الحلقة السادسة
احتمالية أن يكون الوحش المرقم داخل الغرفة مشغولًا بأكل إنسان لدرجة لم يلاحظ وجودهم في الخارج؟ صفر.
احتمال أن ينجو شخصان بلا أي قدرة خاصة، ويهربا من وحش مرقم ويعودا مع الدعم دون أن يُقبض عليهما؟ ذلك أيضًا صفر.
احتمال أن تتجاوز اختبار التوافق، وتتحمل الآثار الجانبية أو الرفض الجسدي، وتوقظ الأود بالقوة على الفور، ثم تواجه ذلك الوحش خالية اليدين من دون حتى مسدس وتفوز عليه بصفتها فارسة أود؟
“يعتمد على نوع ذلك الوحش… لكنه ليس صفرًا تمامًا.”
استغرقت ريتا ثلاث ثوانٍ فقط لاتخاذ القرار.
لقد قررت أن توقظ الأود بالقوة وتقاتل الوحش.
“إن لم يكن لهذا الجسد توافق مع الأود وحدثت نوبة، فسينتهي أمري، أو، إن لم يكن بمقدوري حتى الاستيقاظ لأنه… عالم مختلف؟”
لكن رغم ذلك، لا بد أن تحاول، لا يوجد خيار آخر.
لأن احتمالات النجاة… معدومة بالكامل.
في لحظة، غمر عرق بارد جسدها من رأسها حتى قدميها.
“اللعنة… ألم يقل لي ليونهارت إنه لا توجد وحوش هنا؟!”
وهي تسبّ ليونهارت في سرّها، حاولت إيقاظ الأود…
“ما الأمر يا آنسة؟ هل رأيتِ فأرًا أم ماذا؟”
ظهر صوت هانا من خلفها فجأة، وهي تطل برأسها إلى داخل غرفة تبديل الملابس.
لو كانت في جسد ريتا باسكال المدرب، لما سمحت لمدنية أن تفاجئها هكذا، لكن جسد ليلينا الضعيف كان أدنى حتى من خادمة مثل هانا، المدربة على أعمال المنزل.
أي أن هانا كانت قد دخلت الغرفة قبل أن تتمكن ريتا من الرد أو التحرك.
“لا يبدو أن هناك شيئًا هنا…”
“لا تقتربي!”
صرخت ريتا فجأة، مذعورة.
“الرائحة! ألا تشمينها؟ ابتعدي! قلت لك ابتعدي!”
“الرائحة؟”
هانا التي بدت وكأنها على وشك أن تتمزق إلى أشلاء، أخرجت رأسها من الغرفة بكل هدوء، ورفعت كيسًا صغيرًا في يدها.
“هل تقصدين هذه الرائحة؟”
انبعثت من الكيس الصغير رائحة نفاذة وثقيلة. الرائحة ذاتها التي تخرج من تلك الوحوش النادرة حين تلتهم البشر.
“ما هذا بحق الجحيم؟”
لم تستوعب ريتا ما يحدث للحظة.
وبينما كانت واقفة كالتمثال، شاحبة الوجه، فتحت هانا الكيس وأظهرت أوراقًا مجففة في داخله.
“إنه الباتشولي، يقولون إنه يطرد الحشرات، لذا علّقته في غرفة الملابس.”
“…باتشولي؟”
رمشت بعينيها، تردّد الكلمة وكأنها لا تصدق ما تسمعه.
“كيس عطر؟ ليس وحشًا؟”
“عفوًا؟ ما هو الوحش أصلًا؟”
تقدّمت ريتا نحو هانا بخطى حذرة، محافظة على وضعها الدفاعي، وأخذت منها الكيس وفتّشته بالكامل.
كان كيسًا صغيرًا جميلًا مزينًا بخيوط ملوّنة، مليئًا بأوراق جافة فقط.
عندما شمّت ورقة منها، انقبضت عضلات ظهرها لا إراديًا.
غمرها شعور مرعب جعلها تتوق لحمل مسدس حتى لو لم يكن هناك عدو.
كابحت الغريزة الصارخة في داخلها بالكاد، وأجبرت نفسها على تحليل الموقف.
“هل هذه فعلًا أوراق الباتشولي؟”
في عالمها السابق، كان يُعرف هذا العطر أيضًا باسم باتشولي ، كان هذا النبات موجودًا هناك أيضًا.
لكن رائحته كانت تشبه إلى حد مخيف الرائحة التي تصدرها الوحوش النادرة وهي تلتهم البشر… لذا لم يكن أحد يستخدمه قط.
“لا شك أن هذا عالم مختلف فعلًا… يضعون هذه الرائحة المقززة في أكياس عطرية؟”
أعادت الأوراق إلى الكيس بأطراف أصابعها، متجنبة ملامستها قدر الإمكان، ثم أعادت الكيس إلى هانا بالحذر نفسه.
رائحته جعلتها تشعر كأنها تغرس يدها داخل أحشاء وحش.
وكانت الذكريات الفظيعة تهاجمها بلا توقف.
قالت بصوت منهك:
“خذي هذا… أبعديه عني، لا أريد أن أشمّه مرة أخرى.”
هانا، وقد بدت مرتبكة، تناولت الكيس وسألتها:
“لا تحبين هذه الرائحة يا آنسة؟”
“أجل، أكرهها، لا أريد شمّها مجددًا.”
“لكنها رائحة شهيرة وقيمة… والناس يعلقون أكياسًا كهذه في غرفة الملابس ليتشربها القماش، هذا هو الاتجاه السائد المجتمع حاليًا، انتظري لحظة، هناك المزيد منها في الداخل.”
“ماذا؟ يوجد منها المزيد؟”
“نعم، في القصور مثل قصر لاسكايل، يعلقون الكثير منها، الباتشولي يُستورد من بلاد بعيدة، وهو نادر جدًا، لم أتوقع أنكِ ستكرهينه… يا للأسف.”
تنهدت هانا بخيبة، ثم طلبت من ريتا الانتظار ودخلت الغرفة.
وعادت بعد قليل وهي تحمل مجموعة من أكياس الباتشولي، ما جعل الرائحة تصبح أقوى وأكثر نفاذًا حتى إن الشخص العادي كان سيجدها مزعجة.
أما ريتا، فقد وجدت نفسها عاجزة عن التماسك.
“هذه الرائحة… لا… أهذه فتاة حقًا؟ ليست وحشًا متنكّرًا؟ أهذا عالم مختلف… هنا لا توجد وحوش… أليس كذلك؟ حقًا؟”
بعفوية، حاولت فحص من أمامها بالأود… لكن لا شيء.
طاقة الأود داخل جسدها لم تتحرك، بل لم تستجب من الأساس، هي لا تزال في حالة ما قبل اليقظة.
لم تعد تملك وسيلة لمعرفة إن كان من أمامها إنسانًا أم وحشًا.
أشبه ما تكون بنملة مقطوعة قرون الاستشعار… أو كلب أعمى بلا أنف.
لا تستطيع تمييز ما تراه.
أوشكت على فقدان عقلها.
هل هذه الفتاة البريئة في الحقيقة وحش نادر متنكّر في هيئة بشر؟
الدماء، الصراخ، العويل، رائحة الباتشولي النافذة، أصوات الاستغاثة، الهروب، بكاء الأطفال..
ذلك العضو الذي ذهب في مَهمة استكشافية عاد… لكن من جسده انبعثت رائحة الباتشولي
وجه مألوف، شخص تعرفه… لكن الرائحة التي يحملها ليست بشرية.
إنها رائحة الوحش.
كلما اقترب ذلك العضو، ازدادت الرائحة قوة، ريتا تعرف جيدًا ما الذي حدث لاحقًا.
صديقتها التي كانت بجوارها اقتربت منه… وسألته لماذا عاد برائحة الوحش؟
ابتسم.
اتسعت ابتسامته حتى بلغت أذنيه، ثم التهم صديقتها دفعة واحدة.
وبينما كانت جلده يتشقّق، اندفع الوحش من داخله فجأة…
ذلك الوحش يدعى بـ ميميك
الوحش الذي عض رأس صديقتها كما لو كان قطعة حلوى، استدار نحوها.
الرائحة كانت نفاذة حدّ الدوخة…
لا. لا. لا!
“آآآآااه! كخخ! أرجوكم! أرجوكم أنقذوني! أنا آسفة! أرجوكم…!”
“ليليتا! كفى!”
صوت صراخ امرأة مختنق، وصوت رجل مذعور أعادا لها بعض عقلها.
لم تكن في ميدانٍ يملؤه الدم والوحوش… بل كانت في ممر مشرق تغمره أشعة الشمس داخل قصر أنيق.
أحدهم أمسكها بقوة من معصمها وانتزع يدها بعنف.
ريتا أدركت أنها كانت على وشك أن تكسر عنق هانا.
ولو كانت في جسدها الحقيقي، جسد ريتا باسكال، ربما كانت قد قتلتها فعلًا.
“اللعنة… تماسكي يا ريتا باسكال… تماسكي!”
رائحة الوحش اختفت… أو لا، لم تختف الوحش يفتح فمه… رأس صديقتها يتدحرج في داخله…
“…أبعدوه.”
“ماذا؟”
“قلت أبعدوه! فورًا!”
صرخت ريتا، تمسك رأسها بكلتا يديها.
“ماذا؟ أبعد ماذا؟ ما بكِ يا ريتا؟”
كان صوت ليونهارت، مشوشًا، مرتبكًا، هانا التي كانت تلهث، صاحت بسرعة:
“إنه… إنه الباتشولي! أعتقد أنه بسببه!”
أصوات صاخبة، ركض، همسات، بكاء… وأخيرًا، بدأت الرائحة تختفي.
ريتا جلست في ركن الممر، تغطي وجهها، كتفاها كانا يرتعشان كما لو كانت قد ركضت مسافة طويلة.
كانت تحاول أن تلتقط أنفاسها بصعوبة.
“ريتا… ششش… لا بأس…”
“لا مزيد من الوحوش. كلنا بخير.”
“أنتِ من قتلته، أنتِ من انتصر، لذا… لا داعي للخوف بعد الآن.”
صوت زميلها الذي اعتاد مواساتها يتردد في ذاكرتها…
“تنفّسي بعمق، ثم أخرجيه ببطء… هكذا، ممتاز.”
تنفّست بعمق… وزفير طويل، بدأت تهدأ شيئًا فشيئًا.
ثم، عندما عادت إليها رباطة جأشها، اجتاحها غضب داخلي… على نفسها.
وضعت يدها على جبهتها، واصرت على أسنانها بقوة.
“تبًا… ما هذا المشهد، يا ريتا باسكال؟”
عقلها الذي استعاد رباطة الجأش، اتخذ قرارًا فورًا.
المشكلة… تكمن في الأود.
لو كانت قادرة على استخدام الأود كما اعتادت، لما انفلتت منها أعصابها بهذا الشكل رغم رائحة الوحش.
أبناء عائلة باسكال، الذين نشأوا على ساحات المعارك منذ الطفولة، جميعهم يعانون مشاكل نفسية.
لذلك، عندما يكونون بين بعضهم، يتفهمون ردود أفعالهم الغريبة، لكن عندما يتعاملون مع الآخرين… تحدث المشاكل.
وهذا أحد أسباب أن فرقة بيكون مكوّنة بالكامل من أبناء باسكال.
ريتا مسحت وجهها المتصبب عرقًا، وقالت لنفسها:
“لا فائدة من فهم تصميم هذا القصر الآن… يجب أن أبدأ بمحاولة إيقاظ الأود أولًا.”
“ليليتا.”
عندما رفعت رأسها ببطء، وجدت ليونهارت قد عاد، يحدّق بها بوجه جاد.
“أأنتِ بخير؟”
كان على وشك قول شيء، لكنه توقف عندما رأى ملامح وجهها، ثم انحنى ليكون بمستواها وسألها بقلق:
“ما الأمر؟ هل تشعرين بألم؟ وجهكِ شاحب تمامًا، قولي لي، أرجوكِ.”
وبينما كان يبعد خصلات شعرها المبللة بالعرق عن وجهها، سألها بحزن.
أرادت أن تضرب يده بعيدًا، لكن جسدها كان منهكًا تمامًا، فلم تتمكن من ذلك، واكتفت بالرد بصوت خافت:
“حتى في مثل هذا الوضع… عليّ أن أؤدي دور ليليتا؟ جِديًا ما هذا الجنون؟
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 6"