كان الرجل صامتًا، يحدق في الصورة بعينين لامعتين تشعّان تركيزًا.
أما إيثان فغاص بجسده في أريكة الصالة، مستأنفًا حديثه بصوتٍ محمّل بالتوتر.
“اسمها هانا، مكانتها كانت خادمة سابقة للأميرة لاسكايل، شاهدتها وهي تصيب الوايفرن الذي أطلقتُه أنا بسحر النار، وتصيبه بالرصاص المسحور حتى الموت، لكن… طوال ثلاثة أسابيع وأنا أراقبها عن قرب، لم يبدُ أن أي ذكرى تعود إلى ذهنها، هل السبب هو طول رحلة العودة فحسب، أم أنني كنت مخطئًا… اللعنة.”
سأل الرجل بهدوء، كأن كل كلمة تزن أثقالًا.
“…أنت تقول إنك رأيتها تستخدم المسدس السحري؟”
أومأ إيثان، صوته محمّلًا بالريبة.
“أظن أنني ربما أخطأت، ربما كان سحرًا آخر، ودماغي اختلط عليه الأمر، فظننت أنه سحر المسدس… وقد مضى وقت طويل منذ أن رأيت سحر مسدس حقيقي.”
تنهد الرجل، قائلاً بلا تغيير في تعابير وجهه.
“قد يكون اقدم مما تعتقد.”
ارتفع صوت إيثان قليلًا، محاولًا تفريغ إحباطه.
“أجل، على أي حال، لا أستطيع أن أقوم بذلك بمفردي، حقًا لا أعلم، أراقبها باستمرار لأرى إذا ما كانت الذكريات تعود، وهذا… هذا ليس سوى تعذيب بالأمل… ولا يمكنني القبض على فتاة قد تكون ريتا لاستجوابها، اللعنة! سأجنّ إذا انتظرت أكثر من ذلك، ولهذا أتكلم الآن.”
لم يردّ الرجل على ثرثرة إيثان، واكتفى بالنظر إلى الصورة بعينين تخترقانها.
ثم وضعها ببطء على الطاولة، وقال أخيرًا.
“سأقابلها.”
تأفف إيثان مستغربًا.
“كيف ستقابلها؟ أن يذهب ولي عهد للقاء خادمة في منزل الدوق… سيكون فضيحة مثيرة للاهتمام حقًا.”
هز الرجل رأسه بلا مبالاة، مستندًا إلى ذقنه.
“إذا كانت خادمة لاسكايل… فسوف أحضر إلى حفل الأميرة و هناك سأراها.”
ارتفع صوت إيثان، يملؤه الذهول.
“الحفل؟ وكيف ستلتقي بخادمة هناك؟”
رد الرجل ببرود.
“كونها في نفس القصر يكفي أن نصادفها صدفة.”
“صدفة؟ بأي وسيلة؟”
“هُنا يَكمن دورك الآن.”
تنهد إيثان، ملعقًا كلمات غضبه اللعينة.
“اللعنة.”
سأل الرجل بعد صمت قصير.
“وماذا عن الأميرة؟”
أجاب إيثان بارتباك.
“أوه؟ هل تقصد الأميرة؟ بُلغت أنها مصابة بفقدان ذاكرة، هناك فتاة قد تكون ريتا أمامي… فكيف يمكن لأي شيء آخر أن يلفت انتباهي؟”
أضاف بعد لحظة من التفكير.
“بعد أربع سنوات من البحث، لم يعد سوى نحن فقط، يبدو أن الأميرة لاسكايل قد اختُطفت يومًا ما، حتى الآن، ربما نحن فقط الذين عدنا… وربما ريتا كذلك…”
حدق الرجل في إيثان بلا كلمة، فأخذ الأخر يرتجف ويشقّ شعره بيديه.
“لا، لن أستسلم، حقًا لم أفعل، لو كنت قد استسلمت، هل كنت سأجد هذه الفتاة هانا؟ يجب أن أجد ريتا، ريتا لا بد أنها عادت، لقد فعلت… هذه المرة سنجد الإجابة الصحيحة، أليس كذلك، قائد؟”
غطى إيثان وجهه بيديه، مستسلمًا على الأريكة.
“آه، الأمل يجعلني أفقد صوابي… اللعنة على ريتا باسكال المجنونة، هل تعتقدين أننا سنكون ممتنين لو متِ بهذه الطريقة؟… فقط عودي، فقط عودي…!”
ارتعش صوته وهو يهمهم بصوت رطب.
نظر الرجل إليه بصمت، ثم ملأ كأسه من جديد.
وما إن امتلأ الكأس، التقطه إيثان بعينين غارقتين في الظلام وشربه دفعة واحدة.
بينما استمر إيثان في الشرب، وضع الرجل كأسه جانبًا، مستغرقًا في صمت عميق، واضعًا يده على فمه، مستريحًا على الأريكة بلا حركة.
بعد أن انتهى إيثان تقريبًا من زجاجة كاملة بمفرده، نهض مترنحًا، وعيناه نصف مغمضتين، متجهًا نحو الباب، ثم توقف فجأة أمام الرجل الجامد في مكانه، وقال بنبرة لامعة بالاستغراب.
“هذا اللعين بدأ بالتحرك مجددًا.”
ردّ الرجل بلا أي انفعال.
“كنت أتساءل لماذا أخرجت شرابًا لا تشربه عادة، متى آخر مرة نمتَ فيها؟”
“ثلاثة أيام.”
ارتفع صوت الرجل مستغربًا.
“ثلاثة أيام فقط ليس طويلًا هذه المرة ، آخر مرة نمت فيها كانت قبل ثلاثة أيام، أليس كذلك؟ ومتى كانت المرة السابقة؟”
“…….”
ابتسم إيثان بسخرية.
“لِما لا تجرب الشرب بكثرة؟ سَتنام حتمًا أيُها القائد.”
“……..”
تنهد الرجل، قائلاً بصرامة.
“إذا لم تكن نيتك الموت قبل العثور على ريتا، فامش الأمور باعتدال، أيها المجنون.”
قفز ايثان عبر الشرفة وهو يسب، وبعد أن غادر، مدّ الرجل يده نحو الكأس الذي لم يُفرغ بعد، فارتجفت يده بشكل لا يمكن السيطرة عليه، حتى تحطم الكأس بين أصابعه، وامتزج الدم بالنبيذ على راحة يده.
نظر الرجل إلى يده الملطخة بالدم والنبيذ بلا أي تغيير في تعابير وجهه، ثم أرخاها بلا اكتراث.
لقد أصبح من المستحيل عليه النوم رغم تناول الكحول منذ زمن طويل.
أخرج الرجل من معطفه زجاجة صغيرة من الحبوب، صُنعت خصيصًا من قبل أحد زملائه لمثل هذه الحالات، ومضغها دون ماء، ثم استلقى على الأريكة.
تساقط الدم من يده الممتدة خارج مسند الأريكة، لكن تأثير الحبوب خفف تدريجيًا ألم الشظايا الزجاجية.
وقبل أن ينام لأول مرة منذ اربعة أيام، أغمض عينيه المغبشتين، وفكر.
“…إنها تشبهها حقًا.”
كانت هذه أول حالة يحتمل فيها أن تكون النتيجة قريبة جدًا.
“إذا لم يكن كذلك هذه المرة….”
لم يُكمل التفكير، فقد ابتلعه نوم عميق كالموت.
***
في مساء يوم 17 أبريل 1770، حلّ الغسق، وتسللت الظلال إلى الأرض.
أُضيئت مصابيح المدينة أسرع من ظهور النجوم في السماء، وبين هذه الأضواء وصلت عربات فارهة بلا عدد، مستقبلةً من قبل الخدم المذهولين الذين دلّوا الضيوف إلى الداخل.
كان حفل ظهور الأميرة لاسكايل على وشك أن يبدأ.
رأى إيثان، الخادم الجديد في لاسكايل، عربة كبيرة سوداء تدخل بوابة القصر الرئيسية.
وعلى جانب العربة، رسم تنين أسود متوج، وعيناه الذهبيتان المرصعتان بالجواهر تلتمعان تحت نور المصابيح.
كانت هذه العربة تحمل أرفع الضيوف في الحفل.
لم يخرج أي خادم لاستقبالها، بل ظهر السِكرتير بنفسه، بينما ظل إيثان يحدق برجل أسود الشعر ينزل من العربة، وجهه متماسك رغم ارتجاف يده، وابتسامة رقيقة تزيّن ملامحه القوية والهيبة التي تخفي حالة عقلية مشوشة.
كانت صورة ولي العهد غير المتزوج تبدو مثالية، جذاب، ووسيم، وملامحه تشعّ بالقوة والسيطرة، إلا أن ابتسامته أظهرت لطفًا محسوبًا.
عند نزول السيدات من العربة، بدا الحماس واضحًا على وجوههن، كما لم تختلف ردة فعل الرجال كثيرًا.
وراء هؤلاء النبلاء، التقى إيثان بعينين صفراء كالسبع، وأومأ برأسه خفية؛ كانت إشارة بأن الاستعداد لملاقاة هانا قد اكتمل.
***
كانت ليليتا متوترة، كما لو كانت تدخل عالم الوحوش الغريبة لأول مرة.
‘لقد تمكنت من إدارة الأمور على الأقل.’
خلال الأيام الماضية، تدربت على رقصة الفالس بمساعدة أنطون، والفرسان الآخرين غير المألوفين لها، مستحضرة أي تشابه بينهم وبين أصدقاء أو عائلة بيكون لتسهيل التكيف.
‘حتى مع الأمير نفسه، سواء بحجمه أو لون شعره أو صوته… أي شيء مشابه لشخص أعرفه يمكن التركيز عليه.’
كانت الفكرة أن أي خطوة خاطئة إذا كانت من الأمير لن تؤدي إلى حادث، وإذا أنهت الرقصة الأولى بنجاح، يمكنها التذرع بالتعب ورفض أي رقص آخر، مستمتعة بابتسامات عابرة.
لأن الأميرة لاسكايل عُرفت بضعفها الصحي في الصغر، لن يلحّ أحد على الاستمرار في الرقصة معها.
‘الرقصة الأولى فقط… الرقصة الأولى فقط.’
“آنستي، تبدين جميلة جدًا! انظري!”
قدمت هانا، في غاية الحماس، المرآة لتسمح لها برؤية نفسها، فأعجبت ريتا بما رأت.
‘بعد التزين أصبحت أجمل بالفعل.’
لم تُبدِ ليليتا أي اعتراض، فكان تصميم فستان ظهورها يعكس رأي والدتها الدوقة، التي اعتبرت ابنتها كأنها ملاك أو جنية الآيريس (السوسن) البنفسجي.
صُمم الفستان بألوان أرجوانية متدرجة، طبقات من القماش الناعم مطرّزة بالجواهر الصغيرة، وحزام من اللؤلؤ يثبت الخصر.
وسُرّحت خصلاتها الذهبية الطويلة، وزُينت بمشابك على شكل زهرة الآيريس من الجمشت، وارتدت عقدًا وأقراط من الألماس، وقفازات دانتيل بيضاء بدلًا من الأساور.
عندما خرجت من غرفتها، اتسعت أعين أسرتها من الدهشة.
“يا… إنها مذهلة، حقًا مذهلة.”
“سيكون حفل الموسم بكل تأكيد!.”
قهقه ريهارت ضاحكًا، وتمتم ليونهارت مبتسمًا، بينما كانت الدوقة تبكي من شدة الفرح، والدوق مضغ شفتيه وقد احمرّت عيناه.
تلاشى توترها شيئًا فشيئًا أمام هؤلاء الأشخاص الذين سيحمونها، حتى لو ارتكبت خطأ ما.
اقترب الدوق من ريتا، ممدًّا ذراعه.
“هل ستسمحين لي بمرافقتك، ابنتي؟”
“بكل سرور!”
ابتسمت ليليتا ووضعّت يدها على ذراع أبيها، ودخلت قاعة الكريم دوم.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 45"