرت بصفعة ترتطم بجانب رأسها.
“أنتِ لا تتعلمين!”
شهقت، لكنها لم ترد. تعلم أن الكلام لن يُجدي.
“أوصلتكِ تصرفاتكِ إلى هنا مجددًا؟ تشهير؟ قضايا؟ تغريم؟ والآن تريدين أن تضحكي؟!”
حاولت أن تتكلم، أن تشرح أن العالم هو الظالم، أن العدالة لم تُمنح يومًا للأبطال الحقيقيين. لكن يد والدها امتدت وسحبت الهاتف من يدها بقوة.
“انتهى. لا هاتف، لا جهاز، لا حسابات. أنتِ تحت الإقامة الجبرية في المنزل حتى إشعار آخر.”
☆☆☆
عادت لونا إلى غرفتها وهي تجرّ أقدامها. كانت الغرفة شبه فارغة.
رفوف الكتب الإلكترونية اختفت، جهاز الحاسوب المحمول، اللوحي، حتى التلفاز.
“آه، الكلاسيكية ذاتها.”
تدثّرت ببطانية قديمة وجلبت من تحت سريرها نسخة ورقية لرواية كانت تخبئها “للحالات الطارئة”. ومَن يدري؟ ربما هناك بطل ثانٍ ينتظرها في الظلال.
في الصباح التالي، استيقظت على صوت طرقات ثقيلة.
“استيقظي. جهزي حقيبتك. سنغادر بعد عشر دقائق.”
“نغادر؟ إلى أين؟”
“إلى الجبل. ستقضين العطلة لدى جدتك.”
حدقت به، فاغرة الفم.
“لا يوجد إنترنت هناك! ولا تغطية! “
“بالضبط.”
“ابي أرجوك! لا! أعدك أنني سأتوقف. لن أكتب تعليقًا واحدًا بعد الآن! لن ألعن الكاتبة، حتى لو قتلت البطل الثاني أمامي!”
لكن لا فائدة. بعد نصف ساعة كانت لونا تجلس في المقعد الأمامي للسيارة، والحقائب في الخلف، ووجهها مطوي بين راحتيها.
الطريق امتد طويلًا، الإسفلت تحوّل إلى تراب، والمباني إلى أشجار، والضوضاء إلى صمت.
ثم، أخيرًا، توقفت السيارة عند مفترق طرق ضيق، حيث يبدأ جبلٌ مكسو بالخضرة.
نظر إليها والدها وقال بجمود
“من هنا تبدأ الطريق. بيت جدتك في الأعلى. سأعود خلال شهر… أو اثنين.”
“ماذا؟ ستتركني هنا؟ وحدي؟!”
“هذا عقابك. أنتِ بحاجة لوقت تعيدين فيه النظر في أولوياتك. وهذا الجبل مثالي لذلك.
وإن حاولت الهرب… لن أعترف بكِ كابنتي.”
ثم غادر.
حقيبتها الضخمة امامها وهي واقفة تحدق في الجبل.
“ألعن حظي، ألعن الروايات والمسلسلات ألعن الابطال ….”
بدأت في الصعود. كل خطوة كانت لعنة.
صعود الجبل لم يكن سهل لها ابدا
مرت بنحلٍ كاد يهاجمها، زلّت قدمها في جدول ماء ضحل، تعثّرت بحجر وكادت تسقط على وجهها ،تعقبتها عنزة عدوانية، وضطرت للاختباء في شجرة لمدة ساعة.
“أنا لست مصممة لهذا! أنا ابنة التكنولوجيا والواي فاي!”
لكنها تابعت.
وعندما وصلت أخيرًا، والعرق يغمر جبينها، وجدت بابًا خشبيًا قديمًا، وموسيقى شعبية خافتة تأتي من الداخل.
طرقت الباب.
انفتح.
“هاه، لونا الصغيرة.?”
تقول وهي تلهث
” اخبريني بحق الجحيم لما تعشين هنا جدتي”
كانت جدتها، بعينين حادتين، وشعر أبيض مربوط في عقدة، وفستانٍ طويل بنقوش قديمة.
دخلت المنزل و أغلقت الباب خلفها، وبدأ فصل جديد من حياتها، بعيدًا عن المسلسلات، وعن الأبطال الثانويين، أو… ربما ليس تمامًا.
__________________________________
هاي اش رايكم ها خبروني ههه ، الفصل قصير نوعا ما بس راح حاول اجعل الفصول الجاية طويل باذن الله .
خبروني اش رايكم ببطلتنا 🦋 وتوافقونها الراي فحبها للابطال الثانويين ?
في الحقيقة الفكرة جاتني وانا اترجم رواية اصبحت اوميغا للي قراوها بيفهمو اغلبنا حب البطل الثاني ابيلارد بس البطلة استغلتو لاخ، دقيقة واختارت البطل وتركتو هو لي عمل كلشي عشانه ، اقرف رواية ترجمتها وحذفتها فجاتني الفكرة داك الوقت وتطورت وكذا ايش رايكم 🦋🦋
وكمان ملاحظة الفصول تنزل مرة في الاسبوع
لاني لساتني عم اكتب فيها وما انتهت وما اقدر اكتب كل يوم .
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات