أطفال باسكال المنتمون إلى هذا الفصيل تحديدًا كانوا سبعة من أصل عشرات منهم.
حتى أن في صفوفهم معالجة نادرة، فتاة في التاسعة عشرة من عمرها، تُدعى سيرا باسكال، ذات لسان غريب ولازمة لا تفارقها.
قالت، وهي تحدق في أحدهم بعينين متألقتين. “شعركِ بلون وردٍ مجفف… وعيناك كأنهما حلوى الكرز! يا لها من ثعلبة حمراء صغيرة! هاه؟ ولماذا لهذا الصغير عين واحدة فقط؟ إنه أشبه بنسرٍ أعور!”
كانت تلك الفتاة تتجول في الخرائب، تعالج جراح رفاقها التي تفاقمت بسبب الإهمال، بيدين صغيرتين مثقلتين بالرحمة رغم صغر سنها.
كما التقوا بفتى هادئ في السادسة عشرة من عمره، يمتلك قدرة فريدة على التعامل مع الكائنات المستدعاة..يُدعى إيس باسكال.
وقف أمامهم وقال بنبرة خافتة. “مرحبًا، زملائي الصغار… هل التقط أحدكم بذورًا في الخرائب؟ هل ترغبون في مبادلتها ببعض أغراضي؟ صدفةً أن أوعيتي قد خَلت….”
لم يستغرق الأمر طويلاً حتى اندمجت المجموعة الجديدة مع بقية أطفال باسكال، فقد بدا أن رجال الفصيل اعتادوا على وجودهم.
حتى أن ريتا نفسها ظنّت للحظة أنهم قد يجدون في هذا المكان حياة يمكن احتمالها.
لكن كان ذلك حلمًا زائفًا.
بدأت الشكوك حين جاء وقت توزيع المهام.
“أنتم أقوياء بما فيه الكفاية، أليس كذلك؟ هذه المهمات لن تكون صعبة عليكم.”
“بالطبع، بالنسبة إلى باسكال، هذا أشبه بلعب الأطفال.”
لكن سرعان ما اتضح الفارق.. كانت المهام التي تُلقى على عاتق أطفال باسكال أكثر خطورة وصعوبة، بينما ينعم بقية الأعضاء بمهام سهلة وبعيدة عن الخطر.
فريق يعود وهو يلهث من ثقل المؤن الذي اشتراه من المدينة.
“ها قد جلبت المؤن! كان من الجميل أن أتنزه في المدينة قليلًا، لكن يا للثقل!”
ثم قال احدهم ساخرًا. “المدينة؟ أنتم يا باسكال لا تصلحون للتعامل هناك… في أحسن الأحوال ستتعرضون للخداع، دعوا أمر التجارة لنا، وأنتم ركزوا على ما تجيدونه.”
وآخر يضحك بازدراء. “ما هذا؟ لم تتمكنوا من اصطياد سوى هذا القدر من الوحوش؟ بل وتعرضتم للإصابات أيضًا؟ يا للأسف… أما نحن فقد عدنا بصفقات ناجحة كما هو متوقع!”
وفي النهاية، يأتي الحكم. “عذرًا، لكن حصتكم لهذا الشهر ستُخفض، فأنتم لم تحققوا المطلوب،هذه قوانين فصيلنا ولا حيلة لنا فيها.”
ثم يبتسم آخرون وهم يتقاسمون غنائمهم الوفيرة. “أما نحن، فبما أن نجاحنا كان باهرًا، سننال مكافآت إضافية، لو أنكم بذلتم جهدًا أكبر لكان حظكم أفضل.”
كانوا يتحدثون عن العدالة والإنصاف… لكنه لم يكن عدلًا البتة.
فبينما يتلقى أطفال باسكال المهام الأخطرذ إبادة الوحوش، استكشاف المناطق الجديدة، تأمين طرق الانتقال، البحث في الخرائب، تنفيذ واجبات الدفاع، ومطاردة المطلوبين… كان بقية الأعضاء ينعمون بمهام بسيطة وآمنة، البيع والشراء في المدن الواقعة خلف خط الدفاع الأخير، صيانة الأدوات، التواصل مع فصائل أخرى، تجهيز الطعام، أو تنظيف المعسكر.
هكذا كان طبيعيًا أن يفشل باسكال في بلوغ أهدافهم، بينما ينجح الآخرون بسهولة فائضة.
فصار نصيبهم من المؤن دوماً ضئيلاً، فيما الآخرين يتمتعون بالوفرة.
وكان المشهد يتكرر “آه، تحتاجون دواءً؟ لا بأس… يمكن أن نُقرضكم بعضًا من حصتنا، لكن… على أن يُسجل كدين.”
إنهم لا يتعرضون للإصابة أصلًا، فدواؤهم فائض دومًا، ثم يعيدونه إلى أطفال باسكال مقابل المزيد من الاستغلال.
وبوقاحة، كانوا يلقون عليهم بالمسؤولية، “ينبغي أن تصطادوا وحشًا خطيرًا هذا الشهر، الفصيل المستقل يحتاج إلى إنجازات ليلقى دعم القيادة،هل تريدون العودة إلى التسكع في الخرائب جياعًا؟ أظهروا جدارتكم، أنتم باسكال، أليس كذلك؟”
كل تقارير الفصيل للقيادة كانت تُصنع بدماء وأجساد أطفال باسكال، بينما يقطف آخرون الثمار.
“ابذلوا جهدًا أكبر، هكذا ستنالون أكثر.”
“إن عجزتم عن بلوغ الهدف، فذلك شأنكم، نحن أنجزنا مهماتنا، وبالتالي هذا طبيعي.”
مرّ شهران على انضمام ريتا ورفاقها، حتى قال جيد بنبرة مشحونة بالغضب.
“هذا ليس طبيعيًا، أليس كذلك، ريتا؟”
هزت رأسها ببطء، عيناها متقدتان بحنقٍ مكتوم.
“إنهم يتظاهرون باللطف، لكنهم في حقيقتهم أشد سوءًا من فصيلنا السابق… كل ما فيه مشقة وخطر يُلقونه علينا فقط، لأننا أقوياء، ثم ينهبون حصادنا.”
هكذا اتفقوا على الرحيل، ليس وحدهم، بل مع بقية أطفال باسكال المستَعبدِين في هذا الفصيل.
لكن أصواتًا أخرى علت مترددة.
“وإلى أين سنذهب؟ بقية الفصائل أشد قسوة، بعضها لا يعترف حتى بإنسانيتنا كباسكال.”
“على الأقل هنا نُعطى أجرًا ضئيلاً ونصيبًا من المؤن، وإن كان ناقصًا.”
“قد نموت جوعًا لو رفضنا المهام، لكن على الأقل يُسمح لنا بالرفض أحيانًا… أنا كدت أفقد حياتي في فصيلي السابق.”
في تلك اللحظة تكلمت سيرا، أكبرهم سنًا، وهي لم تتجاوز التاسعة عشرة.
“مللت من أن أملك دواءً ولا أستطيع استخدامه لأن حصتنا نُهبت! أيتها الثعلبة الصغيرة، أيها النسر الأعور، لو ذهبت معكما فلن يمنعني أحد من معالجة رفاقي… صحيح؟”
أما إيس، فتمتم بعينين تلمعان بالحنين.
“كنت قد أنبتت زهرة صغيرة في أصيص بعد جهد طويل… لكنهم أخذوا الماء والسماد بدعوى أنهما ملكية مشتركة، فذبلت الزهرة وماتت، يقولون إن الأزهار ترف لا نحتاجه… ربما… لكني أريد أن أزرع، لو ذهبت معكم، هل أستطيع؟”
حينها، قالت ريتا بهدوء حاسم. “كل شيء ممكن إن كنا وحدنا، لن ينهب أحد ما نكسبه، وستكف المؤن وحدها عن كونها مشكلة، ليس علينا أن نبحث عن مكان نلجأ إليه… بل نصنعه نحن.”
“إنشاء فصيل مستقل أمر ممكن، لكن أن يعترف بنا مركز القيادة… هذا ضرب من الجنون، نحن قُصَّر، بلا سجلات ميلاد، بلا حقوق مواطنة، سيشترطون وجود ضامن راشد حتمًا.”
وأضافت بمرارة. “وفوق ذلك، نحن هاربون، أطلقنا النار على قائد فصيلنا السابق، وهذا بحد ذاته وصمة، فصيل غير معترف به لن يختلف عن عصابة لصوص! أتعلمون لماذا عالق الجميع في هذا المستنقع؟ لهذا السبب تحديدًا!”
لكن جيد لم يتزعزع، بل أخرج دفترًا صغيرًا من جيبه.
“لقد حصلت على شيء مهم طوال وجودي هنا…”
فتح الدفتر، لتظهر صفحاته مليئة بأسماء ومعلومات.
“هذه قائمة بجهات الاتصال في المدينة، شركات تتاجر مع الفصائل… ومن بينها تجار سلاح وسوق سوداء.”
صُعق الجميع.
“قائمة كهذه؟ مستحيل… كان القائد يخفيها كروحه! حتى تجار السوق السوداء؟ لا تقل إنك—”
قاطَعهم جيد بابتسامة ملتوية.
“ضامن من الراشدين؟ يمكننا شراؤه، المال؟ نجمعه من بيع غنائم الوحوش، هاربون؟ القيادة لا تبالي بمن ينتمي لأي فصيل، المهم عندهم هو الإنجاز.”
فتح عينه الوحيدة المتبقية، والشرر يتطاير منها، ثم قال.
“فكِّروا معي… كيف تحبون أن يكون فصيلنا الجديد؟”
لم يستطع معظم الأطفال مجاراة حجم خياله، إلا ريتا، صاحبة البذرة الأولى لهذا الحلم، فأجابت فورًا.
“أريده أن يكون منارة… مكانًا يستدل به أطفال باسكال الذين لا يملكون ملجأ، كمنارة وسط الضباب.”
وهكذا وُلدت ملامح فصيل جديد، سُمِّي لاحقًا. “المنارة – بيكون”.
لكن الخروج من فصيل فير لم يكن سهلًا.
لم يرحب أحد بهروب عبيدهم الذين اعتادوا على استغلالهم، أما الأطفال فقد كان معظمهم قد استأنس بالقسوة حتى صار عاجزًا عن المقاومة.
وبعد جدال طويل، تبلور أخيرًا مخطط للهرب.
إلا أن الخيانة داهمتهم في اللحظة الأخيرة، أحد أطفال باسكال وشى بهم إلى القائد.
استشاط القائد غضبًا، وأمسك بعنق أولي التي كانت مثخن الجراح، ثم صرخ.
“لتعيدوا قسمكم من جديد! أقسموا أن تكرسوا حياتكم لفصيل فير! عندها فقط سأصفح عنكم!”
لكن إعادة القسم كانت أمرًا نادرًا ومخيفًا، إذ قد يؤدي الخطأ فيها إلى إتلاف من يجرؤ عليها إلى الأبد.
حينها، كانت ريتا إلى جانب سيرا، مقيدة بالسلاسل، وعينا الفتاة تومضان برسالة صامتة.
همست بصوت لا يكاد يُسمع.
“سأتظاهر بفسخ قسمي… وأفجِّر الأود في تلك اللحظة… أنقذهم، جيد.”
تجمد جيد مكانه، مذهولًا.
“ماذا؟ ماذا ستفجرين؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 26"