وحين أذن الدوق لها بالجلوس، انحنت الآنسة دو وايرس برفق احترامًا له، ثم التفتت نحوي مباشرة.
همم، لا عجب، عائلة علمية فعلًا أسلوبها المباشر في الدخول إلى صلب الموضوع من دون لف أو دوران يُشبه تمامًا من لم يعرف في حياته إلا البحث والدراسة.
“صاحبة السمو الأميرة بلانش في الحقيقة، لديّ طلب وأتمنى ألا يكون ثقيلًا.”
“إن كان في وسعي تلبية الطلب، فسأفعل بكل سرور.”
وكان ذلك بصدق إن ساعدتُ الآنسة في طلبها، فربما ستساعدني هي بشيء أيضًا، مما قد يفتح لي طريقًا آخر للحصول على نبات البرايكن بشكل أكثر استقرارًا.
فقد كنتُ أُعير الدفيئة الملكية للأميرة ديلايلا وحدها منذ ثلاث سنوات، وبدأت تُثار الأحاديث عن المحاباة والتمييز.
وإن تمكّنتُ من تأمين البرايكن من مصدر خارجي، سأُخصص الدفيئة لشخص آخر، مما سيكون نافعًا من جوانب عديدة.
ابتلعت الآنسة دووايرس ريقها وسألتني بحذر
“هل لي أن ألتقي بالأميرة ديلايلا؟”
كان طلبًا يصعب الرد عليه.
لأنّ كل مبعوث سلام لا يمكنه مغادرة القصر الإمبراطوري من دون إذن الإمبراطور، وإن أردنا ترتيب لقاء، فعلينا استدعاء الآنسة دو وايرس إلى القصر ورغم أنني أعيش في القصر، فهو ليس ملكي.
أي أنني لا أملك صلاحية تقديم وعد كهذا وفي تلك اللحظة، تحدث الدوق الجالس بجانبي، وهو من يسكن القصر فعلًا.
“لا يجوز ذلك فالقصر ليس مكانًا للزيارات.”
تغيرت ملامح الآنسة دو وايرس بشكل واضح بعد ردّ الدوق.
“آه… كما توقعت.”
“لكن…”
على عكس ما ظننته، لم يُغلق الدوق الباب تمامًا، بل أبقى بصيصًا من الأمل.
“لا يمكن معاقبة الأميرة بلانش ذات الستة أعوام على حجزها موعدَين في نفس الوقت عن طريق الخطأ، أليس كذلك؟”
أخفيتُ دهشتي وراء فنجان الشاي، رافعةً إياه إلى فمي.
قد لا تدرك الآنسة دو وايرس، لكن هناك إجراءات معقدة للغاية للقاء أحد النبلاء الإمبراطوريين مع عائلة ملكية أجنبية داخل القصر.
والدوق يقول إن الترتيب المزدوج لا يُعاقب، ما يعني ضمنيًا أنه يمنحني إذنًا خاصًا لتجاوز البروتوكول المعتاد، وليس مجرد نصيحة لي.
إذن، هذه ميزة استثنائية لا يفهمها أحد من الموجودين هنا سوى أنا حتى أنا لم أتوقع أن أحصل على مثل هذا التفضيل
هذا إذن، امتيازٌ لا يدركه أحد ممن في المجلس الآن سواي، بل حتى أنا لم أكن أتوقع أن يمنحني إياه.
“ن-نعم… صحيح.”
أما الآنسة دو وايرس، التي لم تستوعب بعد حجم الامتياز الممنوح، فقد أشرقت ملامحها ببساطة لتحقيق ما رغبت به.
أما عن سبب هذه المعاملة الخاصة من قِبل الدوق لي، فهو أمر سأبحثه لاحقًا، أما الآن فعليّ إنهاء مسألة الآنسة أولًا.
وضعتُ فنجاني برفق دون إصدار صوت، وابتسمتُ برقي.
“سأرسل لكِ دعوة هل تودّين القدوم لشرب الشاي؟”
“سأحضر معي أوراق شاي من نوع لو بلان.”
وبينما غصتُ أنا في تفكيري، ابتسمت الآنسة دو وايرس ببراءة.
وكما كنا نظن، كان ذلك آخر فنجان شاي في ذاك اللقاء.
أثناء انشغال الآنسة مارتينا بحسن التدبير لتجنّب الفوضى عند مغادرة الحضور، استقللتُ أنا والدوق عربة ملكية وغادرنا قصر الدوق قبل الجميع.
“لو بلان؟ غريب ما اختارته الآنسة دو وايرس.”
وحين ابتعدنا عن القصر بما يكفي، قال الدوق ذلك بنبرة عابرة لا أعلم لمَ كان هذا أكثر ما علق بذهنه لكني اتبعتُ مجرى الحديث بهدوء.
“ما هو نوع هذا الشاي؟”
“إنه نوع من أوراق الشاي يُخلط من أنواع مستوردة من قارة أتان.”
قارة أتان… قلبـي قفز فجأة، فقد كانت تلك أرض حياتي السابقة.
“بصراحة، لا أنصحك به سيكون مرًا قليلًا على ذوقك.”
كدت أضحك ساخرًا هل هناك ما يمكن أن يكون مرًا عليّ فعلًا؟ في حياتي السابقة، شربت ما هو أمرّ بما لا يُقاس.
“حقًا؟”
ربما بدا من نبرتي أنني لم آخذ كلامه على محمل الجد، فقال لي بإضافة
“لقد جربته بنفسي، وكان مرًا بعض الشيء.”
لكن حتى مع هذا التوضيح، لم يتغيّر شيء الدوق يملك عقلية ناضجة، لكن ذوقه ليس كذلك لم يكن يكره الحلويات، ولا يبدو أنه يمانع أي نوع من الطعام.
أو بالأحرى، لا يبدو أنه يرفض أي شيء.
“شكرًا لإخبارك لي، سأجربه بنفسي.”
إن كان سيئًا حقًا، فسأحكم على ذلك بعد تذوقه بنفسي وقد رفع كتفيه كمن يقول: “إن أردتِ تجربة المرارة، لن أمنعك”، ثم غيّر الموضوع.
“بالمناسبة، ما رأيك في ذلك الاقتراح السابق؟”
“حين تقول هكذا، فأول ما يتبادر إلى الذهن هو اقتراح الآنسة دو وايرس.”
“لكنني أعلم أنك لستِ ممن يقع في الفخ بسهولة.”
كان كلامه في محله تمامًا، فلم يسعني إلا أن أتنهد.
إن لم يكن اقتراح دو وايرس، فلا بد أنه يقصد اقتراح الآنسة ويلينغتون في بداية حفل الشاي — مساعدتي على دخول الأكاديمية إن رغبت.
لكني لا أملك ما أقوله حيال ذلك.
“أليس من المستحيل أن ألتحق بالأكاديمية أصلًا؟”
فأنا لم آتِ إلى هنا للسياحة، بل بصفتي مبعوثة سلام، وتحديدًا، رهينة سياسية بين دولتين.
كيف يمكن لشخص في مثل هذه الوضعية أن يلتحق بالأكاديمية؟ حتى خروجي من القصر لا يحدث إلا بموافقة الدوق.
لكن الدوق ابتسم بهدوء
“بل، ممكن.”
بالطبع، لا شيء مستحيل على سموّ الدوق.
لكن مع ذلك، كان من الواجب أخذ العدالة بعين الاعتبار فالآخرون يعيشون في عزلة منذ سنوات دون أن يُسمح لهم حتى بالخروج، بينما إن التحقتُ أنا بالأكاديمية، فقد تُثار أصوات الاستياء.
ولم أكن أرغب في أن أكون على خلاف مع بقية المبعوثين لهذا السبب.
“أفهم ما الذي يشغل بالك، ولكن، هل سيكون الأمر مُرضيًا لك إن وُجّهت كلّ الشكاوى نحوي أنا؟”
كان صوته مفعمًا بالثقة لا أحد يعلم كيف تتقلب قلوب البشر، فكيف له أن يكون واثقًا بهذا الشكل؟ هل كان يعمل في الدعاية والإعلام في حياته السابقة مثلًا؟
لم أُعبّر عن هذه الشكوك بصوتٍ عالٍ، لكن يبدو أنه استشعر فضولي تجاه وسيلته، فابتسم برقة.
“سأذهب معك.”
ارتجفتُ للحظة وكدتُ أُبعد جسدي إلى الوراء، لكنني تمالكت نفسي
“…هل كنتَ تخطط للالتحاق بالأكاديمية أصلًا؟”
“في الوقت الحالي، لا ولكن إن رغبتِ بذلك، فستصبح الخطة قائمة.”
هل من الخطأ أن أشعر بالعبء بدلًا من الفرح بعد هذا الكلام؟ لكنني شعرت بثقل حقيقي.
لا أعلم إن كنتُ قد نجحتُ في إخفاء مشاعري، أو أن الدوق لم يُبالِ بها أصلًا، فقد تابع حديثه وكأن شيئًا لم يكن
“الحدّ الأدنى للعمر المطلوب للالتحاق بالأكاديمية، حسب علمي، هو الثالثة عشرة أما تقديم الظهور الاجتماعي، فيُجرى عادة في الخامسة عشرة لذا، إن قدّمتُ ظهوري الاجتماعي مبكرًا ثم قررتُ الالتحاق بالأكاديمية لتوسيع دائرة معارفي، واصطحبتكِ معي كرفيقة للعب، فسيكون التوقيت مناسبًا تمامًا وبما أنكِ مجرد رهينة بريئة وقعت ضحية لتصرّف دوق متقلب، فلن يجرؤ أحد على إظهار اعتراضه علنًا.”
لم أجد ما أقول.
حتى وإن كان الدوق قد عاش حياة سابقة، فالتفاصيل الدقيقة لهذه الخطة لا يمكن أن تُصاغ بهذه السرعة وهذا يعني أنه كان يُخطّط للأمر حتى قبل أن تذكر الآنسة وِلينغتون موضوع الأكاديمية في حفل الشاي اليوم.
دون أن يعرف حتى إن كنت مهتمة بها أم لا، بل دون أن يفكر في سؤالي عن رأيي أولًا.
شعرت بقشعريرة تسري في جسدي.
“إذًا… هل تحتاجين إلى بعض الوقت للتفكير؟”
لم أكن بحاجة إلى وقت هل أرغب في الالتحاق بالأكاديمية؟ بالطبع هو أمر سيمنحني خبرات متنوعة وتعليمًا راقيًا، بدلًا من البقاء حبيسة القصر.
لكن أن أومئ برأسي موافقة على هذا العرض تحديدًا؟ هذا يبدو خطرًا للغاية.
أنا من الذين يؤمنون بأن كل شيء يُؤخذ بثمنه.
لا لأن هذا هو العدل، بل لأن هذا ما يحدث فعلًا الأشياء التي أُعطيتُ إياها دون مقابل، لطالما عادت إليّ لاحقًا في الوقت الذي لا أرغبه، وبالطريقة التي لا أتوقعها.
هناك طريقتان لتفادي هذا: إما ألّا أقبل العطاء من الأساس، أو أن أدفع الثمن فورًا.
لكن ما الثمن الذي يمكن أن أقدمه لدوق دولة يخصص سنينًا من حياته لأجل خطة حياتي؟ والأمر يتعلق بحياتي الحالية، لا حياة سابقة
لم أجد إجابة، لذا اخترت الطريق الأول.
“لا أدري… لستُ متأكدة على أية حال، أعتقد أنني لا أزال صغيرة على الالتحاق بالأكاديمية.”
وبالنظر إلى أنه لم يسألني عمّا إذا كنت أرغب في الذهاب إلى الأكاديمية قبل حضور حفل الشاي، فخطته لحياتي لا بد أنها لا تقتصر على هذا الخيار وحده.
ولو رفضت هذا الآن، فسيظهر أمامي بخطة أخرى ليسألني عن رأيي مجددًا.
لذا قررت أن أؤجل قراري يمكنني الرفض لاحقًا، حين أمتلك خطة لحياتي الخاصة، وحين أملك القدرة على تنفيذها.
وليس من واجبي أن أدفع ثمن الخطط التي وضعها لأجلي دون أن يُشركني فيها.
“هذا صحيح على أية حال، فكري بالأمر جيدًا فلدينا الكثير من الوقت.”
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 55"