لقد كانت مشاعره الصادقة، وقد أطاح بجميع الكلمات التي كان من الممكن أن تكون أعذاراً مقبولة.
شعر بحرارة تتصاعد إلى وجهه بسبب عبارته البعيدة كل البعد عن الأناقة، فشرب عصير الفاكهة الذي طلب أن يُضاف إليها ثلج متعمداً ليخفف من سخونته.
“هكذا إذن.”
وما عاد إليه كان على غير المتوقع صوتاً رقيقاً.
بلا سخرية ولا ملامح توحي بالغبن، أجابت بلانش بهدوء.
“إذن لن أطلب تلقي التعليم من جلالة الإمبراطورة.”
كانت العبارة من شدة استسلامها مفاجئة حتى لميلتشزيدك نفسه الذي بادر إلى إنزال كأس العصير بعجلة وأسرع يثنيها.
“ماذا؟ لا حاجة لذلك، لقد قلت ذلك فقط لأعرف السبب، ولم يكن قصدي أبداً أن أضغط عليك لتتراجعي.”
“لكنك لا ترغب بذلك، أليس كذلك؟”
أمام هذه الحقيقة المباشرة تردد ميلتشزيدك
لم يكن بإمكانه أن يتراجع عن قوله في لحظة.
صحيح لم يكن يعجبه أن تلجأ بلانش إلى شخص آخر قبله عندما تريد شيئاً ما.
ولو أنها لجأت إلى غيره من أجل طلبٍ يعجز هو عن تلبيته، لكان الأمر أهون ، غير أن ولي العهد لا يُعجزه طلب، ولهذا لم يكن هناك داعٍ لذلك أصلاً.
“مع ذلك، لقد كان ذلك ما رغبتِ به.”
إنها جائزة وعدت بها الإمبراطورة علناً أمام الجميع.
كان يمكن أن تستعملها في أمور أكثر نفعاً؛ كأن تطلب إنشاء جناح بحث للعلماء الذين تعتز بهم كثيراً، أو أن تسعى لفتح أبواب خارج القصر، أو حتى أن تطلب مطلباً من أجل مملكة لاموري.
ومع ذلك فإن ما طلبته بلانش كان التعليم على يد ليانا.
فهل يعقل أن تتخلى عن ذلك بهذه السهولة لمجرد أن ميلتشزيدك انزعج من الأمر؟
كان ميلتشزيدك واثقاً أن بلانش تضعه في المرتبة الأولى من أولوياتها لكنه لم يفكر أبداً أنها قد تعتبره المرتبة الأولى المطلقة بلا منازع.
إلا أنها الآن كانت تتصرف وكأنها لا تعبأ بغير ما يريده هو.
وإزاء هذا، لم يشعر بالرضا بل بالارتباك، فسعى جاهداً لقلب موقفها.
“ألستِ تشعرين بالظلم؟”
“أبداً.”
“ولماذا؟”
رمشت بلانش مرة واحدة، وبحدقتيها السوداوين اللتين يصعب تمييزهما عن القزحية، نظرت مباشرة إلى ميلتشزيدك
كانت عينان مألوفتان.
“لأنك يا مولاي، من يُسمح له بذلك.”
وكانت محقة فكما ذكر بيركن، فإن الدوق راندولف، أي ولي العهد ميلتشزيدك هو شخص يُسمح له بأن يتعسّف كما يشاء.
فله أن يبعد شخصاً عن طريقه لمجرد أن مزاجه قد ساء، حتى وهو يعلم أن ذلك سيعوق مستقبله، وله أن يهدر فرصة تساوي الذهب لمجرد أنه لا يرغب فيها.
حتى لو لم تكن بلانش في المرتبة الأولى عند ميلتشزيدك فعليها أن تجعله هو المرتبة الأولى عندها.
وقد فهم ميلتشزيدك مغزى كلام بيركن ، وفهم اختيار بلانش
لكنه لم يُعجبه هذا الاختيار بل ضايقه أكثر من كونها تلجأ إلى غيره، أن تتنازل عما تريد بسهولة فقط لأنه شخص يحق له أن يفعل ما يشاء.
لقد ضايقه أنها أظهرت استسلاماً خالياً حتى من أدنى بادرة حزن، وكأنها اعتادت على كل شيء منذ زمن طويل.
ذلك لأن الشخص الذي كان ميلتشزيدك يُسقِطه على صورة بلانش كانت على هذا النحو أيضاً.
فقد كانت لا تقبل أن تُعطى شيئاً دون أن تسأل عن السبب وتُدقق فيه، ومع ذلك لم تكن تتردد في أن تمنح الآخرين بسخاء بلا حساب.
وكان ميلتشزيدك يكره فيها هذه الصفة، لكنه في الوقت نفسه كان يضعف أمامها دائماً.
ككما ضعف أمام ذلك الشخص، ها هو يضعف أمام بلانش.
“…انسَي الأمر.”
“عفواً؟”
“انسَي كلامي السابق.”
هكذا غيّر ميلتشزيدك قراره.
“لقد قلتِ إنك ستفعلين ما أطلبه مهما كان، أليس كذلك؟”
“نعم.”
“إذن سأقرر بنفسي كيف أعالج هذا الأمر وأُبلغك، وكل ما عليك هو الانتظار ولا تفكري أبداً أن تقولي إنك لن تتلقي التعليم على يد شقيقتي الكبرى… أقصد، على يد زوجة أخي.”
قد تعود بلانش إلى قصر جاسبر وتُبدي تذمراً من تقلب الدوق لكن لم يكن هذا يعني له شيئاً فما دام يمكن أن تُقاد بهذه السهولة بمجرد كلماته، فعليه أن يُحكم قبضته عليها تماماً.
“وغداً هو اليوم المعتاد لشاي العصر، أليس كذلك؟ سأأتي إلى قصر جاسبر، فأعدّي وقتك لذلك.”
ربما كانت تُمتم بالشكوى في داخلها، لكنها على الأقل ظاهراً لم تُبدِ أي امتعاض، بل أومأت بخضوع.
“إن وقتي معدّ دائماً لأجل سموّ الدوق.”
“إذن لا حاجة لمزيد من الترتيبات اليوم، يمكنك الانصراف.”
وبعد أن أصدر أمر الانصراف، نظر ميلتشزيدك إلى الساعة كان وقت العشاء قد حان، وقت لقاء ليانا وبيركن.
وللحظة تملكه قلق من الوجه الذي سيستقبله به بيركن بعد أن غيّر موقفه خلال ساعة واحدة فقط لكنه تذكّر أن بيركن قد ظنّ بالفعل أنه يغار.
حسناً، أن يُوصَف بالمتقلب أهون بكثير من أن يُوصَف بالغيور.
***
“صاحب سمو الدوق الأكبر هنا ”
مع إعلان الخادم ذلك، التفتت أنظار بيركن وليانا نحوه.
كان أمراً معتاداً، إلا أن عيني ليانا اليوم كانتا تتلألآن ببريق مختلف عمّا اعتاد عليه، فتنهد ميلتشزيدك في داخله.
لم يكن ليتخيل إلى أي حد قد زيّن بيركن القصة وزخرفها حتى أوصلها إليها بهذا الشكل الممتع.
“لقد تأخرت، يا ملكي.”
“كنت أتحدث قليلاً مع الأميرة بلانش.”
وبما أنهم كانوا يملكون توقعاً كبيراً، فقد كان من الأفضل إشباع ذلك الترقب بسرعة لتسيير الحديث.
جلس، وبسط المنديل، ثم قال ذلك، فخرج من بين شفتي ليانا هتاف خافت.
“إذن ما قاله بيركن كان صحيحاً؟”
“وكأنكِ تشكّين في كلام شقيقي.”
مع أنه كان واضحاً أنها كانت تصدّقه تماماً.
ورغم هذه الملاحظة الساخرة من ميلتشزيدك ، فإن حماسة ليانا لم تخبُ أبداً.
“إذاً… هل تريدني أن أترك الأمر بيدي تماماً، أم أنك، ملكي، ترغب أنت أيضاً في حضور دروس السيف؟”
فكّر ميلتشزيدك لبرهة الأول لم يكن على الإطلاق في الحسبان، وأما الثاني فلم يكن مرغوباً كثيراً كذلك
صحيح أنه كان سيحلّ كل المشكلات السياسية، لكنه يعرف تمام المعرفة كم أنّ ليانا صارمة، وهو أصلاً لم يكن لديه أي شغف بالسيوف.
“لا، لا هذا ولا ذاك.”
“إذن ماذا؟”
اتسعت عينا ليانا الكبيرتان أصلاً أكثر رتّب ميلتشزيدك كلامه وهو يرشف قليلاً من الماء
“افعلي كما وعدتِ منذ البداية لقد أنهيت حديثي مع الأميرة بلانش بالفعل.”
“هل استطاعت إقناعك في تلك الفترة القصيرة؟”
جاء صوت بيركن متدخلاً وقد علاه الانفعال، ومع اتساع عينيه قرابة ما بدت به عينا ليانا، بدا واضحاً أن اهتمامه ببلانش قد ازداد كثيراً.
“لنقل نعم.”
إذ لم يكن في مزاج لشرح مطوّل، اختصر ميلتشزيدك فهو يدرك أنه لن يتمكن من إقناع بيركن وليانا بما جرى على كل حال.
“في الحقيقة، لقد جاءتني الأميرة بلانش بعد عيد ميلادها مباشرة.”
حقاً، يا لها من فتاة سريعة المبادرة.
“أحقاً؟ وماذا قالت لك؟”
“قالت إن جسدها غير مهيّأ بعد، وتريد أن تبدأ أولاً بتقوية بنيتها فسألتني إن كان بإمكاني أن أوفّر لها من يساعدها على ذلك، فوافقت.”
لقد كان خياراً ذكياً إذ إن إعداد النفس لتصبح مؤهلة لتلقي تعليم على يد ليانا سيستغرق سنوات على الأقل.
“إذن، نمضي على ما اتفقتَ معها؟ تبدأ بتمارين اللياقة وتقوية الجسد، وحين تكون جاهزة سأعلّمها السيف بنفسي؟ إن أردت يا ملكي أن أفي بالوعد حالاً، يمكنني حتى أن أضع لها برنامج التدريب بنفسي.”
تأمل ميلتشزيدك قليلاً في جدول ليانا المزدحم، وفي السمعة التي ستنالها إذا تولّت الأمر بنفسها ثم اتخذ قراره بسرعة: لم يكن ثمة داعٍ أن تتدخل مباشرة، على الأقل في الوقت الحاضر.
“لا، بل أوفري لها مدرباً لكن ليكن من أسرة كايبراهن.”
“تقول إنك كنت تغار، ثم في النهاية ستمنح الأميرة بلانش مدرّباً من عائلة كايبراهن ؟ ألا يبدو هذا مبالغة؟”
قال بيركن بنبرة مستنكرة.
إلا أن ميلتشزيدك لم يجد داعياً لنفي تهمة الغيرة التي ألقاها شقيقه من قبل، فأجاب ببساطة
“على أي حال، الجميع يعرف أن شقيقتي الكبرى تحبّ الأميرة بلانش فلن يكون في الأمر فارق كبير ─ ثم إن بلانش تكبّدت خسارة بسبب خطئي، وعليّ أن أعوّضها.”
صحيح أنها مجرد أصداء صغيرة حتى الآن، لكنها تبقى خسارة وكان ميلتشزيدك ينوي إصلاح ذلك بنفسه، بل ربما لأن بلانش نفسها لا تعطي للأمر وزناً، شعر بضرورة أكبر ليعوّضها.
“حسناً، فهمت سأراسل فوراً لأجهّز لها الشخص المناسب أعتقد أن المدرّب الذي كان يساعدني لا يزال لم يتقاعد بعد إن كان متاحاً فسيكون مناسباً لها.”
أما بيركن فظل متردداً في داخله، هل ستقبل أسرة كايبراهن بأن تصبح سنداً للأميرة بلانش؟ لم يكن يعرف الجواب، لكنه بما أن ليانا ميلتشزيدك بدَيا راضيين، فقد قرر أن يصمت.
فلم يكن من شأنه التدخل في ما تخطّط له أسرة ليانا أصلاً.
في الأصل، كان الاجتماع الوحيد الذي يجمع بين الدوق وولي العهد مع الإمبراطور وزوجته هو العشاء، إذ إن ميلتشزيدك ما زال صغيراً وموعد نومه مبكر.
لكن اليوم كان مختلفاً فقد كان عليهم أن يحددوا بالتفصيل كيف سيدعمون بلانش في المستقبل.
فبعد شهر من الفراغ، كان لا بدّ أن تُظهر العائلة الإمبراطورية بأسرع وقت ممكن مدى عنايتها بها.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات