عندما أمرتُ بإحضار الوجبة التي جُهزت لتناسب الوقت، فتحت الآنسة مارتينا منديلها على ركبتيها وعيناها تلمعان.
“آه، تناول الطعام خارج المنزل يجعلني أشعر أنني أصبحت راشدة قلبي يخفق حماسًا.”
كان الأطفال دائمًا يقلدون ما يفعله الكبار ولو نصحتهم بفعل ما يناسب أعمارهم فلن يُجدي ذلك نفعًا كنت أعلم هذا، لذا فضّلت أن أسايرها.
“فهل عليّ أن أجد أعذارًا لأدعوَكِ من وقت لآخر إذن؟”
اختلاق الذرائع كان تخصصي فالحروب أساسها دائمًا الصراع على المبررات، وأنا كنت بارعة في إلباس الأعذار ثوبًا مقنعًا.
“حقًا؟”
قالتها الآنسة مارتينا بعينين متألقتين.
“نعم ، لأنكِ مميزة يا آنسة مارتينا.”
أنا في العادة لا أحب التصرّف على نحو لا يناسب سني، إلا إذا كان لابدّ منه فأن يعيش المرء كما يعيش الناس من حوله هو الأفضل.
لكن الآنسة مارتينا، على خلافي، كانت ما تزال طفلة بالفعل، وقد قدّمت لي معروفًا كبيرًا لذا لم يكن من الصعب أن أسايرها في لعبة الكبار هذه.
“آه! إذن، هل يمكنني دعوتك لتناول الغداء في المرة القادمة؟”
لكن هذا كان أمرًا آخر فرفضت بسرعة، ولكن بلطف حتى لا يبدو الرد قاسيًا.
“أعتقد أنه من الأفضل الحصول على إذن من الدوق أولًا، لا مني.”
قلت ذلك وأنا أعلم أن الدوق وزوجته سيتوليان منع الأمر.
“آه، فهمت.”
ولحسن الحظ، وافقت الآنسة مارتينا بسهولة، ويبدو أنها لم تلاحظ مقصدي، ولكن لم يكن ذلك يهمني كل ما يهم هو ألا أتلقى دعوة غداء منها.
فدعوتي لها إلى الغداء يمكن تفسيرها على أنني أراعي كونها أجنبية وصغيرة لا تعي شيئًا أما إن دعتني هي، فقد يُفهم الأمر وكأنه موقف رسمي من دوقية مارتينا.
ومع أن حركتي محدودة أساسًا، فلا داعي لتحمّل مخاطر لا ضرورة لها ابتسمت بأقصى ما أستطيع حتى لا يساء فهمي، ثم أمسكت الشوكة والسكين.
وسارت وجبة الغداء كما تسير أوقات الشاي، فلم يكن بيننا مجال لحديث سياسي جاد.
وبينما كنت أستمع إلى حديثها عن صيحات الفساتين لهذا الموسم، وأخبار الأطفال النبلاء، واهتماماتها المختلفة، انتهت الوجبة وأحضر الخدم الحلوى كانت جيليًا مصنوعًا من برتقالة كاملة.
“واو، ما هذا؟ حلوى من مملكة لامور؟ تبدو غريبة!”
كانت هذه الحلوى مستوحاة من حلويات كنت أتناولها في حياتي السابقة، وقد قمت بتعديلها لتناسب هذا العالم في هذا المكان، لا يُستخدم الفاكهة للتزيين إلا إذا كانت غير مرئية.
“لا، ليست من هناك تحديدًا جربيها وأخبريني إن أعجبتكِ، لأعدها لكِ في المرات القادمة على أي حال…”
بينما كانت تقلب الجيلي بين يديها بدهشة، جذبتُ انتباهها بسعال خفيف.
“همم؟ ماذا هناك؟”
وضعتُ على الطاولة علبة سلّمني إياها أحد الخدم خفيةً أثناء تقديم الحلوى فتّحت مارتينا عينيها بدهشة.
“أردت فقط أن أشكركِ على ما فعلته ذلك اليوم هذا هدية متواضعة تعبيرًا عن امتناني.”
كانت الهدية تعليقة تُضاف إلى سوار.
عندما قررت أن أشكر الآنسة مارتينا، لم يكن همّي متى سأدعوها، بل كيف سأعبر عن امتناني.
فالشكر بالكلام فقط لم يكن كافيًا كان من الأفضل أن أقدّم شيئًا يُظهر امتناني ولكن، ما الذي يمكن تقديمه؟
“تولا، ما الذي يسعد فتاة في التاسعة من عمرها عادةً؟”
“هل تقصدين الآنسة مارتينا؟ فصاحب السمو الدوق لا يزال في الثامنة من عمره.”
كالعادة، فهمت تولا – مُربيتي – ما أعنيه من كلمة واحدة فقط.
“أفضل ما يمكن تقديمه هو ما تحبه الشخصيّة نفسها، بغض النظر عن العمر وقد ذكرت من قبل أنها تحب الحُلي، أليس كذلك؟”
كلامها كان في محلّه كانت أول هدية قدمتها لمارتينا زينة للشعر.
“لكن لأنها تحب هذه الأشياء، فإنني لا أملك الثقة الكافية لاختيار شيء يعجبها.”
حتى تلك الزينة التي قدمتها لها، كانت سعيدة بها لحسن الحظ، لكنها لم تكن أنيقة فعلًا حتى أنا، التي اخترتها، كنت أدرك أنها ليست بالمستوى المطلوب لذا ترددت في اختيار الإكسسوارات مجددًا.
“أمم… على ما أذكر، لم يسبق لصاحبة السمو أن أعدّت هدية عن قصد من قبل، أليس كذلك؟”
هذا صحيح كنت أقدم الهدايا فقط عندما أرى شيئًا وأظن أنه قد يُسعد أحدهم أو عندما أحصل على شيء أعلم أن غيري سيستفيد منه أكثر.
حتى الحصان الرائع الذي أعطيته لريانا لم يكن هدية بالمعنى الكامل، بل وجدت الحصان أولًا ثم فكرت في إهدائه لها.
“أحيانًا، إن لم يكن من السهل اختيار ما يحبه الطرف الآخر، يمكن إهداؤه شيئًا تعرفه جيدًا.”
لكن هذا زاد الأمر تعقيدًا لأن بلانش لا تعرف شيئًا، وما تعرفه لي بايك ليان لا يمكن لـبلانش أن تحصل عليه.
في حياتي السابقة، كنت أعبر عن شكري غالبًا بقيمة الهدية.
مثلاً، عجول مصنوعة من الذهب، أو محبرة على شكل زهرة اللوتس مصنوعة من اليشم لم أكن أعرف ما إن كانت هذه الأشياء تُعجب متلقيها حقًا، لكنها كانت على الأقل ثمينة بما يكفي لتعكس مدى الامتنان.
لكن الآن، لا مال يكفي، ولا قدرة على شراء أشياء بتلك القيمة، وفوق ذلك، إن قدمتُ مثل هذه الهدية في سن السادسة لطفلة في التاسعة، فسوف تضع دوقية مارتينا في حرج كبير فلن يتمكنوا من ردّها ولا قبولها بسهولة.
“لا أجد شيئًا مناسبًا إطلاقًا.”
تنهدت بعمق كيف يمكن لمن كانت قادرة على إدارة دولة، أن تعجز عن اختيار هدية لطفلة صغيرة؟ لو علمت نفسي السابقة بهذا، لما توقفت عن الضحك.
“أمم… إن أذنتِ لي، هل يمكنني مساعدتك في اختيار الهدية؟”
“أنتِ؟”
قلت ذلك بعينين متسعتين من الدهشة.
“قد لا يروق هذا لمزاج الآنسة مارتينا، لكنني اعتدتُ اختيار مثل هذه الإكسسوارات كثيرًا.”
آه، صحيح في العادة، تُولا هي من تختار ملابسي ما لم يكن هناك أمرٌ خاص أنا ما زلت صغيرة، لذا لا أرتدي الكثير من الإكسسوارات، لكن القبعات المزينة أو الأحذية قد تكون هدية مناسبة، أليس كذلك؟
شعرت أن جزءًا من العبء الثقيل الذي كان يجثم على صدري قد زال، فتألّقت عيناي ببعض الأمل.
“سأكون شاكرة لكِ إن فعلتِ سأطلب من سمو الدوق أن يدعو أحد بائعي الإكسسوارات إلى القصر في موعد الشاي القادم.”
“إن كان ذلك سيساعد سموكِ، فستكون تلك سعادتي.”
ابتسمت تُولا برقة، وأزاحت خصلة من شعري خلف أذني.
وهكذا، بعد بحث واختيار مع تُولا، وقع اختيارنا على تعويذة صغيرة.
في البداية، كنت سأختار هدية بسيطة مثل قبعة مزينة، لكن تولا قالت إن علينا أولاً أن نطّلع على فساتين الآنسة مارتينا، حتى نعرف ما يناسبها والأمر ذاته ينطبق على الأحذية.
أما سوار فالأمر مختلف لأن كلانا – أنا ومارتينا – لدينا سوارٌ متطابق، لذا سيكون من السهل التحقق من مدى توافق سوار معه، كما أن بإمكانها تنسيقها مع أساور أخرى تملكها كما أنها لا تشغل حيزًا كبيرًا.
وبعد أن استقرّ رأينا على السوار استدعينا بقية الفتيات وأخذنا آراءهن من زوايا متعددة لذا، بالنسبة لشيء اخترته أنا، فهي على الأقل هدية مقبولة هذه المرة.
الآنسة مارتينا كانت قد قبلت بسرور ذلك الزينة الفاقدة للذوق التي أهديتها إياها في المرة السابقة، فهل ستبتسم وتقبل بهذه الهدية أيضًا؟
ببعض الأمل، دفعت علبة الهدية نحو الآنسة مارتينا.
“آه……”
لكن، بدلًا من أن تفرح وتفتح الهدية، كسا الحزن وجهها.
أوه…… هل يُعقل أنها تظاهرت بالفرح في المرة الماضية لكنها لم تكن تحب الهدية حقًا؟ والآن، إذ تجد نفسها مجبرة على قبول هدية أخرى لا تروق لها، تشعر بالإحراج؟
لكنني هذه المرة استشرت تُولا، فلا بد أن تكون أفضل من السابقة كما أن السوار يمكن استخدامها بطرق مختلفة…
هل عليّ أن أفتح العلبة بنفسي لأريها أنها أفضل من سابقتها؟ أم أتظاهر بأنني أخطأت، وأسترجعها ثم أسألها عمّا تحب أن تهدى؟
وبينما كنت غارقة في هذا التردد، ترددت مارتينا قليلاً ثم فتحت فمها بتردد
“عندما تقولين ذلك اليوم… تقصدين حفل الشاي، أليس كذلك؟”
“نعم…”
ربما كان عليّ الاكتفاء بدعوتها إلى مائدة طعام وبينما كنت أرتبك، بدت ملامح مارتينا متضاربة، وفتحت فمها لتقول شيئًا ثم سكتت، وأخيرًا تمتمت بصوت خافت
“……الفضل يعود إلى سموّ الدوق.”
“عذرًا؟”
“قائمة المدعوين لذلك اليوم، سمو الدوق هو من اقترحها.”
كانت ملامح مارتينا ممتلئة بالضيق.
“سمو الدوق قال إنك مهتمة بجانب الأكاديمية، ولهذا فإن تكوين علاقات مع أشخاص من ذلك الوسط سيكون نافعًا لمستقبلك بل أعدّ قائمة خاصة بالأسماء وأعطاها لي، وكل ما فعلته أنا هو اختيار من ظننت أنهم سيقبلون الدعوة.”
أخذ وجه مارتينا يزداد حزنًا.
“……لذا، أظن أن هذه الهدية من الأجدر أن تُقدّم إلى سمو الدوق.”
آه… شعرت بالراحة أولاً، على الأقل لم يكن السبب أن مارتينا لم تعجبها هديتي.
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 57"