“يبدو أن الدوق الجليل قد وقع تمامًا في سحر الأميرة بلانش.”
فأجابت أخرى بنبرة إعجاب
“لقد رأيتها لفترة وجيزة فقط خلال احتفال عيد ميلاد جلالة الإمبراطورة، لكنها كانت مميزة بحق، مختلفة عن سائر الفتيات.”
وأضافت ثالثة
“إن كانت بتلك المكانة والتميّز، فربما ستكون زهرة المجتمع الأرستقراطي القادمة!”
فضحكت سيدة أخرى وقالت ممازحة
“حقًّا، من سواها يمكن أن يُلقّب بزهرة المجتمع إن لم تكن هي، وهي صديقة اللعب الوحيدة للدوق الجليل نفسه؟”
وبما أن الحاضرات كنّ يدركن أن لا فائدة من محاولة منافسة بلانش أو تهميشها—إذ لا توجد فتاة أخرى يمكنها أن تحل محلها بجانب وريث العرش—فقد اخترن طريقًا آخر: تمجيدها وكسب ودّ الإمبراطورة عبر الثناء عليها.
سألت إحداهن بنبرة لطيفة
“متى سيكون حفل تقديم الأميرة بلانش إلى المجتمع الأرستقراطي؟”
“نحن نفكّر في أن يكون ظهورها الرسمي الأول مع الدوق خلال حفله الخاص بالظهور، فهما بحاجة إلى شريكين للحفل على أي حال لكن ما زال أمامنا وقت طويل، فلا نعلم كيف ستسير الأمور حينها.”
تدخلت سيدة أخرى باهتمام
“بما أن الأميرة بلانش حضرت اجتماع عائلة دوقات مارتينا، فهل تنوين يا جلالتك السماح لها بحضور تجمعات أخرى أيضًا؟”
وأضافت أخرى بنبرة حماس
“هل تهتم الأميرة بلانش بفنون السيف؟ إن كان الأمر كذلك، فيسعدني أن أرتّب لقاءً بينها وبين المتدربين في الفروسية.”
ثم قالت سيدة أخرى بنعومة
“على ذكر ذلك، إنني أعرف أحد التجار الذين يتعاملون بمنتجات مملكة لامور، موطن الأميرة بلانش إن كانت تشعر بالحنين إلى وطنها… هل سيكون من اللائق أن أرسل إليها هدية صغيرة من هناك؟”
كانت جميع السيدات اللاتي دُعين إلى مأدبة الغداء الصغيرة التي نظمتها الإمبراطورة ينتمين إلى أرفع الأسر الأرستقراطية، وكان كلٌّ منهن يتسابق في الثناء على بلانش، ساعيًا إلى التقرب منها وبناء صلة معها.
وهكذا، أخيرًا، نالت الأميرة بلانش تعويضًا يليق بانتظارها الطويل الذي دام ثلاث سنوات.
***
ظننتُ في ذلك اليوم أن كل شيء قد انتهى تمامًا حين فرّقتُ بين الدوق الجليل وابنة دوق مارتينا.
لكنني كنتُ مخطئة، إذ استهنتُ بعناد الأطفال وإصرارهم.
“بلانش، بلانش، ما زلتِ تحبينني أكثر من أي أحد آخر، أليس كذلك؟”
مرّ أسبوع واحد فقط على آخر حفلة شاي، وظننتُ أن الآنسة مارتينا نسيت استيائها من الدوق فالأطفال عادةً ما ينسون بسرعة.
لكن تبيّن أن توقّعي كان خاطئًا فالآنسة مارتينا لم تنسَ ما حدث في ذلك اليوم، ولا الغضب الذي شعرت به.
قالت بنبرة جادة وهي تنظر إليّ بثبات
“بلانش، اليوم سنقرر أمرًا في غاية الأهمية.”
“حسنًا…”
“سنختار سوار الصداقة الخاص بنا.”
“سوار… الصداقة؟”
بدا لي أن في الحياة أمورًا أهم من ذلك بكثير، لكن ملامحها كانت جادّة إلى حدّ جعلني أبتلع كلماتي.
“حسنًا… سوار الصداقة، إذًا…”
“نعم، السوار الذي سنرتديه في حفلة الشاي القادمة.”
آه، الآن فهمت كانت منزعجة لأن الدوق قال ذات مرة إن الناس لا يرونني سوى رفيقة لعب”.
لكنني تساءلت في نفسي: هل من الحكمة أن أُظهر للعالم صداقتي العلنية مع الآنسة مارتينا، بينما يحاول الدوق في الوقت نفسه إظهار عنايته بي؟ لم أكن متأكدة.
“بلانش.”
ربما قرأت حيرتي من وجهي، إذ وضعت يدها الصغيرة على كتفي وقالت بجدية تفوق عمرها
“الرجال لا يمكن الاعتماد عليهم، فالصداقة هي الشيء الوحيد الذي يدوم في النهاية، أليس كذلك؟”
كان في ذهني الكثير من الردود كنتُ أريد أن أقول إن الدوق مجرد صديق، وأن كل ما يُقال حول كوني مرشحة لأن أكون زوجته المستقبليّة مجرد شائعات، وأن النبلاء يتزوجون لأجل تحالفات عائلاتهم لا من أجل الحب.
لكن نظراتها الملتهبة المليئة بالإخلاص جعلتني أجيب بخضوع
“نعم… نعم، أنا أيضًا أرى ذلك.”
… لا بأس، فليكن لقد قال الدوق إنه سيتكفّل بتبعات الشهر الفائت بنفسه، فليتحمّل إذًا ثم إن جميع من نتعامل معهم أطفال، فلا معنى لأن أمارس معهم ألاعيب سياسية.
“جيد! لقد استدعيت صائغ المجوهرات مسبقًا، فلنبدأ باختيار السوار فكرتُ أن نصمم السوارين بالشكل نفسه، لكن يكون الحجر الرئيسي من حجر الميلاد الخاص بكلٍّ منا فشعرنا وعينانا بلونين مختلفين، ولو طابقنا الألوان تمامًا فسيبدو غريبًا.”
نظرتُ إلى خصلات شعري الفضية، ثم إلى شعرها الذهبي بلون الليمون وعينيها بلون الأخضر كان كلامها منطقيًّا، إذ إن الأحجار نفسها لن تناسب كلتينا بالطريقة ذاتها.
“فكرة جيدة.”
“أليس كذلك؟ حسنًا، استدعوا الصائغ!”
“هل ناديتِني يا آنسة؟ لقد أحضرتُ القطع التي طلبتِها لتريها بنفسك.”
دخل الصائغ حاملاً صناديق ثقيلة في كلتا يديه، وعندها فقط بدأت أشعر بالندم على قبولي هذا.
ظننت أن اختيار سوار سيكون أسهل من اختيار فستان، لكن يبدو أنني كنتُ على خطأ.
قالت الآنسة مارتينا وهي تضحك بخفة
“هاه، انظري، من دون تدخل الدوق الجليل تسير الأمور بسرعة أكبر، أليس كذلك؟”
“نعم… إن كنتِ تقولين ذلك، فربما.”
في تلك اللحظة أدركتُ حقًّا لماذا يُقال إن بعض الناس يسمعون من أذن ويدعون الكلام يخرج من الأخرى لو كانت الكلمات تُرى، لرأيتموها تنساب من أذنيّ مثل الماء.
لم أكن شخصًا غير قادر على التركيز عادةً، لكن في تلك اللحظة لم أستطع سماع أي كلمة تقولها.
“بهذا الشكل، أظن أننا سنحتاج إلى لقاء أو لقاءين آخرين فقط لإتمام كل شيء، أليس كذلك؟”
“نعم…”
كانت الآنسة مارتينا تُظهر قدرة مدهشة على التنظيم والتخطيط، حتى ظننت أنها ستصبح في المستقبل امرأة بارزة في المجتمع كنتُ أظن أن هدفها الوحيد اليوم هو اختيار الأساور، لكنها بعد ذلك بدأت تحدد تفاصيل الحفلة نفسها!
كم كانت مجتهدة… لو كنتُ راشدة بحق، لكان من واجبي أن أبادلها الحماس وأساعدها في التخطيط، لكن… آه، كم أشعر بالإرهاق.
كان الفرق بين إمبراطورية جين التي وُلدتُ فيها سابقًا، وإمبراطورية رتايل التي أعيش فيها الآن، كبيرًا جدًا وأوضح ما شعرتُ به هو مدى الحرية في الأزياء هنا.
قالت مارتينا بتذمّر
“لكن لو عرف الدوق الجليل أننا انتهينا من التحضيرات، فسيحاول التدخل بالتأكيد لا أريده بيننا حين نلتقي.”
“ربما يكون كذلك فعلًا…”
في إمبراطورية جين، كانت الألوان والزخارف محددة بدقة تبعًا للطبقة الاجتماعية والعائلة، حتى أني لم أكن أختار ملابسي أو زينتي بنفسي أبدًا.
كان لون عائلتي الأسود، ثم أضيف اللون الأبيض كرمزٍ شخصيٍّ لي بعد أن غيّرتُ أحد حروف لقبي، وكان الحيوان الرمزي لعائلتنا هو السلحفاة.
حتى الملابس الرسمية كانت محددة الطول والنقوش، ولم يكن للموضة أو التغيير أي معنى فالثوب الذي ارتديته قبل عشر سنوات لا يختلف عن الجديد إلا في مدى اهتراء القماش.
قالت مارتينا بخبث لطيف
“إذًا، لا نخبر الدوق الجليل أننا أنجزنا كل شيء لو قلنا إن بقيت بعض الأمور قيد القرار، فكيف سيتأكد إن كنا صادقات أم لا؟ أليس كذلك؟”
“أجل… ربما يكون هذا أفضل.”
بدأت أشعر أن هذا كله أكثر إرهاقًا من اليوم الذي منحني فيه الإمبراطور السابق مئة لفة حرير كمكافأة، واضطررت لصناعة مئة ثوبٍ منها في أسبوع واحد.
في تلك الأيام، كنتُ أكتفي بقياساتي، وأترك للخياطين حرية اختيار التطريز والألوان، أما الآن فكل تفصيل يجب أن يُعرض على الآنسة مارتينا للموافقة.
… لحظة ربما سبب الإرهاق الحقيقي ليس حرية الأزياء في هذه الإمبراطورية، بل لأن الآنسة مارتينا لا تقبل بأي عبارة مثل “كما ترين مناسبًا” وتمضي!
“كنتُ أظن أن الدوق الجليل أكثر نضجًا من باقي الصبيان، لكنه خيب ظني تمامًا! تخيلي، لقد أرسل لي رسالة يريد فيها رؤية قائمة المدعوين، ويقول إنه يريد مراجعتها! كأنني لا أعرف ما أفعل! لماذا يتدخل في كل صغيرة وكبيرة؟!”
قلت وأنا أجيبها بغير وعي
“ربما لأنه يجدكِ لطيفة…”
لم أكن أعي ما أقول تمامًا، فقد كنتُ منشغلة بأفكاري وفجأة أمسكت مارتينا بيدي بقوة.
“كنتُ أعرف أن هناك ما يقلقك! لهذا وجهك شاحب منذ قليل!”
“هاه؟”
يا إلهي… لقد لاحظت وجهي المتعب لكنها فهمت سببه بطريقة خاطئة تمامًا.
“آه، أنا…”
حاولت التهرب بكلمة غامضة، لكن يبدو أن ذلك زاد من سوء الفهم، إذ شدّت قبضتها الصغيرة أكثر، وقالت بوجه جادٍّ مليء بالعاطفة
“يا لك من حمقاء! أعلم أن الدوق الجليل قد لا يكون هكذا فعلًا، لكن لا تقلقي! أنا أعدكِ، لن أخونك أبدًا!”
… ماذا؟ كيف وصلت المحادثة إلى هنا بالضبط؟ بدأتُ أقلق حقًّا أنني حفرتُ بنفسي هوّة لا يمكن ردمها بين الدوق والآنسة مارتينا.
بعد أن طلبت كوبًا من الشاي لأستجمع أفكاري وأعيد ترتيب الأحداث، أدركتُ أخيرًا أنني قد أوهمتها –من دون قصد– بأن الدوق يكنّ لها مشاعر خاصة.
آه… يا لي من غبية! لماذا اختلق عقلي اللاواعي هذا المأزق؟
والآن، ها هي الآنسة مارتينا تظن جازمة أن بيني وبين الدوق حبًا طفوليًّا بريئًا، وتحاول طمأنتي بأن صداقتها بي لن تتأثر.
كنتُ أعلم تمامًا أن الدوق لا يرى فيها شيئًا كهذا، وحتى لو كان الأمر صحيحًا، فهو لا يعنيني على الإطلاق، لكنني شعرتُ بحرج شديد.
خشيت إن واصلت الإجابة بلا تركيز أن يزداد سوء الفهم، فجمعت ما بقي لي من طاقة وبدأتُ أهدّئ من روعها بجدّية، محاوِلةً إنقاذ الموقف قدر المستطاع.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 49"