لكنّ الرجل الذي كان أكثر عنادًا منها هو تشونغ نيونغ نفسه — الذي ظلّ على مدى عشرين عامًا يسمع النصيحة ذاتها من وزرائه وقادته دون أن يتخذ قرارًا.
لم يكن عديم الرغبة في النساء؛ فلديه محظيات، وله أبناء، لكنه ترك منصب الملكة وولي العهد شاغرين.
ولم تستطع بايك ريون أن تفهم السبب مطلقًا.
بعد أن شرب كثيرًا في الوليمة ثم في حجرته، بدا عليه بعض الاضطراب وهو يقول بصوتٍ متهكم
“حسنًا، اختاري أنتِ إذن من التي ترينها صالحة لتكون ملكة؟ سوبين؟ هوا بي؟ أيًّا كانت، سيجد الناس ما يعيبونها به — يقولون إن طبعها سيّئ، أو إنها عقيم، أو إن أسرتها وضيعـة كم يكثر التذمّر في هذه البلاد!”
لم تستطع أن تجادله، لأنه محق.
فهي وحدها كانت ترغب في أن يملأ أحدهم مكان الملكة وولي العهد أيًّا كان، بينما الباقون لا يهمهم إلا من يخدم مصالحهم.
لكن بايك ريون أجابت بصدقٍ ثابت
“ليختر مولاي من يشاء، وسأبذل روحي في خدمتها.”
كما قال هو، أياً كانت التي سيختارها، ستلقى اعتراضًا من البعض.
لكن بايك ريون كانت واثقة أنها قادرة على تهدئة كل فتنة، فطالما كانت إلى جانبه، لن يجرؤ أحد على الطعن في قراره.
وبعد أن تنتهي فتوحات القارة، سيصبح تشونغ نيونغ إمبراطورًا، وحينها لن يجرؤ أحد على معارضة اختياره ولا من تسانده بايك ريون.
لكن بدلاً من ذكر اسمٍ محدد، أطلق الملك تنهيدةً طويلة بدا فيها السأم.
“إذن رشّحي أنتِ من ترينها قادرة على تنظيم جناح القصر، وحمل هذا البلد إلى مستقبلٍ راسخ؟”
ترددت بايك ريون للحظة قبل أن تملأ كأسه من جديد كان وجهه قد احمرّ تمامًا من الخمر، لكنه بدا مستمتعًا، ولم تشأ أن تفسد مزاجه.
عادةً، عندما تتحدث عن أمر الملكة وولي العهد، يغضب ويصرفها، لكنها هذه المرة وجدته مستعدًا للحوار، فلم تشأ أن تفوّت الفرصة.
“كيف أجرؤ، يا مولاي، على الكلام في صفات أمّ الأمة وعمادها؟ أرجو أن تسحق أمرك هذا.”
“همم…”
شرب الكأس دفعةً واحدة، ثم مدّها نحوها مرة أخرى، فملأتها من جديد.
“وغيركِ يجرؤون على الخوض في الأمر؟”
“ذلك عصيان.”
اتسعت عيناه قليلًا وقال مبتسمًا
“هاه… إذن كل وزرائي خونة في نظرك؟”
كان يقصد أن يسخر منها، لكنها لم تتراجع
“إن قال عشرة رجال إن الغزال نمرٌ، فلن يصبح الغزال نمرًا نصحكم باختيار الملكة ووليّ العهد إخلاص، أما الجزم بمن تصلح أو لا تصلح فخيانة أرجو ألا تأمروني بالخيانة يا مولاي.”
كانت صادقة.
لقد آمنت أن الدولة تحتاج إلى ملكة وولي عهد، وهذا من أجل البلاد والملك على حد سواء.
لكن من يختار الملكة ليس من شأنها الملك، ذو البصيرة الحادّة، لن يختار امرأة لا تليق بالمقام، وحتى إن فعل، فواجبها أن تكرّس حياتها في خدمته.
كيف لمرؤوسٍ أن يُبدي رأيه قبل أن يسمع نية سيّده؟
في نظرها، كان الجميع يرتكب الخيانة بذلك.
ثم وُضع الكأس على الطاولة بخفّةٍ، فتناثر بعض الخمر مكوِّنًا بقعة صغيرة.
وبينما كانت تحدّق في تلك البقعة، وصل إلى سمعها صوته مبحوحًا كالتنهيدة
“إذن، لتصبحي أنتِ الملكة، ولتنصّبي ولي العهد بنفسك لن يكون في ذلك مخالفة للشرع، ولا خيانة في عينيك.”
للحظة، لم تفهم بايك ريون مقصده.
لكن عندما أدارت وجهها نحوه، رأته مطرقًا، ممسكًا بالكأس، وقد غفا رأسه على الطاولة.
كان تنفسه منتظمًا، وعيناه مغمضتين خلف خصلات شعره المبعثرة — بدا كمن غلبه النعاس بعد الشراب.
غير أن بايك ريون لاحظت شيئًا صغيرًا.
كانت يد الملك التي تمسك بالكأس بيضاء متيبّسة، كما لو كان يقبض عليها بكل قوّته.
حين نظرت إلى أطراف أصابعه المرتجفة بخفّة، بدأت الحقيقة تتسلل إلى عقلها.
كلامه ذاك — لو نُظر إليه بعقلٍ بارد — لم يكن إلا مزاحًا سكرانًا.
فهي كانت متزوجة آنذاك، وقد أنجبت طفلًا ثم فقدته، وزوجها ما زال حيًّا يُرزق.
لا يمكن لملك أن يتخذ امرأة متزوجة زوجةً له — فضلاً عن أن يكون هو زوجهـا الثاني بينما الأول حيّ.
كان لا بد أن تكون تلك مجرد دعابة ألقتها سكرات النبيذ على لسانه.
لكن بايك ريون علمت أنه إن قالت في تلك اللحظة [ أقبل ] ، لكان قد جعلها ملكة حقًّا.
لأن الكأس التي يمسكها كانت ترتعش قليلًا.
ولأن شفتيه بقيتا صامتتين، كأنه ينتظر ردّها.
تحركت شفتاها، لكنها أغمضت عينيها بدل أن تتكلم.
أرادت أن تمحو من ذهنها صورة أصابعه البيضاء المرتجفة، لأنها إن استمرت في النظر إليها، فستضعف وتجيب.
مرّت لحظة طويلة بدت كالأبد، ثم فتحت عينيها أخيرًا، بعد أن غابت تلك اليد عن نظرها.
نهضت بهدوء، التقطت رداء التنين الذي رماه قائلًا إنه يشعر بالحرّ، وأعادته فوق جسده.
ثم تراجعت نحو الباب، وانحنت عميقًا.
لم تنظر مرة أخرى إلى يده المخبأة في كمّه الواسع.
قالت بصوتٍ خافتٍ ثابت
“أرجو لجلالتك دوام الصحة وطول العمر.”
ثم خرجت.
قالت بصرامة للحرّاس الذين كانوا في الخارج ينتظرون
“إن جلالته نائم، فلا توقظوه بلا داعٍ.”
وعندما عادت بعد أن ابتلت بندى الفجر، غاصت في تفكير عميق حول تلك الإمكانية.
من المنطق العادي، يبدو الأمر غير معقول فكيف تُعيَّن امرأة في الأربعين من عمرها، سبق لها الزواج، لتصبح زوجةً ثانية للملك، بينما هناك عدد لا يُحصى من الحريم؟
ولكن إذا نظرنا للأمر من زاوية الرمزية، فإنه قرار بديع للغاية فباي ريون كانت صاحبة نفوذ عسكري هائل، ومن عائلة ذات مكانة مرموقة.
ولربما هناك من يقلقون من احتمال تمردها، فسوف تُعد هذه الزيجة وسيلة لطمأنتهم فهي تجمع بين عائلتي جا وغو، وتؤكد سيطرة الملك على السلطة العسكرية بالكامل.
وبما أنها في الأربعين من عمرها، فمن الطبيعي أن لا تُنجب المزيد من الأبناء، ما يمنح انطباعًا بأنها لن تُثير مشاكل في مسألة الخلافة.
كل ما عليها فعله هو اختيار أحد أبناء الملك الحاليين ليصبح ولي العهد.
كما قال الملك، قد يكون من غير اللائق للوزراء التدخل في اختيار ولي العهد، لكن أن تقوم الملكة باختيار ولي العهد هو حقها الطبيعي.
وبذلك تصبح باي ريون داعمًا قويًا للولي العهد، وتزداد قاعدة دعمها صلابة.
وكان من المؤكد أن الملك سيبرز هذه المزايا للوزراء عند اختيارها كزوجة ثانية.
طالما أنها لا تمتلك زوجًا آخر.
تنهدت باي ريون بهدوء إذا فقدت زوجها نتيجة حادث مؤسف، فهل سيكون هناك طريقة لإيقاف هذا الاقتراح؟
اليوم، استغل الملك لحظة وجودهما بمفردهما وسكوتها بسبب سكرته ليقدم هذا العرض، لأنه يعلم أن باي ريون مرتبطة بالفعل.
ولكن إن أصبحت أرملة، وبقي تشونغ نونغ يرى فيها ملكة مناسبة، فلن يتردد حينها في تكرار ذلك العرض، في وضح النهار، أمام الجميع سيقولها صراحة: “كوني الملكة، واختاري أنتِ ولي العهد بنفسك.”
“لقد تأخرتِ.”
وبينما كانت غارقة في التفكير، وصلت إلى بيتها دون أن تشعر وكان زوجها مستيقظاً في انتظارها نظرت إلى وجهه بهدوء
“حين أخرج للحملة القادمة، أريدك أن تذهب إلى مقاطعتي.”
لقد فقدت باي ريون ولداً في السابق، في حادث مؤسف.
ولم تكن لتتحمل أن تفقد فرداً آخر من عائلتها بسببها.
وفي اليوم التالي، خرجت باي ريون في الحملة كما هو مقرر ساعدها الملك شخصيًا في ركوب عربتها، مكرمًا مكانتها، وكالعادة، عادت منتصرة.
وخلال احتفالات النصر وإعلان تحويل جين إلى إمبراطورية، لم يشر الملك مرة أخرى إلى عرض الزواج، كما لو لم يكن موجودًا.
ولكن باي ريون كانت تعلم أن تلك الكلمات لن تختفي أبدًا الملك لن ينسى ما قاله.
ولهذا السبب، أنجبت وريثاً وهي في الثانية والأربعين من عمرها لأنها لم تكن تريد أن تُعرض عليها تلك الخطبة مرةً أخرى.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 60"