هو نفسه لم يكن يصدق ما يقول، فكيف سيكون حال المستشار الذي يصغي إلى هذه المكنونات كلها؟
ومع ذلك، كانت تلك مشاعره الصادقة.
فـميلتشزيدك لم يكن راضياً عن تصرفات بلانش، لكنه مع ذلك أراد أن يواصل مراقبة ردود أفعالها.
«كيف ستتفاعل هذه المرة؟ هذه المرة، هل سيكون ردّها مختلفاً؟ هل أستطيع أنا أن أغيّرها ؟»
كان يفكر على هذا النحو.
قال في النهاية
“على أي حال، لا يمكن لطفل في السادسة من عمره أن يختار الإجابة الصحيحة مئة مرة كاملة.”
إن شعور ميلتشزيدك بالضيق المستمر رغم أنّه يعطي بلانش الإجابات التي يرغب بسماعها، سببه في النهاية أنّه يُسقط على بلانش صورة شخصٍ آخر.
ذلك الشخص الذي لم يثق به حتى النهاية، ذلك الذي لم يستطع أن يجعله سعيداً مهما حاول.
لكن بلانش مختلفه عن ذلك الشخص،فهي طفله في السادسة من عمرها أُخذت إلى الإمبراطورية كرهينة عندما كانت في الثالثة، ولم تتلق أي تعليمٍ سياسي، ولن يكون أبداً مثل ذلك الشخص.
في يومٍ ما، ستختار بلانش الإجابة الخاطئة.
وحينها، سيتوقف ميلتشزيدك أخيراً عن إسقاط صورة ذلك الآخر عليها.
“لذا، لا تتحدث عن هذه المسألة لا أريد أن تتناثر الشائعات كما حدث من قبل.”
“حاضر.”
ربما لن يفهم المستشار تصرفاته، لكن ذلك لم يكن مهماً.
فالمهم هو أنّه، عاجلاً أم آجلاً، سيستطيع التحرر من هذا الوهم الذي يقيد قدميه.
***
عندما عادت فانيا إلى المنزل، كانت في غاية الغضب.
قالت بصوت مرتفع
“لقد خاب ظني حقًّا بدوقنا الجليل!”
استمعت روتيلا مارتينا، الابنة الكبرى لعائلة دوقات مارتينا، إلى كلمات أختها وهي تتساءل في حيرة لماذا يخرج اسم الدوق الجليل من فم أختها التي كانت قد ذهبت لزيارة الأميرة بلانش؟ هل كانا يتحدثان عن الدوق معًا أو شيئًا من هذا القبيل؟
ظنّت أنه ربما كان الأمر كذلك، فقررت أن تنصح أختها بأن تكون أكثر حذرًا حتى لا تُكشف، وصعدت خلفها إلى الغرفة.
“ما الأمر يا فانيا؟ هل أساء الدوق الجليل إلى الأميرة بلانش مجددًا؟”
في الحقيقة، تركها مهملة لمدة شهر كامل لم يكن في نظر روتيلا أمرًا يُعدّ إساءة فشخص بمقام الدوق الجليل قد يفعل ذلك تجاه رهينة من دولة صغيرة.
لكن أختها رأت أن ما فعله قاسٍ للغاية، وروتيلا لم ترغب في الدخول في جدال مع أختها المحبوبة بسبب شؤون بيتٍ غير بيتهم.
قالت فانيا وهي تنفجر بالحديث
“هل لك أن تتخيلي ، لم يكن اليوم يوم زيارة الأميرة بلانش أصلًا لكنني ذهبت فوجدت الدوق الجليل هناك!”
“حقًّا؟”
“نعم، فقلت في نفسي: ربما تراكمت بينهما أمور لعدم لقائهما شهرًا كاملًا، فلم أهتم كثيرًا بالأمر.”
لم تستطع روتيلا أن تتخيل ما الذي يمكن أن يتراكم من حديث بين فتى في الثامنة وفتاة في السادسة، لكنها اكتفت بالاستماع والموافقة.
“نعم، نعم، وماذا بعد؟”
“ثم بدأ يتدخل في كل كلمة أقولها، ويقول لي إنني لا أعرف بلانش جيدًا، وإن الناس يظنون أنه هو الأقرب إليها، واستمر في قول أشياء من هذا النوع!”
“……حقًّا؟”
“حقًّا! أليس هذا تصرفًا طفوليًّا للغاية؟!”
كادت روتيلا أن تنفجر ضاحكة، لكنها غطّت فمها بيدها لتمنع نفسها يا إلهي… هذا غَيْرَة صافية.
أن يقوم ذلك الدوق المتعجرف، الذي يتصرّف دائمًا ببرود غير طفولي، بمثل هذا التصرف الطفولي؟
“إذًا لهذا السبب أنتِ غاضبة هكذا؟”
هل لأنها شعرت وكأن صديقتها سُلبت منها؟
لم يكن الدوق وحده هو المثير للدهشة بتصرّفه الغريب، بل حتى أختها الصغيرة كانت تبدو لطيفة ومحببة بطريقة تجعل روتيلا تشعر بالحنان.
رفعت فانيا جسدها فجأة وهي تضرب الوسادة بيدها
“أنا قلقة على بلانش!”
“على الأميرة بلانش؟”
آه، الآن وقد فكّرت في الأمر، لو تشاجر شخصان قويّا الطباع من أجلها، فلا بد أن الأمر سيكون متعبًا لها فعلًا كم كانت فانيا ناضجة لتفكّر بهذا الشكل! شعرت روتيلا بدموع الامتنان تكاد تنهمر من عينيها، فحاولت حبسها لكن فانيا نظرت إليها بعينين حادتين وهتفت
اختفت الدموع في لحظة، لا لأن التأثر زال، بل لأنها صُدمت تمامًا.
أن تقلق فتاة صغيرة لأن صديقتها قد تعاني مع “رجل سيئ”؟ يا لها من صداقة بريئة ورائعة، لكن حين يكون عمر الفتيات ثماني، ستٍ، وتسع سنوات… لا يبدو الأمر سوى كأنه لعبة أطفال.
“هـ، همم… فهمتِ إذًا أنتِ قلقة على الأميرة بلانش لأنها قد تتألم نفسيًّا، أليس كذلك يا فانيا الصغيرة؟”
كان من العجيب حقًّا كيف أنها استطاعت أن تقول ذلك بصوتٍ لم يرتجف من فرط اللطافة.
كانت روتيلا تحاول جاهدة ألا يُكشف ارتجاف شفتيها كلما حاولت كبح ابتسامتها، فمدّت يدها لتربّت على رأس فانيا برفق، موجهة إياها لتعود وتستلقي على الوسادة عادت فانيا لتضع رأسها على الوسادة وهي تواصل التذمر بصوت مكتوم.
“أنا قلقة على بلانش، إنها طيبة أكثر مما يجب صحيح أنها الآن تقول إنني الأقرب إليها، لكن إن واصل الدوق الجليل التصرف على هذا النحو، فقد تقع في شباكه بسهولة!”
كان الأمر كله لا يتعدّى لعب أطفال في نظر روتيلا فذاكرتها عن أيام طفولتها في السادسة كانت باهتة للغاية، ولم تستطع أن تتخيل أن بلانش قد تعاني حقًّا بسبب شيء كهذا.
قالت فانيا بحزم
“لا يمكن أن أترك الأمر هكذا عليّ أن أحمي بلانش من مخالب الدوق الجليل!”
“همم… وكيف ستفعلين ذلك؟”
رغم أن ما قالته أختها كان مضحكًا، رأت روتيلا أنه لا بد من الحذر، إذ لم يكن من الحكمة أن تدخل أختها في نزاع مع وريث العرش المستقبلي فسألتها بنبرة خفيفة، محاولة استدراجها لمعرفة ما في بالها.
رفعت فانيا جسدها بوجه جاد، وقبضت يدها الصغيرة بحزم وهي تصيح
“سأُري الجميع أنني أستطيع أن أكون أفضل لبلانش منه!”
شعرت روتيلا بالارتياح، وفي الوقت نفسه غطّت فمها بيدها لتخفي الضحكه التي كادت أن تنفلت منها كانت تعرف أن الضحك في هذه اللحظة سيغضب أختها الصغيرة حتمًا.
“هكذا إذًا… فكرة جميلة لكن… همم، كيف تنوين فعل ذلك بالضبط؟”
في الحقيقة، كانت روتيلا تعتقد أن فانيا لا يمكنها أبدًا التفوق على الدوق فالدوق، وإن كان يقيم في قصر آخر، إلا أنه يعيش داخل القصر الإمبراطوري، ويمكنه رؤية بلانش متى شاء فبأي طريقة يمكن لطفلة صغيرة أن تكون أفضل منه؟
لكن لأنها وجدت جديّة فانيا الصغيرة شديدة اللطافة، قررت أن تواصل الحديث معها نظرت فانيا في أرجاء الغرفة بتفكير عميق، حتى توقفت عيناها عند صندوق المجوهرات، ثم قالت بصوت متردد:
“ربما… أقدّم لها مجوهرات كهدية؟”
يا لها من فكرة سيئة! فكّرت روتيلا في نفسها بسخرية لطيفة أن تخوض ابنة دوقٍ تستخدم مصروفها القليل منافسة مالية مع دوقٍ يملك خزانة خاصة وأراضيًا واسعة؟ يا لجرأة هذه الصغيرة.
ومع ذلك، رأت أن تقديم بضع جواهر أهون بكثير من أن تتشاجر فانيا مع وريث العرش، لذا قررت أن تشجّعها على ذلك ثم إنّ عائلة دوقة مارتينا لن تتزعزع لمجرد أن أصغر بناتهم أنفقت بعض المال.
قالت بابتسامة خفيفة
“فكرة رائعة ما رأيك إن أستدعي صائغ المجوهرات؟ فلدينا حفلة شاي قريبًا، ويمكننا حينها أن نجعل الأميرة بلانش ترتدي الإكسسوار الذي تهدينها إياه، وسيبدو هذا لطيفًا ويُظهر صداقتكما أمام الجميع، أليس كذلك؟”
تلألأت عينا فانيا بحماس شديد.
“هذا رائع! لو ارتديتُ أنا وبلانش أساور متطابقة، فسيعرف الجميع كم نحن مقربتان! سأفعل ذلك!”
سُرّت روتيلا لرؤية أختها في مزاجٍ جيد، بل واستمتعت أكثر لأنها حصلت على قصة طريفة تضيفها إلى أحاديثها المقبلة.
وكانت تعلم أن ذكر هذه القصة في الغداء المقبل مع الإمبراطورة سيُسعدها كثيرًا.
“حسنًا، إذًا سأستدعي الصائغ ولا تقلقي، ستكون الهدية منّي اختاري ما يعجبك فحسب.”
“حقًّا؟ أنا أحبك كثيرًا يا أختي!”
ابتسمت روتيلا بخفوت، فببضع قطع من المجوهرات كسبت محبة أختها، ومنعت أيضًا أي خلافٍ محتمل مع الدوق، فكانت النتيجة مرضية من جميع الجهات.
وبما أنها عقدت النية، لم تجد سببًا للتردد وبعد ثلاثة أيام، خلال مأدبة الغداء مع الإمبراطورة، طرحت الموضوع بخفة.
غير أنها غلّفته بمظهرٍ لائق، قائلة إن أختها الصغيرة تسببت ببعض الإحراج لأنها أغضبت الدوق، لتبدو القصة مجرد اعتذار مؤدّب لا أكثر، إذ لم يكن لائقًا أن تُطرح مثل هذه الأمور بدافع الفضول أمام أفراد العائلة الإمبراطورية.
قالت بابتسامة رزينة
“تعلمين يا جلالتك، أختي لا تزال صغيرة، فخشيت أن تتسبب بقلقٍ غير مقصود لأصحاب المقام الرفيع، لذا رغبت أن أعتذر مسبقًا.”
كانت تقول هذا، وهي تعلم تمامًا أن فانيا لن تُحدث قلقًا حقيقيًّا وإن بدا أن خلافًا ما سيقع بينها وبين الدوق، فستتولى روتيلا الأمر بمهارة لتجنّب المواجهة المباشرة.
ضحكت الإمبراطورة
“يا إلهي، يا للعجب!”
ثم أضافت بابتسامة مطمئنة
“الأطفال يتشاجرون هكذا لينضجوا، فلا تقلقي بل عليّ أنا أن أعتذر لأن الدوق تصرّف تصرفًا طفوليًّا.”
ورغم وصفها لسلوكه بالطفولي، إلا أن ملامحها كانت تفيض بالرضا.
فمن الطبيعي أن يشعر الناس بالارتياح حين يرون طفلًا يتصرف أخيرًا كطفل، بعد أن اعتادوا رؤيته متحفظًا ورزينًا أكثر من اللازم ربما كان من المطمئن أن يبدو وريث العرش الصغير أكثر بشريةً ودفئًا.
“يبدو أن الأطفال بحاجة فعلًا إلى أصدقاء من أعمارهم فمنذ أن أصبح الدوق صديقًا للأميرة بلانش، أصبح أكثر انفتاحًا وبهجة، حتى إن جلالة الإمبراطور نفسه شعر بالراحة.”
ومهما كان واضحًا، فليس جميع أبناء الإمبراطورية يحبون بلانش فهناك من يرى أن طفلةً مجهولة الأصل من دولة أخرى لا تستحق مكانها إلى جوار وريث العرش.
لكنّ النساء المجتمعَات في تلك المأدبة كنّ جميعًا من جيل قريب من جيل لِيانا، ولا علاقة لهنّ مباشرة بميلتشزيدك سوى أن بعضهم لديهم أبناء أو بنات في عمره تقريبًا وحدها روتيلا كانت استثناءً، فهي تكبرهم سنًّا بكثير.
أما فانيا، أختها الصغيرة، فكانت الصديقة الأقرب للأميرة بلانش.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 48"