كان قصر البحر، حيث تقيم الإمبراطورة الأرملة على مر الأجيال، يحمل طابعًا راقيًا يليق بمقامها أثاث خشبي داكن اللون، ومعلقات جدارية بسيطة ولكن راقية، ونقوش جدارية فخمة على الجدران.
وفي أعمق جزء من هذا القصر، كانت راتشيا، صاحبة هذا القصر، تجلس وجهًا لوجه مع ضيفتها بلانش في غرفة كبار الزوار.
كانت بلانش، التي لم تتجاوز الثالثة من عمرها، وكذلك راتشيا التي لم تتعدَ الأربعين بقليل، في الأصل لا تناسبان هذه المساحة المصممة لمن يعيشون الفصل الأخير من حياتهم ومع ذلك، اندمجت راتشيا في المكان كأنه بُني لها خصيصًا كان شعرها الأحمر أكثر قتامة من شعري ابنيها المتقديْن كالشرر، كأنه ورقة خريفية مغموسة باللون، وعيناها الذهبيتان كانتا بغاية الدقة كأنهما مصنوعتان من الذهب.
وبتلك النظرات الهادئة والأنيقة، فحصت الإمبراطورة الأرملة الطفلة أمامها وجهها الرقيق والجميل الذي يشبه دمية خزفية ثمينة، يدها الصغيرة التي رفعت فنجان الشاي، وعيناها السوداوان المنخفضتان.
“حسنًا، إذًا أنتِ الطفلة التي تُدعى بلانش.”
عندها فقط قررت الإمبراطورة الأرملة انطباعها الأول عن بلانش الواقع كان مختلفًا عما توقعت، ولكنه كان تمامًا كما وصفها ميلتشزيدك
“شكرًا لدعوتي، يا صاحبة الجلالة.”
كانت الطفلة هادئة وناضجة تشبه كثيرًا الابن الثاني للإمبراطورة الأرملة، الذي لم يكن طفلًا بأفعاله، ولكن بلانش كانت أكثر تهذيبًا.
“هل الشاي… يُعجبك؟”
سؤال لا داعي له لا يمكن أن يعجبها حتى ابنها البكر البالغ لم يتحمله لمرارة طعمه.
لكن بلانش كانت هادئة.
“نعم، رائحته طيبة جدًا.”
وكان على وجهها ابتسامة خفيفة صادقة، كأنها وُلدت لتُحَبّ لا لتُكْرَه ما من مآخذ عليها.
“حسنًا بما أنكِ أصبحتِ صديقة لابني، فكرت أن أراكِ مرة واحدة.”
ابتسمت الطفلة ابتسامة مشرقة.
“كان من المفترض أن أطلب أنا أولًا شرف لقائك يا صاحبة الجلالة.”
كان ردها صريحًا أكثر مما وصفه ميلتشزيدك لدرجة أن الشخص العادي قد يشعر بأنها ليست طفلة.
لكن هذا ما أكده كلام ميلتشزيدك أيضًا أغلب الكبار يتوجسون من طفل بهذا القدر من الوضوح، لكن الإمبراطورة الأرملة، كونها أم ميلتشزيدك ، تستطيع أن تجد ذلك جميلاً.
هل تُظهر لكل شخص الصورة التي يُحبها؟ هل هذا ما جعلها تكسب محبة ريانا ميلتشزيدك الصعب الإرضاء معًا؟
“لا حاجة للتواضع هل ترغبين ببعض الحلوى؟”
من المفترض أن تشعر بها كأنها ابنة، كونها صديقة لابنها، لكن ربما لأن ميلتشزيدك جاء في عمر متأخر، شعرت بها الإمبراطورة الأرملة كأنها حفيدة لم تُرزق بها قط.
“سأتلقاها بكل امتنان.”
كانت يدها الصغيرة مدهشة الجمال كيد دمية صغيرة لدرجة أن وجود أظافر فيها بدا غريبًا.
تناولت بلانش البسكويت ووضعته في صحنها الصغير وقسمته إلى قطع تناسب فمها ثم بدأت تمضغه بهدوء وبينما كانت تراقبها الإمبراطورة الأرملة، فكرت قليلًا: كيف يجب أن تتعامل مع هذه الطفلة؟
كان أمامها خياران إما أن تقلل من شأن الطفلة التي نالت محبة ريانا، لتُظهر للنبلاء أنها لا تملك وزنًا حقيقيًا، أو أن تُظهر حبها لها، لتُثبت أن مكانتها ليست نابعة فقط من محبة الإمبراطورة.
لم يكن هناك حاجة للصراع مع ريانا وإذا كانت بلانش طفلة جديرة بالاهتمام، فالخيار الثاني أفضل أما إن كانت بلا قيمة، فالخيار الأول أضمن، لأن امتلاء العائلة الإمبراطورية بأطفال لا قيمة لهم يسيء إلى هيبة البلاط.
لكن بعد رؤيتها بعينها، وجدت أن الطفلة ليست سيئة مظهرها جميل، وآدابها راسخة، وهادئة على غير عادة عمرها.
طفلة كهذه، ربما لا بأس في محباتها خصوصًا أن ميلتشزيدك يبدو مرتاحًا لها.
“إن كنتِ صديقة لابني، فأنتِ كابنتي. فلتفكري بي كأم، وتعالي لزيارتي من وقت لآخر.”
لو كانت بلانش في الثالثة عشرة، لما استطاعت راتشيا قول هذا الكلام بتلك البساطة، ولما صدقته بلانش على حال.
لكن بلانش في الثالثة فقط، لذلك قالتها راتشيا دون تحفظ فهي طفلة لا تدرك حتى الآن كم يمكن أن يكون لهذا الكلام من ثقل.
لكن رد فعل الطفلة كان مفاجئًا لم تُظهر حرجًا أو فرحًا، بل قالت:
“يؤسفني أن أكون قد سببت لسمو الإمبراطورة الأرملة عناء الانشغال بأمور تافهة.”
أن تقول هذا ردًا على من دعتها لأن تعتبرها أمًّا…
لو كانت طفلة عادية، ولو كان ابن راتشيا طفلًا عاديًا، لضحكت راتشيا وظنت أن الطفلة جمعت بعض العبارات من هنا وهناك دون فهم.
لكنها ربّتت ميلتشزيدك الذي كان قادرًا على التحدث معها سياسيًا في سن الخامسة.
وهو من قال إن بلانش تستطيع بالفطرة أن تُرضي الكبار وهي بالفعل كسبت محبة ريانا.
فهل يعقل…؟
بصوت خافت قليلًا، قالت راتشيا:
“لا، لا داعي لأن تشغلي بالكِ بهذا أنا فقط أريد أن يعرف الجميع من هو ابن راتشيا ─أليس من الطبيعي أن يزور صديق ابني أمّه؟”
إن كانت بلانش قادرة على فهم هذا، فهي من نوع ميلتشزيدك وإن لم تفهم، فهي مجرد طفلة.
أي نوع من الأطفال هي؟ نظرت إليها راتشيا مترقبة.
بلانش مرّرت إصبعها الصغير على فنجان الشاي بهدوء بدا وكأنها تفكر أو ربما تؤخر الرد وبعد لحظة قصيرة، فتحت شفتيها الصغيرتين وقالت:
“لستِ تودين منّي أن أدير ظهري لصاحبة الجلالة الإمبراطورة، صحيح؟”
كان ذلك جوابًا مؤكدًا شعرت راتشيا بموجة من الذهول، لكن كان ذهولًا جميلاً.
“…نعم كثيرون يسيئون الفهم، لكني لا أريد أن أكون على خلاف مع ريانا.”
كانت هذه المسألة دقيقة للغاية.
نعم، راتشيا تطمح للسلطة لكن ليس كما يظن البعض، ليس بنزاع مباشر مع الإمبراطورة، لأنها تعلم أن تلك معركة خاسرة.
السبب الوحيد الذي يجعل الآخرين يتقبلون سيطرتها الآن، هو أن الإمبراطور السابق توفي مبكرًا ولو عاش، لكانت راتشيا ما تزال الإمبراطورة الرسمية حتى الآن.
ريانا أيضًا لا تبدو طماعة، لذلك يُسمح الآن بأن تتصرف راتشيا كإمبراطورة.
لكن بعد عشر سنوات؟ عشرين؟ حين تطالب ريانا بحقوقها كإمبراطورة ويدعمها الإمبراطور بيركين، ماذا سيتبقى من شرعية راتشيا؟
لذا لا تريد راتشيا الصراع المباشر بل تحتاج فقط إلى قوة توازن بها ريانا، لأنها نقطة ضعف الإمبراطور.
والفارق بين أن تُنازع ريانا من أجل السلطة، أو أن تراقبها كحامية للعرش، هو أن الأول يفرض عليها المواجهة، أما الثاني فيسمح لها بالاختباء وراء أي طرف.
بل تفضل أن يكون ذاك الطرف ليس هي، لأن مواجهة ريانا مباشرة أمر محفوف بالمخاطر.
لكن الآخرين لا يميزون بين الاثنين بعضهم لا يفهم أصلاً أن راتشيا تراقب ريانا، والبعض الآخر يفترض صراعًا على السلطة ويقسمون الولاءات إلى فسطاطين.
حتى الآن، لم يفهم هذا الأمر سوى ولديها.
وها هي بلانش، خلال محادثة قصيرة، فهمت كل هذا…؟
كان ذلك أمرًا مذهلًا ومبهجًا.
“الأميرة بلانش إن استطعتِ أن تكوني جسرًا بيني وبين الإمبراطورة، فسوف أعتني بكِ في كل ما لم تستطع ريانا أو ميلتشزيدك الاعتناء به.”
الأسرة المالكة تضم أربعة من العائلة المباشرة وإن نالت محبة ثلاثة منهم، فلا شيء يمكن أن يقف في طريقها بل حتى إن كانت مجرد ابنة مملكة صغيرة، لن يجرؤ أحد على الاعتراض فلو جاؤوا بطفلة من الشارع ومنحوها هذا، لن يعارضهم أحد.
خصوصًا أن الثلاثة مختلفو الطِباع، وهذا يجعل دعمهم لها متكاملًا.
“لقد غمرني عطاؤك يا صاحبة الجلالة، وإن احتجتِ إليّ في أمر، فلا تترددي في طلبه، سأقوم به بكل سرور.”
كانت كلماتها، كما في تعبيرها السابق عن “الانشغال بالأمور التافهة”، تنضح بألفاظ قديمة ورصينة.
حتى ميلتشزيدك لا يستخدم هذا الأسلوب، فمن أين يا ترى تعلمته؟ تساءلت راتشيا لحظة لكنها لم تعتبره أمرًا مهمًا، وتجاوزته ببساطة.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 28"