من حسن الحظ أنني لم أبوح للدوق الأكبر بأنني أنا أيضًا شخص متجسّد كنت أؤمن بذلك بصدق.
فهو يظن أنني مجرد طفلة ناضجة فحسب، لذا من المحتمل أن تكون هذه الحجة قد راقت له.
“صحيح، سبع سنوات أطول من العمر الذي عشته حتى الآن.”
ابتسمت بخفة، مؤكدة في الوقت نفسه على أن بلانش لم تتجاوز السادسة من عمرها بعد ومع ذلك، كان ذهني مشغولًا بالعديد من الأفكار
لقد أعطاني الدوق الأكبر الكثير دومًا، وكان دائم الرغبة في العطاء لكن ما قد تلقيته حتى الآن، وما كدت أتلقاه هذه المرة، يختلفان اختلافًا جوهريًا.
فما قدمه لي حتى الآن كان من باب الرعاية الفطرية والمباشرة عندما قلت إنني أحب الزهور، أحضر لي بستانيًا وعندما أردت تربية الخيول، وفر لي الإسطبل الأمر بهذه البساطة والوضوح.
لا بد أن الوقت الذي استغرقه للتفكير بهذه الهدايا كان قصيرًا جدًا.
ولعل السبب في شعوري بثقل هذه العطايا هو أنني بطبعي أجد صعوبة في تقبّل شيء دون مقابل، بينما من منظور الدوق، لم تكن هذه الأمور ذات أهمية تُذكر.
لكن الخطة التي أخبرني بها الآن لا يمكن أن تكون قد خرجت منه بهذه البساطة.
فأنا بحاجة أولًا لأن أتساءل عمّا إذا كنت أرغب حقًا في الدراسة أو البحث مع العلماء هنا، ويجب أن أقلق بشأن حقيقة أنني لا أستطيع الذهاب إلى الأكاديمية بمفردي، كما أنني بحاجة إلى ذريعة مقنعة كوني مبعوثة سلام، لألتحق بأكاديمية الإمبراطورية.
كل هذا يعني أن الدوق قد أمضى وقتًا طويلًا في التفكير بهذه الخطة بل ويبدو مستعدًا لأن يضحّي بعدة سنوات من عمره في سبيل تنفيذها.
وهذه الهدية ليست ثقيلة عليّ فقط، بل هي أيضًا عبء على الدوق نفسه فهي تختلف عن كل ما سبق أن قدّمه لي من قبل، والتي لم تكن تشكل له عبئًا يُذكر.
ما نلته سابقًا يمكنني تقبّله باعتباره ضمن إطار الاتفاق بيننا، أما هذا، فلا يمكنني التفكير فيه كمجرد جزء من صفقة إنه بكل وضوح يتجاوز حدود ما يمكن اعتباره مقابلًا ضمن اتفاق.
وأعتقد أنني في يوم ما، لا بد أن أجلس مع الدوق لأتحدث معه عن هذا الفارق الذي أشعر به لأفهم ما هو الحدّ الفاصل بين ما يمكنني تقبّله، وما يشكّل عبئًا عليّ.
لكن… أتمنى فقط أن يأتي ذلك اليوم متأخرًا قليلًا.
لم أتنهد حتى، بل ابتلعت تنهيدتي في داخلي.
***
“هذه هي الرسائل التي وصلت هذا الصباح.”
منذ ذلك اليوم، أصبحت جدول أعمالي أكثر ازدحاماً مما توقعت.
“يبدو أن هذه الرسالة من شخص يرغب في لقاء الأمير أفينلاندري اليوم.”
يبدو أن الأمر لم يقتصر على الأميرة ديلايلا ، التي أنهت مشروعاً استمر ثلاث سنوات مؤخراً، بل إن غيرها من العلماء أيضاً كانوا يعملون بجد لنشر أسمائهم في الأوساط الأكاديمية.
يبدو أن أبناء العائلات العلمية الذين كانوا يملؤون قاعة الحفل في ذلك اليوم، عادوا إلى منازلهم وأخبروا بأن هناك عدداً من العلماء الواعدين في القصر الإمبراطوري، وأنه من الممكن التواصل معهم من خلالي.
الكبار الذين كانوا يعرفون بأسماء أولئك العلماء الواعدين، خلافاً للأطفال، أرادوا استغلال هذه الفرصة لبناء علاقات مع الوفود، ونتيجة لذلك، بدأت الرسائل تنهال عليّ من أشخاص يرغبون في شرب الشاي برفقتي.
كانت فرصة لا يمكن تفويتها على عكسي، لم يكن باستطاعة بقية أفراد بعثة السلام الخروج بحرية لذا كان عليَّ أن أُتيح لهم فرصة بناء العلاقات عندما تسنح الفرصة.
لذلك بدأت بإرسال دعوات لحفلات الشاي بشكل شبه يومي.
ففي هذا المكان، يُعد وقت العشاء وقتاً شخصياً بحتاً، أما وقت الغداء فيُعتبر وقتاً سياسياً للغاية، وبما أنني لم أُعلن رسمياً عن دخولي إلى المجتمع الراقي ، فلم يكن لي وقت ألتقي فيه بالغرباء سوى في وقت الشاي، فكان لا مفر من ذلك.
“أحضري لي الشاي مع الجدول الزمني، واطلبي من الخدم أن يزيلوا هذا.”
وضعت أدوات الطعام على الطبق الفارغ ومسحت فمي بالمنديل.
في هذا المكان، من المعتاد شرب الشاي مرة واحدة فقط في فترة بعد الظهر خلال وقت الشاي المحدد، لكنني كنت من أولئك الذين يشربون الشاي بدلاً من الماء.
ولهذا، كنت أشرب كوباً من الشاي بعد كل وجبة، سواء خلال العمل على الوثائق أو أثناء زيارة مختبرات الآخرين.
وكانت تولّا، التي تعرفني جيداً، قد انحنت بخفة وسألتني
“أي نوع من أوراق الشاي ترغبين به؟”
أطلقت تنهيدة طويلة قبل أن أُجيب.
“…استخدمي لو بلان.”
ويبدو أن تولّا قد لاحظت ترددي القصير، فعرضت باحتراس
“أممم، سمعت أن المطبخ حضّر اليوم كعك الشوفان كحلوى… ألن يكون من الأفضل استخدام نوع آخر من أوراق الشاي؟”
كانت محاولتها التلميح إلى ذلك عبر الحلوى لطيفة، لكنها كانت مسألة كرامة بالنسبة لي فأجبت بوجه حازم:
“لا، حضّريه لو بلان.”
“…حاضر.”
كانت تولّا قد بدأت تُحسن التحكم بتعابير وجهها، لكنها كانت تنظر إليّ بعينين مليئتين بالشفقة لم أستطع حتى أن أُعلق على ذلك، واكتفيت بعضّ شفتيّ بقوة.
“لقد جلبت الشاي.”
وضعت تولّا الإبريق وكوب الشاي وفطيرة المشمش.
كنت أرغب في أن أسألها عن كعك الشوفان، لكنه لم يكن الوقت المناسب، فاكتفيت بصب الشاي في الكوب.
على الأرجح أن أحد العلماء قد طلب تحضير كعك الشوفان خصيصاً، فهي ليست من الحلوى التي تُقدم للأطفال غالباً.
ارتشفت رشفة من الشاي لأتأكد ما إذا كانت الأوراق قد نُقعت جيداً وكان الشاي… مرّاً جداً حاولت بصعوبة أن أتماسك وأمنع عضلات وجهي من التشنج
“ممتاز.”
نعم، لم يكن الشاي مُحضّراً بشكل خاطئ لدرجة لا تُشرب، بل كانت تلك هي نكهته الأصلية.
كان الدوق محقاً… هذا الشاي مرّ بطبيعته.
“إذاً… اذهبي واهتمي بشؤونك.”
في العادة، كنت أطلب من تولّا الجلوس معي لشرب الشاي، حتى نراجع جدول الأعمال معاً.
لكن لم يكن لدي طاقة لأُدير ملامح وجهي طوال فترة الشاي، فآثرت أن أُرسلها في حال سبيلها.
“سأنسحب إذاً.”
انحنت تولّا برشاقة وغادرت، فوضعت يدي على جبهتي.
“سأُجن، حقاً…”
لم يكن هذا النوع من الشاي مُراً بطريقة غير منطقية بل ربما كان مشابهاً للشاي الذي كنت أشربه كما لو كان ماءً في حياتي السابقة.
المشكلة أنني الآن أعيش في جسد طفل.
كنت أظن أن الإزعاج في كون جسدي طفولياً يقتصر على قصر الأطراف وصعوبة التحكم الدقيق في الحركات، لكن اتضح أن هناك مشكلة أخرى.
هذا الجسد حساس للطعم المُرّ وربما أيضاً للطعم الحامض كل ما كنت آكله وأشربه حتى الآن كان مخصصاً ليتناسب مع ذوق الأطفال، لذا لم أكن قد لاحظت ذلك من قبل.
وبالنظر إلى أنني لم أظن يوماً أن شاي إمبراطورية روتايل كان مُراً، فيبدو أن هناك اختلافاً في الذوق بين القارات فهنا، يبدو أنهم يفضلون الطعام حلو المذاق ودسماً.
على أية حال، بما أن المسألة تتعلق بالعمر، فقد يكون من الأفضل أن أقبل ببساطة أنني لا أستطيع تحمّل طعم الشاي المُرّ حالياً، وأن أكتفي بشرب شاي إمبراطورية روتايل.
لكن مع ذلك… أشعر بنوع من الإهانة.
“سأعتاد عليه… سأعتاد عليه…”
حتى السمّ، مع مرور الوقت، يعتاد عليه الجسد… فماذا عن الطعم المُر؟ لا شك أنني، حين أنتهي من شرب هذه العلبة من الشاي التي أُهديت إليّ، سأكون قد اعتدت على مرارته بدرجةٍ كافية.
وبينما أنا أُحكم عزيمتي، أخذت قضمة من التارت ورشفة من الشاي، وبدأت أراجع جدول أعمالي.
حتى مع أسرع موعد يمكنني تحديده، فسيكون بعد ثلاثة أسابيع ومن المستبعد أن يكون لدى الأمير أفينلاندري، الذي لا يغادر قصره، جدول محدد لتلك الفترة، لذا لا بأس في أن أحدد الموعد أولاً ثم أبلغه به لاحقاً.
اخترت تاريخاً مناسباً، وشرعت في كتابة مسودة دعوة.
كانت حروف خطّي غير مستقرة بسبب ضعف قبضة يدي، لذا كل ما علي فعله هو أن أطلب من تولّا أن تنسخها بخط جميل وترسلها، وهكذا تنتهي هذه المهمة.
الآن لم يتبق سوى مسألة الآنسة مارتيـنا.
أطلقت تنهيدة خافتة وأنا أتأمل جدول أعمالي المكتظ.
في هذه المناسبة، كانت مساعدة الآنسة مارتيـنا قيّمة للغاية يكفيني امتناناً أنها استضافت حفلة الشاي نيابة عني، لكنها فوق ذلك ملأت قائمة الضيوف بأشخاص يمكن أن أستفيد منهم كثيراً.
وبفضلها، تمكنت من توسيع شبكة علاقاتي الأكاديمية دون الحاجة للالتحاق بأكاديمية الدوق.
“لا يصحّ أن أمرّ هذا مرور الكرام.”
كان من الأفضل دوماً دفع الثمن في أسرع وقت ممكن على الأقل، يجب أن أُبادر بتقديم الشكر بأسرع ما يمكن.
وحين نظرت إلى جدولي المزدحم، عقدت العزم رغم أن الأمر قد يبدو محرجاً قليلاً، فلا مفر منه… يجب أن أدعو الآنسة مارتيـنا إلى الغداء.
“أشكركِ على الدعوة.”
كما لم يسبق لي أن دعوت أحداً إلى الغداء من قبل، يبدو أيضاً أن الآنسة مارتيـنا لم يسبق لها أن استجابت لدعوة في هذا الوقت من اليوم.
فقد وصلت إلى قصر جاسبر قبل وقت الغداء بقليل، وبدت أكثر تحفظاً من المعتاد وهي ترتب ثنايا تنورتها بحذر.
“بل أنا من يعتذر لتأخري في دعوتكِ.”
وحين قابلت تحفظها بتحية رسمية أكثر من المعتاد، اتسعت عيناها بدهشة.
“واو، بلانش تتحدث كالكبار حقاً!”
بالطبع، فأنا في داخلي راشد ابتسمت ابتسامة خفيفة وسألتها
“ألم تكوني ترغبين في تقليد الكبار؟”
“آه، صحيح…”
عادت مارتيـنا لتُصلح نبرة صوتها
“إن كنتُ قد أفدتُكِ، فـ…”
بما أنها بدت مترددة في اختيار الكلمات، أعنتها قليلاً
“بل الشرف لي.”
“همم، نعم، هذا هو التعبير المناسب… بلانش تعرفين كيف تقولين هذه الأشياء جيداً.”
“حسناً، لأني معتادة على ذلك.”
كان من الطبيعي أن أكون معتادة، فقد قلت مثل هذه الكلمات كثيراً في حياتي السابقة لكن مارتيـنا، التي تجهل حقيقتي، فهمت كلامي على نحو مختلف.
“أجل، فأنتِ مدللة من قبل صاحبة الجلالة الإمبراطورة الأرملة، لا بد أنكِ تسمعين الكثير من هذا النوع من الكلام.”
ما أحصل عليه من الإمبراطورة الأرملة لا يُعدّ دلالاً بقدر ما هو ثقة فهي تمنحني مودتها لأنها ترى أنني قد أُسهم في تحقيق أهدافها.
لكن لم يكن من اللائق شرح هذا لطفلة، لذا اكتفيت بالابتسام في صمت.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 56"