“……ألم تصدقِ أن زوجة أخي قد أعجبت بك؟”
لسبب ما، شعرت وكأنني أُستجوب، فسارعت إلى تبرير نفسي.
“لا، بل أصدق لكنني فقط لم أفهم ما العلاقة بين محبة جلالة الإمبراطورة لي، واهتمام سمو الدوق بي.”
بدت على الدوق علامات الانزعاج، لكن لا بأس، فأن يُكشف أمري بكذبة لا داعي لها أسوأ بكثير فتحت عينَي على اتساعهما محاوِلة أن أبدو بريئة قدر الإمكان على أية حال، لا يمكن إنكار أن مظهر هذا الجسد حسن حتى إن لم ينفع مع الكبار، فلا بد أنه سيكون ذا أثر ولو قليل.
“حقًّا، لا اعلم لماذا يُعجب شخص مثلها بطفل كهذا لو كنت مكانها، لما فعلت.”
ترددت قليلًا هل أتظاهر بالحزن وأخفض كتفيَّ؟ أم أعترف بالحقيقة؟ وبعد تفكير، رأيت أن الخيار الثاني سيكون أنسب مع الدوق فهو ذكي أكثر من سنه البالغ خمس سنوات، ويقرأ الناس جيدًا، ولا يحب التصنع لذلك، تحدثت بصراحة.
“أنا أيضًا كنت في حيرة من أمري.”
أعلم أن مظهر هذا الجسد جيد، وأعلم أنني لا أبدو مؤذية لكن محبة الكائنات الحية تختلف عن محبة الدمى الخزفية، أليس كذلك؟
لو كانت المسألة مجرد مظهر غير مؤذٍ ولطيف، لكان من الأفضل شراء دمية والاعتناء بها بدلًا من محبتي أنا، التي لست بريئة ولا لطيفة، ولست حتى في الثالثة من عمري فعليًّا.
صحيح أنني أعلم كيف أتملق، لكنني لم أُحسن فعل ذلك قط، لذا من غير المعقول أن يكون تملقي هو السبب في محبتي.
“أظن أن جلالة الإمبراطورة تعاملني بلطف لأنها ترغب أن أكون رفيقة للعب سمو الدوق.”
إن فكرت في نقاط قوتي في ظل عجزي عن إظهار قدراتي الحقيقية، فلن أجد سوى هذه: أنني متفوقة مقارنة بعمر الثلاث سنوات، وأنني قد أكون ناضجة بما يكفي لإرضاء دوق ناضج كمن في الخامسة من عمره.
وهذه بالفعل نقطة قوتي شيء لا يمكن حتى لأكثر الأطفال حبًّا وبراءةً من أبناء أعظم العائلات النبيلة في الإمبراطورية أن يقلدوه.
سبب قد يجعل الإمبراطور يضع عينه عليّ.
“لكن سموّك تقول إن جلالة الإمبراطورة تُكنّ لي مودةً شخصية، أليس كذلك؟”
عند هذه النقطة، بدا الدوق ليس غاضبًا بل مذهولًا فحسب على الأقل، من الأفضل أن يبدو مذهولًا من أن يكون غاضبًا.
“……دعيني أوضح لك أمرًا مجرد أنك لم تبكي أمام زوجة أخي، فهذا سبب كافٍ لكي تُكنّ لك مودة.”
“أبكي……؟”
لست رضيعًا لا يُميز الأمور، بل مجرد طفلة عادية وطبيعية كيف يمكن للأطفال العاديين أن يبكوا عند رؤيتهم شخصًا بهذه اللطافة والحنان؟ لم أستطع فهم الأمر.
“أجل من بين جميع الأطفال دون العاشرة، أنتِ وأنا فقط من لم يبكِ عند رؤيتها.”
آه، إذًا هذا هو السبب.
الآن فقط فهمت لماذا بدت الإمبراطورة مندهشة حين طلبت الجلوس بجوارها في حفل الشاي.
عشر سنوات……. في هذا العمر، لا يُعد المرء طفلًا بمعنى الكلمة، بل أقرب إلى مرحلة الطفولة المتقدمة حتى لو لم يكونوا من النبلاء، فمن المفترض أن أطفال العامة لا يبكون بسهولة فإن كانت تُرعب حتى هؤلاء، فهذا يعني أنها تُشيع رهبتها كالهالة حولها في كل مكان!
حتى لو لم أقصد، فإن ما فعلته كان خطأً قاتلًا.
“لم أكن أعلم.”
قلت ذلك بكل صدق لو كنت أعلم، لاخترت وسيلةً أكثر حذرًا.
“نعم، يبدو أنك لم تكوني تعلمين أنتِ أول من يقول إن زوجة أخي لطيفة وحنونة.”
وكان الدوق كذلك صادقًا في قوله.
“على أية حال، سواء علمتِ أو لم تعلمي، فإن لكِ مميزات واضحة إن لم تكوني تفهمين كل الناس، فلا يحق لكِ أن تتجاهلي مشاعرهم لمجرد أنك لا تفهمينها.”
عجز لساني عن الرد لم أكن أستطيع أن أقول الحقيقة.
فأنا أؤمن أنه لا يمكن لأحد أن يحبني أو أن يُكنّ لي مشاعر مودة، بسبب ذكريات حياتي السابقة فـ”لي باي ليان” السابقة لم تتلقَ يومًا حنانًا بلا سبب.
وسؤال الدوق منطقي فمن الغريب لطفلة في الثالثة من عمرها أن تبحث عن أسباب خلف كل محبة تتلقاها هذا النوع من التصرف لا يظهر إلا بعد سنوات طويلة من خيبات الأمل.
لذا، لا يمكنني شرح سبب بحثي عن دوافع خلف محبة الإمبراطورة بقيت صامتة حيال سؤال لا يمكنني الإجابة عنه، فظنّ الدوق أنني شعرت بالإحباط، وأراد تغيير الموضوع برحمة منه.
“حسنًا ماذا عن عصير المانجو؟ هل أعجبكِ طعمه؟”
“نعم الفاكهة طازجة، لذا كان منعشًا ولذيذًا.”
كان هذا سؤالًا أسهل بكثير من سؤاله السابق، فأجبت عليه بسرعة ابتسم الدوق ابتسامة خفيفة وهو يطرق على كأسه يبدو أنه لم يتمكن من الوصول إلى كأسي بسبب اتساع الطاولة.
“سبب قدومي اليوم ليس إلا هذا لأن زوجة أخي أوصتني مرارًا بأن أكون لطيفًا معكِ ففكرت، ما دمت سأخصص وقتًا، فليكن في إطعامك شيئًا لذيذًا وأخذك إلى مكان جميل ليس لأن لديّ أمرًا مهمًا أقوله.”
عدم قدرتي على تصديق مشاعر الآخرين هو عادة تراكمت خلال 65 عامًا لذلك، حتى لو عرفتُ أن الإمبراطورة تحبني بلا سبب، فلن أستطيع تغيير قناعاتي بسهولة على الأقل، ليس ما دمت أمتلك وعي “لي باي ليان”.
“……قلت إنك ستحمل الهدية إلى جلالة الإمبراطورة لاحقًا، أليس كذلك؟”
“نعم.”
“هل يمكنني أنا أن أوصلها لجلالتها؟”
مع ذلك، لا أرغب في تكرار حياة “لي باي ليان” لا أريد أن أعيش من جديد حياةً كرست فيها كل طاقتي وتفانيّ، ثم رُميت كما يُرمى الحذاء البالي، وانتهيت بالموت انتحارًا.
إذًا، عليّ أن أتعلم الآن كيف أتقبل محبة بلا مقابل.
“سيُسعدها ذلك افعلي ما تشائين.”
ابتسم الدوق بخفة وناولني قطعة شوكولاتة صغيرة فوق كعكة الغاناش ناولتُه طبقي بهدوء فتسلمتها.
“يا إلهي لقد كنتُ أرغب حقًا في زيارة هذا المكان! يا لروعة إحساسك الجميل!”
كما قال الدوق، كانت الإمبراطورة سعيدة للغاية مع أنها لم تكن تعلم أن الدوق هو من دفع ثمن الطعام، وهو من طلبه، وحتى من حمله كان أحد الحراس، بينما أنا لم أفعل شيئًا سوى استلام العلبة عند الباب وتسليمها لها.
“الأميرة تُفكر كثيرًا.”
مع ذلك، طالما أن الدوق نفسه، الذي قام بكل شيء، يبتسم بذلك الشكل العفوي، فلا بأس أن أنسب الفضل لنفسي، أليس كذلك؟ يبدو أن الدوق يرغب في المحافظة على علاقة طيبة مع الإمبراطورة.
إذ إنه يفضل إرضاء الإمبراطورة على أن يُظهر جهده.
إذن من الأفضل لي أيضًا أن أظهر الودّ تجاه الإمبراطورة كما يرغب حركت أصابعي بخجل وقلت بصوت طفولي:
“لأن الطعم لذيذ، تذكرتُ جلالتِك.”
“أوه، عزيزتي.”
مع أن الدوق كان يكره الصوت الطفولي المنمق، لكنه لم يُعلق هذه المرة، ربما لأن الإمبراطورة كانت تنظر إليّ بنظرة مليئة بالإعجاب والحنان.
“بالمناسبة، لم تتناولي الطعام بعد، أليس كذلك؟ ماذا لو تناولنا الطعام معًا قبل أن تعودي؟”
“آه، لا أنا فقط…….”
“أيها الخادم، أخبر المطبخ بأن يُجهز طعامًا للأميرة بلانش.”
كنت على وشك أن أرفض لأنني شعرت أن دخولي فجأة إلى مائدة العائلة أمر غير مناسب، لكن الإمبراطور سبقني على عكس الإمبراطورة التي سألتني عن رأيي، لم يُعطني هو أي فرصة للرفض، بل قرر الأمر مباشرة.
“……شكرًيا.”
[ بطله بسبب انه طفله نطقت شكرًا ،شكرًيا ]
كنت أنوي الرفض من الأساس، لكنني خشيت أن أبدو غير مدركة للموقف وحين يُصِرّون إلى هذه الدرجة، فلا حاجة للممانعة جلست بهدوء مجددًا.
في المرة الماضية، لم تكن المائدة مجرد طعام، بل كانت مناسبة لتقديمي كمرشحة لمرافقة الدوق في اللعب أما هذه المرة، فكانت مائدة طعام عائلية حقيقية.
ربما لأنها لم تكن مناسبة مُخططًا لها، بل جلسة طعام عادية، بدا الإمبراطور وزوجته في غاية الراحة وحتى الدوق، الذي كان يبدو ساخرًا رغم عمره الصغير أمامي، تصرف كطفل صغير بحق.
وحين رأيتهم بهذه الأريحية، عاد إلى ذهني التساؤل الذي راودني سابقًا.
كيف ينظر الإمبراطور والإمبراطورة إلى الدوق حقًا؟
“لا بد أنك مرهقة من التنقل طوال اليوم خذي قسطًا من الراحة أظهرتِ علاقات طيبة مع شقيقي و زوجته ، لذا لن يُطلب حضورك في القريب.”
وعند نهاية العشاء، عندما كان الدوق يودعني، أوقفته.
“لهذا السبب تحديدًا، هل يمكننا التحدث قليلًا؟”
“……تتحدثين؟ ألسنا قد تحدثنا طوال اليوم؟”
صحيح أنني نلت قسطًا من الراحة في الصباح، لكن الدوق كان منشغلًا منذ الصباح الباكر فلا بد أنه مرهق.
لكن ما أردت مناقشته كان أمرًا في غاية الأهمية، ولا يحتمل التأجيل، لذا تمسكت به متحدية.
“الموضوع لا يمكن مناقشته في العلن.”
“حسنًا، بما أنكِ تحملتِ مزاجي اليوم…….”
تنهد الدوق تنهدات عميقة لا تليق بطفل في الخامسة من عمره، وتبعني إلى الداخل.
“تولا، احضري لنا كوبين من شاي الأعشاب ودعي الأطفال يرتاحون.”
طلبه أن “يرتاحوا” يعني أن يُحبَسوا في غرفهم وألّا يُسمح لهم بالخروج إذ من غير المعقول أن يجتمع طفل في الثالثة وآخر في الخامسة ليتخذا قرارات سياسية لا يمكن السماح لأحد بأن يراهم بهذا الشكل.
أما الدوق، فحتى لو لم يكن من الواضح بعد إن كان طفلًا متقدمًا فحسب أم شخصًا غامضًا متنكرًا، فالأمر يختلف.
“أشعر أنني سأنام إذا شربت هذا…….”
“إن احتجت للراحة، يمكنك النوم هنا نُعد دائمًا غرفة للضيوف.”
“لا، هذا…… لا، حسنًا لا بأس سأفكر في الأمر بعد انتهاء الحديث على كلٍّ، ما الذي تريدين قوله؟”
“أظن أنه من الضروري توضيح ما يريده سموّك مني بشكل أدق.”
رفع الدوق حاجبه متعجبًا بعدما شرب رشفة من الشاي.
“ألم أوضح من قبل؟ أن نظهر بمظهر الصداقة أمام شقيقي و زوجته فقط طالما تلتزمين بهذا، فلا يهمني ما تفعلينه حتى في المكان الذي ذهبنا إليه اليوم، كل ما كنتُ أريده هو أن نتناول شيئًا لذيذًا كلٌّ على حدة لم أطلب منك أن تُظهري فرحًا مبالغًا فيه أمامي أو ما شابه ذلك.”
“لكن هذا بالضبط هو الموضوع…….”
تنحنحت قليلًا لتصفية صوتي.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].
التعليقات لهذا الفصل " 24"