“هل تظن أنني صبي ضعيف ومرهف المشاعر؟ لدرجة أنني لا أستطيع التعامل مع خصومي دون مساعدتها؟”
لم تكن لاتشيا تعلم مدى تعقيد مشاعر ميلتشزيدك، فكانت تكتفي بالضحك الخفيف واحتساء الشاي.
بالطبع، تعلم لاتشيا جيداً أن ميلتشزيدك ليس صبياً ضعيفاً ومرهف المشاعر ، فالكيان الجالس هناك هو شيء أكثر خطورة من لاتشيا نفسها، وربما حتى أكثر خطورة من بيركين.
لكن على عكس لاتشيا، التي تتميز بالخبرة والحكمة، وبيركين، الذي يتمتع بوقار إمبراطوري، وليانا التي وُلدت مفترسة بالفطرة، يبدو ميلتشزيدك للوهلة الأولى رقيقاً وهشاً قد يبدو كشخص يمكن للآخرين أن يتجاهلوه بسهولة إذا أخطأوا لذلك، ليس غريباً أن تسيء بلانش الظن به على هذا النحو.
“لا أعتقد أن بلانش الذكية قد تقع في مثل هذا الخطأ.”
لكن ميلتشزيدك كان له رأي آخر.
فلقد اعتاد أن يصارح بلانش بأفكاره ومشاعره دون تردد من المستحيل أن تكون قد أساءت فهمه.
بل إن هذا هو ما يجعله في حيرة أكبر.
هي لا تحميه بسبب اعتقادها الخاطئ، بل هي تراه على حقيقته وتعرف ما هو، ومع ذلك تشعر بالقلق تجاهه، وهذا بالضبط ما يذكره بشخص آخر.
“إذن، إنه مجرد عاطفة وحب.”
ربما لو كان الأمر كذلك لكان أراح باله.
فالعالم مليء بالأشخاص الذين يفعلون أشياء حمقاء وهم معمون بالحب لو كانت بلانش كذلك، كان ميلتشزيدك واثقاً من قدرته على الفصل بين بلانش وبين ذلك الشخص الآخر.
“يبدو أن زوجات أبنائي مقدر لهم أن يحبون أبنائي حباً شديداً.”
بما أن ميلتشزيدك لم يرد أو يعترض، ترسخ هذا الفهم الخاطئ في ذهن لاتشيا وبما أنها أم ميلتشزيدك فإن كون ابنها محبوباً لم يكن أمراً يزعجها على الإطلاق.
عندما رأى ميلتشزيدك لاتشيا تبتسم بارتياح بسبب سوء الفهم، قرر ألا يصحح لها الأمر على أي حال، سيصبحون عائلة، وإذا تحسنت العلاقات حتى لو كان بسبب سوء فهم، فلن يكون ذلك خسارة.
“للعلم، لقد منحتها الإذن ماذا ستفعل أنت؟”
علمت لاتشيا جيداً أن ميلتشزيدك لم يتدخل حتى الآن ليس لأنه عاجز، بل لأنه لا يبالي بالنبلاء الذين يصبون غضبهم عليه بسبب عجزهم لقد كان يتجاهلهم ببساطة لأنه لا يرى مشكلة في تركهم يحملون الضغينة ضده إنه إنسان يمكنه أن ينام بهدوء حتى لو عادى العالم كله.
“بما أن هذه هي المرة الأولى التي تتقدم فيها بلانش لتقوم بشيء من أجلي، فلأدعها تفعل ما تشاء.”
بالرغم من أنه يتجاهلهم لأنه يكسل عن تصفية الحسابات، إلا أنه لا يوجد سبب يدفعه للحفاظ على هذه الضغائن ولهذا قرر ميلتشزيدك أن يراقب تحركات بلانش
“هل يمكن لتلك الفتاة أن تتعامل مع ماركيز تشيس؟”
لاتشيا تعرف جيداً أن بلانش ذكية للغاية.
لكنها رغم ذلك لا تزال صغيرة، والأهم من ذلك، أنها نشأت داخل القصر الإمبراطوري طوال حياتها تقريباً، وكانت تفاعلاتها محدودة.
هل يمكن لطفلة صغيرة، لم تقابل أنواعاً كثيرة من الناس، أن تُرغم نبيلاً رفيع المستوى وذا خبرة على الانحناء، حتى لو كان تفكيره سطحياً؟
ابتسم ميلتشزيدك بخفة للقلق الذي ارتسم على وجه والدته.
“حتى لو كان هناك عشرة من ماركيز تشيس، فلن يستطيعوا التغلب على بلانش.”
اعتقد ميلتشزيدك أنه يعرف بلانش أفضل من أي شخص آخر، باستثناء مربيتها كانت هادئة بشكل لا يتناسب مع عمرها، وتجيد قراءة الآخرين.
والأهم من ذلك، كان لديها موهبة فذة في إيجاد نقاط الضعف لم يكن يعلم كيف ستكسر غرور ماركيز تشيس، لكنها بالتأكيد لن تخوض معركة خاسرة.
علاوة على ذلك، حتى لو أخطأت بلانش وتمكن ماركيز تشيس من التغلب عليها، فإن ميلتشزيدك كان واثقاً تماماً من أنه يستطيع التكفل بتصحيح الأمور من ورائها فهو لم يترك ماركيز تشيس يتحدث بحرية بسبب نقص في قدراته.
“ومع ذلك…”
لأجل والدته التي لم تستطع التخلص من نظرة القلق، قام ميلتشزيدك بتغيير الموضوع بمرح.
“علاوة على ذلك، أشعر بالإحراج لتلقي هذا التعبير العاطفي الحار قبل الخطوبة هل يجب أن أجهز أنا أيضاً هدية زواج مسبقة؟”
لو كانت مجرد هدية زواج عادية، لما كان هناك حاجة لإخبار لاتشيا.
أحست لاتشيا بنبرة شريرة في كلماته، فتخلت فوراً عن قلقها بشأن بلانش وبدأت في استجواب ابنها.
“ماذا تنوي أن تفعل؟”
ابتسم ميلتشزيدك ببهجة
“وطن بلانش.”
كادت لاتشيا أن تشك في أذنيها.
“…عرض تقديم بلد كهدية خطوبة هو شيء لم يقله حتى شقيقك.”
“أليس هذا شيئاً جديداً ومثيراً؟”
قررت لاتشيا أن تصمت تنهدت
“هل قالت الأميرة بلانش إنها تريد ذلك؟”
“لم أسألها، لكن لن تمانع في الحصول عليه فهي لا تحمل أي مشاعر تجاه وطنها.”
لم يكن هذا استنتاجاً متسرعاً.
لقد كان نتيجة مراقبة ميلتشزيدك المستمرة للتفاعلات بين بلانشي ومملكة لاموري لقد استنتج أن العلاقة بين بلانش ومملكة لاموري لا تتجاوز صفة المبعوث السلمي الاسمية التي تحملها.
لم تكن مملكة لاموري تهتم حتى بحياة أو موت الأميرة التي أرسلتها كرهينة من فرع العائلة المالكة، كما أن بلانش لا يبدو أنها تعتبر الوطن الذي بالكاد تتذكره وطنها.
لقد نشأت في قصر بُني على الطراز الإمبراطوري، وعاشت في مناخ الإمبراطورية، وارتدت ملابسها.
في الحقيقة، يمكن اعتبار هذا خطأ مملكة لاموري التي أرسلت طفلة كرهينة، طفلة لم يكن لديها أي ذكريات أو عاطفة تجاه وطنها.
“من المثير للدهشة، أن مملكة لاموري لم تحاول حتى الآن استخدام بلانش للتدخل في شؤون الإمبراطورية.”
على الرغم من أنهم قد لا يعرفون أنها مرشحة لتكون زوجة الدوق الأكبر، فمن المستحيل ألا يعرفوا بعد عشر سنوات أنها صديقة الدوق الأكبر.
ومع ذلك، لم تحاول مملكة لاموري أي شكل من أشكال التواصل مع بلانش ، لدرجة تثير الشك حول ما إذا كانوا يعرفون أي شيء على الإطلاق.
لكن…
“الخلل الكبير هو أننا لا نعرف إلى متى سيستمر هذا الوضع.”
بالطبع، ستوازن بلانش بشكل جيد بين مملكة لاموري وإمبراطورية ريتايلرحتى لو تقدمت بلادها بطلب غير معقول، فستمنعه بنفسها.
وهذا هو بالضبط ما يقلق ميلتشزيدك فهو بارع في رفض المطالب السخيفة.
إذا استغلت مملكة لاموري بلانش كذريعة للتذمر والاحتجاج أمامه، فبإمكانه أن يرفض طلباتهم ببرود.
ولن يشعر بالضيق حيال ذلك فبلانش هي بلانش ، والعائلة هي العائلة، ووطن بلانش هو وطن بلانش
لكن بلانش لن تكون كذلك ستعاني من الضيق العاطفي بين مملكة تصر على طلبات غير منطقية وإمبراطورية من المستحيل أن تقبلها هذا ما لا يريده ميلتشزيدك
“قد تعتقد بلانش أن الأمر لا بأس به لكننا نعلم، أنا ووالدتي، أن تلك الدولة ستكون عقبة في طريق بلانش لاحقاً بالتأكيد.”
“أن تخفض رتبة مملكة إلى دوقية لمجرد هذا السبب.”
ابتلعت لاتشيا ابتسامة مريرة أجل هذا هو ميلتشزيدك الذي تعرفه على الرغم من مظهره الرقيق، إلا أن داخله ماكر كالذئب، ولديه نظرة قاسية لا تتناسب مع عمره.
“لا يمكن لإمبراطورة الإمبراطورية أن تتولى أيضاً عرش مملكة مستقلة لكن يمكن للإمبراطورة أن تحمل لقب دوقة.”
كان هذا صحيحاً من الناحية النظرية ولن يكون تحويل مملكة لاموري إلى دوقية أمراً صعباً في حد ذاته لكن الأمر المعقد يكمن فيما بعد.
“ومع ذلك، أنت تعلم أن مملكة لاموري لم تستطع البقاء كمملكة حتى الآن دون سبب، أليس كذلك؟”
“بالتأكيد.”
ابتسم ميلتشزيدك باسترخاء وقال
“لأن مملكة لاموري هي المنطقة العازلة بين إمبراطوريتنا ومملكة كارثيان.”
“حسناً إذن أنت تعلم أيضاً أن تحويلها إلى دوقية ومنحها للإمبراطورة المستقبلية قد يُعتبر إعلان حرب على مملكة كارثيان.”
بالتأكيد ابنها الذكي يدرك هذه الحقيقة جيداً.
إنه يعلم أن الوضع سيكون أكثر تعقيداً بكثير إذا تحولت دولة مستقلة في المنتصف إلى تابعة لإمبراطورية ريتايل، مما يجعل الإمبراطورية ومملكة كارثيان يتشاركان حدوداً مباشرة، بدلاً من مجرد خفض مملكة لاموري إلى دوقية وجعلها إقطاعية لبلانش حتى لا تجرؤ على مطالبتها بشيء.
لذلك، كان هذا السؤال بمثابة تأكيد لإرادة ابنه هل هو حقاً مستعد لتحمل هذا الوضع المعقد والمُتعب؟
ميلتشزيدك ذكي وماهر، لكنه لم يكن يستعرض مواهبه حتى أولئك الذين لم يخف عنهم موهبته هم أفراد عائلته فقط فهل سيتحمل حقاً هذا النزاع الدبلوماسي المعقد مع دولة أجنبية من أجل خطيبته؟
هذا ما أرادت لاتشيا أن تعرفه.
“أمي.”
ابتسم ميلتشزيدك ابتسامة واسعة.
“قد لا تصدقين، لكن تخفيف التوتر العسكري هو الشيء الذي أجيده أكثر من أي شيء آخر.”
بالطبع، لاتشيا لم تصدق ذلك.
ليس لأنها تشكك في قدرات ميلتشزيدك بل لأنها لم تصدق الخبرة فميلتشزيدك لم يمر بمثل هذه التجربة من قبل.
لكنها لاحظت أن ابنها مليء بالإصرار.
“حسناً، إذا كنت قادراً على تحمل المسؤولية، فحاول ما تشاء لكن لا تنسَ التشاور مع الإمبراطورة.”
على أي حال، لم تكن الشؤون العسكرية من اختصاصها كإمبراطورة سابقة ولذلك، يجب أن يكون القرار بعد التشاور مع ليانا ، التي تدير الشؤون العسكرية.
“حسناً، لن أمنحها إياها مع هدية دخول الأكاديمية على أي حال لدينا متسع من الوقت.”
بعد أن اكتشف خطة بلانش وحصل على موافقة والدته، نهض ميلتشزيدك بخفة من مكانه.
التعليقات لهذا الفصل " 71"