الحلقة السابعة والعشرون.

كانت ريتا تتمتع بموهبة من نوع فريد.

موهبة متخصصة في معالجة الأود وتحويله إلى خواص أخرى، رغم أن كفاءتها في الأود كانت ضعيفة وكمية الأود التي تمتلكها قليلة،  إلا أن قدرتها على معالجته كانت تتفوق على أي شخص آخر.

اقتربت من قائد الفرقة بسلام، متظاهرة بإلغاء العهد السابق، ثم قامت بتحويل الأود الذي بحوزتها إلى مادة قابلة للاشتعال، مسببةً دخانًا كثيفًا وانفجارًا هائلًا.

اندهش كل من جيد وسيرا من قوة الانفجار، لكنهما تصرفا بسرعة. 

فقد أحاط سحر الحماية بأولي والأطفال الآخرين، بينما اندفع جيد من بين الأدخنة ليهاجم قائد الفرقة.

تلا ذلك فوضى القتال.

حتى مع تفوق عددهم، تهاون أعضاء الفرقة في القتال، الذين كانوا يلقون المهام الخطرة على أطفال باسكال ويقضون أوقاتهم بلا عناء، فانقلبت المعركة عليهم.

 قُتل أكثر من نصفهم، وعندما بدأت الهزيمة تقترب، فرّ الباقون.

في معسكر فير المليء بالدم، نجا فقط أطفال باسكال وأصبحوا المالكين الجدد للمعسكر.

سيرا، وهي غاضبة من تصرف ريتا الذي كاد يكون انتحارًا، قامت بعلاجها بينما كانت تسبها.

“كيف فهمتِ إشارتي؟ أيتها الثعلبة المتهورة!”

“ألم تكن تلك الإشارة تعني أن أيًا يكن ما سأفعله، فستقومين بتغطية الأمر؟”

“هل كنتُ أعني بذلك أن تُفجّري نفسك؟ لمجرد أني أناديكِ بقطعة حلوى الكرز، هل أصبحتِ فعلاً تملكين رأسًا مصنوعًا من السكر؟ لو أخطأتِ قليلاً في التحكم بالأود، لكان رأسك قد تحوّل إلى فتات سكر!” 

نظر جيد إلى ريتا بوجه شاحب، ثم قال.

“ريتا، قرارك كان صحيحًا، أنتِ الوحيدة القادرة على خلق هذا الموقف، وأنا الوحيد القادر على استغلاله ضد العدو، كان قرارًا عقلانيًا وباردًا، وخطة مثالية، لقد انتصرنا بفضلك.”

ثم غطى وجهه بيده، وخرج صوته المرتجف من بين أصابعه.

“لكن، ريتا، لا تفعلي ذلك مرة أخرى.”

  “حقًا، لا تفعلي ذلك مرة ثانية، ريتا باسكال.”

“حسنًا، آسفة.”

فهمت ريتا شعور زميلها واعتذرت فورًا.

“أعلم أنني سببت لك القلق.”

“كلا، أنتِ لا تعرفين.”

ابتسم الفتى ابتسامة مُرّة غريبة.

من بين عشرة أطفال باسكال في فرقة فير، بقي ثمانية فقط، قُتل واحد خلال المعركة، وفرّ آخر خائن.

أدخل إيس باسكال، الأكبر وأكثر الأطفال هدوءًا، إلى المدينة لشراء هوية مواطن بالغ يضمن لهم الشرعية، كان عمره ستة عشر عامًا.

وفي حطام فرقة فير، أسسوا فرقة “بيكون” الجديدة، وسجلوها رسميًا كفرقة مستقلة لدى قيادة الخط الدفاعي الأخير.

بعد النقاش، تولى جيد منصب قائد الفرقة، وريتا منصب النائب، قاتلوا معًا، وأقاموا المخيم، وشاركوا ما حصلوا عليه بينهم.

لم تكن الأمور سهلة من البداية.

تعلم الأطفال أن إدارة فرقة ليست بسيطة كما يتصورون..التعامل مع قيادة ضعيفة لكنها معقدة، تقييم صعوبة المهام، ضمان استلام المكافآت، التفاوض على توزيع الموارد، وتجنب أن يُرموا كدروع بشرية أو يُستغلوا في معارك الخطوط الأمامية.

رغم عالم يملؤه الوحوش، كان البشر أكثر خطرًا. 

تعلم الأطفال هذا من خلال تجاربهم.

ارتكبوا الأخطاء، فشلوا، وتعرضوا للخطر، وخُدعوا وخسروا الكثير.

فقدوا زملاء في المعارك، وشاهدوا آخرين يتركوا الفرقة معتقدين أنهم وجدوا عائلاتهم، لكن استُغلوا وماتوا.

وفي المقابل، عثروا على زملاء جدد.

خلال إحدى المعارك الدفاعية، قالت ريتا.

“جيد، طفل باسكال في تلك الفرقة غريب.”

كان اسمه إيثان باسكال، صبي ذو شعر بني ذهبي، وقوته كبيرة لكنه يخرج عن السيطرة.

“يقاتل كما لو أراد الموت هنا، يبدو فاقدًا لعقله، ولم يأكل منذ أيام.”

“ومن الغريب أيضًا أن بقية أفراد فرقته لا يقاتلون بجد.”

التدخل في شؤون فرقة أخرى كان صعبًا، لكن جيد لم يتجاهل كلام ريتا، حصل على إذن للتحقيق من القيادة.

أدخل إيس فرقته لتفقد الوضع باستخدام الكائنات المستدعاة، ثم جاءه تقرير صادم.

“الفرقة، بالرغم من سوء أدائها، لا تبدو تفتقر للغذاء ، ولكن عند تفقد مخزن الطعام، وجدت جماجم بشرية ولحوم مذبوحة، ربما لأطفال أيتام أو متشردين غير مسجلين.”

سمعت ريتا عن حالات أكل البشر في المناطق الفقيرة خارج الخط الدفاعي، لكنها لم تشاهد شيئًا كهذا من قبل.

“يا للمجانين! كان من الأفضل أن يأكلوا الوحوش بدل هذا!”

“مثل هذه الحالات سرًا ليست نادرة، خصوصًا حيث تكون الموارد محدودة.”

“هل رأيتَ هذا من قبل؟”

“أكثر منك، وخصوصًا في أحياء المدينة الفقيرة.”

“……”

في الواقع، إذا نظرت إلى الأمر من منظور طبيعي، فهو طبيعي، البشر أسهل من الوحوش لذا من الأسهل اصطيادهم وأكلهم.

“أفهم ما تقصده، يبدو فعالاً للوهلة الأولى، لكن في النهاية، ليس كذلك.”

“في النهاية؟”

“إن نقاط القوة البشرية هي الاجتماعية والإيثار”

لم يُهزم البشر بعد من الوحوش لأنهم يُشكلون مجتمعات ومستعدون للمخاطرة بحياتهم من أجل الآخرين، يجب على البشر ألا يتخلوا عن هذه القوة، لذا، ليس من الطبيعي أن يفعل الناس مثل هذه الأشياء، لا ينبغي أن يكون ذلك طبيعيًا.

“……أرى.”

علاوة على ذلك، ليس لدى الفقراء خيار آخر، لكن هؤلاء الأشخاص ليس لديهم خيار آخر أيضًا. 

يختارون الطريق السهل رغم علمهم بأنه خطأ.

“علينا ايقافهم.”

ثم سرعان ما وضعوا خطة.

بينما كان جيد يتعامل ويُشغل قائد الفرقة، أنقذ إيس الضحايا الباقين، وتسللت ريتا لمواجهة إيثان باسكال، الذي كان مقيدًا بالسلاسل.

“ماذا؟ أتُريدين أخراجي؟ يا لعينة، أتعرفين ماهو العهد الذي جعلني باسكال أقسم عليه؟”

” أتعهد أمام الأود ، بأن أُطيع أوامرك دائمًا باسم إيثان باسكال.”

“فهمتِ؟ الهروب مستحيل، سيدي الحالي هو قائد الفرقة، ذلك الوغد، أتريدين أن تعرفي كيف استخدمني؟ تبًا، أأريك ما الذي كنت أفعله لأبقى حيًا؟”

غضب إيثان، وحاول قتلها، لكنه ضعيف من سوء التغذية وانتهاك العهد المستمر.

سيطرت عليه ريتا بسهولة، ووجهت المسدس إلى جبينه.

 “لقد انتصرت إيثان باسكال.”

 “حاول تحريك إصبع وسَتموت، هل فهمت؟”

“إن أردت الحياة، فأنا الآن سيدتك الجديدة.”

نظر في عينيها المرتجفتين قليلًا ، لكن في النهاية قرر تقبل ذلك والاعتراف بأنها سيدته الجديدة، فتحرر من قيوده القديمة.

بعدما تحرر من قيوده ، أعطته ريتا أمرها الأول.

“افعل ما تريد.”

قتل إيثان باسكال قائده السابق وكل من أساء له أو استغل الأطفال الآخرين.

ثم أوضح لريتا.

” انتهت المهمة.”

غطى جيد المكان بجثث الوحوش لتزييف المشهد، ولم تهتم القيادة بنجاح الفرقة القليل أو فشلها في قتل الوحوش.

أصبح إيثان عضوًا في فرقة بيكون.

مرت السنوات، وقاتلت ريتا وزملاؤها الوحوش الخطيرة، وأصبحت فرقة بيكون مشهورة، وجمعت المزيد من أطفال باسكال حولها، من تقبلهم فورًا.

كبرت الفرقة بشكل ملحوظ، مما أثار قلق القيادة، خصوصًا عند بلوغ ريتا التاسعة عشرة.

طلبت القيادة منهم قتل الوحش البحري كراكن المهيب.

كان هناك فخ على السفينة المقدمة لهم، وزرعها جواسيس من القيادة.

غرقت السفينة، وخاضت فرقة بيكون معركة مميتة مع الكراكن، فقُتل معظم الأطفال، وبقي منهم ستة فقط: ريتا، جيد، أولي، سيرا، إيس، وإيثان.

ريتا، التي فقدت صديقًا لأول مرة في سن الرابعة عشر، واحد اعضاء فرقة بيكون عند انشاءها لأول مرة لم تبكِ هذه المرة.

فقط أعدت جنازات الأطفال بنفسها بعناية، حتى لأولئك الذين لم يجدوا أحدًا ليزوره.

بعد تعافيهم، قال جيد.

“فرقتنا لا يجب أن تكبر أكثر.”

“لأن القيادة لا تحب ذلك؟”

“نعم.”

فهمت ريتا المعنى دون نقاش، وغاصت أفكارها في الأرض الرمادية للمخيم، بين القبور البيضاء والثلوج المتساقطة ببطء.

نظر إليها جاي بعينه الوحيدة وسأل.

“ريتا.”

“نعم؟”

“أتمنى لو نتمكن  من إنشاء قيادة جديدة لنا.”