من خلال ذلك الحديث، خمّنت ريتا أنّ بيت لاسكايل قد آثر العزلة بعد اختفائها، فلم يظهر أحدٌ منهم في مواسم المجتمع، ولم يشاركوا في أيّ من حفلات الموسم الاجتماعي.
وفي الوقت نفسه، خطرت ببالها تلك الفساتين التي لم يتسنَّ لها أن تراها من قبل، والتي كانت الدوقة تصنعها عامًا بعد عام وتجمعها في الخزانة.
“فساتين ليليتا.”
قالت الدوقة، وقد شبكت كفيها على وجنتيها، والدموع تلمع في عينيها من شدّة الانفعال.
“ليلي تدخل عالم المجتمع!… يا إلهي، لم أكن أظن أنني سأرى هذا اليوم! فكرة أنني سأُفصّل لكِ ثوبَ الحفل… إن قلبي ليكاد يقفز من الفرح… آه!”
لكنها ما لبثت أن شهقت فجأة، واستدار وجهها نحو ابنتها وقد ارتسمت عليه مسحة قلق.
“ليلي، حبيبتي… هل ستكونين بخير؟ صدّقيني، هذا محض اقتراح، فإن وجدتِه مُرهِقًا لكِ فليس عليك أن تفعليه، بالنسبة لأمّك، عودتكِ وحدها تكفيني… تكفيني وأكثر، فلا تشغلي بالك بشيء.”
وانبرى ريهارت يؤيّد كلامها مسرعًا.
“صحيح، المشاركة في الموسم الاجتماعي ليست أمرًا ضروريًا أبدًا، هناك طرق أخرى لإعلان عودتك غير الحفلات.”
شعرت ريتا بالامتنان لمشاعرهما، لكنها في الوقت ذاته أحسّت بالحرج والخجل لأنها بدت أمامهم ضعيفة.
ارتسمت على شفتيها ابتسامة باهتة وقالت بحزم.
“لا… على العكس، أنا أيضًا أرغب في ذلك، أريد أن أشارك في حفلة الظهور الاجتماعي.”
لم تكن ريتا تنوي إنكار أنها عاشت زمنًا باسم ريتا باسكال، لكنها كذلك لم تشأ أن تتنصّل من حقيقتها… ليليتا ديل نيسا لاسكايل، الابنة الوحيدة لعائلة لاسكايل العريقة.
‘ربما لا أتذكر التفاصيل جيدًا… لكن الموسم الاجتماعي لطالما كان حدثًا مصيريًا بين النبلاء، وإن كانوا قد قاطعوه كل هذه السنوات بعد اختفائي… فلابد أنّ الأقاويل نسجت حولنا بلا نهاية، لذا… للمحافظة على هيبة العائلة وإظهار أننا ما زلنا واقفين، ينبغي أن نعود، آن الأوان أن يخرج بيت لاسكايل من عزلته.’
أرادت أن ترى عائلتها تتعافى كما كانت من قبل… أرادت أن ترى العائلة والنفس والبيت وقد استعادوا مجدهم.
“هذا العالم ليس كعالم الرماد ذاك ، هنا يجب أن أتكيف، أن أتعلم كيف أعيش بينهم، هناك، في عالم الحرب، كنت أضع الجميع في خانتين فقط ، رفاق أو أعداء، لكن هنا… ليس الأمر كذلك، عليّ أن أنبذ عقلية ساحة المعركة، وأن أذوب في مجتمع مسالم.”
صحيح أنها ما تزال تفكّر في العودة يومًا ما، غير أنّها أقرت في نفسها، ‘حتى أجد السبيل، أو حتى إن وجدته، فلن أرحل قبل أن تتعافى أسرتي، وإن لم أجد السبيل قط… فسأبقى هنا.’
ولمّا واجهت تلك الفكرة مباشرة، فكرة ألا تعود أبدًا، انقبض صدرها بفراغ موجع، وعصفت بها وحشة قاسية.
“أولّي… سيـرا… إيس… لوكا… وايثان…وجيد… ماذا لو لم أرَهم ثانية قط؟”
لكنها هزّت رأسها بقوة،إن كان قدري أن أودّعهم للأبد، فليكن، لقد واجهت الموت وأنا أحدّق في النجوم، وظننت أنّ النهاية قد حانت، أن أعود حيّةً، وألتقي عائلتي مجددًا… هذه معجزة تكفيني ثم إني خبرتُ الفقدان كثيرًا من قبل… لن يكون جديدًا عليّ.
أغمضت عينيها لتصرف عن نفسها ثقل ذلك الفراغ، وأمسكت بخيط عزيمة.
“ما دمتُ هنا، فعليّ أن أتكيف مع هذا العالم، أجل، من أجل عائلتي.”
هكذا رأت في حفلة الظهور الاجتماعي رمزًا للتأقلم، ودليلًا على التعافي.
وكانت من طبيعتها أن ترتاح إلى هدف واضح محدّد… فامتلأت حماسة وأومأت بثبات.
“إن كان الموسم يبدأ في أبريل، فما زال أمامنا شهر كامل! نعم، أستطيع ذلك، أريده… أريده بحق.”
ثم ابتسمت في سرها…أيُّ صعوبة قد تضاهي اقتحام خرائب يعجّ بها الوحوش، أو خوض شدّ وجذب مع القيادة في آخر خطوط الدفاع؟ هذا أهون بكثير.
لم تكن تعلم حقًّا ما الذي يعنيه أن تستعد خلال شهر واحد للظهور في مجتمع النبلاء… ولهذا بالتحديد تسلّحت بثقة جريئة.
فالمرء كلما جهل، ازداد جرأة.
***
في ردهات القصر، كانت الخادمات يتهامسن.
“منذ أن بدأت الاستعدادات للموسم الاجتماعي لا تكاد سيدتنا ولا أحد في البيت يجد وقتًا ليلتقط أنفاسه، حتى أننا اضطررنا لتوظيف خادِم جديد.”
قالت هانا، وهي ترمق الشاب الواقف قرب البئر بحدّة.
“أسمعتَ؟ لقد استقدموك لأن الأيدي لا تكفي، فكيف تجرؤ على إضاعة وقتك هكذا؟”
لكن الشاب، مسندًا ظهره إلى حجر البئر، اكتفى بابتسامة هادئة، وعيونه المائلة للزرقة تتلألأ.
“همم… ظننت أن الأمر سيستغرق وقتًا أقل.”
رفعت هَنّا حاجبيها.
“ماذا تقصد؟”
أجاب بضحكة خافتة، لم يفسّر شيئًا، رمقته كأنها تنظر إلى مجنون، ثم ارتبكت إذ لاحظت وسامته البالغة.
كان هو الخادم الجديد… لكن ليس كغيره. كان طويل القامة على نحو لافت، بشرة ناصعة كالمرمر، أنف مستقيم، شعر أشقر مائل إلى الذهبي، متموّج بخفة، وعينان رماديتان زرقاوان عميقتان.
حين دخل أول مرة، تعالت صيحات الدهشة من أفواه الخادمات جميعًا.
“أميرٌ من حكاية خرافية… لكن مع مسحةٍ من التفلّت المثير.”
والأغرب أنه لم يبتعد عن هانا منذ قدومه، يتبعها حيثما ذهبت، في صمتٍ غامض.
كلمات زميلاتها ترنّ في رأسها..إنه معجب بك… لا شك أنه يحبك.
وقد أنكرت ذلك كثيرًا… لكنها الآن، وهي ترفع الماء من البئر، وجدت صورته في سطح الماء تقترب فجأة.
أغمضت عينيها في ارتباك، فإذا بضحكة منخفضة تحوم حولها.
مدّ يده إلى خصلات شعرها وانتزع ورقة صغيرة عالقة بها، ثم ابتسم.
“حتى غفلتكِ هذه… أجدها جميلة.”
شهقت، محمرّة الوجه.
“م… ماذا؟ جمي…ـ”
لم تكتمل كلماتها؛ إذ رفع الورقة إلى شفتيه وطبع عليها قبلة هازئة، وعيناه تلمعان بدهاء.
“لكن… ما زلتُ أتمنى أن تعودي سريعًا.”
لم تفهم ما يعنيه، ولم تسمع تمامًا، فقد كانت تحس بوجهها يتوهّج وكأن شفتيه لامستا شعرها حقًا.
ذلك الشاب كان يُدعى إيثان، الخادم الجديد في قصر البتولا ، حدّق فيها طويلًا وهو يحدّث نفسه.
“ملامحها هي نفسها… لكن غير ذلك… لا، لا بد أنّ الأمر بسبب أنها ما تزال في طور العودة، حين يكتمل، ستعود هي كما أعرفها، حتى يحين ذلك، سأبقى بجوارها… وأكون أول من يستقبلها.”
ثم حمل دلو الماء بيد واحدة كأنما لا يزن شيئًا وقال بابتسامة.
“دعيني أساعدك.”
تلّون وجه هانا أكثر، وتبعته بخطوات متردّدة، تسأل نفسها بارتجاف قلب.
“هل يعقل… أن يكون مهتمًّا بي حقًا؟”
***
في مكان آخر، كانت ريتا تراجع شجرة نسب العائلة الإمبراطورية، وإلى جوارها امرأة ذات مظهر عادي، رافعة شعرها الأسود وتضع ذراعيها على صدرها، وتحت عينها نقطة صغيرة ميّزت وجهها.
قالت وهي تنظر بريبة.
“همم… يبدو أنكِ أصبحتِ شاردة الذهن، وهذا يعني أنكِ حفظتِ ما مضى، أليس كذلك يا سيدتي؟”
كانت هي ليندسي دايس المنتسبة إلى نقابة الاميثيست ، والتي اختارتها العائلة لتكون الأميثيست الخاص بريتا.
ارتبكت ريتا وقالت.
“آه… لا، ما زال أمامي الكثير، دعيني أراجع مرة أخرى.”
انحنت على المخطّط المعقّد، شجرة النسب الإمبراطوريّة.
كانت تتدرّب على حفظها لأن دخولها إلى المجتمع سيعني مصادفة أمراء وأميرات ونبلاء عديدين، ومن غير المقبول أن تجهلهم.
“يا للجنون… أيّ تعقيد هذا! لا بد أن الأمر طبيعي مع الأسرة الحاكمة… لكنه صداع.”
حين وضعت هانا فنجان الشاي وانسحبت من الغرفة، تبادلت ليندسي مع ريتا نظرة، وخفضت صوتها قائلة.
“سيدتي.”
“همم؟ لحظة، دعيني أنهي هذا السطر…”
“التحقيق الذي طلبتِه… قد انتهى، هل أُطلعكِ الآن على نتائجه؟”
تركت ريتا القلم، وتأكدت من غياب هانا تمامًا، ثم أومأت.
“المقصود… تحقيق بشأن هانا؟”
“نعم.”
ذاك الذي أوكلته في الأصل إلى ليونهارت،
تتبُّع خلفية هانا وعائلتها وعلاقاتها، ومن أجله تحديدًا أُسنِدت لريتا هذه الأميثيست.
تابعت ليندسي بجدية.
“تلقيتُ التقرير هذا الصباح، لكن لفهمه، كان لا بد أن أزوّدكِ ببعض المعلومات المسبقة… لذا جعلتكِ تدرسين شجرة النسب أولًا.”
حدّقت ريتا فيها، ثم عادت ببصرها إلى الورق أمامها.
بالأمس فقط كانت تراجع سجلّ النبلاء… واليوم أحضرت لها ليندسي فجأة نسب العائلة الإمبراطورية، ارتجف قلبها وهمست.
“هل يعقل أن… تكون لهانا صلةٌ بالعائلة الإمبراطورية؟”
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 32"