كان صاحب الاقتراح بالانتقال إلى جناح الإمبراطورة لمتابعة الحديث ـ إذ بدا أن الكلام سيطول ـ هو بيركن.
قال مبتسمًا
“إذن سأدعكما تتحادثان على راحتكما، وسأنسحب سأتمشى جولة في الأرجاء، فتحدثا في هدوء.”
خُيِّل إلى ميلتشزيدك أنّ مسار نزهة بيركن سيمرّ، على الأرجح، بقصر جاسبر، لكنه لم يرَ داعيًا للتعليق، إذ إنّ ليانا كانت تظن أنّ بيركن رجل صريح لا يختلف باطنه عن ظاهره.
“بما أنّ بلانش ستبدأ قريبًا بالظهور في المجتمع الراقي، فمن الأفضل أن يحافظ الأطفال أيضًا على التواصل فيما بينهم لكن من الصعب أن تُعقد مثل هذه اللقاءات دائمًا في القصر الإمبراطوري، وسيكون لا بد من إقامتها في الخارج وبما أنّ بيت كايفرَهان ليس فيه أطفال، فلن يستطيع أن يتولى زمام الأمر.”
نظرًا لحال قصر جاسبر الحالي، بدا أنّ إقامة حتى حفلة واحدة فيه أمر مستحيل، فضلًا عن تكرارها أما مقرّ الدوق، فلا يمكن فتحه للعامة على الإطلاق وإن استُخدم القصر المخصص لحفلات البلاط، فسيكون الأمر واسعًا وضخمًا أكثر من اللازم.
“بيت أسرة والدتي أيضًا ليس فيه أطفال، لذا فلن يستطيع آل هالايم المساعدة أليس من الأنسب أن نطلب ذلك من الآنسة مارتينا؟”
“آه، سمعتُ أنها أصبحت قريبة من بلانش فكرة جيدة، فبيت دوقات مارتينا ذو مكانة رفيعة، وسياسيًا يقف على الحياد أنا أعرف اللورد الصغير من أسرتهم، أأطلب الأمر بنفسي؟”
“لا يا سيدتي، عليكِ أن تطلبي من أسرة كايفرَهان، أما هذا فسأطلبه أنا من والدتي الإمبراطورة.”
كان ميلتشزيدك قد أسرع في مقاطعتها، إذ إنّ تصريحًا كهذا من ليانا لو سمعته لاتشيا لأصابها الذع لقد حرص بنفسه على أن يُعرَضَ بلانش في حفلٍ أقامه، فلو ارتبط الأمر أيضًا بأسرتَي كايفرَهان ومارتينا بفضل تدخل ليانا مباشرة، لانهارت لاتشيا من فزعها.
ابتسمت ليانا
“إذن هكذا، آسفة لأني أحملك أعباء كثيرة.”
“لا بأس، فأنتِ تتفضلين بقبول إصراري، فلا بد أن أقوم بدوري أيضًا.”
وكان محقًا؛ فلا بد من أن يفعل شيئًا فلو أراد ألا تذهب سدىً السنوات الثلاث التي قضتها بلانش في ترتيب ميزان القوى بين الإمبراطورة الأرملة والإمبراطورة الحالية، فلا يجوز أن يضيع كل ذلك.
ومع ذلك، فإنّ ليانا كانت تُبقي السلطة بين يدي لاتشيا بكل طواعية، إذ لم يكن للسلطة ذاتها أي جاذبية عندها ومن أجل ذلك، كان ميلتشزيدك يأمل أن تبقى ليانا، لعشر سنوات أخرى على الأقل، على هذا الحال، بعيدة عن مطامع النفوذ.
قال مبتسمًا وهو ينظر إلى الساعة
“فلنعتبر الأمر إذن منتهيًا، هل ستذهبين للنوم الآن؟”
لم يحن وقت النوم بعد، وكان بيركن لم يعد ربما طال حديثه مع بلانش أو انشغل بأمر آخر قرر ميلتشزيدك أن يُطيل الوقت قليلًا ليبقي انتباه ليانا منشغلًا حتى يعود بيركن.
عندها أرخى جلسته المتيقظة قليلًا، ونادَى بهدوء
“أختي.”
كان هذا اللقب قد مضى عليه زمن طويل، لم ينطقه منذ زواج ليانا من بيركن وما إن سمعتْه، حتى ابتسمت بحنان، وربّتت على رأسه.
“نعم، يا ملكي.”
فتمتم وهو ما يزال مستند برأسه إلى الطاولة
“أحيانًا أشعر أنّ التصرّف كالطفل أمامكِ أهون عليّ من فعله أمام لاتشيا أو حتى بيركن ، على الرغم من أنّ دمنا لا يختلط.”
لم يكن يعرف السبب حقًا؛ لم تكن ليانا أهون ولا أقرب من سواهما، ومع ذلك كان يشعر بارتياح غريب معها.
سأل فجأة
“أختي، كنتِ قد ذكرتِ أنّ خطبتكِ كادت تُفسَخ قبل ولادتي، أليس كذلك؟”
قالت بهدوء
“نعم.”
ولم ترتجف يدها التي تمسح على رأسه وهي تذكر تلك الأزمة الوحيدة التي مرّت بها في حياتها المحمية.
“وقيل إنكِ كنتِ ترغبين فعلًا في فسخها، صحيح؟”
“نعم ظننتُ أنّه مستحيل أن أصبح إمبراطورة.”
غير أنّ بيركن لم يُصغِ إلى قولها، وأصرّ على استمرار الخطوبة، حتى أصبحت في النهاية إمبراطورة، المرأة الأرفع مقامًا في الإمبراطورية لم تكن هي قد رغبت في ذلك المقام، لكنّ حقيقة أنّ بيركن أراده لها كانت تعني لها الكثير.
سألها ميلتشزيدك متأملًا
“لو أنّ أخي يومها استجاب لرغبتكِ في فسخ الخطبة، كيف كان سيكون الحال؟”
كان الجواب حاضرًا عندها دومًا، فهي فكرت مرارًا في الأمر ماذا لو تراجع بيركن؟ ماذا لو أطاع آراء الجميع؟
لكن الخلاصة كانت واحدة دومًا
“ما كان ليختلف الأمر كثيرًا حتى لو لم أتزوج ولم أصبح إمبراطورة، ما كنتُ لأكف عن حب بيركن.”
كان صوتها خفيفًا، لكن كلماتها ثقيلة لا تُقال لطفل في الثامنة أما ميلتشزيدك فاكتفى بإمالة رأسه دون حرج.
“هل كان الأمر شاقًا عليكِ حينها؟”
ابتسمت بمرارة
“غاية في المشقة.”
كان ولي العهد يومها عاجزًا عن الإنجاب، والعرش مهدّد بالاهتزاز، فكيف يمكن لولي عهد عقيم أن تكون زوجته أيضًا عقيمة؟ لقد كان أمرًا لا يُعقَل ولمّا أصرّ بيركن لم يجرؤ أحد على مواجهته، فمارسوا الضغط على بيت كايفرَهان، وكان العبء في النهاية يقع على ليانا، رغم أنّ أسرتها وقفت لها درعًا.
“لكن، بما أنّ بيركن لم يتراجع، فإننا بقينا معًا، وهذا ما يجعلني ممتنّة.”
كانت واثقة: حتى لو لم يتزوجا، لظلّ بيركن يحبها طوال عمره، وهي كذلك كانت لتبقى بجانبه كقائدة فرسان، تمنحه ولاءها وإخلاصها لكنّ التعبير عن الحب أفضل من كتمانه، ولهذا فهي سعيدة لأن بيركن لم يرضخ يومها.
قال ميلتشزيدك متنهّدًا
“أظنّ أني أودّ لو أنّ الأميرة بلانش تتصرّف كما فعل أخي يومها.”
“ماذا تعني؟”
“لا أعني أن تتبع كلامي بلا شرط، بل أن يكون لها إرادة، أن تُصرّ على أمرٍ تريده.”
بالطبع، لم يكن وضع بيركن يشبه وضع بلانش؛ إصراره حينها كان يصبّ في مصلحتها أيضًا، أما ما يتمناه ميلتشزيدك من بلانش فليس إلا إصرارًا شخصيًا، لا يقارن ومع ذلك، كان يود لو تُظهر بلانش بعضًا من ذلك العناد، حتى لو لم يكن في صالحه، حتى لو لم يكن نابعًا من حب.
أردف في داخله: كان يتمنى أن يرى شخصًا يجرؤ على التمسك بموقفه، مهما استنكر الناس، حتى لو استثقل الطرف الآخر الأمر، من دون أن يخشى أن يُرفض أو يُنفَّر منه.
ابتسمت ليانا بعطف وقد أساءت فهم قصده
“يا للعجب، إنك تشبه بيركن إلى حد كبير ومن الطريف أن يكون الشبه بينكما، وأنتم إخوة، بهذا القدر.”
لم يكن ثمة شبه، لكن ميلتشزيدك لم يُكذّبها.
“تحلَّ بالصبر حين أصرّ بيركن على عناده، كنا قد عرفنا بعضنا منذ عشر سنوات أما أنت وبلانش، فما مضى سوى ثلاث سنوات فقط والاعتماد على الغير لا يأتي إلا بعد ثقة راسخة حين تدرك كم تحبها، ستسمح لنفسها بالتصرف على سجيتها معك.”
كان كلامها صحيحًا إذا كان الأمر يخص بلانش فقط فالحق أنّ ميلتشزيدك لم يمنحها ذلك القدر المطلق من الثقة بعد، ثم هو يتوقع منها أن تكون كبيركن ، مطلب غير منصف.
لكن إن كان المقصود شخصًا آخر، ذاك الذي كان ميلتشزيدك يُسقطه على صورة بلانش، فحينها كانت ليانا مخطئة ذلك الشخص، مهما طال الزمان ومهما أغدق عليها حبًّا ووفاءً، لم تُبادله ثقة قط.
وأمام إنسان كهذا، ما العمل؟ إذا لم يكن الزمن كافيًا ليبني الثقة، فكيف السبيل إذن؟
لكن ميلتشزيدك ابتلع السؤال وكتمه؛ فليس لليانا أن تسمع شيئًا عن ذلك الماضي، ولا على بلانش أن تتحمل وزرًا ليس لها.
ابتسم بخفوت
“…… نعم، سأنتظر قليلًا إذن.”
***
كان الدوق سريع الحركة حقًا فما إن قال إنه سيتولى الأمر بنفسه، حتى مضت أقل من ثلاث ساعات وجاء الإمبراطور يطلبني.
آتى مبتسمًا
“مرّ وقت طويل، أليس كذلك؟”
وكان فعلًا قد مضى وقت طويل فهذه أول مرة ألتقي فيها الإمبراطور من دون ليانا أو الدوق، منذ اليوم الأول الذي جئت فيه إلى الإمبراطورية.
فحييته بتحية رسمية
” لقد مرّ زمن طويل منذ أن تشرفت بلقائك “
فأشار بيده بخفة
“دعك من ذلك، تكلّمِي بارتياح نحن الآن كالعائلة، ألسنا كذلك؟”
ولمّا لم تكن لي أي ذكرى تُشعرني بأني أصبحت كالعائلة مع الإمبراطور، أجبته بأدب
“بهذا الشكل أشعر بالأرتياح أكثر.”
“مملٌّه.”
“أعتذر.”
لم أكن أنوي قط أن أُضحك الإمبراطور، لكنني بادرت بالاعتذار آه، ما أعجب أمر السلطة! حين كانت بين يدي وجدتها مزعجة، أما الآن وقد زالت، فأدرك كم هي عزيزة ومشتهاة.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات