ياللراحة، فلقد اتّضح أنّ لتلك المزاجية سببًا أجل، إن كان لا بدّ من مضايقة المرء، فليكن هناك على الأقل سبب وجيه لذلك جلستُ مجددًا في مقعدي، متهيّئة للإصغاء بهدوء إلى حديث الدوق الأكبر.
“ألم أحسن إليك طوال الوقت؟ غير أنّ الناس يتهامسون لمجرد أنّي لم أبحث عنك شهرًا واحدًا، وهذا دليل على أنّ الشائعة لم تنتشر بما فيه الكفاية.”
“…إذن، هل كنت ترغب بأن تنشر الآنسة مارتينا الشائعة بنفسها؟”
فالناس سيجدون حكاية أنّ الدوق الأكبر يحسن إليّ أقل إثارةً من حكاية أنّه يراقب الآنسة مارتينا بسببي وكلّما غضبت الآنسة مارتينا انتشرت الشائعة بسهولة أكبر.
“كما توقعت، يعجبني أنّك سريعة الفهم.”
ابتسم الدوق الأكبر بخفة
“ما رأيك؟ أثقّل عليك الأمر؟”
أثقّل؟ أيُعقل أن يُسأل هذا على محمل الجد؟ لم أجد ما أقول، فاكتفيت بالنظر إلى الدوق في ذهول فأعاد سؤاله
“هل أتوقف إذن؟”
“وهل كان لي خيارٌ من الأساس؟”
ثبت بصره عليّ، وما زال على محياه تلك الابتسامة
“بلى، لك خيار إن أنا منحته لك.”
أزاح الدوق فنجان الشاي الفارغ جانبًا، وأسند ذقنه إلى كفه
“هيا، قولي لي ماذا تريدين حقًّا؟”
“أرجو أن يفعل سموّ الدوق كما يشاء.”
أجبت على الفور، فمال الدوق برأسه قليلًا وهو ما يزال مسندًا ذقنه.
“أتقولين إنك لا تكترثين، وأنك ستتحمّلين؟”
“لا يهمني.”
اقترب وجه الدوق الأكبر مني بعض الشيء لكنّهما طفلان في السادسة والثامنة، وبينهما طاولة، فمهما مال بجسده فلن يقترب كثيرًا ومع ذلك ظلّ يمعن النظر إليّ مليًّا.
“…لا يبدو أنك تكذبين.”
“لأنني لا أكذب.”
بل وابتسمت ابتسامة واثقة.
“كنتُ أرجو فقط أن لا تزعج الآنسة مارتينا كثيرًا.”
فأنا أعلم أنّ نشر الشائعات مفيد، وإن أردت نشرها فلن أمنعك ، لكن حبّذا لو لم نعذّب الفتاة.
وحين نظرتُ إلى الدوق بهذا المعنى، ضحك باستخفاف ثم اعتدل في جلسته.
“حسنًا، سأُراعي الأمر.”
“إذن، هل سيكون من المقبول أن أذهب وحدي إلى بيت دوق مارتينا في المرة القادمة لتحديد الموعد؟”
ضحك الدوق ضحكة صافية ورغم أنّ سلوكه فيه مسحة نضج، إلا أنّ صوته ظلّ صوت طفل.
“حسنًا، كما تشائين.”
شعرت وكأنني تلقيت ضربة ما، لكنني أخفيت الأمر وابتسمت على كل حال، كنت قد حقّقت ما أردته.
وبعد مغادرة الدوق الأكبر كما فعلت الآنسة مارتينا، بقيت وحدي وضعت يدي على فنجان الشاي البارد وفكّرت قليلًا.
لقد قال الدوق إنّه سيفعل ما أريده ولكن، ما الذي أريده حقًّا؟
حياتي السابقة كان الجواب بسيطًا: لا تُظهروا لي فضلًا زائدًا فشؤون الإله بيد الإله، فلا داعي لأن تشغل نفسك بها يا مولاي.
غير أنّني ما إن هممت أن أقول هذا للدوق حتى أمسكني شيء ما من قدميّ.
إنها ذكرياتي مع جلالته.
“يبدو أنّ هباتنا لا تسرّك كثيرًا قولي الصدق أفي داخلك ولاء أم تمرّد؟”
متى كان ذلك؟ أكان يوم أن منحني منصب القائد العام المستحدث؟ أم حين سلّمني ختم الإمبراطور، وأذن لي أن أراجع مراسيمه وأختمها وأوزّعها كما أشاء؟
أو لعلّه كان يوم أن أنعم عليّ باسمٍ جديد.
أيًّا كان، فقد كان الأمر ثقيلًا جدًّا عليّ حتى إنني توسّلت إليه أن يرجع عن قراره يا ترى، كم مرّة توسّلت في حياتي؟
لا أذكر بالضبط ما الذي توسّلت إليه في ذلك اليوم، لكنني أذكر أنّه لم يتراجع عن شيء قط، فهو نادرًا ما يغيّر قوله.
بعدما وعدني الدوق الأكبر بأن يتولّى أمر العهد مع الإمبراطورة، راودتني مرارًا تلك الذكريات.
لو أنّني، كما قال جلالته يومًا، قبلت كل ما منحه لي بخضوع، فهل كان مصيرنا سيختلف؟
حين اتهمني بأني لا أقبل هباته بخشوع، كلّ ما أحسست به هو الغبن من سوء ظنّه بولائي.
لكن الآن، حين أفكّر بالأمر… ربما لم يكن سوى شعور بالخذلان فقد كنت مشغولة بنظرات الناس وموازين القوى، بينما هو لم يرد سوى أن أفرح بصدق بما يهبني.
لكنني حتى لو عُدت إلى الماضي، لفعلت الشيء نفسه لأنّ الطرف الآخر كان هو الإمبراطور نفسه.
لو قبلتُ ذلك الفضل بخضوع، ثم سُلب مني فجأة، فماذا كان سيؤول إليه أمري؟ لم أجرؤ حتى على تخيّل ذلك.
أتذكّر نهايتي ذلك الإحساس حين لم أعد أستطيع بلع الطعام، مع أنني كنت أعلم أنّ جلالته سيهدأ نهاية المطاف .
كم قاومت كي لا أعتاد، وكم عانيت على الرغم من حذري ويقظتي.
أن تُنبذ من قِبل جلالته… ذلك الألم الذي كان كالنار تلتهم القلب لا يزال مطبوعًا في ذاكرتي.
تذكّرتُ ذلك الألم الذي كان كأن نارًا تشتعل في قلبي، ثم بدأت مباشرةً بتفقد الوضع الراهن.
كيف أنظر إلى الدوق؟ كيف كانت حالتي خلال الشهر الذي انقطعت فيه زياراته؟
لقد كنتُ هادئة لم أعانِي صحيح أنني فكّرت في موقفي إن ساءت العلاقة بيني وبين الدوق.
لكن مزاجية الدوق لم تُسبب لي ألمًا عاطفيًا أنا أُقدّره كثيرًا أعتقد أنه شخص متميز، عادل، وسيكون إمبراطورًا عظيمًا.
لكن لا أكثر من ذلك ليس شخصًا أُكرّس له ولائي الكامل.
حسنًا، إذن لا بأس حتى لو غيّر الدوق موقفه لاحقًا، فلن أتأذى يمكنني الاحتمال لن أمتنع عن الطعام والشراب.
لهذا السبب قررت أن أترك نفسي تجري مع التيار، وأدعه يفعل ما يشاء.
لأنني أتساءل: كيف سيتغير مجرى حياتي لو اخترتُ هذه المرة الخيار الذي لم أكن أجرؤ على اختياره من قبل؟
وبينما كانت بلانش تتأمل ماضيها وحدها، أمام كوب شاي بارد، كان ميلتشزيدك يركب العربة المخصصة للتنقل بين القصور.
نفس العربة التي ودّع فيها الآنسة فانيا، الآنسة مارْتينا ابنة دوق مارْتينا، منذ لحظات.
“يبدو أن مزاجك ليس على ما يرام، سموّ الأمير.”
ما إن أُغلِق باب العربة، حتى بادر المساعد بالكلام بحذر، وكأنه كان ينتظر هذه اللحظة عبث ميلتشزيدك بغضب بخصلات شعره الأمامية.
“الأمر غامض.”
“هل الأمر يتعلق بالأميرة بلانش؟”
لم يجب ميلتشزيدك ، واكتفى بزفرة طويلة وكان ذلك بمثابة اعتراف غير مباشر.
“هل اقترفت الأميرة بلانش شيئًا خاطئًا؟”
“الذي يزعجني أنها لم تقترف أي خطأ.”
كان ذلك غير منطقي لكن ميلتشزيدك الذي كان ولي العهد والدوق في الوقت ذاته، يحق له أن يكون غير منطقي كما يشاء، ولذلك لم يُشِر مساعده إلى ذلك عض ميلتشزيدك شفتيه للحظة، ثم واصل الحديث
“لقد أعطيتها خيارات أردت أن أعرف إن كانت تتحمّل تصرفاتي لأنها لا تعجبها، أم لأنها لا تبالي بها ــ فأجابت بأنها لا تبالي.”
وكان ذلك هو أفضل جواب ممكن.
فلو قالت إنها تتحمّل الأمر رغم عدم رضاها، لشعر بالانزعاج، ولو تفادت الإجابة المباشرة وقالت ما ترغب به فعليًا، لظنّ أن ليانا لقّنتها ما تقول، وهذا كان سيجعله مرتابًا أيضًا.
لذا، يمكن القول إن إجابة بلانش كانت الجواب الذي يتمناه ميلتشزيدك أكثر من غيره لكن بالنظر إلى سلوكها، فإن هذا ما يجعل الأمر أكثر إثارةً للشك.
ربما اختارت بلانش ذلك الجواب لأنها تعلم أنه الجواب الذي يرضيه.
“من المضحك أنني أنا من أعطاها الخيارات، ثم أُزعج من إجابتها.”
بما أنه هو من منحها خيارات محددة، فقد كانت بلانش مقيّدة مسبقًا ما لم تكن واثقة تمامًا من نفسها، فلن ترفض تلك الخيارات.
“لكن، ما يثير تفكيري أيضًا، أنني أظن أن بلانش كانت ستختار أفضل إجابة حتى لو لم أقدّم لها أي خيار.”
لقد وصل ميلتشزيدك إلى طريقٍ مسدود، حتى من وجهة نظره هناك ردّ فعل معين يريده من بلانش، لكن عندما يحصل عليه، تنشأ شكوك جديدة: هل هذا الردّ صادق؟ أم أنها فقط تقوله لأنه ما يرضيه؟
من الناحية المنطقية، من غير الممكن لطفلة في السادسة من عمرها أن تكون بهذه البراعة في استرضائه… ومع ذلك، لا يمكنه نفي ذلك تمامًا.
“… ألا يعني هذا ببساطة أن سموّك لا تُحب الأميرة بلانش؟”
عندما يكون هناك ردّ تريده من شخص، ثم تحصل عليه ومع ذلك تشعر بعدم الرضا، فربما لا يعجبك ذلك الشخص أصلًا وقد يكون الإمبراطور والإمبراطورة قد ظنّا أن ميلتشزيدك متضايق لأنه يحب بلانش، ولكن من وجهة نظر المساعد، الذي كانت مهمته الأولى هي إرضاء سيده، فالأمر كان مختلفًا.
ميلتشزيدك لا يبدو محبًا لبلانش، بل يبدو وكأنه مشغول البال بها.
ورغم أن الشغف قد يكون دافعًا للحب، فإن ما يراه المساعد في سلوك ميلتشزيدك تجاه بلانش لم يكن نابعًا من محبة.
“أحيانًا، لا يكون أحد الطرفين مخطئًا، بل تكون المشكلة في الانسجام وإذا كان الانسجام غير موجود، فربما من الأفضل أن يبتعد كل منهما عن الآخر.”
أغمض ميلتشزيدك عينيه بهدوء.
كان دائمًا يحمل ملامح أكبر من سنه، لكن عندما يغلق عينيه، تبدو ملامحه أقرب إلى عمره الحقيقي.
“… المشكلة أنني لا أريد الابتعاد أيضًا.”
حتى دون أن يفتح عينيه، كان يعلم أن مساعده الآن ينظر إليه بتعبير يعكس حيرته الكاملة وعدم فهمه لما يدور في رأس سيده.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات