فحتى في حياتي السابقة كنتُ أفهم جيدًا أن الزواج ليس سوى خيارٍ سياسي لم أعد أُمنّي نفسي بزواجٍ فيه حبٌّ أو عاطفة.
ثم إنني لا أحبّ الدوق حتى أطالب بحبّه هو ما أريده بسيط جدًا.
“فقط، لا أريد زوجًا يحبّ امرأةً أخرى.”
أو، إن أردتُ التعبير بدقةٍ أكبر، لا أريد زوجًا يُظهر حبَّه لامرأةٍ أخرى أمامي.
لا بأس إن كان الدوق يحمل في قلبه مشاعر لشخصٍ ما، فذلك شأنه.
لكن إن كان الأمر كذلك، فلا أريد أن يعرف أحدٌ بذلك لا أحد على الإطلاق.
لقد عشتُ حياتي بهذه الطريقة.
زوجي السابق كان يعلم أنني لا أحبه، لكنه كان يظن أنني ببساطة غير قادرة على الحب.
لأنني أخفيت قلبي بإحكامٍ طوال عمري.
لكن إن لم يكن قادرًا على ذلك، إن لم يستطع إخفاء حبه كما يُخفى الفقر أو المرض، فحينها…
حينها، أودّ أن أقول له: “تزوّج بمن تحبّ إذًا.”
غير أنني لا أستطيع أن أشرح كل هذا للدوق الذي لا يعلم أنني عشت حياةً سابقة.
لذا اختصرتُ قولي بكلماتٍ قليلة
“فإن كان في قلبك شخصٌ ما، فاخترها، وسأبذل ما بوسعي لمساعدتك.”
ليس بالضرورة الآن، حتى لو كان ذلك في المستقبل.
حتى إن بدا الأمر وكأنني تُركتُ أو خُذلت، فهو أهون عليّ من أن يكون زوجي مفتونًا بامرأةٍ أخرى.
“هذا كلامٌ غامض.”
ابتسم الدوق بخفة، وقد تلاشى من صوته ذلك التوتر الحاد الذي كان قبل قليل.
“ما الذي تعنيه يا سموك؟”
“أعني كلامك.”
هل كان يقصد أنني تجاوزتُ حدودي؟
نظرتُ إليه بهدوءٍ، أقدّر المسافة من جديد بيني وبينه.
“من بين كل ما قلتِه لي، هذا الكلام أعجبني أكثر ومع ذلك، من المؤسف أن يكون هذا هو أقصى ما يمكنك قوله.”
هل يقصد أنه كان يفضل لو تجرأت أكثر؟
أعدتُ النظر إليه دون أي تعبيرٍ على وجهي.
“على أي حال، كان كلامًا يعجبني، لذا… سأعتبره أمرًا يمكن التغاضي عنه.”
لم أستطع أن أحدد هل يعني بذلك أنه سيخبرني إن أحبّ امرأةً أخرى، أم أنه ببساطة لن يحبّ غيري.
لكن أيًّا كان الأمر، فالمهم أن يستقرّ على أحدهما، لذا انحنيتُ برفقٍ
“أشكرك على سماحتك ، يا سموك.”
على الأقل، بما أنه قال هذا، فربما لا يحمل في قلبه مشاعر تجاه الآنسة مارتينا.
وهذا يعني أنني لست مضطرة للوساطة بينهما بعد الآن.
يا للحسن حظي.
وبينما كنتُ أفكر في إنهاء هذا الموضوع وفتح حديثٍ جديد، رفع الدوق صوته بمرح
“حسنًا إذن، هل تحبين الأحجار الكريمة؟ أيّها يعجبك أكثر؟ اللؤلؤ؟ أم الألماس؟”
أليس هذا الموضوع قد انتهى بالفعل؟
نظرتُ إليه بدهشة، كما تنظر طفلة في السادسة إلى فتى في الثامنة يسألها عن ذوقها في المجوهرات.
هل رأت بلانش اللؤلؤ من قبل؟
آه، نعم رأته قبل يومين عندما كانت تختار السوار في تلك اللحظة شعرت وكأنها رأت كل الأحجار الكريمة في العالم.
لكن، أليس سنّ السادسة صغيرًا جدًا لأن يكون للمرء ذوقٌ في الجواهر؟
تجاهلتُ حقيقة أنني لم أمتلك ذوقًا حتى في الستين، وأجبت بهدوء
“سأكون سعيدةً أيًّا كان ما تهديني، يا سموك.”
“حسنًا. فلنبدأ إذًا بخواتم، لنقل… عشرين خاتمًا؟”
ابتسم بمرحٍ بدا واضحًا على وجهه، وكأن الحديث أصبح يروق له أكثر من أيّ وقتٍ مضى.
“لحسن الحظ أن للإنسان عشرة أصابع، يمكنني إذًا أن أضع خاتمين في كل إصبع.”
حتى بعدما قلتُها بنبرةٍ رتيبة، لم تفارق الابتسامة وجهه.
“لم أقصد أن ترتديها كلها دفعة واحدة.”
“إذن اشترِ لي صندوق مجوهرات معها، وسأحتفظ بها بعناية.”
“لكنني أيضًا لم أقل ألا ترتديها على الإطلاق.”
كان حديثًا تافهًا، مزاحًا خفيفًا لا أكثر، لكنّ في ذلك المزاح شيئًا من الألفة القديمة… شيئًا مريحًا وغريبًا في آنٍ واحد.
آه، حقًا… لو كنتُ واثقة من قدرتي على ألا أصدق في مشاعري، لربما كان العيش مع هذا الفتى طَوال العمر أمرًا جميلًا بالفعل.
ابتسمتُ بخفة، ورددتُ على مزاحه بمزاحٍ مثله.
***
“أشكر الجميع على حضوركم وإضفاء البهاء على هذا اللقاء اليوم.”
بصراحة، فإنّ الآنسة مارتينا التي تسكن في داخلي ما تزال كما كانت عندما كنتُ في السادسة من عمري، تبكي بصوتٍ عالٍ في حفلة الشاي التي أقمتها آنذاك.
لكن يا للعجب، لقد أظهرت أثناء التحضير براعةً لا بأس بها في تنظيم كل صغيرةٍ وكبيرة، وها هي الآن تؤدي دور المضيفة ببراعةٍ مدهشة.
“وأودّ كذلك أن أتقدّم بخالص شكري لدوقنا السموّ وللأميرة بلانش صاحبة السموّ، على ما قدّماه من دعمٍ كبير ماديٍّ ومعنويٍّ من أجل هذا اليوم شكرًا لكم وأتمنى أن تغادروا جميعًا وفي قلوبكم السرور.”
اختتمت الآنسة مارتينا كلمتها الافتتاحية بأناقة، ثم جلست في مقعدها.
“أحسنتِ.”
همستُ لها بصوتٍ منخفض لا يسمعه من في الطاولات الأخرى، فارتجف طرف شفتيها قليلًا يبدو أنّها حاولت إخفاء ابتسامتها لكنها لم تنجح تمامًا.
“كلّ الفضل لكِ أيضًا هيا، فلنختر نوعًا من أوراق الشاي بعد أن ننتهي من الفنجان الأول يمكننا تبديل الشاي بنوعٍ آخر.”
كان أسلوب حفلة الشاي الذي اختارته مارتينا مميزًا بحق.
فقد صفّت أوراق الشاي المختلفة على طول النافذة لتُختار يدويًّا، فيقوم الخدم بتحضيرها وتقديمها مع الحلويات المناسبة.
والهدف من ذهاب الحاضرين لاختيار الشاي بأنفسهم هو أن يبدّلوا أماكنهم في كل مرة، بحيث يجلس كل واحدٍ إلى طاولةٍ جديدة ويتحدّث مع أشخاصٍ مختلفين.
“لو جعلت الجلوس ثابتًا، فربما لن يقترب أحد من هذه الطاولة احترامًا لدوق السموّ لقد دعوت أشخاصًا هادئين جدًا في الغالب.”
كانت الطاولة التي نجلس إليها تضمّ مارتينا بصفتها المضيفة، والدوق الصغير بصفته أرفع شخصٍ مقامًا في المجلس، وأنا رفيقته في اللعب وكان هناك مقعدٌ فارغ ليتمكن الآخرون من الانضمام بين الحين والآخر.
كنتُ أراقب الدوق بقلقٍ خفي، خشية أن يُثير مع مارتينا أيّ جدال، لكنه كان يختار أوراق الشاي بهدوءٍ تام، دون أدنى بادرة توتر، وعلى وجهه ملامح الرزانة واللطف.
“وماذا ستشربين أنتِ؟”
“أفكّر أن أتناول ما توصي به الآنسة مارتينا.”
“آه، إذن جربي هذا! إنه معتدل الحلاوة وتفوح منه رائحة الخوخ برقة.”
حين تقول طفلة إنّ الشاي معتدل الحلاوة، فذلك يعني عادةً أنه شديد الحلاوة بالنسبة لي، فتهيّأتُ لذلك في داخلي.
“إذن سآخذ هذا وماذا عنك يا صاحب السموّ؟”
“أما أنا فسأختار فيفرز.”
[ فيفرز: شاي قوي النكهة أو داكن المذاق ]
قُدّم الشاي الأول ونحن ما نزال في أماكننا.
وكان اختيار مارتينا مطابقًا لتوقعي تمامًا — أي أنه كان حلوًا أكثر مما أطيق فالحلويات تكفي بحلاوتها، لذا أحبّ أن يكون الشاي مائلًا إلى المرارة قليلًا.
“اجعلي فنجانك القادم من إلتين.”
قال الدوق وهو يرمق وجهي بتأملٍ لطيف، يتخلله شيءٌ من الابتسامة.
“لكن شاي إلتين مرّ جدًا بالنسبة لي.”
“ولِمَ لا؟ لقد تذوقتِ توصية الآنسة مارتينا، فمن العدل أن تذوقي توصية مني أيضًا.”
يبدو أنه أراد تغطية حقيقة أنني لم أستمتع كثيرًا باختيار مارتينا.
“شكرًا على اقتراحك سأجربه في المرة القادمة إذن وأشكركِ أيضًا يا آنسة مارتينا، فرائحة الشاي عطرةٌ وعذبة حقًا.”
كان في موقفه لطفٌ يستحق الشكر، غير أن كلماتي قد تُفسَّر بطريقةٍ تُثير غيرة مارتينا، فبادرتُ سريعًا لتغيير مجرى الحديث بينهما.
“صحيح، من المدهش أنّكِ استطعتِ جمع هذا العدد الكبير من أنواع الشاي عالية الجودة لا بدّ أنّ الأمر كان صعبًا للغاية.”
يبدو حقًا أنّ الدوق لم يكن ينوي اليوم خلق أي توترٍ مع الآنسة مارتينا هل لأن الشائعات بينهما بلغت حدّها؟ تنفستُ بارتياح.
“لقد ساعدتني أختي.”
“آه، صحيح، إنّ مارتينا ابنة الدوق الصغير، لها علاقات واسعة مع تجّار القوافل.”
“أسرة الدوق مارتينا على صلةٍ وثيقةٍ بقافلة جوليان لديهم القدرة على الحصول على سلعٍ نادرة بسهولة، فإن احتجتِ إلى شيءٍ ما، فلا تترددي في طلبه.”
شيءٌ أحتاج إليه… تُرى، هل يمكنهم حتى تأمين برايكن؟ خطر في بالي اسمُ الأميرة ديلايلا التي أنهت أبحاثها خلال ثلاث سنوات وبدأت مرحلة المتابعة.
لكن في حالتي، كل ما أحتاج إليه يُقدَّم إليّ حتى قبل أن أشعر بالحاجة إليه، فلا أجد ما أطلبه حقًا.
ولو اضطررت للاختيار، فربما ما ينقصني هو بعض المواد البحثية لأولئك الذين أقاموا مختبراتهم في قصرِي، غير أن هذا النوع من البضائع تتكفّل به قوافل متخصصة أخرى.
لم أكن أعرف إن كانت قافلة جوليان من هذا النوع، لكنها إن كانت تتعامل مع القوافل المختصة بالمواد الخاصة، فلن يضرّ أن أسأل.
وحين وصلتُ إلى هذا القرار، كان فنجاني قد فرغ تمامًا.
“إذن، أستأذنكم قليلًا.”
الآن، من سيكون محاوري التالي يا تُرى؟ بعد أن اخترتُ شاي إلتين، أخذت أتفحص القاعة بعينيّ بسرعة.
من الأفضل ألا أتردّد طويلًا… لعلّ من الأنسب أن أختار طاولة ليست بعيدة جدًا، يجري فيها حديثٌ هادئ، وأمامهم ما يكفي من الشاي ليبقوا جالسين لبعض الوقت.
“هل لي أن أجلس هنا؟”
“آه، بالطبع! المقعد فارغ، تفضّلي واجلسي براحتك.”
رحبت بي فتاةٌ ترتدي نظارات بابتسامةٍ دافئة بدا عمرها مقاربًا لعمر الآنسة مارتينا بل إن جميع من في هذه الحفلة أكبر سنًّا من بلانش الصغيرة بلا شك.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 53"